- الأحد يوليو 15, 2012 12:57 pm
#52595
مقدمة
تسترشد نظريات الاختيار العقلاني بالافتراض الذي يقول أن البشر عقلانيون ويبنون أفعالهم علي ما يرون انه أكثر الوسائل فعالية لتحقيق أهدافهم. في عالم نادر الموارد فان ذلك يعني الوزن المستمر لخيارات الوسائل في مقابل خيارات الغايات ثم الاختيار من بينها ومن هنا جاء المصطلح الاختيار العقلاني.
هذا النوع من النظريات مرتبط في الغالب بعلم الاقتصاد ويمكن التعبير عن هذا المنظور بالملاحظة العادية " هناك ثمن لكل شيء ولكل شيء ثمنه". هذا لا يعني أن قضايا الاقتصاد التقليدية مثل الإنتاج والتوظيف وبيع البضائع هي الحقائق الوحيدة والمهمة لتفسير السلوك الاجتماعي. بالأحرى يقترح منظرو الاختيار العقلاني أن أفضل طريقة لفهم الكثير من سلوك الناس تجاه بعضهم البعض هي أن ننظر لأولئك الناس علي أنهم متخذي قرار عقلانيين في عالم يتميز بالندرة.
بالإمكان عرض مثال لكيفية عمل هذا التوجه النظري عندما ندرس ارتفاع معدلات الطلاق في الولايات المتحدة الأمريكية في السنوات الأخيرة. اقترح الدارسون للموضوع عددا من المؤثرات الممكنة مثل الوفرة، مدفوعات الضمان الاجتماعي، التغير في القيم الأخلاقية والتغيرات القانونية التي جعلت الطلاق أكثر سهولة. علماء الاجتماع الذين يستخدمون منظور الاختيار العقلاني يبدؤون من الحقيقة المهمة أن كل حالات الطلاق تشتمل علي أفراد يتخذون خيارات حول هل يبقون متزوجين أم لا. وبعد ذلك يتساءل هؤلاء العلماء عن ما الذي يجعل الناس وبأعداد متزايدة عن ما كان سائدا في السابق يختارون الطلاق.
John Scanzoni جون سكانزوني مثلا استخدم هذا المدخل(نظرية الاختيار العقلاني) ليبرهن أن الاقتصاد الحضري، ارتفاع الأجور، والفرص الوظيفية المتزايدة للنساء عوامل حاسمة لأنها جعلت من الطلاق خيارا ممكنا ماليا ويمكن للنساء استخدامه وبأعداد متزايدة. بالإمكان أن ندرك ما قصده سكانزوني إذا تخلينا امرأتين في أواخر الثلاثينيات من العمر، الأولي زوجة فلاح في القرن التاسع عشر والثانية امرأة معاصرة في لوس أنجلس أو باريس. الأولي هي في الغالب مقيدة للبقاء مع زوجها حتي لو كان سكيرا وعنيفا. لا وجود لوظائف في محيطها لامرأة عازبة واحدة فما بالك بامرأة مطلقة ومعها أطفالها.
علي النقيض من ذلك نجد أن المرأة المعاصرة لها خبرات، في مجال السكرتارية علي الأقل، وبإمكانها الحصول علي وظيفة وإيجار شقة صغيرة وتقوم بالصرف من مرتبها وحده علي نفسها وأطفالها. إذا وجدت أن علاقتها مع زوجها غير مقنعة لها دع عنك أنه يسيء معاملتها باستمرار، يكون الطلاق بالنسبة لها خيارا جاذبا. وربما يخطر ببالك الآن بعض الذين تعرفهم ممن اختاروا الطلاق.
يتناول منظرو الاتجاه العقلاني الطلاق وقرار الزواج أو عدمه ونطاق واسع من السلوك الاجتماعي في إطار من خيارات الناس والاعتبارات التي تتضمنها تلك الاختيارات.
