الأمن والخدمات .. (الشعار المستهدف في انتخابات مجالس المحافظ
مرسل: الأحد فبراير 01, 2009 12:28 am
الأمن والخدمات .. (الشعار المستهدف في انتخابات مجالس المحافظ...
اجتاح وباء الكوليرا مدينة بغداد في الأربعينيات حتى أن أمين العاصمة أصيب بهذا الوباء القاتل مما حدا بكل أجهزة البلدية أن استنفرت لتنظيف المدينة وغسلها كل ليلة بالصابون ومبيدات الجراثيم وتم القضاء على الوباء خلال أسابيع قليلة ونجا الأمين من خطر هذا المرض القاتل وكتب المعلق الساخر آنذاك عبود الكرخي في مجلته الأسبوعية (جزبوز) تعليقاً مضحكاً بتمنياته بعودة الكوليرا سنوياً لأمين العاصمة العراقية بغداد حتى تعود نظيفة وصحية!
ومع قرب موعد انتخابات مجالس المحافظات العراقية نشطت جميع الإدارات المحلية التابعة للكيانات الحزبية والمذهبية المسيطرة عليها للإعلان عن مشاريع جديدة وافتتاح أخرى وإصدار التصريحات الواعدة بغد سعيد يتمتع فيه المواطن العراقي بالخدمات العامة التي حُرم منها منذ الاحتلال الأنكلو-أمريكي لبلاد الرافدين قبل ستة أعوام عجاف دموية قاسية وحتى الآن! وتمشياً مع هذه السياسة أعلن محافظ النجف المدينة الدينية في وسط العراق عن افتتاح المطار الدولي ومحطة توليد كهربائي على الطاقة البخارية وإنشاء فندق حديث لاستقبال زوار المدينة ذات الصفة السياحية والتي ازداد عدد زوارها لأكثر من عشرة ملايين زائر ديني خلال العام الماضي. كما دشن نائب رئيس الجمهورية عادل عبدالمهدي المنتفكي مشاريع خدمية عديدة في مدينة الناصرية التي ينتمي لها وحزبه المجلس الأعلى الإسلامي يديرها فتم افتتاح جسر جديد على نهر الفرات مع أربعة طرق دولية تربط المحافظات المجاورة بالناصرية والإعلان عن تشغيل محطات جديدة لتصفية مياه الشرب ومشاهدة مباراة كرة قدم على الملعب الأولمبي الجديد لمدينة الناصرية وتقدر كلفة هذه المشاريع جميعها بأكثر من نصف مليار دولار تم افتتاحها مجتمعة قبل موعد الانتخابات البلدية بأسبوع!
وأفرزت هذه الانتخابات العداء الكامن بين أصدقاء الأمس أركان كتلة الائتلاف الشيعي الاتجاه السياسي واشتدت الاتهامات بالدكتاتورية والفردية صفات يطلقها عادل عبدالمهدي نائب رئيس الوزراء أمين قيادة المجلس الأعلى نحو رئيس الوزراء نوري المالكي الذي اقترب كثيراً نحو ما يتمناه المواطنون من وحدة التراب العراقي وتعديل الدستور ورفض فيدرالية الوسط والجنوب الذي يدعو إليه المجلس الإسلامي الأعلى وزعيمه عبدالعزيز الحكيم رجل إيران القوي في العراق.
وتأتي أهمية هذه الانتخابات لكونها المؤشر الأول للاتجاه السياسي لمستقبل العراق فمن أعضاء مجلس المحافظة المنتخب يختار قمة الهرم الإداري فيها ويأتي المحافظ وأركان الإدارة العليا للمحافظة من بين أعضاء المجلس ثم لا يتم تعيين أي موظف بمرتبة عليا ورئاسية إلا بعد اعتماده من قبل مجلس المحافظة بالموافقة على تنصيبه، كما يقوم بعقد كافة العقود الاقتصادية لإعمار المحافظة ويتعدى ذلك لترشيح الشركات الكبرى المستثمرة للثروة الطبيعية كالغاز والبترول والمعادن الأخرى.
