صفحة 1 من 1

مبادئ الحكم الرشيد

مرسل: الأحد يوليو 15, 2012 1:04 pm
بواسطة خالد المطيري 313
إن الدخول في العولمة بفعالية على قاعدة التأثير والتأثر المتبادل يتطلب قيام الحكم السياسي على مبادئ التشاركية، واحترام خيارات الشعب، في إطار من التنظيم المؤسساتي، والانضباط، وحكم القانون. يطلق عادة على الحكم السياسي الذي يسترشد بهذه المبادئ باسم "الحكم الرشيد"، وتسمى العملية اختصارا باسم "الحوكمة". بكلام أخر الحكم الرشيد هو الحكم الذي يحترم حقوق الإنسان ويعطيها طابعا عالميا أكثر فأكثر. وهذا الاحترام لا يكون في ظل الفساد والإفساد المعممين، وفي غياب المؤسسات الحكومية الديمقراطية، والسلطة القضائية غير المستقلة، وعدم ضمان حرية التعبير، والصحافة، والتنظيم السياسي والنقابي.
تعود بعض مبادئ الحكم الرشيد إلى العهد الإغريقي القديم، حيث قام النظام السياسي، رغم ضيق قاعدته الاجتماعية، على بعض مبادئ الديمقراطية. وفي القرن الرابع عشر حاول الرسام الإيطالي أمبروجيو لورينزيتي التعبير عنه من خلال جداريتين رسمهما في بلدية مدينة سيين الإيطالية، تصور الأولى الحكم الرشيد، وتصور الثانية الحكم الفاسد من خلال شخصيات رمزية. في الجدارية الأولى نرى العدالة(جوستيتيا) جالسة توازن الميزان، أما في الجدارية الثانية، فنرى شخصية الطاغية(تيرانيا) جالسة فوق جسد العدالة، وبجانبها شظايا الميزان المحطم. لقد أراد الرسام أن يقول إن جوهر الحكم الرشيد هو العدالة، في حين أن جوهر الحكم الفاسد هو الظلم.
في العصر الحديث تطورت مبادئ الحكم الرشيد من خلال تجارب البلدان الديمقراطية في جميع مناطق العالم، ولم تكن حكرا على التجربة الأمريكية كما ادعت بذلك بولا دوبريانسكي، وكيلة وزارة الخارجية الأمريكية للشؤون العالمية. وتشكل هذه المبادئ بمعنى معين خلاصة التجرية الإنسانية في مجال الحكم السياسي، وتؤشر في الوقت ذاته على مدى كفاءته. ومع أن هذه المبادئ تحوز في الوقت الراهن على اعتراف كبير على الصعيد العالمي، خصوصا في الدول الديمقراطية، إلا أنها لا تزال غير مستقرة، ويجادل بها كثيرون من أنصار الحكم الفردي أو الطغموي، خصوصا في البلدان الإسلامية ومنها بطبيعة الحال بلداننا العربية.
تتوزع هذه المبادئ على جوانب عديدة من جوانب الحياة السياسية، بعضها يتعلق بالمشاركة، وبعضها يتعلق بالتشريع، وفئة ثالثة منها تتعلق بالانتخابات، وهكذا دواليك لتغطي جميع هذه الجوانب. سوف نحاول استعراض هذه المبادئ ليصار لاحقا لمعرفة كيفية ظهورها في الحياة السياسية العربية.
1
الحكم الرشيد -المشاركة.
المشاركة تعني أن يكون لكل فرد دور ورأي في صنع القرارات التي تؤثر في حياته، سواء بصورة مباشرة، أو عبر مؤسسات أو منظمات وسيطة يجيزها القانون. بهذا المعنى يعتبر مفهوم المشاركة شديد الارتباط بالمجتمع الديمقراطي، وقد تم إدخاله بدلالته هذه كمكون أساسي من مكونات التنمية البشرية التي يتبناها ويسعى إلى تحقيقها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. باستخدامه لمفهوم المشاركة، يركز برنامج الأمم المتحدة للتنمية البشرية على ثلاث مكونات رئيسة له هي: تنمية الإنسان، والتنمية لأجل الإنسان، والتنمية بالإنسان.
يركز المكون الأول على إعداد الإنسان القادر والكفء والسليم للمشاركة في جميع مناحي الحياة بفعالية ونشاط.
أما التنمية لأجل الإنسان فتعني حق كل فرد في الحصول على حصة عادلة من خيرات التنمية، وتأمين الفرص والأطر التنظيمية والإدارية للحصول عليها.
من جهتها التنمية بالإنسان فتعني تأمين الفرص وإتاحتها لجميع أفراد المجتمع للمساهمة في تنميته وتطويره.
وإذا كانت تنمية الإنسان لا تشكل من حيث المبدأ موضوعا خلافياً لدى صانعي السياسات التنموية، من حيث ضرورتها للتنمية، خصوصا في ظروف الثورة العلمية والتكنولوجية الراهنة، حيث يشكل الإنسان أداة التنمية الأول، فإن مفهوم التنمية من أجل الإنسان تظل خاضعة للتقسيمات الطبقية والفئوية في المجتمع المعني، وقدرتها على التأثير في مسارات التنمية وتوجهاتها. من هذه الناحية يشهد المجتمع المعاصر استقطابا حادا بين من يستحوذون على النصيب الأكبر من نتائج التنمية بحكم تمكنهم الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، وبين الأغلبية الساحقة من الشعوب في العالم التي لا تحصل سوى على الفتات.
