- الاثنين يوليو 16, 2012 10:46 pm
#52661
عولمة الفقر والارتباط الجوهري بين الديمقراطية والتنمية في دول العالم الثالث
ألن ديفيد سميث
إن النظام العالمي الجديد الذي جاء ليدعم مفاهيم الديمقراطية وحقوق الإنسان واستقر في ظله مبدأ التدخل الإنساني ، جاء أيضاً ليشهد اتساع مساحة الفقر في العالم ، الأمر الذي يضع علامات استفهام كبيرة حول البنود الرئيسية التي تتضمنها أجندة النظام العالمي الجديد ، إذ أنه لا يمكن الوفاء في ظل تصاعد موجة الفقر بالحاجات الأساسية لنسبة كبيرة من سكان العالم المعاصر .
في هذا الإطار تشير الإحصاءات التابعة للأمم المتحدة إلى أن عدد الدول الفقيرة تصاعد بشكل مذهل خلال العقود الثلاثة الأخيرة .
ففي العام 1971م كان عدد الدول الفقيرة يبلغ (25) دولة ، ارتفع إلى48 دولة في مطلع التسعينات ، ثم تجاوز (63) دولة خلال العام 2000م ، وإن نصف سكان العالم الذي يبلغ حالياً نحو (6) بلايين نسمة (كان هذا العدد ثلاث بلايين فقط العام 1950م) يعيشون على أقل من دولار أميركي واحد للفرد يومياً ، بينما يعيش نحو (1.2) بليون شخص على دولار واحد في اليوم .
وتؤكد الإحصاءات الخاصة بالمنظمات الدولية أن مشكلة الفقر بلغت حداً خطيراً خلال السنوات القليلة الماضية ، إذ تشير آخر الإحصاءات الصادرة عن منظمة الأغذية والزراعة التابعة لمنظمة الأمم المتحدة إلى أن هناك حوالي (830) مليون شخص على مستوى العالم يشكلون ما نسبته نحو (14) في المائة من سكان العالم انحدرت بهم الحال من الفقر إلى حافة الجوع .
وبالنظر إلى عجز المجتمع الدولي عن مواجهة هذه الأوضاع المتدهورة عاماً بعد عام ، فإنه من المتوقع أن يتضاعف عدد السكان الذين يقبعون تحت خط الفقر خلال ال25 عاماً المقبلة إلى نحو (4) بلايين نسمة .
من ناحية أخرى ، تؤكد الإحصاءات الخاصة بوكالات الإغاثة الدولية أن هناك حوالي (13) طفلاً يموتون كل دقيقة في البلدان النامية بسبب مشكلة الفقر في وقت مازال ملايين الأطفال يعانون الفقر وسوء الرعاية الصحية والتهميش .
والواقع أن الدول المتقدمة ليست أفضل حالاً بشكل مطلق إلا حينما نقارنها بالوضع المتدهور في بلدان العالم الثالث ، إذ أن أغنى دولة في العالم ، وهي الولايات المتحدة الأميركية ، أدى التفاوت الشديد في توزيع الدخل بها إلى وقوع حوالي (20) في المائة من سكانها في دائرة الفقر ، و(13) في المائة من سكانها قبعوا فعلاً تحت خط الفقر ، والأكثر من ذلك أن بريطانيا تصنف حالياً في المرتبة العشرين ضمن (23) دولة في سجل الفقر النسبي ، إذ يعيش حوالي (20) في المائة من السكان تحت خط الفقر .
لكن الوضع في روسيا ، والتي تصنف ضمن قائمة الدول المتقدمة ، أكثر مأساوية ، إذ أدى انهيار الاتحاد السوفياتي إلى تساقط الاقتصاد الروسي ، وثمة الآن حوالي (50) مليون روسي من إجمالي (147) مليوناً هم جملة السكان الذين يعيشون تحت الفقر ، الإحصاءات على هذا النحو تثير حال فزع حقيقية ، والمشكلة ليست فقط في عجز المجتمع الدولي الآني عن علاج حال الفقر الآخذة في التصاعد بل عجزه عن رسم سياسات مستقبلية قادرة على التعاطي مع هذا التصاعد مما يعني أن هذه الحال سوف تتفاقم بشكل أكبر في المستقبل .
