صفحة 1 من 1

المشاركة السياسية والفعالية السياسية

مرسل: الجمعة يوليو 13, 2012 12:16 pm
بواسطة محمد ملفي ٣٦
المشاركة السياسية والفعالية السياسية .
الباحث المغربي خالد ابن ادريس(باحث في العلوم السياسية)


حينما نتحدث عن المواطنين المشاركين في الحياة السياسية، فإننا نقصد بهم بالدرجة الأولى أولئك الذين يتصفون بالنشاط والفعالية، ويشتركون في العمل السياسي والاجتماعي العام وينضمون إلى الأحزاب السياسية والتنظيمات النقابية والطلابية، ويخصصون جزءا من وقتهم للاهتمام بالقضايا والمشكلات المتعلقة بالشأن العام لمجتمعهم .
يعرف كل من ألموند وباول الفعالية السياسية بأنها " قدرة المحكومين في نظام سياسي على ممارسة نفوذهم للتأثير على الحكام عند اتخاذهم القرار السياسي "، ويصفها دافيد إيستون بكونها " تمثل قوى التأثير والضغط المنتشرة في مختلف المواقع قي الدولة، وهي التي يعتمد عليها النظام تلقائيا في الأحوال العادية، والتي تكون فيها توقعات الأفراد متسقة مع طبيعة الأدوار السياسية التي يقومون بها، أما في الأحوال غير العادية والتي تبدو فيها المشاركة الشعبية مجرد وهم، حين يعجز صانع القرار السياسي عن مواجهة المطالب السياسية الملحة، فيكون الضغط هو الأسلوب الرئيسي الذي يستخدمه المحكومون لممارسة نفوذهم وتأثيرهم على الحكام " .
أما ألموند وفيربا فقد قاما كذلك بالتطرق إلى مفهوم " الفعالية السياسية "، من خلال تقديمهما لمفهومي " الكفاءة الشخصية " و " الكفاءة الإدارية "على الشكل التالي :
1 – " الكفاءة الشخصية " : يقصدان بها الثقة بالنفس إذ أن المواطن المشارك هو الذي يثق في نفسه .
2 – " الكفاءة الإدارية " : ويقصدان بها الكفاءة السياسية وهي ذات بعدين أساسيين، البعد الأول يتمثل في ضرورة توافر الإرادة السياسية اللازمة للحركة، أما البعد الثاني فيتمثل في الشعور بالفاعلية، ويعتمد كلا البعدين على مدى استجابة الحكومة وحساسيتها بالنسبة للمواطن(1). وفي دراسة قام بها " جويتون " عام 1988 حول علاقة المشاركة السياسية بالتفكير الناقد، فقد أوضحت نتائج هذه الدراسة أن التفكير الناقـد له آثـار إيجابية غير مباشرة على الاتجاه نحو المشاركة السياسية، كمـا أن له آثار إيجابية على كل من عنصري : التحكم الشخصي والكفاءة السياسية .
كما يؤكد روبرت أ.دال على وجود علاقة قوية بين ثقة الفرد في أن ما يقوم به لـه دلالة من جانب، ومدى انخراطه في السياسة من جانب آخر، ويستنتج بالتالي مدى تأثير الفعالية السياسية على المشاركة السياسية، حيث أنه كلما ضعف لدى الفرد " الإٍحساس بالفعالية السياسية "، كلما قل احتمال أن يكون منخرطا في العمل السياسي(2) .
ويقوم مولر Muller بمحاولة أخرى من أجل تنمية مفهوم " الكفاءة السياسية "، حيث قام بتحديدها في ثلاثة عناصر :
1 – الشعور العام بأن الحكومة لديها الحساسية بالنسبة للمواطن، أي أنها سريعة الاستجابة لمطالبه .
2 – وجود المهارات اللازمة للسلوك السياسي الفعال .
3 – الشعور بالثقة في النفس في قدرة الفرد على التأثير في القرارات الحكومية المؤثرة .
ويؤكد دي بالما Di Palma على أن مفهوم " الكفاءة السياسية " ما هو في حقيقته إلا " محاولة لتقييم الفرد لمهاراته وموارده السياسية، والفعالية التي يعمل بها ويفهم بها السياسة، بل أيضا اعتقاده في تنفيذ النظام السياسي " .
كما أوضحت العديد من البحوث الأمبريقية على وجود علاقة عكسية بين ذوي الثقة الشخصية والمشاركة، كما أن هذا الشعور بالثقة الشخصية لا ينمو من فراغ، وإنما هو محصلة لنتيجة الوعي والاهتمام السياسيين والتمسك بالقيم الديمقراطية. إلا أن أهم العقبات أمام المشاركة السياسية كما يوضح ذلك روزنبرغ Rosenberg تتجلى في شعور المواطن بأنها غير مجدية، فكثير من المواطنين يشعرون بعدم الفعالية الشخصية خاصة " في المجتمعات التي تتسم بالتفاوت فيما بينها في السلطة، نجد بأن الفرد يميل إلى خلق شعور بعدم الأهمية الشخصية والضعف الشخصي "(3) .
فالفرد حينما يشارك في الحياة السياسية يعتقد بأن هذه المشاركة – إذا كانت فعالة – هي وليدة نفسيته بتكوينها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، فالمشاركة بهذا المعنى تفيد بأن هناك فعالية سياسية وليدة تجربة الفرد في تعامله اليومي مع السياسة محورها قوة الأنا وديناميكيتها. وبخصوص هذه النقطة فإن نتائج البحوث المسحية تؤكد على أن " الفعالية السياسية هي نتاج تفاعل بين التعليم والأنا "، فكلما زادت درجة التعليم كلما قويت أسس الأنا وزاد احتمال مشاركة الفرد في الحياة السياسية بشكل أفضل وفعال، بخلاف المشاركة السياسية للفرد ذي المستوى التعليمي المنخفض أو الأمي، الذي يحدد اختياراته السياسية وفقا لمعايير ذاتية(4). فقياس الفعالية السياسية إذن يمكن أن يتم عن طريق قياس كفاءة الفرد في إلمامه بالعملية السياسية ومجرياتها(5) .
نخلص إلى نتيجة مؤداها أنه كلما قوي الانخراط النفسي للفرد في الحياة السياسية، كلما كان أكثر مشاركة فيها، الشيء الذي يجعله يعبر عن هويته السياسية أكثر، هذه الهوية لا تتطلب توافر الحد الأدنى من الاهتمام السياسي، وإنما تتطلب أيضا ارتفاع درجة الوعي السياسي للفرد .
الهوامش:
1) مذكور في : سعد إبراهيم جمعة " الشباب والمشاركة السياسية "، م . س، ص : 44 .
(2) روبرت أ. دال " التحليل السياسي الحديث "، م . س، ص : 133 .
3) سعد إبراهيم جمعة، م . س، ص : 45 - 46 .
(4 Campbell . Converse . Miller et stokes " the American voter " Johan Wiley and sons . U S A second edition 1964 P : 517 .
- مذكور في : سويم العزي " المفاهيم السياسية المعاصرة ... "، م . س، ص : 175 – 176 .
(5) عبد المطلب أحمد " المشاركة السياسية في مصر "، رسالة دكتوراه غير منشورة، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة 1979، ص : 392 .