ما يثير الجدل كثيرا هو التنمية بالإنسان خصوصا لجهة تمكينه اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا بحيث يستطيع التأثير على الأداء الاقتصادي والاجتماعي للمجتمع، وهو التأثير الذي لا تكون التنمية بدونه حسب برنامج الأمم المتحدة للتنمية. فالمشاركة هنا هي وسيلة وغاية في الآن ذاته، يمكن ممارستها بصورة فردية عبر القيام بنشاطات سياسية أو اقتصادية مختلفة. غير انه يبقى الشكل الأفضل للمشاركة هو عبر إنشاء المنظمات المجتمعية المختلفة التي يمكن أن تنشأ على أساس اقتصادي أو نقابي أو سياسي وحتى أثني. المهم في الأمر هو تامين مستويات مرتفعة من المشاركة بحيث يبدع الناس من خلالها ويفجرون طاقاتهم، ويشعرون بالرضا عما يقومون به في النهاية. فالشعور بالانجاز يشكل حافزا قويا على مواصلته واستمراره.
" إن المجتمع القائم على المشاركة شرط مسبق للتنمية في عالم اليوم. فالمشاركة تمكن المجتمع من الاستخدام الأمثل لطاقات وقدرات أفراده وجماعاته المنظمة. فهي تدعو إلى إعطاء دور أكبر للمجتمع المدني، وتوجب تطبيق اللامركزية على صعيد الإدارة العامة أو الحكومية، وتمكن المواطنين من المشاركة في بنية السلطة ومن التأثير على السياسات الاجتماعية. وأخيرا تحرر المشاركة قدرات المرأة وتفسح المجال أمام تنمية النوع الاجتماعي"(من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي) [يتبع]






















2
الحكم الرشيد-المشاركة
منذر خدام
لا يقوم الحكم الرشيد إلا بالمشاركة، فهي أحد مبادئه الأساسية، وهي من العلامات الدالة على رشاده، وفي الوقت ذاته مؤشر على مدى كفاءته. بدورها المشاركة لا تكون إلا بوجود المجتمع المدني، وبدورية الانتخابات،وتمكين المرأة، والتشريع والإدارة المحلية..الخ.
إن فكرة وجود المجتمع المدني، بما هي فكرة تركز على ممارسة المجتمع لأدوار اجتماعية وسياسية واقتصادية خارج سلطة الحكومة ودفاعا عن مصالح فئاته، ارتبطت تاريخيا بتطور الحياة السياسية في البلدان الرأسمالية المتقدمة، غير أن بعض مظاهر المجتمع المدني يمكن مشاهدتها في أزمان سابقة كثيرا على المجتمعات الرأسمالية، من خلال اتحادات الحرفيين المستقلة عن السلطات الحكومية وفي بعض التنظيمات الأهلية.
يضم المجتمع المدني في دلالته الراهنة جملة من المنظمات والجمعيات النقابية، والحرفية والصناعية، والزراعية، وجمعيات المهن الحرة، ومنظمات أهلية و منظمات غير حكومية، وكذلك الأحزاب السياسية..الخ.
إن وجود المجتمع المدني ومستوى تمكين منظماته مؤشر بالغ الأهمية على الحكم الرشيد. فمنظمات المجتمع المدني تعزز من المشاركة في الشؤون العامة، وترفع من درجة شفافية النظام السياسي، وتقوي من حكم القانون والمساءلة. أضف إلى ذلك يمكن لمنظمات المجتمع المدني المساهمة في صنع السياسات وحماية حقوق أعضائها وتقديم الخدمات المختلفة لهم.
بدورها تعتبر دورية الانتخابات من اجل تجديد القيادات ركنا أساسيا من الديمقراطية، ومؤشرا على مدى رشاد الحكم السياسي. غير أن اختيار نوع النظام الانتخابي وكيفية تنظيم الانتخابات تشكل مجالا واسعا للتلاعب بخيارات الناس، وتحد من مشاركتهم، وبالتالي تنتقص من درجة الرشاد في الحكم.
لقد أفرزت التجربة الديمقراطية نمازج عديدة من القوانين الانتخابية بعضها يعتمد النظام النسبي وبعضها يعتمد نظام الدوائر الانتخابية، هذا عداك عن نظام الاستفتاء الموجود في بعض الدول العربية.
يتطلب نظام الدوائر الانتخابية الفوز بأغلبية أصوات المشاركين في العملية الانتخابية فقط، وفي نسخة معدلة عنه يشترط الفوز بالأغلبية المطلقة من أصوات المسجلين في الدائرة الانتخابية.
أما النظام النسبي فهو يعتمد البلد بكامله دائرة انتخابية واحدة، يحصل كل فريق على حصة من المقاعد في دوائر التشريع المختلفة بحسب حصته من أصوات الناخبين. يطبق هذا النظام الانتخابي بأشكال عديدة منها نظام اللوائح الحزبية المغلقة أو المفتوحة، ونظام التصويت التراكمي أو نظام التحويل الفردي. وتشترط الدول التي تطبق هذه النظام شرط الحصول على حد أدنى من أصوات الناخبين للفوز بمقاعد نيابية.
إن المفاضلة بين نظام انتخابي وآخر يخضع لطبيعة السلطة السياسية القائمة، ومدى استعدادها لتقبل مشاركة أوسع للجمهور الانتخابي في العملية السياسية. مع ذلك يظل نظام التمثيل النسبي هو الأفضل من منظور الحكم الرشيد، لأنه يفسح في المجال لأوسع مشاركة شعبية ممكنة في العمليات الانتخابية، ولا يسمح كما في حال نظام الدوائر الانتخابية بتدخل المال السياسي في العملية الانتخابية، ويزيل الحاجة إلى تكرار العمليات الانتخابية. أضف إلى ذلك فإن الناخب هنا يحدد خياراته الانتخابية في ضوء البرامج السياسية والانتخابية للأحزاب، وليس استنادا إلى مزايا الشخص المرشح، أو موقعه الاعتباري.
