صفحة 1 من 1

الربيع السوداني الساخن

مرسل: الخميس يوليو 19, 2012 3:50 am
بواسطة احمد العثمان ٣
متى يصل "الربيع العربي" إلى السودان؟ سؤال على لسان جميع السودانيين داخل السودان وخارجه، منذ الاحتجاجات المناهضة للنظام التي انطلقت من الخرطوم في 16 يونيو/حزيران الماضي. المتظاهرون خرجوا الى الميادين والشوارع، احتجاجا على تفاقم الأزمة المالية، التي تهدد بعدم القدرة على دفع الرواتب، وارتفاع أسعار السلع الغذائية والمحروقات التي ارتفعت أسعارها الى أكثر من 50 في المائة. وجاء اعلان حكومة الرئيس عمر حسن البشير عن خطة تقشف تشمل زيادة الضرائب، وإلغاء الدعم على بعض السلع الأساسية من أهمها الوقود والسكر ليزيد من سوء الأوضاع، ويفتح الباب على مصراعيه لكل الاحتمالات.


مظاهرات الجمعة تصل السودان والشعار هو الشعار.. الشعب يريد اسقاط النظام

أصبح الشعب السوداني اليوم يمتلك مخزونا كبيرا من مشاعر الغضب والاحتقان القابلة للانفجار في أي لحظة، بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية في البلاد، وسياسة العصا الغليظة التي تنتهجها الحكومة لاخماد نيران الاحتجاجات، بحسب كاثرين آشتون الممثلة العليا للشؤون الخارجية في الاتحاد الاوروبي، التي عبرت ايضاً عن انزعاجها ازاء استخدام العنف من جانب قوات الأمن السودانية التي قامت باعتقال المئات من المتظاهرين، وأعضاء المعارضة وصحافيين، وضربت المحتجزين واستخدمت الرصاص المطاطي والذخيرة الحية في تفريق المظاهرات. وحثت آشتون حكومة السودان على احترام حقوق السودانيين في حرية التعبير والتجمع، مشددة على ضرورة إقامة حوار وطني شامل لتلبية احتياجات وتطلعات جميع المواطنين في البلاد.

مسلسل إسقاط النظام

القمع ضد المتظاهرين كان عنيفا، ولكنه لن يحل مشاكل السودان، الذي يعاني من الانهيار الاقتصادي، والأوضاع المتردية في دارفور، والولايات الحدودية الجنوبية، والشرق، والعلاقة بين شمال السودان وجنوبه.
وقعت الاحتجاجات بداية في الخرطوم والمناطق المحيطة بها، وإلى حد أقل في ام درمان العاصمة الثانية للسودان وبلدة عبيد في ولاية شمال كردفان، إلى كسلا في شرق السودان، وحدثت احتجاجات أيضا في مدن مدني وسنار والقضارف، في بورسودان، وشهد يوم الجمعة الماضي واحدة من أكبر الاحتجاجات حتى الآن.

المتظاهرون مصممون على أن يواجه الرئيس عمر البشير نفس مصير الرئيسين التونسي السابق بن علي والمصري مبارك. واوضحت مصادر أن المتظاهرين حملوا الأعلام السودانية ولافتات كتب عليها “الشعب يريد إسقاط النظام” وهو الشعار الذي استخدمه المتظاهرون في العديد من دول “الربيع العربي”. ولكن البشير- الذي يحظى بتأييد شعبي ضئيل – يرفض بطبيعة الحال، فكرة التخلي عن السلطة، ويصور المتظاهرين بأنهم قلة من مثيري الشغب.


مظاهرة أمام سفارة الخرطوم في لندن تندد بحملة الاعتقالات التي تطال المحتجين في السودان

الوضع الاقتصادي

وضاعفت الإحباطات الاقتصادية وانخفاض قيمة الجنيه السوداني، وارتفاع معدل التخضم لأكثر من 30 في المائة، وذهاب ثلاثة ارباع النفط السوداني من سيطرة الخرطوم منذ انفصال الجنوب السوداني في يوليو/تموز من العام الماضي، من فاعلية الاحتجاجات، وتؤكد الأوضاع الحالية ان أسعار المواد الغذائية مرشحة للاستمرار في الارتفاع. وتأمل الخرطوم، التي تواجه عجزا في الميزانية قدره 2.4 مليار دولار، في فرض بعض الرسوم المالية على نقل النفط في جنوب السودان من خلال خط الأنابيب والموانئ. وأعلنت الخرطوم مؤخرا عن تدابير تقشفية تتضمن المزيد من التخفيضات على دعم الوقود، وزيادة الضرائب على مزيد من السلع الأساسية. وكانت تدابير التقشف أحد العوامل وراء الاحتجاجات الحالية.

