أزمة الصواريخ الكوبية
مرسل: الثلاثاء يوليو 17, 2012 8:54 pm
ازمة الصواريخ الكوبية
ازمة الصواريخ الكوبية
الثورة الكوبية 1959
لجزيرة كوبا اهمية عالمية فهي اكبر جزيرة في بحر الانتيل ولقربها من الولايات المتحدة اكتسبت اهمية استراتيجية عظمى لدى حكومتها . وكان يحكم كوبا منذ عام 1940 الزعيم باتيستا حكما دكتاتوريا اثار ضده زعيما يساريا وهو المحامي فيدل كاستروا لذي دعا سنة 1953 الى تغيير النظام السياسي في كوبا بقوة السلاح
شكّل كاسترو قوّة قتالية هاجم بها إحدى الثكنات العسكرية وأسفر هذا الهجوم عن سقوط 80 من أتباعه وإلقاء القبض على كاسترو. حكمت المحكمة على كاسترو بالسجن 15 عاماً وأطلق سراحه في مايو 1955م، و نفي بعدها إلى المكسيك ، حيث كان أخوه راؤول و رفاقه يجمعون شملهم للثورة ، و كان قد التحق إرنستو تشي جيفارا بالثوار ليتعرف على فيديل كاسترو و يصبح جزء من المجموعة الثورية التي لم تتجاوز عددها 82 شاب تم تجميعهم في مزرعة بالمكسيك لتدريبهم على أساليب حرب العصابات على يد محارب أسباني متقاعد. ثم تحرك الجيش الصغير ذاهبًا إلى كوبا على متن سفينة ستدخل التاريخ اسمها "جرانادا"، ليصل إليها في 2 ديسمبر 1956. وعلى مدى أكثر من عامين، حارب جيش كاسترو (الذي توسع ليصبح بالآلاف) نظام باتيستا على طريقة حرب العصابات التي بدأت من القرى والجبال ووصلت في النهاية إلى المدن الكبرى ثم العاصمة هافانا التي دخلها جيش كاسترو منتصرا في 8 يناير 1959.
توتر العلاقات الكوبية الامريكية
على الرغم من ان الحكومة الامريكية اعترفت بالحكومة الكوبية الجديدة وكان كاسترو رئيساً للحكومة آنذاك. ولكن سرعان ما بدأت العلاقات الأمريكية الكوبية بالتدهور عندما اقدم فيدل كاسترو وبهدف تحسين الاقتصاد الكوبي على تأميم بعض الشركات الأمريكية .
و في ابريل من 1959، زار الرئيس كاسترو الولايات المتحدة والتقى مع نائب الرئيس ريتشارد نيكسون، وتذرّع الرئيس الأمريكي إيزنهاور لعدم استطاعته اللقاء مع كاسترو لارتباطه بلعبة الغولف وعندما عاد كاسترو الى كوبا قام بتأميم جميع المصالح الأمريكية في كوبا .
ردت الولايات على ذلك بفرض المقاطعة التجارية على كوبا وقطعت علاقاتها الدبلوماسية بها وفتحت ابواب الهجرة الى الولايات المتحدة الأمريكية لأعداء كاسترو وخصومه السياسيين. ونظمت الولايات المتحدة الامريكية بوساطة وكالة المخابرات المركزية الامريكية عدة محاولات استهدفت اغتيال فيدل كاسترو وقلب نظام حكمه لكن جميع تلك المحاولات باءت بالفشل
ونتيجة للسياسة الأمريكية المعادية لكوبا ، اتجه كاسترو صوب الاتحاد السوفييتي محولا كوبا الى اول دولة شيوعية في العالم الغربي وقام بالتوقيع على شتّى أنواع المعاهدات مع الاتحاد السوفييتي، وبدأت المساعدات المالية واللوجستية السوفييتية تنهال على كوبا.
