منتديات الحوار الجامعية السياسية

على مقهى الحياة

المشرفون: عبدالله العجلان،عبد العزيز ناصر الصويغ

By محمد الغامدي (٣)
#52777
تأثيرات الصعود السلفي في دول الربيع العربي


يرى البعض أن من أهم تداعيات للربيع العربي هو الصعود القوي للتيارات الدينية بصفة عامة، والتيارات السلفية بصفة خاصة في دول الربيع العربى (مصر، تونس، ليبيا)، والتي أحرزت فيها التيارات السلفية مواقع متقدمة في الأوضاع الجديدة، حيث تشهد تيارات السلفية، على تصنيفاتها المختلفة، نشاطاً ملحوظاً في الفترة الأخيرة على مستوى المنطقة العربية ككل.

ولقد انتعش السلفيون في حقبة الثورات العربية بشكل مفاجئ، واندفعوا إلى قلب العمل السياسي بشكل مباشر أو غير مباشر، رغم أن الخطاب السلفي في السابق كان يحض أتباعه على الابتعاد عن السياسة، على اعتبار أنه "من السياسة ترك السياسة"، تخلى عن كل ذلك، وأصبح من الواضح أن التوجه الجديد هو "من السياسة خوض السياسة".وبرز التيار السلفي بشكل غير مسبوق في بعض الدول العربية التي مر بها قطار الربيع العربى، فاتجهت الأنظار إلى هذا التيار الذي أتاحت له التغييرات المستجدة في دول، مثل مصر، وتونس، واليمن، التموقع في المشهد السياسي بدرجات متفاوتة، وسط هواجس داخلية وخارجية من تنامي قوته.

وفي الآونة الأخيرة وقبل انطلاق الربيع العربى،  وجدنا أن التيارات السلفية قد انتشرت بقوة بسبب اتساع القاعدة السلفية ، بحيث لم تعد السلفية هي تلك المدارس العلمية التي تقتصر على طلب العلم الشرعي، وتصحيح العقيدة، والتمسك بالكتاب والسنة، والابتعاد عن العمل السياسي، بل أصبحت شريكا قويا وأساسيا في العملية السياسية، وفي رسم الملامح السياسية المستقبلية في دول الربيع العربى. وهرولت التيارات السلفية نحو المشاركة السياسية، وأخذت قاعدتها تتسع في بلدان الربيع العربى، حتى أصبح يوجد ما يمكن أن يطلق عليه "المظلة السلفية" التي تضم تحتها تقريباً كل التيارات الدينية، باستثناء جماعةالإخوان المسلمين، والجماعات التكفيرية، والطرق الصوفية، وجماعة الدعوة والتبليغ .

والتيارات الدينية التي تجمعها المظلة السلفية يوجد بينها العديد من الاختلافات الفكرية والفقهية،ولكن يجمعها أصول الفكر السلفي العام، وكذلك بعض الأهداف التي تسعى هذه التيارات إلى تحقيقها، مثل تطبيق الشريعة الإسلامية، وإقامة الدولة الإسلامية، وكذلك إعادة الخلافة الإسلامية من جديد.

سمات التيار السلفي:

السلفية، سواء فى مصر، أو تونس، أو ليبيا، أو أي دولة أخرى، بينهم مجموعة من السمات أو القواسم المشتركة للتيارات، منها على سبيل المثال:

-    عدم وجود تنظيم موحد يضم المدارس الفكرية وتياراتها المختلفة في إطار تنظيمى،  ورفض فكرة العمل الجماعي (أي العمل من خلال جماعة معينة).

-    التيار السلفي ليس جماعة موحدة ذات إطار فكري أو أيديولوجي مثل جماعة الإخوان المسلمين، ولكن كل مدرسة أو تيار يعمل بشكل مستقل عن التيار الآخر،ولكن بالأصول العامة للفكر السلفي، وكل تيار سلفي له شيوخه ومدرسته الخاصة به، سواء كانت فقهية أو فكرية، وله طلبة العلم الخاصون به.

-    التشدد الفقهي، وعدم وجود مجال للرأي الآخر، حيث يتبنى التيار السلفي الآراء الأكثر تشدداً في الفقه والفكر، مع عدم وجود مرونة فقهية لدى التيارات السلفية، لأن- من وجهة نظرهم- كل مرونة فقهية أو فكرية تسيب.