ويبقى نظام الدوائر الانتخابية رغم مساوئه، الأسهل من حيث مراقبته وشفافيته، وفض المنازعات الناجمة عن المنافسة بين المرشحين. في بعض الدول يتم تطبيق نظام مشترك من النظامين أو تطبيق النظامين في الوقت ذاته، بحيث يتم مراعاة دور الفرد، ومزاياه، وموقعه الاعتباري، إلى جانب البرامج السياسية أو الانتخابية للقوى السياسية المنظمة في المجتمع.
من جهة أخرى فإن موضوع مشاركة المرأة وتمكينها في المجتمع من الموضوعات التي يتركز عليها النقاش حاليا من منظور التنمية وحاجاتها ومتطلباتها. ومع أن المقاربات المتعلقة بهذا الموضوع تختلف من بلد إلى آخر بحسب المنظومة الثقافية السائدة فيه ونظرتها للمرأة. في هذا المجال يمكن تمييز ثلاث مقاربات رئيسة: المقاربة الأولى وعنوانها " المرأة في التنمية". تشدد هذه المقاربة على ضرورة مشاركة المرأة في التنمية على قدم المساواة مع الرجل. هذا يعني أنه ينبغي على المشروعات التنموية أن تستهدف زيادة مشاركة المرأة فيها.
أما المقاربة الثانية والتي جاءت تحت عنوان " التنمية والمرأة" فإنها تنطلق من كون المرأة، بحسب تكوينها العضوي والنفسي تختلف عن الرجل، ولذلك ينبغي فرز المشروعات التنموية التي تلائم المرأة وتخصيصها بها. هنا يجري التشديد على قضايا الاقتصاد المنزلي وتحسين الخدمات العامة الخاصة بالنساء.
بدورها المقاربة الثالثة " الجندر والتنمية" فإنها تركز على دور التنمية في تحرير المرأة من القيود الاجتماعية الموروثة، وتوسيع مشاركتها في الحياة العامة. لهذا الغرض ينبغي إعداد برامج خاصة بالمرأة من حيث التعليم والصحة العامة والإنجابية، وتوسيع مشاركتها في النشاطات الاقتصادية..الخ
السمة الأخرى الرئيسة الدالة على المشاركة، وأحد مقاييس مستوى الرشاد في الحكم السياسي تتعلق بطبيعة النظام التشريعي الموجود في كل بلد.
في النظام الديمقراطي تعتبر الهيئة التشريعية من أساسات الحكم، فهي التي تسن القوانين والتشريعات، وتراقب عمل السلطة التنفيذية، وتعزز من الشفافية والمساءلة. ويتجاوز في كثير من الحالات دور الهيئة التشريعية المهام السابقة إلى تتبع تنفيذ السياسات والبرامج، والعمل وسط الناس والاستماع إلى مطالبهم وأرائهم ونقلها إلى المسؤولين، أو مساءلتهم عنها تحت قبة البرلمان. وبقدر ما تكون الهيئات التشريعية قريبة من الناس ومن قضاياهم بقدر ما تتوسع مشاركتهم في الحياة العامة، وتزداد فعاليتهم في التنمية.
تختلف كثيراً، من بلد لأخر، وظيفة الهيئة التشريعية، ومدى تمكينها وطريقة انتخابها، ففي بعض الدول لا تخرج عن كونها ديكورا للحكم بلا فعالية حقيقية، وفي بعضها الآخر تشكل المستوى الثاني في الحكم بصلاحيات واسعة بما فيها سحب الثقة من مسؤولي السلطة التنفيذية وإقالتهم، وفي حالات أخرى قد تتشارك في وظيفة التشريع مع رئيس الدولة. من حيث المبدأ كلما كانت الهيئة التشريعية منتخبة بصورة تمثيلية واسعة، تمارس وظيفتها في ضوء تفويض واسع وشامل في نطاق عملها الذي يحدده القانون، كلما دل ذلك على رشاد الحكم.
من جهة أخرى، لقد أفضت خبرة الدول الديمقراطية انه بقدر ما يتم توزيع المسؤوليات على مؤسسات الحكم المحلي، أو التنظيمات المدنية، بقدر ما تزداد فعالية وكفاءة الحكم. بكلام آخر تحولت الدعوة إلى اللامركزية في الحكم إلى دعوة عامة، وأصبحت إحدى مبادئ الحكم الرشيد. تقوم فكرة اللامركزية على نقل بعض مهام السلطة السياسية والسلطة التنفيذية إلى المستويات المحلية لإدارة المجتمع والدولة، وبذلك يتم تحقيق ثلاث فوائد رئيسة على الأقل: الفائدة الأولى وتتمثل في وضع مؤسسات الحكم في متناول الناس الذين تخدمهم، وبالتالي توسيع مشاركتهم فيها.
الفائدة الثانية تتمثل في مراعاة خصائص البيئات المحلية مما يزيد في كفاءة الحكم.
والفائدة الثالثة التقليل من العمليات والإجراءات البيروقراطية مما يقلل من تكاليف الحكم ويزيد في كفاءته.
تشير الأدبيات الخاصة بالتنظير لموضوع اللامركزية إلى أنها يمكن أن تتحقق عبر أربعة أشكال عامة وهي :
- التنازل ويعني نقل السلطة إلى حكومات محلية مستقلة ذاتيا أو شبه مستقلة.
- التفويض ويعني نقل بعض المسؤوليات الإدارية والخدمية إلى الحكومات والمؤسسات المحلية.
- عدم التركيز ويعني توكيل تنفيذ البرامج الوطنية إلى الفروع الأدنى من أجهزة الحكومة.
- التجريد ويعني نقل الخدمات وإدارة المؤسسات الحكومية إلى الشركات والمؤسسات الخاصة.
