- الخميس يوليو 19, 2012 4:00 am
#52847
ما بعد الربيع
لعل من أهم الحقائق التي لم يثبت عكسها حتى الآن، هو أن ما يسمى الربيع العربي شكّل مفاجأة كبيرة للعالم، لكن عنصر المفاجأة يبدو أكبر اذا ما نظرنا إلى منطقة الشرق الأوسط، فالمثلث الإقليمي المكون من تركيا وايران واسرائيل، كان الأكثر تأثرا بتلك المفاجأة، وبدا وكأنه في ماراثون سياسي لمتابعة والتفاعل مع ما يجري، بحيث يقلل من الخسارة السياسية. ولأن موضوع هذه المقالة هو: ايران والربيع العربي، فسيكون التركيز حول تقييم الرد الإيراني على ما يجري في العالم العربي بعد اكثر من عام على الربيع العربي، وكذلك طبيعة التفاعل الإيراني مع التطور المتسارع للأحداث.
علي خامنئي ونجاد يجتمعان مع الأسد في طهران
ايران كدولة عرّفت نفسها منذ الثمانينات من القرن الماضي على انها الدولة الثورية الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط، الدولة الثورية التي تستند الى شرعية مذهبية. هذه الشرعية تم ترجمتها عبر مراحل مختلفة ومن خلال السلوك السياسي للجمهورية الاسلامية، بحيث تجاوزت حدود ايران السياسية بل ومنطقة الشرق الاوسط. ولعل فكرة تصدير الثورة التي رافقت علاقات ايران مع العالم العربي هي خلاصة تلك الفكرة المترجمة، والتي اصبحت في ما بعد مركز النقاش في العلاقات العربية الايرانية، خلال اكثر من ثلاثة عقود.
هذا التفوق المعنوي التي كانت ايران تستشعره، تعرض الى صدمة كبيرة منذ اللحظة الاولى للربيع العربي، وكلما تواصلت امتدادات الربيع العربي، تراجع ذلك التفوق المعنوي. والاهم ربما ان حالة الربيع العربي طرحت مزيدا من التساؤل حول مدى القوى المعنوية التي يمكن أن تكون بقيت لدى ايران في ظل الأحداث المتسارعة التي عصفت بست دول عربية بشكل مباشر، وأشاعت اجواء من نوع مختلف في بقاع اخرى. ان حالة التفوق المعنوي تلك دفعت المؤسسة السياسية والدينية الايرانية للحديث عن الربيع العربي وكأنه امتداد للثورة الايرانية التي حدثت في العام 1979، مثل هذا الانطباع لم توافق عليه المعارضة الايرانية المتمثلة في الحركة الخضراء، والتي ترى ان ايران فقدت بريقها السياسي في المنطقة بعد انتخابات الرئاسة التاسعة في العام 2009.
ان حالة التطلع الى ايران بوصفها النموذج قد تراجعت بشكل كبير وربما تختفي تدريجيا، حالة الاعجاب والنظر الى ايران بوصفها “النموذج” والتي سادت في العالم العربي منذ عقد الثمانينات، تراجعت ـ كما ذكرنا ـ بعد الانتخابات الرئاسية التاسعة في العام 2009، حيث بدا لأولئك المعجبين بنموذج ايران في الانتخابات وكثرتها، فالاتهامات الداخلية حول عدم نزاهة الانتخابات الرئاسية الايرانية، وما تلا ذلك من رد حكومي أمني على المحتجين على النتائج، لعب دورا لا يستهان فيه لدى قوى سياسية دينية وغير دينية في العالم العربي. هذا التراجع جاء الربيع العربي ليؤكده، وليضيف حالة من الثقة بالنفس في انحاء مختلفة من العالم العربي، ثقة بأن التغيير يمكن ان ينجز داخليا بطريقة سلمية من دون النظر الى “مخلصين” من خارج الحدود.
المرّبع الطائفي
التفاعلات وردود الفعل الايرانية نحو تجارب من الربيع العربي، ضاعفت تراجع حالة الاعجاب وربما الثقة بالنموذج الايراني، فايران التي اعتبرت ما جرى في مصر وتونس وليبيا ردا على طبيعة الحكم الاستبدادي، اصبح تقييمها مختلفا في حالات اليمن والبحرين وسوريا، اصبح منتقدا لما تسميه ايران بالتدخل في اليمن والبحرين، ورافضا بشكل قاطع لإعطاء أي امتياز لحالة الثورة في سوريا. ردود الفعل تلك وتقديم المصالح والتي كانت ايران انها يجب الا تقدم على المبادئ، كل ذلك أعاد ايران الى مربع الطائفية الذي سعت طوال اكثر من ثلاثين عاما الى مغادرته، حتى ولو اصر خصومها. الاهم في هذا السياق هو أن ما كان يطرح منذ احتلال العراق في العام 2003، بأن ايران في سياساتها الخارجية تتبع مصالحها المذهبية ويخالفه البعض، اصبح بالنسبة للكثيرين مثبتا، وهو امر بالتأكيد لن تنظر اليه ايران بارتياح.
