- الاثنين يوليو 16, 2012 10:30 pm
#52657
عشية اندلاع الثورة في تونس ومصر كانت إدارة اوباما غارقة في أزمة انكفاء كبير عن المنطقة بنتيجة تعثر خطة احتواء الفشل في العراق وأفغانستان وأمام انسداد عملية التسوية التي علقت في آخر فصولها الركيكة على المسار الفلسطيني بفعل رضوخ الرئيس الأميركي لإملاءات اللوبي الصهيوني ولمواقف حكومة نتنياهو الرافضة للحد الأدنى من شروط حفظ ماء الوجه للسلطة الفلسطينية على الرغم من طواعية هذه السلطة ورضوخها الكلي للوظيفة التي أملاها عليها الأميركيون والإسرائيليون في خدمة احتلال الضفة الغربية وإبقاء خيط التفاوض الرفيع برعاية الرئيس المصري السابق حسني مبارك.
هيبة الردع الإسرائيلية سقطت قبل ذلك التاريخ وحسابات الاستراتيجيات الأميركية وصلت إلى ضرورة التخلي عن وهم الحرب على إيران لأن الكلفة عالية بينما كانت المفاوضات مع الجمهورية الإسلامية في اسطنبول قد بلغت عتبة الاعتراف الأميركي بإيران كقوة نووية وكلاعب إقليمي كبير.
المفاجأة في اندلاع التحركات الشعبية ضاعفت من حجم الارتباك في واشنطن وقد برز اضطراب كبير في الخطاب الرسمي الأميركي حول تونس ومصر على التوالي بحيث احتارت دوائر البيت الأبيض والخارجية بين الخطاب التقليدي لعملية تحسين الصورة الذي يشدد على الديمقراطية في المنطقة ومحاولة مسايرة المناخ الشعبي الذي حملته الأحداث بكل وضوح ومن جهة ثانية هال المسؤولين الأميركيين مرأى أنظمة تابعة تتهاوى من غير أي قدرة على إسعافها.
تحييد الجيشين التونسي والمصري كان الوصفة التي اختارتها الإدارة الأميركية للحفاظ على هيكلية جنرالات النخبة وثيقي الارتباط بواشنطن والمؤتمنين على الالتزامات الإستراتيجية التي تربوا تحت سقفها في كنفي نظامي مبارك وبن علي وقاموا بحراستها في تونس ومصر تحت الرعاية الأميركية المباشرة.
الخطر الذي اعتبره الأميركيون تهديدا لمصالحهم ولمصالح إسرائيل كان بالذات في الحالة المصرية عندما أسقط شباب ميدان التحرير محاولة تنصيب عمر سليمان الذي كان يعتبر رجل أميركا وإسرائيل القوي في نظام مبارك، وحين تعالت الدعوات في ميدان التحرير لإسقاط كامب ديفيد واسترجاع الدور العربي المفقود لمصر الذي يستمد شرعيته من الوقوف مع القضية الفلسطينية ومع المقاومة.
يبدو واضحا اليوم أن الدراسة الأميركية المتأنية للأحداث العربية تحفزها ثنائية النفط وإسرائيل قد توصلت إلى رسم أولويات ومبادئ ستحكم التوجهات والتصرفات خلال الأشهر المقبلة:
أولا: تشجيع النخبتين العسكريتين في مصر وتونس على السير في تبني نظام برلماني يتيح تداول السلطة بين الأحزاب بشرط عدم المساس بواقع الجيشين والتزاماتهما اتجاه الغرب والولايات المتحدة خصوصا وبالنسبة لمصر استمرار الالتزام بكامب ديفيد وبالدور الأمني المصري على معابر غزة وبمفهوم التعاون الأمني مع إسرائيل وقد أطمأنت الدوائر الأميركية لما كشفته نتائج الاستفتاء على الدستور المصري التي بينت ان حجم القوى الراديكالية في المجتمع لم يصل إلى 25% بينما تقاسم الحزب الوطني الذي بناه مبارك بقية الأصوات مع الاخوان المسلمين أي ثلاثة أرباع المقترعين لهذين الفريقين، العين الأميركية والإسرائيلية ما تزال ترصد القلق حركة الشعب المصري ويضع الغرب خطة لاحتواء التحولات المصرية عبر البعد الاقتصادي من خلال مبادرة الاتحاد الأوروبي لصندوق قروض ومساعدات برصيد عشر مليارات دولار أعلن عنها مؤخرا وقدر الخبراء أنه لا بد من ضخها لتحريك عجلة الاقتصاد الذي توقف لأشهر عن الدوران.