عملية خليج الخنازير
لقد كانت اولى الاهتمامات التي حرص عليها الرئيس كندي بعد استلامه منصب الرئاسة هو تصعيد السياسة المعادية لكوبا والتي بدأها سلفة ايزنهاور حيث وافق كندي على خطة انزال قوات من المتمردين الكوبيين كان قد تم تدريبهم من قبل وكالة المخابرات الامريكية في غواتيملا وجهزوا بالاسلحة على السواحل الكوبية بواسطة سفن تجارية مستأجرة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية كما تم تجهيز طائرات حربية يقودها طيارين كوبيين لضرب الأهداف الحيوية في كوبا .
وقد كانت موافقة كندي مشروطة بعدم إشراك القوات الأمريكية بشكل مباشر في عملية الانزال حتى تظهر للعالم بان العملية صراع داخلي على السلطة فضلا عن عدم رغبته بالاصطدام بالاتحاد السوفيتي حليف النظام الكوبي.
في 15 نيسان 1961 انطلقت عملية الغزو بعدة سفن محملة بالمتمردين الكوبيين بهدف إنزالهم على السواحل الكوبية في خليج الخنازير والتي ستكون نقطة الارتكاز لانطلاق تلك القوات وانتشارها داخل الأراضي الكوبية في ذات القوت شنت الطائرات الامريكية عدة هجمات على المواقع الكوبية الا انه مع مرور اليوم الاول والثاني من العملية اتضح انها لم تسير وفق ما خطط لها فقد تمكنت الدفاعات الكوبية من اسقاط عدد من الطائرات المغيرة كما تمكن الجيش والمليشيات المساندة لكاسترو من مهاجمة السفن وافشال عملية الإنزال . ولم تمضي أربعة أيام على الهجوم حتى اتضح ان عملية خليج الخنازبر قد فشلت .
نشر الصواريخ السوفيتية في كوبا
لقد كان لهذه العملية ونتائجها التي اعتبرت هزيمة لكندي وأرائه ذات تأثير سلبي على الولايات المتحدة الأمريكية وعلى الرئيس شخصيا اذ افتتح عهده في البيت الابيض بفشل كبير على صعيد السياسة الخارجية . ولا سيما ان وصوله للحكم جاء على خلفية وعوده وحطاباته النارية التي توعد فيها أعدائه بالمنطقة والعالم بأخطر العواقب . كما قام كندي بتغيير شامل في ادراته خاصة في وكالة الاستخبارات اذ تمت اقالة رئيس الوكالة الان دالس فضلا عن تزعزع الثقة بين الرئيس والدوائر المحيطة به لا سيما العسكرية منها والبدء بالاعتماد على تقديراته وتحيلالته مع استشارة المقربين منه .
من جهة اخرى حفزت عملية الغزو القيادة الكوبية واعطتها المبررات الكافية بالعمل لحماية نفسها وامتلاك قوة رداعة مما هيأ الأجواء لولادة ازمة جديدة اخطر من سابقتها على السلام العالمي .
فقد تصاعدت وتيرة التحالف الاستراتيجي بين كوبا والاتحاد السوفيتي لتبلغ ذروتها بقيام الأخير بنصب قواعد عسكرية لإطلاق صواريخ متوسطة وبعيدة المدى تحمل رؤوسا نووية داخل الأراضي الكوبية . وأشار الرئيس الكوبي فيدل كاسترو في حديث صحفي الى انه اراد نصب هذه الصواريخ لإفهام الولايات المتحدة بان ضرب كوبا يعني الحرب على السوفيت .
وقد جرت عملية نشر الصواريخ الكوبية في كوبا بسرية تامة واطلق عليها اسم عملية انادير .وعلمت الاستخبارات الأمريكية بخطة السوفييت تلك بعد ثلاثة اسابيع من بدئها ، فسارعت الادارة الامريكية للبحث عن الوسائل الممكنة لوقف هذا الخطر الداهم على حدودها . وشكلت لجنة في تشرين الاول 1962 اطلق عليها اسم اللجنة التنفيذية لمجلس الامن الوطني ضمت 14 عضوا بالاضافة الى روبرت كندي شقيق الرئيس الامريكي وذلك لايجاد افضل السبل لمعاجلة الموقف .