والواقع أن حال الفقر إذا كانت تمتد لتشمل الآن دولاً تنتمي إلى العالم الأول من الدول المتقدمة ، فإن المشكلة تدق بالنسبة إلى دول العالم النامي ، إذ أن فقر دول العالم المتقدم هو فقر نسبي ، أما الفقر المستشري في البلدان النامية فهو فقر مطلق تتبدى مؤشراته في الجوع والمرض والجهل ، إذ تشير الإحصاءات إلى أن حوالي (30) في المائة من سكان الدول النامية أميون .
إن نهاية الحرب الباردة تلتها متغيرات جديدة على صعيد العلاقات الدولية عمقت الفجوة بين الشمال الغني والجنوب الفقير ، فقد أدت نهاية عصر القطبية الثنائية إلى حدوث انخفاض حاد في قيمة المساعدات التي كانت تقدم من دول الشمال إلى الدول النامية ، والتي كانت تأتي في سياق سياسي إذ كانت الدول النامية محوراً للصراع بين القطبين ، ولذلك كانت المساعدات تتدفق إليها بهدف شراء ولائها لأي منهما .
لقد جاء النظام العالمي الجديد ليشهد تصاعد موجة العولمة الاقتصادية التي كانت إرهاصاتها بدأت في السبعينات من القرن العشرين ، وخلق هذا الوضع نظاماً للتنافس التجاري غير متكافئ بين الدول المتقدمة وبلدان العالم النامي ، الأمر الذي عمق من تبعية الأخيرة للأولى ، ودمر من ثم فرص النهوض الصناعي بالدول النامية .
ولأن النظام الاقتصادي الدولي في ظل عالم ما بعد الحرب الباردة دعم سياسة الخصخصة واقتصاد السوق الحرة ، فقد وجدت دول العالم النامي نفسها في سباق مع الزمن للتحول إلى النظام الرأسمالي ، وهو ما كان يعني القضاء على القطاع العام الذي قاد عملية التنمية لعقود طويلة ، وتشريد الملايين من العمال بعد تطبيق سياسة الإصلاح الاقتصادي وذلك وفقاً لمتطلبات صندوق النقد والبنك الدوليين .
والواقع أن هذا التوجه الاقتصادي لم يؤد إلا إلى تفاقم الأوضاع داخل الدول النامية وحدوث حالات عجز هائلة في الموازين التجارية لها ، إذ تشير الإحصاءات إلى أن قيمة الديون الخارجية للدول النامية تصاعدت من (750) بليون دولار العام 1982م إلى حوالي (1300) بليون دولار العام 1998م ، ومن المتوقع أن يصل الحجم الإجمالي لمديونية الدول النامية خلال العام 2002م إلى نحو (1500) بليون دولار .
وإذا كان النظام العالمي الجديد يزيد في تهميش وإفقار الدول النامية فإن في طبيعة تكوين هذه الدول نفسها ما يساعد على تفاقم الأوضاع بشكل أكبر ، فمعظم الدول النامية حديثة الاستقلال ولم تستطيع حتى الآن بناء المفهوم العصري للدولة .
فهذه الدول فشلت في حل أزمات التنمية السياسية التي تواجه الدول حديثة العهد بالاستقلال ، بل أن هذه الأزمات تضاعفت وأصبحت أزمات مركبة بفعل التوجيهات غير الديمقراطية التي اتبعتها الغالبية من هذه الدول .
إضافة إلى ذلك فإن انتقال هذه الدول إلى عالم الخصخصة والرأسمالية تم بطريقة غير منضبطة ، بل وعشوائية في كثير من الأحيان ، الأمر الذي أدى في الحقيقة إلى تحول معظم هذه الدول من عصر ملكية الدولة إلى احتكار الأفراد والشركات الكبرى ، وفي بعض الأحيان إلى الشركات الدولية العملاقة متعددة الجنسيات .
ويرى خبراء أن الغالبية الكاسحة من دول العالم الثالث مازالت تحكم بنظم تسلطية ، أو بديمقراطية شكلية ، حيث ينخر الفساد في النظم السياسية بما يعكس آثاره السلبية على إمكانات التوظيف الصحيح للموارد المتاحة ، وثمة تحالف عبر مكتوب بين السلطة والمال يعرقل جهود التنمية في المجالات المختلفة .