ثانيا: الموافقة الأميركية المواربة على التدخل السعودي والخليجي في البحرين لقمع الثورة الشعبية هناك كشفت حقيقة الموقف الأميركي من الاحتجاجات الشعبية العربية فعلى الرغم من الطابع السلمي لثورة البحرين ومن تمسك المعارضة بالوحدة الوطنية فقد أعطى الأميركيون بواسطة وزير دفاعهم روبرت غيتس موافقة صريحة على اجتياح البحرين حاولت وزيرة الخارجية كلينتون أن تتنصل منها ضمن لعبة العلاقات العامة وبكلمة مفادها ترك السعودية تجرب حظها في التخلص من بؤرة تنطوي على خطر العدوى دون أن تشاركها الولايات المتحدة في دفع التكاليف، وتقف إدارة اوباما مربكة بوضوح أمام أحداث اليمن التي تهدد نظاما شريكا تربطه بها علاقات أمنية وعسكرية تحت عنوان الحرب على القاعدة بينما هي تحتفظ بعلاقات مباشرة مع قيادات المعارضة اليمنية تحسبا لما قد يحدث من مفاجآت قد تضعها وجها لوجه أمام سلطة جديدة يشكلها الائتلاف المعارض إذا ما فع الرئيس علي عبدالله صالح إلى التنحي.
ثالثا: يمثل التدخل الأميركي والأطلسي في ليبيا مشروعا استراتيجيا لإعادة إنتاج الهيمنة الغربية في المنطقة ولاختبار أنماط جديدة من التدخل عبر الإفادة من استعصاء الحسم في الصراع بين المعارضة الليبية ونظام القذافي وتأمين غطاء عربي رسمي ودولي لشن حرب تستهدف خلق أسواق جديدة للشركات الأميركية والغربية من خلال تدمير البنى الأساسية الليبية والإمساك بدفتي الصراع وخلق مساحة نفوذ كاسحة للغرب ولإسرائيل داخل ليبيا كما يتبين من خفايا العلاقة الفرنسية بالمجلس الوطني الانتقالي التي تمت تحت رعاية اللوبي الصهيوني في فرنسا ومن خلال تحركات قادة المعارضة القادمين من الخارج في حين أن العمل لتحجيم القذافي وفريقه يشكل مبررا لتوسيع نطاق التدخل وإدامته زمنيا بما يكفي لضمان السيطرة الغربي الكلية على ليبيا بأشكال وتعبيرات سياسية جديدة سواء ذهبت الأمور نحو النموذج الصومالي أم أعاد الأميركيون إنتاج تجربة العراق.
رابعا: المسرح الليبي واختباراته يواكب في الاستخلاصات الإستراتيجية حيث أعلن الرئيس اوباما رفضه الكلي لإنزال قوات برية بسبب مأزق الجيش الأميركي في العراق وأفغانستان وخشية تكرار التورط في المستنقع، في حين أوكل مهمة الحشد البري لفرنسا وبريطانيا وايطاليا، يتم نقل خطط العمل والأولويات إلى الساحة الأهم في البلاد العربية استراتيجيا وهي سورية حيث يدير الأميركيون والإسرائيليون بواسطة بعض المنشقين السوريين في الخارج وقوى 14 آذار اللبنانية والمخابرات الأميركية والإسرائيلية والأردنية حملة لنقل العدوى إلى سورية وتحفيز تحركات مناهضة لنظام الرئيس بشار الأسد والهدف المباشر هو ضرب الحلقة الأخطر في كتلة المقاومة التي تشكل تهديدا للهيمنة الأميركية الإسرائيلية.