كان الرئيس كندي متأثرا وهو يبحث هذه الأزمة ويضع الخيارات المناسبة لمواجهتها بعدة أمور منها
1- التجربة الفاشلة لغزو كوبا عام 1961 ونتائجها
2- مخاطر المواجهة المباشرة مع الاتحاد السوفيتي وكل ما يعني ذلك من احتمالات كارثية على الولتين
3- عدم تقبل كندي لتهديد نووي على حدوده يضغط عليه ويحد من قدرته في تنفيذ السياسة الخارجية التي رسمها تجاه مختلف المناطق ومن بينها امريكا اللاتينية
في 22 تشرين الاول 1962 وجه الرئيس خطابا الى الشعب الأمريكي اتهم فيه الاتحاد السوفيتي بالاعداد لهجوم نووي ضد الاراضي الامريكية واشار الى وجود قواعد لصورايخ هجومية على الاراضي الكوبية وانها تحمل رؤوس نووية وان هذه الصواريخ يمكنها الوصول الى الى جميع الاراضي الامريكية واعلن في الخطاب نفسه عن اتخاذ اجراءات عدة اهمها .
1- فرض حصار بحري شامل مشدد حول الشواطئ الكوبية بغية منع وصول الاسلحة والصواريخ اليها
2- اصدار الاوامر للاستعداد العسكري للقوات الامريكية من بينها وضع منصات الصواريخ النووية في حالة تاهب قصوى وابحار 18 سقينة حربية في البحر الكاريبي فضلا عن تحليق الطائرات العملاقة بي 52 وهي في حالة استعداد هجومي بالاسلحة النووية
3- توسيع حالة التهديد ليشمل الاتحاد السوفيتي اذا اعلن ان الرد سوف يشمل الاتحاد وقواعده في العالم
ونتيجة لخطورة الموقف فقد تبادل الرئيسان الامريكي والسوفيتي عدة رسائل ركز فيها خروتشوف على ثلاث نقاط اساسية هي
1- سحب الصواريخ من كوبا وتفكيك قواعدها
2- رفع الحصار عن كوبا والتعهد بعدم غزوها
3- ان توافق الولايات المتحدة الامريكية على تفكيك صواريخها في تركيا المعروفه باسم ( جوبيتير )
إقترح كيندي بتبني عرض خروتشوف لإبعاد شبح الصواريخ، لكن اللجنة كانت ضد النقطة الثالثة لأنها تضعف هيبة الناتو، والحكومة التركية كانت قد كررت رفضها لمثل هذا العرض. مما زاد من توتر النقاش ما بين الولايات المتحدة والإتحاد السوفييتي. اسقاط طائرة تجسس امريكية u-2بواسطة صواريخ سوفييتية موضوعة بكوبا يوم 27 تشرين الاول 1962 ومقتل طيارها
لكن الشيء الذي يجهله معظم أعضاء تلك اللجنة أن روبرت كيندي وبموافقة الرئيس الامريكي نفسه قد قابل السفير السوفيتي في واشنطن يوم 27 تشرين الاول ودارت بين الطرفين مفاوضات سرية تضمنت سحب الصواريخ السوفيتية من كوبا مقابل سحب صواريخ جوبيتر من تركيا في غضون اربع او خمسة اشهر من سحب الصواريخ السوفيتية من كوبا .
وفي صباح اليوم الثاني 28 تشرين الاول 1962 اذاع راديو موسكو موافقة خروتشوف على سحب الصواريخ السوفيتية من كوبا مقابل تعهد الولايات المتحدة بعدم غزو كوباواحتفظ خروتشوف بسرية اتصالات روبرت كندي مع سفيره في واشنطن بخصوص سحب صواريخ جوبيتير من تركيا
في 26 نيسان 1963، أي بعد ستة شهور من محادثات روبرت كندي مع السفير دوبرنيين تم سحب صواريخ جوبيتير من تركيا ، ولم يتم أبلاغ أي من زعماء حلف الناتو، والتبريرات التي قدمت لسحب الصواريخ جوبيتير هي إجراء عمليات صيانة شاملة عليها، وأنها ستستبدل بصواريخ بولاريس التي تطلق من الغواصات.