إن تطبيق اللامركزية أو المركزية يتعلق بحجم الدولة وبظروفها الخاصة، ففي بعض الدول الصغيرة قد تكون المركزية في الحكم أكثر كفاءة من اللامركزية، حيث قد تؤدي هذه الأخيرة في حال تطبيقها إلى الفوضى في الاقتصاد وفي المجتمع، وإلى إضعاف الروابط الوطنية. أضف إلى ذلك وهذه حالة تكاد تكون عامة، فإن الإدارات المحلية قد تفتقر إلى الخبرة اللازمة، بالمقارنة مع الإدارات الوطنية، ويسهل انتشار الفساد والمحاباة فيها. والأخطر من كل ذلك هو عند تطبيق اللامركزية على قطاع الضرائب أن تؤدي إلى انتشار المنازعات في كيان الدولة، وإلى العجز عن تطبيق البرامج التنموية والإصلاحية الضرورية.
إن تطبيق اللامركزية بكفاءة وفعالية يقتضي مشاركة الدولة وأجهزتها فيها، إلى جانب هيئات المجتمع المدني والقطاع الخاص، فبدون أوسع مشاركة جماهيرية في إدارة الحكم، تنخفض درجة الاستجابة لحاجات الناس، وتصعب المساءلة، مما قد يؤدي إلى فشل برامج التنمية.


3
الحكم الرشيد - سيادة القانون
منذر خدام
إن وجود القانون العادل وسيادته مقدمة ضرورية لخلق بيئة أمنة ومعروفة مسبقا لحياة وعمل جميع المواطنين. يفترض بالقانون أن يعلو على الحكم ذاته، وان يكون معلنا ومعروفا وأن يطبق على الجميع بدون تمييز. وإذا كان الحكم يعني ممارسة السلطة في جميع مجالات الحياة الاجتماعية وعلى جميع المستويات، فهو بهذا المعنى يتخطى حدود الدولة ليشمل هيئات المجتمع المدني والقطاع الخاص. فالدولة وحدها لا تستطيع إقامة الحكم الرشيد بدون مشاركة المجتمع المدني والقطاع الخاص. ولكي يطبق القانون يستوجب وجود المؤسسات والهيئات المعنية بذلك من مؤسسات قضائية وأجهزة أمنية ومؤسسات عقابية..الخ. وبقدر ما تكون هذه المؤسسات جيدة التنظيم، يعمل بها أناس أكفاء، ومؤمنة جيدا ماديا ومعنويا، بقدر ما يطبق القانون بصورة عادلة.
إن وجود القانون العادل، وتطبيقه على الجميع بدون تمييز أو محاباة، هو من مبادئ الحكم الرشيد، ويعتبر، من وجهة نظر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، شرطا ضروريا لتحقيق التنمية المستدامة، و"القضاء على الفقر، وخلق فرص العمل، وتامين مقومات معيشة كافية، وحماية البيئة وتجديدها"
لقد كانت سائدة، حتى حين، وجهة نظر تقول بأن الدولة هي الوحيدة المسؤولة عن سن القوانين وعن تطبيقها، غير أن وجهة النظر هذه أخذت تتعرض للنقد لجهة تقليص دور الدولة في هذا المجال، أسوة بتقليص دورها في المجالات الاقتصادية والاجتماعية، لصالح إفساح المجال أكثر أمام القطاع الخاص وهيئات المجتمع المدني لتقوم بدورها في ضبط العلاقات الاجتماعية في مجالات عملها، والفصل في المنازعات بين أعضائها.

يعتبر الدستور هو القانون الأعلى للدولة والمجتمع، وبصفته هذه فهو الذي ينظم العلاقات القانونية التي تقوم عليها الدولة وجميع مؤسساتها وأجهزتها، وكذلك الهيئات المدنية وحتى حياة المواطنين كأفراد. يبين الدستور على شكل مبادئ عامة تنطبق على الجميع حقوق وواجبات المواطنين، وعلاقات المواطنين بالدولة، وسلطة هذه الأخيرة عليهم، ويحدد أيضا صلاحيات وواجبات جميع مستويات السلطة والحكم، وكيفية تشكيلها وتجديدها..الخ.
تختلف الدساتير من بلد إلى أخر فهناك دساتير لنظم حكم جمهورية رئاسية أو برلمانية، وهناك دساتير لأنظمة حكم ملكية دستورية، أو ملكية مطلقة أو ملكية نسبية، وهنالك دول عريقة لا يوجد فيها دستور مكتوب، بل عرف مثل بريطانيا، كما أن الكيان الصهيوني لا يوجد فيه دستور، بل قوانين وأعراف مستقرة..الخ.
تفصل الدساتير عادة بين هيئات الحكم الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية، وتوزع الصلاحيات عليها، وتحدد الضوابط لعمل كل منها. إن وجود الدستور الجيد وتطبيقه الصارم والعادل، شرط ضروري للحكم الرشيد، ولتحقيق مستوى جيد من الأمان الاجتماعي، وبالتالي لمشاركة الناس بفعالية في الحياة العامة، وفي إدارة شؤونهم الخاصة، وفي التنمية المستدامة.
إن وجود الدستور وكذلك القوانين الناظمة لمختلف مجالات الحياة، وإعلانها وشفافيتها..الخ، لا يعني أن المواطنين وتنظيماتهم المختلفة سوف يتقيدون بها تلقائيا، بل تنشأ في كثير من الأحيان مخالفات لها، تؤدي إلى قيام منازعات بين المواطنين أنفسهم، وبين الدولة والمواطنين، وبين مختلف أشكال المنظمات والهيئات والمؤسسات الاجتماعية فيما بينها، وبينها من جهة وبين منتسبيها من المواطنين..الخ. هنا يأتي دور القضاء للسهر على ضبط هذه العلاقات، وعلى فض المنازعات الناشئة بسبب مخالفة القوانين والأنظمة المرعية.