أفضل النماذج النظرية لمدخل الاختيار العقلاني في علم الاجتماع هي تلك التي ارتبطت بنظرية التبادل الاجتماعي. منظرو التبادل الاجتماعي يرون أن التفاعل الاجتماعي تبادل لسلع ملموسة وغير ملموسة تبدأ من الغذاء والمسكن وتمتد إلي القبول الاجتماعي والتعاطف. ويختار الناس المشاركة أو عدم المشاركة في التبادل بعد أن يدرسوا تكلفة ومكافأة خيارات الأفعال ثم يختارون الأكثر جاذبية.
أفضل الأعمال المعروفة في نظرية التبادل الاجتماعي كتبت في الستينيات من القرن الماضين بعد ذلك ولعدة سنوات تضائل الاهتمام بمنظور الاختيار العقلاني بين علماء الاجتماع. لكن في علوم أخري حدث العكس حيث زاد الاهتمام بمنظور التبادل الاجتماعي الذي اثبت انه مدخل مفيد لتلك العلوم في تناول موضوعاتها مثل العلوم السياسية وعلم النفس الاجتماعي. وربما بسبب النجاحات التي حققها منظور الاختيار العقلاني في العلوم الأخرى بدا الاهتمام به يتجدد بين علماء الاجتماع منذ حقبة التسعينيات من القرن الماضي.
الجذور الفكرية لنظرية التبادل الاجتماعي:
تركيز نظرية التبادل الاجتماعي علي عقلانية الناس يبدي تشابها شديدا مع نظرة العديد من مفكري القرن التاسع عشر. القرن التاسع عشر كان فترة شدد فيها العديد من الفلاسفة علي نشاط الفرد ومقدرته علي الاختيار. فلاسفة مذهب المنفعة مثلا وصفوا البشر بأنهم ذاتيون، يبحثون عن الملذات، يكرهون الألم ويسعون وراء رغباتهم. كما أوضحوا أيضا أن السلوك أخلاقي بناءا علي المنفعة التي يهبها للأفراد. علم الاقتصاد بني علي أعمال ادم سميث واحتفظ بتأكيده علي فهم النشاط الاقتصادي كنتيجة لما لا يعد ولا يحصي من اختيارات الأفراد و قراراتهم.
علي العكس من ذلك نجد أن علماء الاجتماع الأوائل ابدوا القليل من الاهتمام بمنظور التبادل. الاستثناء الوحيد والأساسي هو (1858-1918) George Simmle جورج سيمل الذي كان مهتما بتحديد خصائص عامة للسلوك الإنساني. لقد كان مهتما بشكل خاص بكيف ولماذا ينتقل الناس من العزلة إلي أشكال الاتصال المتنوعة مع بعضهم البعض. مثل منظري التبادل الاجتماعي المعاصرين حاول سيمل أن يبرهن أن الدافع للتفاعل هو إشباع الاحتياجات والسعي وراء الأهداف الفردية. إضافة إلي ذلك اقترح سيمل انه علي الرغم من أن المقابل الذي يحصل عليه الناس قد لا يكون متساويا فان تفاعلاتهم دائما ما تتميز بنوع من التبادلية لذلك ينبغي أن ينظر إليها كنوع من التبادل.
ومع ذلك فان مفهوم سيمل عن التفاعل كتبادل لم يطور ويستخدم كثيرا بواسطة الأجيال اللاحقة من علماء الاجتماع. التأثير الفكري الأساسي علي علماء الاجتماع الذين تبنوا منظور الاختيار العقلاني جاء من علوم اجتماعية أخري مثل الانثروبولوجيا، الاقتصاد، علم النفس ومؤخرا العلوم السياسية.
الانثروبولوجيا وأهمية الهدية:
العديد من كبار انثروبولوجي القرن العشرين اهتموا بالدور المركزي الذي يلعبه التبادل في الحياة الاجتماعية. احد أهم هؤلاء الانثروبولوجين هو Bronislaw Malinoski(1884-1942) بورنيسلاو مالينوسكي الذي امضي سنوات عديدة بين شعب جزيرة توربياند احدي الجزر الميلانيزية وقد خلص إلي أن العلاقات التبادلية تمثل أساس التماسك الاجتماعي.