ويشير الخبراء إلى أن غياب الديمقراطية يعد سبباً جوهرياً ، وإن كان غير مباشر ، لتفشي حال الفقر في دول العالم الثالث ، وفي هذا الإطار لابد من تأكيد حقيقة الارتباط الجوهري بين الديمقراطية والتنمية ، وإذا كانت هناك حالات شهدت حدوث تنمية في ظل نظم حكم تسلطية ، فإن هذه الحالات تظل محدودة (دول جنوب شرق آسيا) ، ثم أن هذه الحالات تعثرت لاحقاً ، واضطرت هذه الدول هذه الدول السعي قدماً على طريق التحول الديمقراطي بعد أن أدركت حقيقة الارتباط المطلوب بين الديمقراطية وحدوث التنمية .
وبما أن العالم العربي جزء من العالم الثالث ، فقد كان من الطبيعي أن يعاني ما يعانيه هذا الأخير ، وفي القلب منه مشكلة الفقر ، إذ يبلغ عدد من يعيشون تحت خط الفقر في العالم العربي ما نسبته من (34) إلى (38) في المائة من إجمالي السكان الذين وصل عددهم العام الماضي إلى (248) مليون نسمة ، أي أن أكثر من ثلث العرب يعيشون تحت خط الفقر .
لكن هذه المشكلة تختلف حدتها من دولة إلى أخرى ، فقد تراجع ترتيب مصر - أكبر دولة عربية من حيث تعداد السكان - في دليل التنمية البشرية للأمم المتحدة من المرتبة (109) العام 1995م إلى المرتبة (120) العام 1999م من بين (175) دولة ، وتسبقها في الترتيب عربياً دول الخليج وسورية ولبنان ، ويقع تحت خط الفقر (48) في المائة من إجمالي السكان في مصر .
وفي اليمن فإن الأوضاع اكثر سوءاً ، حيث أدى برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي بدأت الدولة في تنفيذه العام 1995م في تعميق الفقر على رغم تطبيق برامج لمحاربته ، ومازال اليمن يصنف ضمن (40) دولة هي الأقل دخلاً في العالم ، ويصل نصيب الفرد من الدخل القومي الإجمالي إلى (380) دولاراً فقط سنوياً .
وتشير الإحصاءات إلى أن (40) في المائة من سكان الجزائر يعيشون تحت خط الفقر ، والمشكلة في السودان ودول القرن الإفريقي لا تقل خطورة بل أن الفقر بدأ يعرف طريقه إلى دول الخليج العربي وهي التي تتمتع بمستوى دخل مرتفع بفعل الثروات النفطية ، ففي الكويت وعلى رغم أن دخل المواطن من الأعلى في العالم ، إذ تقدر حصته بحوالي 17 ألفاً و400 دولار سنوياً من الناتج المحلي الإجمالي ، إلا أن هناك نحو مئتي أسرة كويتية تطلب مساعدات يومية من "صندوق الزكاة" الكويتي الذي يصرف حوالي (2500) مساعدة شهرية للمحتاجين .
تبدو معاناة العالم الثالث من مشكلة الفقر على هذا النحو جد خطيرة ، وهو ما يفرض على المجتمع الدولي التخطيط السليم والعاجل لواجهتها ، وذلك لاعتبارات عدة : فمن ناحية نجد أن الدول المتقدمة التي تمثل الآن عالم الشمال عليها التزام تاريخي تجاه دول الجنوب ، فالأخيرة خضعت لعقود طويلة لنير استعمار الأولى وإبان فترة الاحتلال تم استنزاف هائل للموارد الطبيعية في الدول النامية لمصلحة الدول المتقدمة ، وحينما حصلت دول العالم الثالث على استقلالها وجدت نفسها ذات بنى مهترئة وفي وضع تبعية للدول المتقدمة يحول دون إمكان حدوث التنمية المستقلة .
ومن ناحية ثانية وبالأخذ في الاعتبار أن العالم في ظل النظام الدولي الجديد صار وبحق كأنه قرية صغيرة ، فإن الدول المتقدمة من مصلحتها أن تعمل على تنمية دول العالم الثالث حتى لا تتحول خطراً عليها ، بيد أن الأكثر أهمية لعلاج المشكلة الخانقة يتمثل في ضرورة أن تنهض الدول النامية بنفسها من خلال تهيئة المناخ لإحداث تنمية حقيقية ، وهذا يفرض عليها أولاً ضرورة انفتاح نظمها السياسية .