إن مؤسسة القضاء هي السلطة الثالثة في جميع أنظمة الحكم، غير أن دورها الفعلي يتفاوت كثيرا من دولة إلى أخرى بحسب كونها دولة ديمقراطية أو غير ديمقراطية، دولة متقدمة أو متخلفة..الخ. فالقضاء هو الأساس الذي يستند إليه حكم القانون، وهو الذي يضمن خضوع المؤسسات وهيئات الدولة والمواطنين للمساءلة عن تصرفاتهم. وبقدر ما يكون القضاء مؤمنا ماديا ومعنويا، ومجهزا بالكوادر النزيهة والكفوءة بقدر ما تسير عمليات التقاضي بصورة سلسلة وعادلة وضمن آجال زمنية مقبولة ومبررة.
لا ينفع كثيرا وجود القانون الجيد والعادل في غياب المؤسسات والأجهزة القضائية الجيدة، ولذلك يعتبر وجود القضاء بهذا المعنى شرط ضروري للحكم الرشيد. ومن شروط القضاء الجيد هو استقلاله التام عن بقية سلطات الدولة، وعدم تأثره بتوزيع علاقات القوة في المجتمع.
من المعايير الرئيسة لعادلة الدستور والقوانين الأخرى في المجتمع هو مدى استرشادها بحقوق الإنسان الطبيعية والسياسية والاقتصادية وغيرها. ومع أن هذه الحقوق لا تزال ذات طابع تاريخي محلي ، إلا أن طابعها الإنساني الشامل يتزايد باستمرار، بحيث ما كان يعتبر شأنا داخليا لم يعد كذلك. لقد أصبح موضوع انتهاك حقوق الإنسان في أية دولة مبررا قويا لتدخل الهيئات المدنية الدولية، وحتى هيئات القانون الدولي للضغط على المنتهكين وردعهم عن انتهاكاتهم لحقوق مواطنيهم. وأكثر من ذلك أصبح التقيد بحقوق الإنسان كما نصت عليها العهود والمواثيق الدولية والمحلية شرطا ضروريا للحكم الرشيد. ولقد تبين من خلال التجربة التاريخية أنه بقدر ما تصان حقوق الإنسان الأساسية وفي مقدمتها حقوقه الطبيعية والسياسية، بقدر ما تزداد مساهمة الناس في الشؤون العامة بفعالية، وبالتالي تتقدم التنمية المستدامة ويتحقق الازدهار، بتكاليف أقل.
في الوقت الراهن ورغم التقدم الكبير الحاصل على صعيد احترام حقوق الإنسان، لا يزال انتهاك هذه الحقوق منتشرا في جميع الدول بتفاوت شديد. وانتهاك الحقوق هنا لا يقتصر على مواطني الدولة المعنية بل يتعداه ليشمل الانتهاك الذي يوجه لحقوق شعوب بكاملها من قبل دول ديمقراطية ومتقدمة، وتدعي حمايتها لحقوق الإنسان ومبشرة بها.


















4
الحكم الرشيد – الشفافية والمساءلة.
منذر خدام
إن الشفافية والمساءلة هما مفهومان مترابطان، ويشكلان معا احد مقومات الحكم الرشيد.
الشفافية تعني اصطلاحا التصرف بوضوح وعلانية، والسماح بتدفق المعلومات، بحيث يستطيع كل مهتم بموضوع معين، أو بمصلحة معينة أن يجمع المعلومات الضرورية للتحديد سلوكه وتصرفه تجاه الموضوع أو المصلحة. وأكثر من ذلك تتطلب الشفافية تحديد الإجراءات في مجال اتخاذ القرار العام بكل وضوح وعلانية، واعتماد قنوات مفتوحة للاتصال بين أصحاب المصالح والمسؤولين.
أما المساءلة فتعني تحمل مسؤولية اتخاذ القرار والنتائج المترتبة عليه، وإتاحة الفرصة لاستجواب المسؤولين عن تصرفاتهم. وتأخذ المساءلة أشكالا مختلفة، فقد تكون مجرد نقاش واستفسار عن حيثيات اتخاذ قرار ما، أو حصول نتيجة معينة لسلوك معين، لكنها قد تأخذ أشكالا جزائية وقانونية. وفي الأنظمة الديمقراطية تشكل دورية الانتخابات نوعا من المسائلة عن السياسات المطبقة بنجاحاتها أو إخفاقاتها.
الشفافية والمساءلة تجعل المؤسسات العامة تعمل بكل نشاط ومسؤولية، وتحد من انتشار الفساد، وتقلل كثيرا من الأخطاء.
إن تطبيق الشفافية والمساءلة ينبغي أن يطال جميع مناحي الدولة والمجتمع بلا استثناء، بحسب طبيعة المجال الذي تطبق فيه. وقد يكون من أخطر هذه المناحي التي تتطلب الشفافية والمساءلة الحياة المالية للدولة، فالمالية بالنسبة للدولة كالدماء بالنسبة للكائن الحي، ففيها تنعكس، وتترك آثارها جميع المؤثرات والتفاعلات الداخلية والخارجية في كيان الدولة والمجتمع. فالمالية السليمة تؤشر إلى اقتصاد سليم ومعافى، أما المالية غير السليمة فتؤشر إلى انتشار الفساد في كيان الدولة.
تشمل المالية العامة للدولة جميع موارد الدولة المالية وكذلك جميع أبواب صرفها، وفي كلتا الحالتين ينبغي أن تكون المالية واضحة وشفافة، وخاضعة للمراجعة والتدقيق القانونيين.
تشمل المالية النظام الضريبي للدولة وكذلك النظام المصرفي، والمشتريات العامة والنظام الضريبي..الخ.
في نظام الحكم الرشيد تعد مالية الدولة بصورة علنية وشفافة، وتراجع بصورة دورية جميع الحسابات العامة، بل وتكون خاضعة أحيانا لمراقبة الهيئات الدولية.