الملاحظة الظاهرة مع هذه الانتخابات المحلية تفكك الكيانات السياسية الائتلافية السابقة التي خاضت قبل أربع سنوات انتخابات على أساس القوائم المغلقة فكتلة الائتلاف الشيعي ذات الصفة المذهبية الشيعية انقسمت على نفسها ونزلت للمنافسة السياسية بأكثر من خمس قوائم انتخابية؛ فالمجلس الإسلامي الأعلى سمى قائمته (شهيد المحراب) وحزب الدعوة الإسلامية ولدت قوائم ثلاث من بين تشكيلاته؛ فقائمة الإصلاح الوطني برئاسة الدكتور الجعفري رئيس الوزراء السابق وقائمة ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي رئيس الوزراء أمين عام حزب الدعوة الإسلامي وقائمة العودة بزعامة عبدالعزيز العنزي أمين عام حزب الدعوة العراقي، وتعدى هذا التفكك إلى كتلة التوافق الوطنية فبقي الحزب الإسلامي برئاسة طارق الهاشمي وجبهة أهل العراق برئاسة خلف العليان، وقد تكون قائمة رئيس الوزراء نوري المالكي الأقرب لحصد أكثر المقاعد في الفرات الأوسط والجنوب فأهل البصرة مثلا يتذكرون بالثناء والامتنان لحملة صولة الفرسان التي قادها المالكي لطرد الإرهاب والمتمردين في منطقة البصرة وتحقيق الأمن والاستقرار الذي تعيشه كل مناطق المحافظة علاوة على الشعارات الوطنية التي أعلنها المالكي وتميزت بها قائمته (ائتلاف دولة القانون) من أجل تحقيق الوحدة الوطنية وتعديل الدستور ومراجعة شكل الفدرالية والتمسك بعراقية محافظة كركوك وسيادة القانون على جميع المواطنين ومحاربة الفساد الإداري والمالي واعتماد مبدأ الكفاءة العلمية لإشغال الوظائف العامة. وتأتي القائمة العراقية الوطنية برئاسة رئيس الوزراء الأسبق الدكتور إياد علاوي بدرجة عالية من المنافسة في العاصمة بغداد ومدينة البصرة لاحتوائها على أسماء كفاءات وطنية معروفة بخبرتها العلمية والوطنية. أما قائمة الحدباء الوطنية فقد شملت شخصيات مؤثرة ومستقلة في مدينة الموصل والتي كانت الأحزاب الكردية سيطرت على مجلس محافظتها ومن المؤمل أن تكتسح المقاعد الأربعين للمحافظة بتشكيلة وطنية من العرب والأكراد المستقلين وعدد من ممثلي الأقليات الأخرى كاليزيدية والمسيحية والتركمان. ولهذه الانتخابات المحلية أهمية بالغة لرسم الخريطة السياسية المستقبلية للعراق وقد تخلصه من قيود الطائفية المذهبية والعرقية وتعيد له وحدته الوطنية وترسم أيضا هيكل الإعمار الذي تحتاجه كل مرافق الحياة العامة في مناطق الدولة العراقية والتي تنتظر حملة واسعة في مجال التعليم والصحة والزراعة والصناعة والخدمات العامة إذا تم اختيار شخصيات وطنية ذات أصول عربية عراقية مسلحين بالخبرة العالية والشهادات العلمية الصحيحة وغير المزورة، كما ظهر من حالات تزوير عديدة في شهادات المسؤولين الحاليين الذين احتلوا مراكز عالية في الوزارات والمحافظات العراقية المختلفة!.
وقد تكون رياح التغيير في السياسة العراقية الجديدة مظهر المشاركة الكبيرة في مساحتها المستقلة وفي عدد الكتل السياسية في هذه الانتخابات المحلية لإدراك المواطن الناخب لأهميتها في تحديد الطريق السياسي للشعب العراقي وتعدى هذا الاشتراك الواسع ليصل إلى المقاومة الوطنية بتقديم قائمة جبهة التحرير والبناء لتعرض المنافسة السياسية بمرشحيها في بغداد وديالى وصلاح الدين وقوائم الصحوات في عشائر الأنبار.
وتساعد المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في إدارتها منظمات دولية ومراقبون من الجامعة العربية ومن الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ولمراقبة سير العملية الانتخابية ومنع محاولات التزوير التي يخشى منها كافة المرشحين عن الكتل السياسية المستقلة والمنافسة لمرشحي الأحزاب المذهبية والمسيطرة على قوى الأمن الحكومية وسبل تدفق المال السياسي والذي بدت مظاهره في بذخ القوى السياسية المتحالفة مع اطلاعات الإيرانية.
المواطن العراقي الذي شبع من وعود الأحزاب المذهبية المتسلطة على حريته ومستقبله في الحياة والذي لم يجن من هذه الوعود إلا سراباً! ويدعو الله سبحانه أن يمنحه الأمل بحياة كريمة بجهود أبنائه المخلصين ممن ستفرزهم الانتخابات المحلية لمجالس المحافظات العراقية ليعيدوا إعمار الدولة العراقية وتضميد جراح الغزو الأمريكي على استقلاله وحريته ويعود العراق موحداً بهويته العربية الأصيلة.
بقلم: عبد الإله بن سعود السعدون،،
محلل إعلامي - عضو هيئة الصحفيين السعوديين - جمعية الاقتصاد السعودية