واخيرا يجب الاشارة الى نقطة مهمة وهي ان المؤرخين الليبراليين اليساريون يؤكدون ، بأن سياسة كندي تجاه السوفيت في قضية الصواريخ والإنذار وصلت إلى حافة الكارثة و كادت أن تشعل حرباً بين البلدين . فهل صحيح ان كندي كان ذاهبا الى حد المواجهة العسكرية مع السوفيت؟
في ظل الحقائق التي كشف عنها مؤخرا لا يبدو ذلك محتملا فالرئيس وشقيقه كانا قد قررا بأنهما سوف لن يستخدمان القوة المسلحة ضد الروس في كوبا ، حتى في حالة رفض خروتشوف للمفاوضات السرية ، فخلال مفاوضات روبرت كندي مع السفير دوبرنين، تحادث الرئيس في القصر الأبيض مع وزير الخارجية دين راسك وفقط في عام 1987 كتب راسك عن هذه المحادثة وهو يبلغ اليوم 78 سنة من العمر، كتب في رسالة إلى مستشار الأمن القومي في ذلك الوقت ماك جورج بوندييزيح فيها الستار عن تلك المحادثة.
الرئيس كندي كان قد قرر تكليف وزير خارجيته دين راسك بتحقيق اتصال مع سكرتير الأمم المتحدة يوثانت بواسطة رجل اتصالات موثوق وهو أندرية كودير وإيصال نص تلفوني إليه بطرح مقترح إلى القوى العظمى(والحديث لراسك) بسحب الصواريخ سواء الجوبيتير الأمريكية، أو صواريخ كوبا، إذا رفضت موسكو المحادثات والصفقة السرية، وسيقوم رجل الاتصالات كودير وبناء على إشارة رمزية من واشنطن بوضع المقترح أمام السكرتير العام للأمم المتحدة مع الرجاء أن يتقدم بطرحها كمقترحات شخصية منه على الاتحاد السوفيتي وإبلاغ الأمم المتحدة بذلك.
ازمة الصواريخ الكوبية
الثورة الكوبية 1959
لجزيرة كوبا اهمية عالمية فهي اكبر جزيرة في بحر الانتيل ولقربها من الولايات المتحدة اكتسبت اهمية استراتيجية عظمى لدى حكومتها . وكان يحكم كوبا منذ عام 1940 الزعيم باتيستا حكما دكتاتوريا اثار ضده زعيما يساريا وهو المحامي فيدل كاستروا لذي دعا سنة 1953 الى تغيير النظام السياسي في كوبا بقوة السلاح
شكّل كاسترو قوّة قتالية هاجم بها إحدى الثكنات العسكرية وأسفر هذا الهجوم عن سقوط 80 من أتباعه وإلقاء القبض على كاسترو. حكمت المحكمة على كاسترو بالسجن 15 عاماً وأطلق سراحه في مايو 1955م، و نفي بعدها إلى المكسيك ، حيث كان أخوه راؤول و رفاقه يجمعون شملهم للثورة ، و كان قد التحق إرنستو تشي جيفارا بالثوار ليتعرف على فيديل كاسترو و يصبح جزء من المجموعة الثورية التي لم تتجاوز عددها 82 شاب تم تجميعهم في مزرعة بالمكسيك لتدريبهم على أساليب حرب العصابات على يد محارب أسباني متقاعد. ثم تحرك الجيش الصغير ذاهبًا إلى كوبا على متن سفينة ستدخل التاريخ اسمها "جرانادا"، ليصل إليها في 2 ديسمبر 1956. وعلى مدى أكثر من عامين، حارب جيش كاسترو (الذي توسع ليصبح بالآلاف) نظام باتيستا على طريقة حرب العصابات التي بدأت من القرى والجبال ووصلت في النهاية إلى المدن الكبرى ثم العاصمة هافانا التي دخلها جيش كاسترو منتصرا في 8 يناير 1959.