الرهان الأميركي يبدو متعثرا في هذا الميدان ولكن المحاولات لن تتوقف بسرعة وعلى أساسها تحركت قوى 14 آذار داخل لبنان وفي اتجاه الداخل السوري منذ استقالة حكومة سعد الحريري، وحيث يعول الأميركيون على إنضاج شروط حرب إسرائيلية ضد سورية ولبنان من خلال استنزاف متواصل للبلدين.
هيبة الردع الإسرائيلية سقطت قبل ذلك التاريخ وحسابات الاستراتيجيات الأميركية وصلت إلى ضرورة التخلي عن وهم الحرب على إيران لأن الكلفة عالية بينما كانت المفاوضات مع الجمهورية الإسلامية في اسطنبول قد بلغت عتبة الاعتراف الأميركي بإيران كقوة نووية وكلاعب إقليمي كبير.
المفاجأة في اندلاع التحركات الشعبية ضاعفت من حجم الارتباك في واشنطن وقد برز اضطراب كبير في الخطاب الرسمي الأميركي حول تونس ومصر على التوالي بحيث احتارت دوائر البيت الأبيض والخارجية بين الخطاب التقليدي لعملية تحسين الصورة الذي يشدد على الديمقراطية في المنطقة ومحاولة مسايرة المناخ الشعبي الذي حملته الأحداث بكل وضوح ومن جهة ثانية هال المسؤولين الأميركيين مرأى أنظمة تابعة تتهاوى من غير أي قدرة على إسعافها.
تحييد الجيشين التونسي والمصري كان الوصفة التي اختارتها الإدارة الأميركية للحفاظ على هيكلية جنرالات النخبة وثيقي الارتباط بواشنطن والمؤتمنين على الالتزامات الإستراتيجية التي تربوا تحت سقفها في كنفي نظامي مبارك وبن علي وقاموا بحراستها في تونس ومصر تحت الرعاية الأميركية المباشرة.
الخطر الذي اعتبره الأميركيون تهديدا لمصالحهم ولمصالح إسرائيل كان بالذات في الحالة المصرية عندما أسقط شباب ميدان التحرير محاولة تنصيب عمر سليمان الذي كان يعتبر رجل أميركا وإسرائيل القوي في نظام مبارك، وحين تعالت الدعوات في ميدان التحرير لإسقاط كامب ديفيد واسترجاع الدور العربي المفقود لمصر الذي يستمد شرعيته من الوقوف مع القضية الفلسطينية ومع المقاومة.
يبدو واضحا اليوم أن الدراسة الأميركية المتأنية للأحداث العربية تحفزها ثنائية النفط وإسرائيل قد توصلت إلى رسم أولويات ومبادئ ستحكم التوجهات والتصرفات خلال الأشهر المقبلة:
أولا: تشجيع النخبتين العسكريتين في مصر وتونس على السير في تبني نظام برلماني يتيح تداول السلطة بين الأحزاب بشرط عدم المساس بواقع الجيشين والتزاماتهما اتجاه الغرب والولايات المتحدة خصوصا وبالنسبة لمصر استمرار الالتزام بكامب ديفيد وبالدور الأمني المصري على معابر غزة وبمفهوم التعاون الأمني مع إسرائيل وقد أطمأنت الدوائر الأميركية لما كشفته نتائج الاستفتاء على الدستور المصري التي بينت ان حجم القوى الراديكالية في المجتمع لم يصل إلى 25% بينما تقاسم الحزب الوطني الذي بناه مبارك بقية الأصوات مع الاخوان المسلمين أي ثلاثة أرباع المقترعين لهذين الفريقين، العين الأميركية والإسرائيلية ما تزال ترصد القلق حركة الشعب المصري ويضع الغرب خطة لاحتواء التحولات المصرية عبر البعد الاقتصادي من خلال مبادرة الاتحاد الأوروبي لصندوق قروض ومساعدات برصيد عشر مليارات دولار أعلن عنها مؤخرا وقدر الخبراء أنه لا بد من ضخها لتحريك عجلة الاقتصاد الذي توقف لأشهر عن الدوران.
