صفحة 1 من 1

انهيار الاتحاد السوفيتي

مرسل: الثلاثاء يوليو 17, 2012 8:51 pm
بواسطة محمد ملفي ٣٦
لي صديق عزيز يراسلني من اميركا باللغة الانجليزية احيانا قرأ كتابا صدر في الولايات المتحدة تحت عنوان "خيانة الاشتراكية" اعجبه فارسل لي نسخة منه. وبعد مدة ارسل رسالة طويلة حول الكتاب جاءت فيها العبارة التالية "انه افضل تحليل ماركسي شامل لحد الان لموضوع انهيار الاتحاد السوفييتي". فأجبته عليها باللغة الانجليزية. وقد تفضل صديقي العزيز بارسال الرسالة الى مؤلفي الكتاب طالبا منهما ابداء رأيهما فيها. واتمنى ان يرسلا جوابا على الرسالة. ونظرا لاهمية الموضوع رأيت ان اشارك قرائي العرب بها فترجمتها بشيء من التصرف فيما يلي مع حذف الاسماء.
صديقي العزيز
اشكرك جزيلا على ارسالك رسالة فلان الي. لقد قرأت كتاب "خيانة الاشتراكية" الذي تفضلت بارساله الي. انا لا اتفق معه على ان هذا الكتاب هو "افضل تحليل ماركسي شامل لحد الان لموضوع انهيار الاتحاد السوفييتي". ليست هذه الرسالة انتقادا للكتاب. في رسالتي هذه اود ان اكتب ملاحظات سريعة عن انهيار الاتحاد السوفييتي وخصوصا حول تحديد موعد هذا الانهيار.
اغلب الذين يكتبون عن هذا الموضوع يعتبرون ان انهيار الاتحاد السوفييتي وقع في ١٩٩١ حين تحقق انهياره رسميا فاصبح مجموعة دول راسمالية منفصلة عن بعضها. لذا يبحث هؤلاء الكتاب عن طرق كان يمكن ان تعيد الاتحاد السوفييتي الى وضعه المجيد السابق. يتحدثون عن الفرق بين هذا القائد او ذاك، ويعتقدون مثلا انه لو عاش اندروبوف عدة سنوات اخرى لكان انجز هذا الهدف. يتحدثون عن الاصلاحات التي وعد بها غورباشوف في ثمانينات القرن العشرين وغير ذلك. من رأيي ان هذا الشكل من بحث انهيار الاتحاد السوفييتي غير صحيح وعليه فهو ليس ماركسيا. انه مجرد نوع من عبادة اسم "الاتحاد السوفييتي".
لقد وقع الانهيار الحقيقي للاتحاد السوفييتي في اليوم الخامس من آذار ١٩٥٣ اليوم الذي توفي فيه ستالين او قتل. انا لا اتحدث هنا عن المؤامرات والكتل الانتهازية السابقة التي مهدت الطريق لمثل هذا التغيير الكارثي. انا اتحدث عن وقوع التغيير ذاته.
في هذا التاريخ نقضت دولة الاتحاد السوفييتي بصورة رجعية. من دكتاتورية البروليتاريا اصبحت دكتاتورية برجوازية. من دولة تقوم بادارة كامل الاقتصاد وفقا لقانون التطور المتوازن للاقتصاد الوطني الذي يعمل وفقا للقانون الاقتصادي الاساسي للاشتراكية، "ضمان التلبية القصوى للمتطلبات المادية والثقافية المتعاظمة باستمرار للمجتمع كله..." الى دولة تدير الاقتصاد كله وفقا للقانون الاقتصادي الاساسي للراسمالية، "ضمان اقصى الارباح" للطبقة الراسمالية. بقي اسم الاتحاد السوفييتي ثابتا لمدة اربعين عاما ولكنه لم يبق الاتحاد السوفييتي الذي احببناه واعتززنا به باعتباره الوطن الاول للبروليتاريا العالمية.
كان التغيير الكبير الاول اعتبار اقتصاد البلاد كله الذي كانت تديره دكتاتورية البروليتاريا لمصلحة الشعب كله ملكية خاصة. فقد تصرف الحكام الجدد بكامل الثروة الوطنية وكأنها ملكيتهم الخاصة وسلكوا طبقا لذلك.
ان القانون الراسمالي في ان الطبقة الراسمالية يجب ان تجد في السوق اناسا لا يملكون سوى قوة عملهم لبيعها لم يكن متوفرا بالنسبة لهذه الدولة البرجوازية الجديدة. فقد استلمت الدولة الجديدة مجتمعا اشتراكيا يمتلك كل شيء. كان على هؤلاء الحكام ان يبذلوا جهدهم لمدة طويلة من اجل خلق مثل هؤلاء الناس، ان يخلقوا من شعب يملك كل شيء طبقة بروليتارية لا تملك سوى قوة عملها . كان عليهم ان يسلبوا من الشعوب كلها جميع الحقوق الاقتصادية والثقافية والاجتماعية التي حصلوا عليها وامتلكوها في ظل النظام الاشتراكي. لذا كان على هذه الدولة الجديدة ان تفعل ذلك سرا مع الكثير من الثرثرة عن الاشتراكية واللينينية والماركسية الخلاقة والتطور نحو الشيوعية لكي يخفوا طبيعتهم الراسمالية.