توتر العلاقات الكوبية الامريكية
على الرغم من ان الحكومة الامريكية اعترفت بالحكومة الكوبية الجديدة وكان كاسترو رئيساً للحكومة آنذاك. ولكن سرعان ما بدأت العلاقات الأمريكية الكوبية بالتدهور عندما اقدم فيدل كاسترو وبهدف تحسين الاقتصاد الكوبي على تأميم بعض الشركات الأمريكية .
و في ابريل من 1959، زار الرئيس كاسترو الولايات المتحدة والتقى مع نائب الرئيس ريتشارد نيكسون، وتذرّع الرئيس الأمريكي إيزنهاور لعدم استطاعته اللقاء مع كاسترو لارتباطه بلعبة الغولف وعندما عاد كاسترو الى كوبا قام بتأميم جميع المصالح الأمريكية في كوبا .
ردت الولايات على ذلك بفرض المقاطعة التجارية على كوبا وقطعت علاقاتها الدبلوماسية بها وفتحت ابواب الهجرة الى الولايات المتحدة الأمريكية لأعداء كاسترو وخصومه السياسيين. ونظمت الولايات المتحدة الامريكية بوساطة وكالة المخابرات المركزية الامريكية عدة محاولات استهدفت اغتيال فيدل كاسترو وقلب نظام حكمه لكن جميع تلك المحاولات باءت بالفشل
ونتيجة للسياسة الأمريكية المعادية لكوبا ، اتجه كاسترو صوب الاتحاد السوفييتي محولا كوبا الى اول دولة شيوعية في العالم الغربي وقام بالتوقيع على شتّى أنواع المعاهدات مع الاتحاد السوفييتي، وبدأت المساعدات المالية واللوجستية السوفييتية تنهال على كوبا.
عملية خليج الخنازير
لقد كانت اولى الاهتمامات التي حرص عليها الرئيس كندي بعد استلامه منصب الرئاسة هو تصعيد السياسة المعادية لكوبا والتي بدأها سلفة ايزنهاور حيث وافق كندي على خطة انزال قوات من المتمردين الكوبيين كان قد تم تدريبهم من قبل وكالة المخابرات الامريكية في غواتيملا وجهزوا بالاسلحة على السواحل الكوبية بواسطة سفن تجارية مستأجرة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية كما تم تجهيز طائرات حربية يقودها طيارين كوبيين لضرب الأهداف الحيوية في كوبا .
وقد كانت موافقة كندي مشروطة بعدم إشراك القوات الأمريكية بشكل مباشر في عملية الانزال حتى تظهر للعالم بان العملية صراع داخلي على السلطة فضلا عن عدم رغبته بالاصطدام بالاتحاد السوفيتي حليف النظام الكوبي.
في 15 نيسان 1961 انطلقت عملية الغزو بعدة سفن محملة بالمتمردين الكوبيين بهدف إنزالهم على السواحل الكوبية في خليج الخنازير والتي ستكون نقطة الارتكاز لانطلاق تلك القوات وانتشارها داخل الأراضي الكوبية في ذات القوت شنت الطائرات الامريكية عدة هجمات على المواقع الكوبية الا انه مع مرور اليوم الاول والثاني من العملية اتضح انها لم تسير وفق ما خطط لها فقد تمكنت الدفاعات الكوبية من اسقاط عدد من الطائرات المغيرة كما تمكن الجيش والمليشيات المساندة لكاسترو من مهاجمة السفن وافشال عملية الإنزال . ولم تمضي أربعة أيام على الهجوم حتى اتضح ان عملية خليج الخنازبر قد فشلت .
نشر الصواريخ السوفيتية في كوبا
لقد كان لهذه العملية ونتائجها التي اعتبرت هزيمة لكندي وأرائه ذات تأثير سلبي على الولايات المتحدة الأمريكية وعلى الرئيس شخصيا اذ افتتح عهده في البيت الابيض بفشل كبير على صعيد السياسة الخارجية . ولا سيما ان وصوله للحكم جاء على خلفية وعوده وحطاباته النارية التي توعد فيها أعدائه بالمنطقة والعالم بأخطر العواقب . كما قام كندي بتغيير شامل في ادراته خاصة في وكالة الاستخبارات اذ تمت اقالة رئيس الوكالة الان دالس فضلا عن تزعزع الثقة بين الرئيس والدوائر المحيطة به لا سيما العسكرية منها والبدء بالاعتماد على تقديراته وتحيلالته مع استشارة المقربين منه .