الشفافية مهمة أيضا لمحاربة ظاهرة الفساد والحؤول دون انتشارها وتفشيها في كيان الدولة والمجتمع.وإذا كان الفساد بدرجات معينة يكاد يكون ظاهرة عالمية ترافق عادة مجهودات التنمية، غير أنه في بعض الأنظمة الاستبدادية يكاد يتحول إلى أسلوب في الإدارة، والسياسة العامة. " افسد الناس تسيطر عليهم" هذه هي مقولة الأنظمة الاستبدادية، خصوصا في منطقتنا العربية.
في الدول المتقدمة والديمقراطية تجري محاربة الظواهر الفاسدة باستمرار من خلال الشفافية والمساءلة وتطبيق القانون، في حين في الدول النامية ومنها الدول العربية، على العكس يجري مكافأة الفاسدين الكبار، وحمايتهم من المساءلة.
الفساد سوسة التنمية، ولا يمكن تحقيق تنمية شاملة ومستدامة في ظل انتشار الفساد، بل إن محاربة الفساد والنجاح في ذلك يؤشر بصورة لا لبس فيها على نجاح جهود التنمية، والعكس صحيح أيضاً.



مؤشرات الحكم الرشيد في الدول العربية
منذر خدام
إن البحث عن مؤشرات الحكم الرشيد في الدول العربية مسألة مجازية إلى حد كبير، فالحكم في الدول العربية، بغض النظر عن كونه نظاما جمهوريا أو ملكيا، يفتقر إلى هكذا مؤشرات من الناحية العملية، ويفتقرها، في بعض الدول العربية، من الناحية الشكلية أيضاً. فعلى الرغم من أن أغلبية الدول العربية لديها، على سبيل المثال، دساتير، وتقر بدورية الانتخابات، لكنها من جهة اخرى لا تسمح بتبادل السلطة، وتفتقر إلى وجود مجتمع مدني فاعل، بل تعيق قيام هكذا مجتمع. أضف إلى ذلك فإن اتخاذ القرارات الحكومية التي تتعلق بمصالح الناس لا يشارك فيها سوى قلة قليلة من المسؤولين الحكوميين، ويبقى القرار النهائي في يد الحاكم الأعلى رئيسا كان او ملكاً. إن فكرة المشاركة غير مقبولة على نطاق واسع في جميع الدول العربية، وتفتقر إلى الأطر القانونية والتنظيمة التي تسمح للناس بالمشاركة في كل ما له علاقة بمصالحهم وحياتهم. يعبر عن ذلك بتكثيف شديد رواج فكرة الزعيم او القائد او المهيب..الخ في الأدب السياسي الرسمي، وعلى صعيد العامة من الناس.
أ- ففيما يتعلق بوجود قانون أساسي للدولة(دستور) تكاد أغلب الدول العربية لديها دساتيرها الخاصة التي تنظم عمل السلطات الحكومية وأجهزة الدولة المختلفة فيها،غير ان نظام الحكم وسلطاته يبقى شديد التمركز في يد الرئيس او الملك. أنظر الجدول المقارن رقم (4-3).
ب- أما فيما يتعلق بوجود المجتماعت المدنية يلاحظ أنه في أغلب الدول العربية تتوفر الأطر القانونية الخاصة بالجمعيات المدنية والأهلية وغير الحكومية، وبالنقابات العمالية والمهنية وغيرها. كما أنه في العديد من الدول العربية توجد قوانين خاصة بالصحافة والإعلام، وبمنظمات القطاع الخاص التجارية والصناعية وحتى بتشكيل الأحزاب السياسية..الخ. غير أن الأنظمة السياسية الحاكمة، من جهة اخرى، لا تتيح لهذه المنظمات والهيئات
جدول (4-3) وجود الدستور ونظام الحكم في الدول العربية
البيان وجود دستور نظام الحكم درجة المركزية
الأردن موجود ملكي عاليى
الامارات موجود ملكي لا مركزي وسط
البحرين موجود ملكي عالية
تونس موجود رئاسي عالية جدا
الجزائر موجود رئاسي برلماني وسط
جيبوتي موجود رئاسي برلماني وسط
السعودية غير موجود ملكي عالي جداً
السودان موجود رئاسي عالي
سورية موجود رئاسي عالي جداً
العراق موجود حكومي برلماني وسط
عمان غير موجود سلطاني عالية جداً
قطر غير موجود أميري عالية جداً
الكويت موجود أميري برلماني وسط
لبنان موجود حكومي برلماني وسط
ليبيا غير موجود رئاسي عالية جداً
مصر موجود رئاسي عالية
المغرب موجود ملكي دستوري عالية
موريتانيا موجود رئاسي برلماني وسط
اليمن موجود رئاسي عالية
المصدر: أعد الجدول من قبلنا استنادا إلى معطيات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. انظرWWW.UNDP-POGAR.NET
المدنية بالمشاركة بفعالية في الدفاع عن مصالح أعضائها، ولا في المشاركة في صنع القرارات السياسية التي تمس مصالحها، فهي إن وجدت ففي الغالب تكون مدجنة وملحقة بأجهزة السلطة والحكم. فالاضرابات العمالية والمهنية ممنوعة في الدول العربية، او انها نادرة الحدوث، وإذا حصلت فإنها تقمع بشدة. البلد العربي الوحيد الاستثناء من هذه الوضعية هو لبنان، حيث يوجد فيه مجتمع مدني وأهلي فاعل ومؤثر. وفي مصر يوجد أيضا مجتمع مدني نشيط غير انه ضعيف التأثير على السلطة السياسية.