بين الماضي والحاضر

المتظاهرون اليوم قاموا باستدعاء التاريخ، ففي عام 1964، نمت احتجاجات طلابية في الجامعات، ثم تحولت الى حركة واسعة شملت النقابات العمالية والعمال والمهنيين. وانتقلت الاحتجاجات من الخرطوم إلى مدن أخرى، وأدت الى اضراب عام اجتاح البلاد، وتوفي أربعة وثلاثين متظاهرا فيها، وجرح أكثر من مائة، واستقال الحاكم العسكري للبلاد آنذاك الجنرال ابراهيم عبود، وانتقلت السلطة الى حكومة ديمقراطية مدنية.

وفي السادس من ابريل/ نيسان عام 1985 أطاح الشعب السوداني بالرئيس الأسبق جعفر النميري، الذي حكم السودان 16 عاما. وبعد عام واحد من الانتفاضة الشعبية، شهدت البلاد انتخابات حرة فاز فيها حزب الأمة، وتم تشكيل حكومة ائتلافية مع الحزب الاتحادي الديمقراطي. مما يوحي بأن البشير ربما يواجه نفس مصير النميري امام الغضب الشعبي، وبعبارة أخرى، إعطاء الأمل للمحتجين.

وتتزامن الاحتجاجات السودانية مع ذكرى الانقلاب الذي قاده الرئيس عمر البشير نفسه في 30 يونيو/حزيران عام 1989، مطيحا بالحكومة الديمقراطية المنتخبة، والتي كان يترأسها الصادق المهدي ويترأس مجلس رأس الدولة أحمد المرغني.
وشهدت السودان قبل سقوط الرئيس المصري السابق حسني مبارك ونظامه في فبراير/ شباط من العام الماضي، احتجاجات مناهضة للنظام. وفي احتجاجات تزامنت مع المظاهرات التونسية والمصرية بداية عام 2011، أسس نشطاء حملة سودانية باسم “لقد سئمنا” على مواقع الكترونية مثل “فيسبوك” و”تويتر”، وكانت الاحتجاجات صغيرة، إلا انها تميزت بالتنظيم والحماس.


سوادنيون في نيويورك يطالبون باعتقال الرئيس البشير بتهمة ارتكابه جرائم حرب

يقول ناشط سوداني “ان الحملة نجحت في دفع البشير للاعلان لأول مرة في 21 فبراير 2011، بأنه سيتنحى عن منصبه في عام 2015، عندما تنتهي ولايته الحالية.
يقول محللون “الانتفاضات في تونس ومصر نجحت جزئيا، لأنها كانت قادرة على جذب مختلف شرائح هذه المجتمعات، والنقابات والمحامين، ولكن الحركة السودانية تتألف أساسا من الطلاب والناشطين عبر الإنترنت، وعلى ما يبدو، فهم يجدون صعوبة في إسقاط البشير”.

ثورات لا تكتمل

حركات الاحتجاج في السودان عبر التاريخ لا تنمو، ولا تحقق النجاح على المدى الطويل، فمسارات الانتفاضات السودانية تجهض بعد سنوات، وبعد كل ثورة، تعود الى البلاد الدكتاتورية العسكرية في غضون خمس سنوات، وكانت دوافع الانقلابات العسكرية من قبل “انعدام الثقة في المدنيين” وعدم قدرتهم على إدارة الصراع مع الجنوب، وهي المشكلة التي قد تغير من المشهد السوداني الحالي.

وقد لا تستمر الاحتجاجات الحالية طويلا مثل الاحتجاجات السابقة، التي حدثت في يناير/ كانون الثاني وفبراير الماضيين، وتشير الأوضاع في السودان إلى أن الاحتجاجات قد تجد صعوبة في ضمان الاستمرارية والصمود امام النظام الى ان تحقق أهدافها.

يقول خبير في الشؤون السودانية “الاضطرابات الحالية هي مجرد ثورات محلية في السودان، أو الفصل التالي من الربيع العربي؟ وفي كلتا الحالتين، إذا نجحت الاحتجاجات في اسقاط البشير، سيكون لدى الشعب السوداني فرصة لتعبئة كل شرائح الشعب للوقوف امام البشير، واجباره على الخروج من البلاد أو التخلي عن السلطة”. ويضيف الخبير السوداني “ومن السيناريوهات المحتملة رحيل البشير، بعد ترك واحد من حاشيته من المتشددين في القيادة، وهو تغيير لا معنى له، ولكن بعد 23 سنة من حكم البشير، يبدو أن العديد من السودانيين على استعداد لذلك”.

ولكن خروج البشير من السلطة، قد يحمل في طياته مخاطر لجنوب السودان، لا سيما إذا تولى احد المتشددين السلطة. وعلى الرغم من العداوة السياسية التي تقع بين الشمال والجنوب، تبقى المصالح مرتبطة كالنزاعات المسلحة المتكررة على امتداد الحدود، والركود الاقتصادي في كلا البلدين، والجمود على طاولة المفاوضات الذي يثير المخاوف من تجدد الحرب بينهما.