-    التمسك بحرفية النص، وعدم مراعاة الواقع أو ما يسمى بـ "فقه الواقع" والمستجدات التي تطرأ على الحياة، بحيث يجب أن تكون الفتوى مناسبة للواقع وتراعيه، وهذا ما تفقده التيارات السلفية، لذا كثيراً ما تصطدم هذه التيارات بالمتغيرات، نظراً لتمسكها بحرفية النص، وعدم النظر إلى حكمة التشريع.

-    التفسير التآمري للأحداث، وسيطرة هذا الفكر التآمري على تفسير السلفية للأحداث، فالسلفية تفسر كل الأحداث الجارية في العالم على أنها تدور في ضوء المؤامرة على الإسلام والمسلمين، وإلغاء كافة الاعتبارات الأخرى، مثل المصالح السياسية، والعلاقات الدولية.

أهم ملامح الصعود السياسي للتيار السلفي:

وإلى عهد قريب، لم يستطع السلفيون التحرك في ظل أنظمة واجهت بالقوة كل الحركات الإسلامية، حتى الحركات "الأقل تشددا" من السلفية، لكن الثورات حملت السلفية إلى واجهة الأحداث. وبعد الإطاحة برؤساء تونس ومصر واليمن، ظهرت إلى العلن أحزاب سياسية ذات مرجعية سلفية، وكان أكثرها قوة وتأثيراً حزب النور السلفي في مصر، الذي احتل المرتبة الثانية في الانتخابات التشريعية،مع وجود أحزاب أخرى قوية تنتمى إلى التيار السلفي، مثل حزب البناء والتنمية، وحزب الأصالة، وحزب الفضيلة .

وفي تونس، منحت الحكومة ترخيصا لحزب ذي مرجعة سلفية، أطلق عليه مؤسسوه "جبهة الإصلاح"، وهو أول حزب بهذه المرجعية يطلب خوض غمار السياسة، وفق قواعد الدولة المدنية والديمقراطية.

وفي مارس الماضي، أعلنت شخصيات يمينية تتبنى المنهج السلفي تأسيس حزب سياسي، أطلقت عليه "اتحاد الرشاد اليمني". وفي المغرب، أعلن أخيرا محمد الفزازي، وهو أحد رموز التيار السلفي (سُجن عشر سنوات عقب تفجيرات الدار البيضاء في 2003) أنه يستعد لتأسيس حزب سياسي تكون مرجعيته إسلامية.

مخاوف من التيار السلفي:

وكانت النتائج القوية التي حققها التيار السلفي في مصر في الانتخابات التشريعية،وإعلانهم الواضح أنهم يسعون إلى تطبيق الشريعة الإسلامية بشكل كامل، قد أثارا مخاوف لدى التيارات الليبرالية والعلمانية على الحريات، وعلى الطبيعة المدنية للدولة. كما أن ضلوع بعض الأفراد المحسوبين على التيار السلفي بتونس في حوادث عنف، بينها اشتباك مسلح مع الأمن والجيش العام الماضي، أثار مخاوف التيارات ذاتها التي ترى في منهج السلفيين تهديدا صريحا لمدنية الدولية، ولـ"قيم الحداثة" التي اكتسبتها تونس منذ استقلالها عام 1956.

بل إن بعض الأحزاب والشخصيات المحسوبة على اليسار لم تتردد في اتهام حكومة "الترويكا"، بقيادة حركة النهضة، بالتساهل مع السلفيين، واتهام النهضة ذاتها بالسكوت عنهم، باعتبارهم "مخزونا انتخابيا" سيخدمها في الاستحقاقات المقبلة.

كما أن صحيفة الجارديان البريطانية، رأت أن السلفيين يشكلون خطراً على الثورة التونسية، في ظل الأزمة الاقتصادية والمطلبية الاجتماعية التي أججتها سياسات التفقير والتهميش السابقة. لكن مراقبين يرون في المقابل أن تنظيم السلفيين -أو جزء منهم على الأقل- وانخراطهم في العملية السياسية بمصر وتونس واليمن وغيرهما هو في ذاته علامة إيجابية، لأن ذلك يساعد على الحد من احتمالات الانزلاق إلى العنف.