ألن ديفيد سميث
إن النظام العالمي الجديد الذي جاء ليدعم مفاهيم الديمقراطية وحقوق الإنسان واستقر في ظله مبدأ التدخل الإنساني ، جاء أيضاً ليشهد اتساع مساحة الفقر في العالم ، الأمر الذي يضع علامات استفهام كبيرة حول البنود الرئيسية التي تتضمنها أجندة النظام العالمي الجديد ، إذ أنه لا يمكن الوفاء في ظل تصاعد موجة الفقر بالحاجات الأساسية لنسبة كبيرة من سكان العالم المعاصر .
في هذا الإطار تشير الإحصاءات التابعة للأمم المتحدة إلى أن عدد الدول الفقيرة تصاعد بشكل مذهل خلال العقود الثلاثة الأخيرة .
ففي العام 1971م كان عدد الدول الفقيرة يبلغ (25) دولة ، ارتفع إلى48 دولة في مطلع التسعينات ، ثم تجاوز (63) دولة خلال العام 2000م ، وإن نصف سكان العالم الذي يبلغ حالياً نحو (6) بلايين نسمة (كان هذا العدد ثلاث بلايين فقط العام 1950م) يعيشون على أقل من دولار أميركي واحد للفرد يومياً ، بينما يعيش نحو (1.2) بليون شخص على دولار واحد في اليوم .
وتؤكد الإحصاءات الخاصة بالمنظمات الدولية أن مشكلة الفقر بلغت حداً خطيراً خلال السنوات القليلة الماضية ، إذ تشير آخر الإحصاءات الصادرة عن منظمة الأغذية والزراعة التابعة لمنظمة الأمم المتحدة إلى أن هناك حوالي (830) مليون شخص على مستوى العالم يشكلون ما نسبته نحو (14) في المائة من سكان العالم انحدرت بهم الحال من الفقر إلى حافة الجوع .
وبالنظر إلى عجز المجتمع الدولي عن مواجهة هذه الأوضاع المتدهورة عاماً بعد عام ، فإنه من المتوقع أن يتضاعف عدد السكان الذين يقبعون تحت خط الفقر خلال ال25 عاماً المقبلة إلى نحو (4) بلايين نسمة .
من ناحية أخرى ، تؤكد الإحصاءات الخاصة بوكالات الإغاثة الدولية أن هناك حوالي (13) طفلاً يموتون كل دقيقة في البلدان النامية بسبب مشكلة الفقر في وقت مازال ملايين الأطفال يعانون الفقر وسوء الرعاية الصحية والتهميش .
والواقع أن الدول المتقدمة ليست أفضل حالاً بشكل مطلق إلا حينما نقارنها بالوضع المتدهور في بلدان العالم الثالث ، إذ أن أغنى دولة في العالم ، وهي الولايات المتحدة الأميركية ، أدى التفاوت الشديد في توزيع الدخل بها إلى وقوع حوالي (20) في المائة من سكانها في دائرة الفقر ، و(13) في المائة من سكانها قبعوا فعلاً تحت خط الفقر ، والأكثر من ذلك أن بريطانيا تصنف حالياً في المرتبة العشرين ضمن (23) دولة في سجل الفقر النسبي ، إذ يعيش حوالي (20) في المائة من السكان تحت خط الفقر .
لكن الوضع في روسيا ، والتي تصنف ضمن قائمة الدول المتقدمة ، أكثر مأساوية ، إذ أدى انهيار الاتحاد السوفياتي إلى تساقط الاقتصاد الروسي ، وثمة الآن حوالي (50) مليون روسي من إجمالي (147) مليوناً هم جملة السكان الذين يعيشون تحت الفقر ، الإحصاءات على هذا النحو تثير حال فزع حقيقية ، والمشكلة ليست فقط في عجز المجتمع الدولي الآني عن علاج حال الفقر الآخذة في التصاعد بل عجزه عن رسم سياسات مستقبلية قادرة على التعاطي مع هذا التصاعد مما يعني أن هذه الحال سوف تتفاقم بشكل أكبر في المستقبل .