تسترشد نظريات الاختيار العقلاني بالافتراض الذي يقول أن البشر عقلانيون ويبنون أفعالهم علي ما يرون انه أكثر الوسائل فعالية لتحقيق أهدافهم. في عالم نادر الموارد فان ذلك يعني الوزن المستمر لخيارات الوسائل في مقابل خيارات الغايات ثم الاختيار من بينها ومن هنا جاء المصطلح الاختيار العقلاني.
هذا النوع من النظريات مرتبط في الغالب بعلم الاقتصاد ويمكن التعبير عن هذا المنظور بالملاحظة العادية " هناك ثمن لكل شيء ولكل شيء ثمنه". هذا لا يعني أن قضايا الاقتصاد التقليدية مثل الإنتاج والتوظيف وبيع البضائع هي الحقائق الوحيدة والمهمة لتفسير السلوك الاجتماعي. بالأحرى يقترح منظرو الاختيار العقلاني أن أفضل طريقة لفهم الكثير من سلوك الناس تجاه بعضهم البعض هي أن ننظر لأولئك الناس علي أنهم متخذي قرار عقلانيين في عالم يتميز بالندرة.
بالإمكان عرض مثال لكيفية عمل هذا التوجه النظري عندما ندرس ارتفاع معدلات الطلاق في الولايات المتحدة الأمريكية في السنوات الأخيرة. اقترح الدارسون للموضوع عددا من المؤثرات الممكنة مثل الوفرة، مدفوعات الضمان الاجتماعي، التغير في القيم الأخلاقية والتغيرات القانونية التي جعلت الطلاق أكثر سهولة. علماء الاجتماع الذين يستخدمون منظور الاختيار العقلاني يبدؤون من الحقيقة المهمة أن كل حالات الطلاق تشتمل علي أفراد يتخذون خيارات حول هل يبقون متزوجين أم لا. وبعد ذلك يتساءل هؤلاء العلماء عن ما الذي يجعل الناس وبأعداد متزايدة عن ما كان سائدا في السابق يختارون الطلاق.
John Scanzoni جون سكانزوني مثلا استخدم هذا المدخل(نظرية الاختيار العقلاني) ليبرهن أن الاقتصاد الحضري، ارتفاع الأجور، والفرص الوظيفية المتزايدة للنساء عوامل حاسمة لأنها جعلت من الطلاق خيارا ممكنا ماليا ويمكن للنساء استخدامه وبأعداد متزايدة. بالإمكان أن ندرك ما قصده سكانزوني إذا تخلينا امرأتين في أواخر الثلاثينيات من العمر، الأولي زوجة فلاح في القرن التاسع عشر والثانية امرأة معاصرة في لوس أنجلس أو باريس. الأولي هي في الغالب مقيدة للبقاء مع زوجها حتي لو كان سكيرا وعنيفا. لا وجود لوظائف في محيطها لامرأة عازبة واحدة فما بالك بامرأة مطلقة ومعها أطفالها.
علي النقيض من ذلك نجد أن المرأة المعاصرة لها خبرات، في مجال السكرتارية علي الأقل، وبإمكانها الحصول علي وظيفة وإيجار شقة صغيرة وتقوم بالصرف من مرتبها وحده علي نفسها وأطفالها. إذا وجدت أن علاقتها مع زوجها غير مقنعة لها دع عنك أنه يسيء معاملتها باستمرار، يكون الطلاق بالنسبة لها خيارا جاذبا. وربما يخطر ببالك الآن بعض الذين تعرفهم ممن اختاروا الطلاق.
يتناول منظرو الاتجاه العقلاني الطلاق وقرار الزواج أو عدمه ونطاق واسع من السلوك الاجتماعي في إطار من خيارات الناس والاعتبارات التي تتضمنها تلك الاختيارات.