من جهة اخرى حفزت عملية الغزو القيادة الكوبية واعطتها المبررات الكافية بالعمل لحماية نفسها وامتلاك قوة رداعة مما هيأ الأجواء لولادة ازمة جديدة اخطر من سابقتها على السلام العالمي .
فقد تصاعدت وتيرة التحالف الاستراتيجي بين كوبا والاتحاد السوفيتي لتبلغ ذروتها بقيام الأخير بنصب قواعد عسكرية لإطلاق صواريخ متوسطة وبعيدة المدى تحمل رؤوسا نووية داخل الأراضي الكوبية . وأشار الرئيس الكوبي فيدل كاسترو في حديث صحفي الى انه اراد نصب هذه الصواريخ لإفهام الولايات المتحدة بان ضرب كوبا يعني الحرب على السوفيت .
وقد جرت عملية نشر الصواريخ الكوبية في كوبا بسرية تامة واطلق عليها اسم عملية انادير .وعلمت الاستخبارات الأمريكية بخطة السوفييت تلك بعد ثلاثة اسابيع من بدئها ، فسارعت الادارة الامريكية للبحث عن الوسائل الممكنة لوقف هذا الخطر الداهم على حدودها . وشكلت لجنة في تشرين الاول 1962 اطلق عليها اسم اللجنة التنفيذية لمجلس الامن الوطني ضمت 14 عضوا بالاضافة الى روبرت كندي شقيق الرئيس الامريكي وذلك لايجاد افضل السبل لمعاجلة الموقف .
كان الرئيس كندي متأثرا وهو يبحث هذه الأزمة ويضع الخيارات المناسبة لمواجهتها بعدة أمور منها
1- التجربة الفاشلة لغزو كوبا عام 1961 ونتائجها
2- مخاطر المواجهة المباشرة مع الاتحاد السوفيتي وكل ما يعني ذلك من احتمالات كارثية على الولتين
3- عدم تقبل كندي لتهديد نووي على حدوده يضغط عليه ويحد من قدرته في تنفيذ السياسة الخارجية التي رسمها تجاه مختلف المناطق ومن بينها امريكا اللاتينية
في 22 تشرين الاول 1962 وجه الرئيس خطابا الى الشعب الأمريكي اتهم فيه الاتحاد السوفيتي بالاعداد لهجوم نووي ضد الاراضي الامريكية واشار الى وجود قواعد لصورايخ هجومية على الاراضي الكوبية وانها تحمل رؤوس نووية وان هذه الصواريخ يمكنها الوصول الى الى جميع الاراضي الامريكية واعلن في الخطاب نفسه عن اتخاذ اجراءات عدة اهمها .