ت- اما فيما يخص دورية الانتخابات في الدول العربية فهي موجودة، وإنما وفق أنظمة انتخابية مفصلة وفق رغبات الحكام، تعيد انتخاب مريديهم ومحازبيهم، ولا تتيح عمليا أية فرصة لفوز المعارضة، وبالتالي لا تسمح بتبادل الحكم. هذا هو حال جميع الأنظمة التي تجري فيها الانتخابات، فالفائز الوحيد فيها هو الحاكم نفسه. قد تسمح بعض الأنظمة وكنوع من الديكور، كما في تونس واليمن والأردن ومصر على سبيل المثال ، بوصول بعض المعارضين إلى الهيئة التشريعية، دون ان يكون لهم أية فعالية او تأثير على ما تريده السلطة الحاكمة. إنتخابات من هذا النوع، بعيدة عن الرقابة، فمن الطبيعي ان تكون غير شفافة، وتتعرض إلى تزوير شامل.هنا أيضا يذكر لبنان باعتباره الاستثناء الوحيد الذي تجري فيه انتخابات دورية شفافة ونزيهة، رغم المؤثرات الطائفية والمذهبية وما يفرضه الاقطاع السياسي والزعماء المحليين من قيود.
ث- فيما يخص الجندر او النوع الاجتماعي في الدول العربية، الذي يؤشر على مدى مشاركة المرأة في التنمية، أوفي الحياة العامة، فالشريعة هي التي تنظر في هذه المسألة، يسثنى من ذلك تونس. غير أن القراءات المختلفة للشريعة في الدول العربية خلقت نوعا من التبايانات في قوانين الأحوال الشخصية، إلى جانب التأثير الكبير للعادات والتقاليد المحلية. فمن المعروف ان المجتمع العربي هو مجتمع ذكوري بامتياز، تتعرض فيه المرأة لشتى انواع التمييز، في البيت وفي الحياة العامة وفي المجتمع رغم ان أغلب الدول العربية موقعة على " اتفاقية القضاء على التمميز ضد المراة". وأكثر من ذلك فإن قسما كبيرا من منظومة القيم والأخلاق السائدة في المجتمعات العربية مؤسسة على الموقف من المرأة، وعلى العلاقة معها، لذلك فهي تبقى حبيسة البيت او الحجاب، او العزل خشية من التدنيس، او الاساءة إلى الأخلاق العامة والشرف..الخ. في هكذا وضعية فإن المقاربة التنموية الأفضل للوطن العربي، من ناحية دور المرأة فيها، هي المقاربة التي تجعل من المرأة موضوعا للتنمية، ينبغي بذل جهود إضافية من اجل تعليمها، وتحريرها من العادات البالية المقيدة لحريتها، وينبغي أيضا تغيير نظرة الرجل للمرأة بحيث تصبح شريكة ورفيقة له، وليس ربة منزله فقط.
تتفاوت كثيرا القوانين القطرية المتعلقة بالمرأة، فبينما نجد أنها تساويها بالرجل فيما يتعلق بالشأن العام في كل من سورية ولبنان وتونس ومصر، يمكنها ان تشارك بالانتخابات العامة وأن ترشح نفسها، وان تستلم مناصب عليا في الحكومة وفي إدارات الدولة، نجدها قد حصلت مؤخرا على بعض هذه الحقوق في الكويت وقطر والبحرين واليمن والجزائر والمغرب، ولا تزال محرومة منها في عمان والسعودية والإمارات وليبيا.
ج-فيما يخص الجانب التشريعي فإن غالبية الدول العربية لديها مجالسها التشريعية، وهي أعضاء في الاتحاد البرلماني العالمي والاتحاد البرلماني العربي. في بعض البلدان كما في مصر يتكون المجلس التشريعي من مجلسين يتقاسمان التشريع، غير انه في كل من سورية والأردن وتونس والمغرب فإن الوظيفة التشريعية يتقاسمها كل من المجلس التشريعي ورئيس الدولة أو الملك. في ليبيا لاتوجد هيئة تشريعية بالمعنى المتعارف عليه، بل نظاما هرميا من اللجان الشعبية والمؤتمرات الشعبية، ويبقى القرار النهائي بيد قائد الدولة. ولا تزال السعودية والإمارات وقطر تفتقر إلى وجود مجالس تشريعية منتخبة، بل هيئات استشارية معينة من قبل حاكم البلاد. في الجزائر ولبنان ونسبيا في اليمن والكويت تقوم المجالس التشريعة بالدور المناط بها وفق القوانين السائدة.
ومهما يكن من أمر وجود المجالس التشريعية في الدول العربية، او من عدمه، فإن السلطة التشريعية الحقيقية تبقى في يد الحكومة او في يد رئيس الدولة او ملكها، تقوم المجالس التشريعية بإخراجها فقط من الناحية الشكلية. تفتقر الدول العربية عموما إلى هيئات إنضاج ودعم القرار، او إلى هيئات استشارية من الخبراء المختصين الذين ينبغي ان يقولوا كلمتهم بمشاريع القوانين قبل عرضها على الهيئات التشريعية. واكثر من ذلك قلما تستشار الجهة المعنية بالقانون، او الناس الذين تتأثر مصالحهم به، رأيهم به.
إن التشريع في الدول العربية يفتقر إلى الأصول المعروفة، وهو شكلي إلى حد بعيد، وهذا ما ينعكس سلبا على اداء الحكم. أضف إلى ذلك فإن الدور الرقابي للهيئات التشريعية شبه معدوم في الدول العربية، مما يبقي هيئات الحكم بعيدة عن المساءلة.