ثانيا: الموافقة الأميركية المواربة على التدخل السعودي والخليجي في البحرين لقمع الثورة الشعبية هناك كشفت حقيقة الموقف الأميركي من الاحتجاجات الشعبية العربية فعلى الرغم من الطابع السلمي لثورة البحرين ومن تمسك المعارضة بالوحدة الوطنية فقد أعطى الأميركيون بواسطة وزير دفاعهم روبرت غيتس موافقة صريحة على اجتياح البحرين حاولت وزيرة الخارجية كلينتون أن تتنصل منها ضمن لعبة العلاقات العامة وبكلمة مفادها ترك السعودية تجرب حظها في التخلص من بؤرة تنطوي على خطر العدوى دون أن تشاركها الولايات المتحدة في دفع التكاليف، وتقف إدارة اوباما مربكة بوضوح أمام أحداث اليمن التي تهدد نظاما شريكا تربطه بها علاقات أمنية وعسكرية تحت عنوان الحرب على القاعدة بينما هي تحتفظ بعلاقات مباشرة مع قيادات المعارضة اليمنية تحسبا لما قد يحدث من مفاجآت قد تضعها وجها لوجه أمام سلطة جديدة يشكلها الائتلاف المعارض إذا ما فع الرئيس علي عبدالله صالح إلى التنحي.
ثالثا: يمثل التدخل الأميركي والأطلسي في ليبيا مشروعا استراتيجيا لإعادة إنتاج الهيمنة الغربية في المنطقة ولاختبار أنماط جديدة من التدخل عبر الإفادة من استعصاء الحسم في الصراع بين المعارضة الليبية ونظام القذافي وتأمين غطاء عربي رسمي ودولي لشن حرب تستهدف خلق أسواق جديدة للشركات الأميركية والغربية من خلال تدمير البنى الأساسية الليبية والإمساك بدفتي الصراع وخلق مساحة نفوذ كاسحة للغرب ولإسرائيل داخل ليبيا كما يتبين من خفايا العلاقة الفرنسية بالمجلس الوطني الانتقالي التي تمت تحت رعاية اللوبي الصهيوني في فرنسا ومن خلال تحركات قادة المعارضة القادمين من الخارج في حين أن العمل لتحجيم القذافي وفريقه يشكل مبررا لتوسيع نطاق التدخل وإدامته زمنيا بما يكفي لضمان السيطرة الغربي الكلية على ليبيا بأشكال وتعبيرات سياسية جديدة سواء ذهبت الأمور نحو النموذج الصومالي أم أعاد الأميركيون إنتاج تجربة العراق.
رابعا: المسرح الليبي واختباراته يواكب في الاستخلاصات الإستراتيجية حيث أعلن الرئيس اوباما رفضه الكلي لإنزال قوات برية بسبب مأزق الجيش الأميركي في العراق وأفغانستان وخشية تكرار التورط في المستنقع، في حين أوكل مهمة الحشد البري لفرنسا وبريطانيا وايطاليا، يتم نقل خطط العمل والأولويات إلى الساحة الأهم في البلاد العربية استراتيجيا وهي سورية حيث يدير الأميركيون والإسرائيليون بواسطة بعض المنشقين السوريين في الخارج وقوى 14 آذار اللبنانية والمخابرات الأميركية والإسرائيلية والأردنية حملة لنقل العدوى إلى سورية وتحفيز تحركات مناهضة لنظام الرئيس بشار الأسد والهدف المباشر هو ضرب الحلقة الأخطر في كتلة المقاومة التي تشكل تهديدا للهيمنة الأميركية الإسرائيلية.
الرهان الأميركي يبدو متعثرا في هذا الميدان ولكن المحاولات لن تتوقف بسرعة وعلى أساسها تحركت قوى 14 آذار داخل لبنان وفي اتجاه الداخل السوري منذ استقالة حكومة سعد الحريري، وحيث يعول الأميركيون على إنضاج شروط حرب إسرائيلية ضد سورية ولبنان من خلال استنزاف متواصل للبلدين.