1- فرض حصار بحري شامل مشدد حول الشواطئ الكوبية بغية منع وصول الاسلحة والصواريخ اليها
2- اصدار الاوامر للاستعداد العسكري للقوات الامريكية من بينها وضع منصات الصواريخ النووية في حالة تاهب قصوى وابحار 18 سقينة حربية في البحر الكاريبي فضلا عن تحليق الطائرات العملاقة بي 52 وهي في حالة استعداد هجومي بالاسلحة النووية
3- توسيع حالة التهديد ليشمل الاتحاد السوفيتي اذا اعلن ان الرد سوف يشمل الاتحاد وقواعده في العالم
ونتيجة لخطورة الموقف فقد تبادل الرئيسان الامريكي والسوفيتي عدة رسائل ركز فيها خروتشوف على ثلاث نقاط اساسية هي
1- سحب الصواريخ من كوبا وتفكيك قواعدها
2- رفع الحصار عن كوبا والتعهد بعدم غزوها
3- ان توافق الولايات المتحدة الامريكية على تفكيك صواريخها في تركيا المعروفه باسم ( جوبيتير )
إقترح كيندي بتبني عرض خروتشوف لإبعاد شبح الصواريخ، لكن اللجنة كانت ضد النقطة الثالثة لأنها تضعف هيبة الناتو، والحكومة التركية كانت قد كررت رفضها لمثل هذا العرض. مما زاد من توتر النقاش ما بين الولايات المتحدة والإتحاد السوفييتي. اسقاط طائرة تجسس امريكية u-2بواسطة صواريخ سوفييتية موضوعة بكوبا يوم 27 تشرين الاول 1962 ومقتل طيارها
لكن الشيء الذي يجهله معظم أعضاء تلك اللجنة أن روبرت كيندي وبموافقة الرئيس الامريكي نفسه قد قابل السفير السوفيتي في واشنطن يوم 27 تشرين الاول ودارت بين الطرفين مفاوضات سرية تضمنت سحب الصواريخ السوفيتية من كوبا مقابل سحب صواريخ جوبيتر من تركيا في غضون اربع او خمسة اشهر من سحب الصواريخ السوفيتية من كوبا .
وفي صباح اليوم الثاني 28 تشرين الاول 1962 اذاع راديو موسكو موافقة خروتشوف على سحب الصواريخ السوفيتية من كوبا مقابل تعهد الولايات المتحدة بعدم غزو كوباواحتفظ خروتشوف بسرية اتصالات روبرت كندي مع سفيره في واشنطن بخصوص سحب صواريخ جوبيتير من تركيا
في 26 نيسان 1963، أي بعد ستة شهور من محادثات روبرت كندي مع السفير دوبرنيين تم سحب صواريخ جوبيتير من تركيا ، ولم يتم أبلاغ أي من زعماء حلف الناتو، والتبريرات التي قدمت لسحب الصواريخ جوبيتير هي إجراء عمليات صيانة شاملة عليها، وأنها ستستبدل بصواريخ بولاريس التي تطلق من الغواصات.
واخيرا يجب الاشارة الى نقطة مهمة وهي ان المؤرخين الليبراليين اليساريون يؤكدون ، بأن سياسة كندي تجاه السوفيت في قضية الصواريخ والإنذار وصلت إلى حافة الكارثة و كادت أن تشعل حرباً بين البلدين . فهل صحيح ان كندي كان ذاهبا الى حد المواجهة العسكرية مع السوفيت؟
في ظل الحقائق التي كشف عنها مؤخرا لا يبدو ذلك محتملا فالرئيس وشقيقه كانا قد قررا بأنهما سوف لن يستخدمان القوة المسلحة ضد الروس في كوبا ، حتى في حالة رفض خروتشوف للمفاوضات السرية ، فخلال مفاوضات روبرت كندي مع السفير دوبرنين، تحادث الرئيس في القصر الأبيض مع وزير الخارجية دين راسك وفقط في عام 1987 كتب راسك عن هذه المحادثة وهو يبلغ اليوم 78 سنة من العمر، كتب في رسالة إلى مستشار الأمن القومي في ذلك الوقت ماك جورج بوندييزيح فيها الستار عن تلك المحادثة.
الرئيس كندي كان قد قرر تكليف وزير خارجيته دين راسك بتحقيق اتصال مع سكرتير الأمم المتحدة يوثانت بواسطة رجل اتصالات موثوق وهو أندرية كودير وإيصال نص تلفوني إليه بطرح مقترح إلى القوى العظمى(والحديث لراسك) بسحب الصواريخ سواء الجوبيتير الأمريكية، أو صواريخ كوبا، إذا رفضت موسكو المحادثات والصفقة السرية، وسيقوم رجل الاتصالات كودير وبناء على إشارة رمزية من واشنطن بوضع المقترح أمام السكرتير العام للأمم المتحدة مع الرجاء أن يتقدم بطرحها كمقترحات شخصية منه على الاتحاد السوفيتي وإبلاغ الأمم المتحدة بذلك.