والواقع أن حال الفقر إذا كانت تمتد لتشمل الآن دولاً تنتمي إلى العالم الأول من الدول المتقدمة ، فإن المشكلة تدق بالنسبة إلى دول العالم النامي ، إذ أن فقر دول العالم المتقدم هو فقر نسبي ، أما الفقر المستشري في البلدان النامية فهو فقر مطلق تتبدى مؤشراته في الجوع والمرض والجهل ، إذ تشير الإحصاءات إلى أن حوالي (30) في المائة من سكان الدول النامية أميون .
إن نهاية الحرب الباردة تلتها متغيرات جديدة على صعيد العلاقات الدولية عمقت الفجوة بين الشمال الغني والجنوب الفقير ، فقد أدت نهاية عصر القطبية الثنائية إلى حدوث انخفاض حاد في قيمة المساعدات التي كانت تقدم من دول الشمال إلى الدول النامية ، والتي كانت تأتي في سياق سياسي إذ كانت الدول النامية محوراً للصراع بين القطبين ، ولذلك كانت المساعدات تتدفق إليها بهدف شراء ولائها لأي منهما .
لقد جاء النظام العالمي الجديد ليشهد تصاعد موجة العولمة الاقتصادية التي كانت إرهاصاتها بدأت في السبعينات من القرن العشرين ، وخلق هذا الوضع نظاماً للتنافس التجاري غير متكافئ بين الدول المتقدمة وبلدان العالم النامي ، الأمر الذي عمق من تبعية الأخيرة للأولى ، ودمر من ثم فرص النهوض الصناعي بالدول النامية .
ولأن النظام الاقتصادي الدولي في ظل عالم ما بعد الحرب الباردة دعم سياسة الخصخصة واقتصاد السوق الحرة ، فقد وجدت دول العالم النامي نفسها في سباق مع الزمن للتحول إلى النظام الرأسمالي ، وهو ما كان يعني القضاء على القطاع العام الذي قاد عملية التنمية لعقود طويلة ، وتشريد الملايين من العمال بعد تطبيق سياسة الإصلاح الاقتصادي وذلك وفقاً لمتطلبات صندوق النقد والبنك الدوليين .
والواقع أن هذا التوجه الاقتصادي لم يؤد إلا إلى تفاقم الأوضاع داخل الدول النامية وحدوث حالات عجز هائلة في الموازين التجارية لها ، إذ تشير الإحصاءات إلى أن قيمة الديون الخارجية للدول النامية تصاعدت من (750) بليون دولار العام 1982م إلى حوالي (1300) بليون دولار العام 1998م ، ومن المتوقع أن يصل الحجم الإجمالي لمديونية الدول النامية خلال العام 2002م إلى نحو (1500) بليون دولار .
وإذا كان النظام العالمي الجديد يزيد في تهميش وإفقار الدول النامية فإن في طبيعة تكوين هذه الدول نفسها ما يساعد على تفاقم الأوضاع بشكل أكبر ، فمعظم الدول النامية حديثة الاستقلال ولم تستطيع حتى الآن بناء المفهوم العصري للدولة .
فهذه الدول فشلت في حل أزمات التنمية السياسية التي تواجه الدول حديثة العهد بالاستقلال ، بل أن هذه الأزمات تضاعفت وأصبحت أزمات مركبة بفعل التوجيهات غير الديمقراطية التي اتبعتها الغالبية من هذه الدول .
إضافة إلى ذلك فإن انتقال هذه الدول إلى عالم الخصخصة والرأسمالية تم بطريقة غير منضبطة ، بل وعشوائية في كثير من الأحيان ، الأمر الذي أدى في الحقيقة إلى تحول معظم هذه الدول من عصر ملكية الدولة إلى احتكار الأفراد والشركات الكبرى ، وفي بعض الأحيان إلى الشركات الدولية العملاقة متعددة الجنسيات .
ويرى خبراء أن الغالبية الكاسحة من دول العالم الثالث مازالت تحكم بنظم تسلطية ، أو بديمقراطية شكلية ، حيث ينخر الفساد في النظم السياسية بما يعكس آثاره السلبية على إمكانات التوظيف الصحيح للموارد المتاحة ، وثمة تحالف عبر مكتوب بين السلطة والمال يعرقل جهود التنمية في المجالات المختلفة .
