منتديات الحوار الجامعية السياسية

على مقهى الحياة

المشرفون: عبدالله العجلان،عبد العزيز ناصر الصويغ

By عايد العنزي 36
#52682
تتعدد معاني الشرعية السياسية وفقاً لتعدد المدارس والرؤى التي يمكن أن تفسّر هذا المفهوم السياسي حسب تصورها الخاص، وبما يتناسب مع قناعاتها. ومع ذلك نجد أن هذا المفهوم كثير الاستخدام ومتعدد الدلالات. فماذا يعني؟
الشرعية السياسية بمفهومها المبسط تعني وجود شكل من أشكال الرضا والقبول المتبادل في الشأن السياسي.
وبالتالي يمكن تطبيق هذا المفهوم المبسط جداً على العديد من الظواهر، مثلاً عندما يتم وصف نتائج الانتخابات البرلمانية بأنها انتخابات تتمتع بـ (الشرعية السياسية) فإن المقصود من هذا الوصف أنها تحظى بالقبول والرضا من قبل معظم الأطراف داخل النظام السياسي. وكذلك الحال عندما يتم وصف أحد الأنظمة السياسية الحاكمة بأنه نظام يتمتع بـ (الشرعية السياسية) فإنه بالفعل يتمتع بالقبول والرضا من قبل مكونات المجتمع، وفي الوقت نفسه من القوى الإقليمية والدولية تجاه هذا النظام.
وعملية الرضا والقبول المتبادل تتطلب تنظيماً، وهو ما يوفره الدستور والقوانين الوطنية التي يفترض أن تقوم بدور الحامي الرئيس للشرعية السياسية للدولة أو للنظام الحاكم ولمؤسسات الدولة. وبالتالي فإن هذا التنظيم يقوم على نوع من أنواع الإلزام الطوعي الذي يمكن أن يقبله الجميع تجاه الأوضاع السياسية.
ومن الأهمية بمكان بيان الفرق بين الشرعية السياسية والمشروعية السياسية. فالمفهوم الأول ـ أي الشرعية السياسية ـ يتضمن القدرة على إضفاء الصفة القانونية لشيء ما، كما يتضمن صفة الإلزام، ويترتب عليه تحوّل القوة السياسية إلى سلطة. أما المفهوم الثاني وهو المشروعية السياسية فيقصد به عدم وجود رضا وقبول متبادل بين كافة الأطراف تجاه القضايا السياسية. فعلى سبيل المثال المشروعية لا تعني بالضرورة أن تحظى إحدى مؤسسات الدولة بالاحترام والاعتراف المتبادل من المواطنين وبالتالي قبولهم بالخضوع لإرادتها.
سؤال آخر مهم؛ هل هناك أنواع للشرعية السياسية بحيث يمكن تصنيف الشرعية في مختلف البلدان والمجتمعات؟
ابتكر علماء السياسية وطوروا تصنيفات متعددة للشرعية السياسية، وكان أشهرها وأكثرها دقة إسهامات ماكس فيبر الذي حدد ثلاثة أنواع للشرعية بحسب مصادرها وآلية تشكيلها، وهي كالآتي:
النوع الأول: الشرعية التقليدية: هي الشرعية المستمدة من التاريخ والعادات، بحيث تكون هذه الشرعية متوافق عليها منذ فترة زمنية طويلة، ويتم توارثها جيلاً بعد آخر. ومن أمثلتها الشرعية التي تستند عليها الأنظمة الملكية في العالم، فهذه الأنظمة تقوم على توافق تاريخي قديم بين الأسر المالكة وشعوب هذه البلدان، ويتم توارث هذا التوافق وتجديده أكثر من مرة طبقاً للظروف التي تشهدها هذه الدول.
النوع الثاني: الشرعية الكاريزمية: هي الشرعية التي تستند على قوة شخص معين، بحيث يكون هذا الشخص قادراً على التحكم في الدولة وشؤونها، ويتمتع بالقبول والرضا الشعبي العام من الجماهير التي تنظر إليه على أنه رمز من رموزها الوطنية، ويكون لهذه الشخصية نفوذ كبير وتأثير هائل على الجماهير وعلى كافة مؤسسات الدولة، بحيث يكون من الصعوبة بمكان منافسته. ومن الأمثلة على هذا النوع من الشرعية النظام الحاكم في مصر خلال فترة الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر، أو حتى شخصية غاندي الذي كانت شخصيته تتمتع بشرعية كاريزمية واسعة.
النوع الثالث: الشرعية القانونية: هي التي تستند إلى مجموعة من الأطر والقواعد الرسمية القانونية، بحيث يتم تنظيم حال الرضا والقبول المتبادل عبر الدساتير والقوانين والأنظمة الوطنية. ويعتبر هذا النوع من الشرعية أحدث الأنواع التي انتهت إليها الممارسات الإنسانية منذ القرن العشرين. أيضاً يعتمد هذا النوع على إحداث توافق عام من خلال عمليات الاقتراع التي يمكن أن تتم على المستوى الرئاسي، أو على المستوى البرلماني، أو مستوى المجالس البلدية أو المحلية.
ورغم وجود فوارق كبيرة بين هذه الأنواع الرئيسة للشرعية السياسية، إلا أنه لابد من الإشارة إلى أنه يمكن الجمع بين أكثر من نوع من الشرعية في الدول والأنظمة طبقاً لظروف كل مجتمع واحتياجاته.
في الوقت نفسه فإن هناك فرصاً كبيرة في أن تتغيّر الشرعية السياسية التي تعتمد عليها البلدان. ومن الأمثلة الواضحة على تحوّل الشرعية الانتقال الكبير الذي يمكن أن يطرأ على الأنظمة السياسية الملكية التي تحكم من قبل عائلات متوافق عليها عبر التاريخ وطبقاً لعادات معينة أنها تحولت في حالات كثيرة من شرعية تقليدية إلى شرعية قانونية، وسبب ذلك أنه تم التوافق بين النخبة الحاكمة ومكونات المجتمع على تنظيم طبيعة العلاقات بين الطرفين بشكل قانوني ومكتوب، ويتم ذلك عبر الدستور الذي يمكن أن يطرح في استفتاء شعبي عام، أو حتى ميثاق سياسي كما حدث في البحرين من خلال ميثاق العمل الوطني عندما تقرر تحويل الدولة إلى مملكة دستورية في 14 فبراير 2002. ويمكن أيضاً أن تتم هذه العملية من خلال القوانين والأنظمة المحلية التي تساعد على تنظيم حالة الرضا والقبول داخل الدولة نفسها.
ومن أهم القضايا المرتبطة بالشرعية السياسية مبدأ الاحترام المتبادل القائم على قواعد الدستور وأنظمة القوانين. ويعني ذلك أنه عندما يكون هناك توافق عام حول شرعية شخص ما أو مؤسسة ما فإن هذا التوافق يتطلب بالضرورة احتراماً متبادلاً ويتمتع بصفة الإلزام التي يجب احترامها والحفاظ عليها.