ح-إن طبيعة النظام السياسي العربي، وتركيز السلطات في يد الحاكم الفرد، رئيسا كان او ملكا، وغياب المجتمع المدني الفاعل، لاتتوافق مع فكرة اللامركزية الإدارية، ولذلك فإن الدول العربية باستثناء السودان، لا تسمح بتفويض بعد سلطاتها الأساسية للحكام المحليين، ولاة او محافظين او أومراء.فاللاركزية الإدارية تتطلب مشاركة واسعة للمجتمع المدني وللقطاع الخاص، في إدارة شؤونه، وتقديم الخدمات العامة للمواطنين، وبالتالي تخفيف الكثير من الأعباء الإدارية والتنموية عن السطات المركزية، والحد من البيروقراطية و الفساد.فحسب بعض المعطيات لا تزيد حصة الإدارات المحلية في الدول العربية من النفقات العامة عن 5 بالمائة من إجمالي النفقات العامة في الدول العربية، في حين تصل إلى20 بالمائة في منظمة
التعاون الاقتصادي والتنمية[21]
خ-إن فكرة القانون، الأصل فيها حماية حقوق الأفراد والجماعات، والمساواة بين الأفراد أمامه، وهي تعلو عادة على هيئات الحكم، فلا شيئ فوق القانون. بهذا المعنى فإن فكرة القانون عداك عن فكرة سيادته، لا تزال ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 21-برنامج إدارة الحكم في الدول العربية،www.undp-pogar.net ،مادة" الحكم الرشيد > المشاركة > الحكم المحلي. 22/8/2007
غير متأصلة في عالمنا العربي، ولذلك فإن خرق القانون هو ظاهرة عامة، خصوصا عندما يتعلق الأمر بمصالح القوى الحاكمة او المهيمنة. بل ، في كثير من الأحيان، يفصل القانون على قد مصالح هذه الفئات.
وبالعلاقة مع فكرة القانون، يلعب القضاء المستقل دورا هاما في توطيد
سلطته في الدولة والمجتمع، ويؤمن إخضاء الأفراد والمؤسسات الحكومية المختلفة، وغير الحكومية للمساءلة عما تقوم به.ولكي يقوم القضاء بهذا الدور الهام ينبغي تأمين استقلاله، وفصله عن بقية السلطات.
تتعدد في الدول العربية مصادر القانون، فتشمل "السنة والشريعة الاسلامية، والقانون المدني الفرنسي، والقانون العام الانكليزي، والقانون المصري والقانون العثماني..الخ"[22]. وتختلف من بلد عربي إلى آخر الهيكلية القضائية، وإجراءات التقاضي، لكنها تتفق مع ذلك على كثرة المحاكم في المستوى الأدنى، لتقل كلما ارتقى المستوى بحيث تقف في المستوى الأخير،على رأس الهرم القضائي محكمة التمييزأو الاستئناف. لكن إلى جوار الهرم القضائي المدني العادي توجد محاكم خاصة، مثل محاكم الحداث، والمحاكم الشرعية، والمحاكم العسكرية، والمحاكم الدستورية، والمحاكم المنية، والمحاكم الإدارية..الخ.
ومهما يكن من أمر البناء الهيكلي للنظام القضائي في الدول العربية، تبقى العبرة في مدى استقلاله عن السلطة التنفيذية أو الإدارية. من هذه الناحية فإن واقع الحال في الدول العربية يشير إلى خضوع القضاء بدرجات مختلفة للسلطات التنفيذية في الدول العربية، وإلى تفشي ظاهرة الفساد فيه.
د-من المؤشرات الهامة على سيادة القانون وبالتالي على الحكم الرشيد، مدى احترام حقوق الانسان، وتشمل في العادة هذه المؤشرات النواحي التالية[23] :ـــــــــــــــــــــــــــــــ
22-www.undp-pogar.com فقرة الحكم الرشيد>سيادةالقانون>القضاء.22/8/2007
23-www.undp-pogar.com فقرة الحكم الرشيد> سيادة القانون> حقوق الانسان.22/8/2007

1-موقف الدول من اتفاقيات الأمم المتحدة(سبع اتفاقيات رئيسة)[24] واتفاقيات منظمة العمل الدولية(ثمان اتفاقيات)[25] المعنية بحقوق الانسان، إلى جانب الاتفاقيات الاقليمية او الوطنية ذات الصلة.
2-وجود مؤسسات لحقوق الانسان في كل دولة.
3- الانجازات التي تحققت في مجال حقوق الانسان.
4- الصعوبات التي تواجه حقوق الانسان في كل دولة.
5- ثقافة حقوق الانسان والاصدارات ذات الصلة.
من بين هذه المؤشرات الدالة على احترام حقوق الانسان سوف نتوقف عند مواقف الدول العربية من الاتفاقيات الدولية المعنية بها، على اعتبار ان المؤشرات الأخرى غير ذات أهمية في الدول العربية. فمؤسسات حقوق الانسان غير موجودة بصورة مستقلة وفاعلة، ولا يمكن الحديث عن انجازات ذات مغزى على صعيد احترام حقوق الانسان، وبالتالي فهناك صعوبات جمة على هذا الصعيد تعود في غالبيتها إلى طبيعة النظام السياسي العربي، الذي يحول دون وجود ثقافة جماهيرية لحقوق الانسان ومنظمات
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
24- اتفاقيات الأمم المتحدة وهي1- العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. 2- العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. 3- اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري. 4- اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة او العقوبة القاسية او الاإنسانية او المهينة.5- اتفاقية حقوق الطفل.6- اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.7-اتفاقية حماية العمال المهاجرين وأفراد أسرهم.وهناك العديد من البروتوكولات الاضافية الاختيارية مثل أ-البروتوكول الخاص بتقديم الشكاوى من قبل الأفراد. ب- البروتوكول الخاص بإلغاء عقوبة الاعدام، ج-البروتوكول الخاص بمنع استخدام الأطفال في النزاعات المسلحة. د-البروتوكول الخاص ببيع الطفال او استغلالهم في الدعارة.
25- اتفاقيات منظمة العمل الدولية وهي :الاتفاقية 87 المعنية بحرية التجمع، والاتفاقية 98 الخاصة بحق التنظيم النقابي والمفاوضة الجماعية، والاتفاقية29 الخاصة بالسخرة، والاتفاقية 105 الخاصة بالعمل الاجباري، والاتفاقية100 الخاصة بالمساواة في الأجور والاتفاقية 111 الخاصة بالقضاء على التمييز في شغل الوظائف، والاتفاقية 138 بشأن الحد الأدنى لسن الاستخدام والاتفاقية 182 الخاصة بمنع استخدام الأطفال والقاصرين.