ويشير الخبراء إلى أن غياب الديمقراطية يعد سبباً جوهرياً ، وإن كان غير مباشر ، لتفشي حال الفقر في دول العالم الثالث ، وفي هذا الإطار لابد من تأكيد حقيقة الارتباط الجوهري بين الديمقراطية والتنمية ، وإذا كانت هناك حالات شهدت حدوث تنمية في ظل نظم حكم تسلطية ، فإن هذه الحالات تظل محدودة (دول جنوب شرق آسيا) ، ثم أن هذه الحالات تعثرت لاحقاً ، واضطرت هذه الدول هذه الدول السعي قدماً على طريق التحول الديمقراطي بعد أن أدركت حقيقة الارتباط المطلوب بين الديمقراطية وحدوث التنمية .
وبما أن العالم العربي جزء من العالم الثالث ، فقد كان من الطبيعي أن يعاني ما يعانيه هذا الأخير ، وفي القلب منه مشكلة الفقر ، إذ يبلغ عدد من يعيشون تحت خط الفقر في العالم العربي ما نسبته من (34) إلى (38) في المائة من إجمالي السكان الذين وصل عددهم العام الماضي إلى (248) مليون نسمة ، أي أن أكثر من ثلث العرب يعيشون تحت خط الفقر .
لكن هذه المشكلة تختلف حدتها من دولة إلى أخرى ، فقد تراجع ترتيب مصر - أكبر دولة عربية من حيث تعداد السكان - في دليل التنمية البشرية للأمم المتحدة من المرتبة (109) العام 1995م إلى المرتبة (120) العام 1999م من بين (175) دولة ، وتسبقها في الترتيب عربياً دول الخليج وسورية ولبنان ، ويقع تحت خط الفقر (48) في المائة من إجمالي السكان في مصر .
وفي اليمن فإن الأوضاع اكثر سوءاً ، حيث أدى برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي بدأت الدولة في تنفيذه العام 1995م في تعميق الفقر على رغم تطبيق برامج لمحاربته ، ومازال اليمن يصنف ضمن (40) دولة هي الأقل دخلاً في العالم ، ويصل نصيب الفرد من الدخل القومي الإجمالي إلى (380) دولاراً فقط سنوياً .
وتشير الإحصاءات إلى أن (40) في المائة من سكان الجزائر يعيشون تحت خط الفقر ، والمشكلة في السودان ودول القرن الإفريقي لا تقل خطورة بل أن الفقر بدأ يعرف طريقه إلى دول الخليج العربي وهي التي تتمتع بمستوى دخل مرتفع بفعل الثروات النفطية ، ففي الكويت وعلى رغم أن دخل المواطن من الأعلى في العالم ، إذ تقدر حصته بحوالي 17 ألفاً و400 دولار سنوياً من الناتج المحلي الإجمالي ، إلا أن هناك نحو مئتي أسرة كويتية تطلب مساعدات يومية من "صندوق الزكاة" الكويتي الذي يصرف حوالي (2500) مساعدة شهرية للمحتاجين .
تبدو معاناة العالم الثالث من مشكلة الفقر على هذا النحو جد خطيرة ، وهو ما يفرض على المجتمع الدولي التخطيط السليم والعاجل لواجهتها ، وذلك لاعتبارات عدة : فمن ناحية نجد أن الدول المتقدمة التي تمثل الآن عالم الشمال عليها التزام تاريخي تجاه دول الجنوب ، فالأخيرة خضعت لعقود طويلة لنير استعمار الأولى وإبان فترة الاحتلال تم استنزاف هائل للموارد الطبيعية في الدول النامية لمصلحة الدول المتقدمة ، وحينما حصلت دول العالم الثالث على استقلالها وجدت نفسها ذات بنى مهترئة وفي وضع تبعية للدول المتقدمة يحول دون إمكان حدوث التنمية المستقلة .
ومن ناحية ثانية وبالأخذ في الاعتبار أن العالم في ظل النظام الدولي الجديد صار وبحق كأنه قرية صغيرة ، فإن الدول المتقدمة من مصلحتها أن تعمل على تنمية دول العالم الثالث حتى لا تتحول خطراً عليها ، بيد أن الأكثر أهمية لعلاج المشكلة الخانقة يتمثل في ضرورة أن تنهض الدول النامية بنفسها من خلال تهيئة المناخ لإحداث تنمية حقيقية ، وهذا يفرض عليها أولاً ضرورة انفتاح نظمها السياسية .