من الصعب في رسالة سريعة كهذه مناقشة جميع التدابير التي اتخذتها هذه الدولة من اجل انجاز اهدافها الحقيقية، افقار الشعوب كلها. احد الاجراءات الهامة كان طبع النقود الورقية بدون حدود مما يعني الحصول على الخدمات مجانا بدون مقابل مما ادى الى ارتفاع هائل في الاسعار والى تضخم نقدي كارثي وفقا لقانون النقود الماركسي. وادى ذلك لاحقا الى سوق سوداء مروعة.
ونظريا خانوا الماركسية اللينينية بمهاجمتهم ستالين. كان ستالين اعظم لينيني بعد لينين. وقد قاد الحزب البلشفي والشعوب السوفييتية في بناء مجتمع اشتراكي. انه فضح ودحر كافة النظريات الانتهازية اليمينية و"اليسارية" التي كانت تهدف الى اعادة الراسمالية. كذلك وضع الاسلوب الدقيق للتقدم نحو الشيوعية. وعليه فان الهجوم على ستالين كان ومازال هجوما على الماركسية اللينينية.
اجراء اخر بالغ الاهمية كان بيع المكائن الزراعية الى التعاونيات الزراعية وبذلك حولوا هذه المكائن من ملكية الشعب الى سلع جلبت للدولة البرجوازية الجديدة ارباحا طائلة وجلبت تدميرا هائلا للمزارع التعاونية.
واجراء اخر بالغ الاهمية كان بيع المعامل الى "عمالها" لغرض خلق المنافسة. وهذا ادى الى نهاية التطور المبرمج للاقتصاد.
واجراء اخر بالغ الاهمية كان دعوة الراسمال الاجنبي الذي عمل رسميا وفق اسلوب راسمالي وشراء القوة العاملة.
وقد حول قادة الحزب الجدد سياسيا هذا الحزب الى حزب تحريفي مع كل عمليات الملاحقة الضرورية في داخل الحزب لهذا الغرض. وفي الميدان العالمي قاموا بتفسيخ الاحزاب الشيوعية بواسطة الرشاوى وبتغيير جميع القادة الماركسيين بالقوة. انهم دمروا الوحدة الشيوعية العالمية. انهم ساندوا جميع الحكام الرجعيين في العالم ومنعوا ايا من الاحزاب الشيوعية الحليفة عن قيادة اية حركة ثورية حقيقية. واصبحوا من اكبر تجار السلاح في العالم. وجهزوا اكثر الاقطار الرجعية بالسلاح لكي يستخدموه لتحطيم الحركات الشعبية والحركات الثورية. لقد كرروا عبارة لينين "من الشرارة يندلع اللهيب" ولكن في الاتجاه المعاكس زاعمين ان اية ثورة في اي قطر صغير في العالم ستقود الى حرب ذرية. انهم حتى اقنعوا بعض الاحزاب الشيوعية على حل أنفسها والانضمام الى احزاب برجوازية او بتي برجوازية بحجة ان البروليتاريا ليست بعد من النضوج بما يكفي لقيادة الحركات الثورية او حتى بالادعاء بعدم وجود "بروليتاريا وطنية" في اقطار ما يسمى العالم الثالث. لذا كان من رأيهم ان البتي برجوازية يجب ان تقود الحركات الثورية لمدة طويلة قبل ان تصبح البروليتاريا ناضجة للقيادة.
من المتعذر في رسالة قصيرة كهذه مناقشة جميع الاجراءات التي ادت الى افقار الشعوب السوفييتية لغرض خلق قوة عاملة من البروليتاريا الجديدة للبيع. كان عليهم في هذه الفترة ان يخفوا اوجههم البرجوازية الحقيقية بقناع من الثرثرة الماركسية الى ان انتفت الحاجة الى التظاهر بكونهم ماركسيين حين كشفوا عن اوجههم البرجوازية الحقيقية. وهذا ما حدث في ١٩٩١.
وبايجاز أصبح الاتحاد السوفييتي في هذه الفترة عدوا للانسانية اشد خطورة من الاقطار الامبريالية لان هذه الاخيرة عدو معروف بينما الاتحاد السوفييتي كان عدوا من داخل الحركة الشيوعية. انني اتفق مع عضو الحزب الشيوعي البلشفي الذي كتب في العدد الاخير من مجلة "نورث ستار كومباس" الصادرة في كندا بان عودة الاشتراكية لا يمكن انجازها الا بثورة جديدة واضيف ان هذا الوضع كان منذ الانهيار الحقيقي للاتحاد السوفييتي في سنة ١٩٥٣ وليس بعد ١٩٩١.
ان معاملة الاتحاد السوفييتي في عهد الخروشوفيين بنفس الطريقة التي نعامل بها اتحادنا السوفييتي الاشتراكي خطأ فظيع.
المخلص
حسقيل قوجمان
٤ تشرين الثاني ٢٠٠٤