أفضل النماذج النظرية لمدخل الاختيار العقلاني في علم الاجتماع هي تلك التي ارتبطت بنظرية التبادل الاجتماعي. منظرو التبادل الاجتماعي يرون أن التفاعل الاجتماعي تبادل لسلع ملموسة وغير ملموسة تبدأ من الغذاء والمسكن وتمتد إلي القبول الاجتماعي والتعاطف. ويختار الناس المشاركة أو عدم المشاركة في التبادل بعد أن يدرسوا تكلفة ومكافأة خيارات الأفعال ثم يختارون الأكثر جاذبية.
أفضل الأعمال المعروفة في نظرية التبادل الاجتماعي كتبت في الستينيات من القرن الماضين بعد ذلك ولعدة سنوات تضائل الاهتمام بمنظور الاختيار العقلاني بين علماء الاجتماع. لكن في علوم أخري حدث العكس حيث زاد الاهتمام بمنظور التبادل الاجتماعي الذي اثبت انه مدخل مفيد لتلك العلوم في تناول موضوعاتها مثل العلوم السياسية وعلم النفس الاجتماعي. وربما بسبب النجاحات التي حققها منظور الاختيار العقلاني في العلوم الأخرى بدا الاهتمام به يتجدد بين علماء الاجتماع منذ حقبة التسعينيات من القرن الماضي.
الجذور الفكرية لنظرية التبادل الاجتماعي:
تركيز نظرية التبادل الاجتماعي علي عقلانية الناس يبدي تشابها شديدا مع نظرة العديد من مفكري القرن التاسع عشر. القرن التاسع عشر كان فترة شدد فيها العديد من الفلاسفة علي نشاط الفرد ومقدرته علي الاختيار. فلاسفة مذهب المنفعة مثلا وصفوا البشر بأنهم ذاتيون، يبحثون عن الملذات، يكرهون الألم ويسعون وراء رغباتهم. كما أوضحوا أيضا أن السلوك أخلاقي بناءا علي المنفعة التي يهبها للأفراد. علم الاقتصاد بني علي أعمال ادم سميث واحتفظ بتأكيده علي فهم النشاط الاقتصادي كنتيجة لما لا يعد ولا يحصي من اختيارات الأفراد و قراراتهم.
علي العكس من ذلك نجد أن علماء الاجتماع الأوائل ابدوا القليل من الاهتمام بمنظور التبادل. الاستثناء الوحيد والأساسي هو (1858-1918) George Simmle جورج سيمل الذي كان مهتما بتحديد خصائص عامة للسلوك الإنساني. لقد كان مهتما بشكل خاص بكيف ولماذا ينتقل الناس من العزلة إلي أشكال الاتصال المتنوعة مع بعضهم البعض. مثل منظري التبادل الاجتماعي المعاصرين حاول سيمل أن يبرهن أن الدافع للتفاعل هو إشباع الاحتياجات والسعي وراء الأهداف الفردية. إضافة إلي ذلك اقترح سيمل انه علي الرغم من أن المقابل الذي يحصل عليه الناس قد لا يكون متساويا فان تفاعلاتهم دائما ما تتميز بنوع من التبادلية لذلك ينبغي أن ينظر إليها كنوع من التبادل.
ومع ذلك فان مفهوم سيمل عن التفاعل كتبادل لم يطور ويستخدم كثيرا بواسطة الأجيال اللاحقة من علماء الاجتماع. التأثير الفكري الأساسي علي علماء الاجتماع الذين تبنوا منظور الاختيار العقلاني جاء من علوم اجتماعية أخري مثل الانثروبولوجيا، الاقتصاد، علم النفس ومؤخرا العلوم السياسية.
الانثروبولوجيا وأهمية الهدية:
العديد من كبار انثروبولوجي القرن العشرين اهتموا بالدور المركزي الذي يلعبه التبادل في الحياة الاجتماعية. احد أهم هؤلاء الانثروبولوجين هو Bronislaw Malinoski(1884-1942) بورنيسلاو مالينوسكي الذي امضي سنوات عديدة بين شعب جزيرة توربياند احدي الجزر الميلانيزية وقد خلص إلي أن العلاقات التبادلية تمثل أساس التماسك الاجتماعي.