نجاد يقوم بزيارة استفزازية لجزيرة أبو موسى الاماراتية المحتلة
لم تنعكس آثار الربيع على علاقة ايران بالمحيط العربي، بل تأثرت علاقاتها بجوارها التركي، فإيران ترى أن مشاركة تركيا في عمليات حلف الناتو في ليبيا، لم يكن الا خدمة للمصالح الاميركية، وبشكل عام، فإن هناك تصورا موجودا لدى بعض اطراف المؤسسة السياسية والدينية في ايران بأن تركيا في عميات دعمها المطلق للربيع الربيع، لا سيما في سوريا انما “تنفذ اجندة اميركية لنشر النموذج التركي من الاسلام السياسي”. وجود مثل هذا التصور أدى الى فتور في علاقات البلدين. صحيح ان تركيا تصر على مبدأ المفاوضات لحل معضلة الملف النووي الإيراني ورفض العمل العسكري ضد ايران، لكن هذا لا يعني بالضرورة غياب الخلافات حول ملف التغيير في العالم العربي.
لم يكن الربيع العربي محدودا في تأثيراته على ايران، فالتحالفات التي شيّدت عليها ايران سياستها الخارجية، اصبحت مهددة في اكثر من جهة، فالمشهد السوري، ومهما كانت مآلاته السياسية، لا يبدو مبشرا بالنسبة الى ايران، الأمر الذي سيلقي بظلاله على التحالف مع حزب الله، والذي هو بدوره سيجد نفسه في حاجة الى اعادة تعريف نفسه سياسيا، سواء في لبنان او المنطقة. اللافت للانتباه في هذا السياق، هو التراجع في علاقة حماس مع ايران، وهو أمر سبق وأن تحدثت عنه في العام 2006، حيث ان العلاقة بين ايران وحماس في اساسها الأيديولوجي ولدت هشة، ومع اتخاذ حماس موقفا شبه واضح في عدم تأييد النظام السوري، بات واضحا ان العلاقة مع ايران دخلت مرحلة الطلاق ربما “البائن بينونة كبرى”.
لا شك في أن التغيرات الداخلية في العالم العربي ستلقي بظلالها على ايران، عبر مستويات مختلفة ذكرنا بعضها، واخرى في طريقها للتشكل. ان مشهد الربيع العربي هو مشهد ثوري، ولأن الثورات ليست احداثا، بل هي دائما في حالة حركة، فإن حالة التراكم في الأحداث وتفاعلاتها، وبالتأكيد نتائجها ستستمر. من هنا فإنه بتغيير المشهد السياسي الداخلي في بعض البلدان، فإن علاقاتها واولويات سياساتها الخارجية وتحالفاتها، ستشهد تغييرا بالضرورة. وهو الأمر الذي ستكشف عنه السنوات القليلة القادمة.
لعل من أهم الحقائق التي لم يثبت عكسها حتى الآن، هو أن ما يسمى الربيع العربي شكّل مفاجأة كبيرة للعالم، لكن عنصر المفاجأة يبدو أكبر اذا ما نظرنا إلى منطقة الشرق الأوسط، فالمثلث الإقليمي المكون من تركيا وايران واسرائيل، كان الأكثر تأثرا بتلك المفاجأة، وبدا وكأنه في ماراثون سياسي لمتابعة والتفاعل مع ما يجري، بحيث يقلل من الخسارة السياسية. ولأن موضوع هذه المقالة هو: ايران والربيع العربي، فسيكون التركيز حول تقييم الرد الإيراني على ما يجري في العالم العربي بعد اكثر من عام على الربيع العربي، وكذلك طبيعة التفاعل الإيراني مع التطور المتسارع للأحداث.
علي خامنئي ونجاد يجتمعان مع الأسد في طهران
ايران كدولة عرّفت نفسها منذ الثمانينات من القرن الماضي على انها الدولة الثورية الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط، الدولة الثورية التي تستند الى شرعية مذهبية. هذه الشرعية تم ترجمتها عبر مراحل مختلفة ومن خلال السلوك السياسي للجمهورية الاسلامية، بحيث تجاوزت حدود ايران السياسية بل ومنطقة الشرق الاوسط. ولعل فكرة تصدير الثورة التي رافقت علاقات ايران مع العالم العربي هي خلاصة تلك الفكرة المترجمة، والتي اصبحت في ما بعد مركز النقاش في العلاقات العربية الايرانية، خلال اكثر من ثلاثة عقود.
هذا التفوق المعنوي التي كانت ايران تستشعره، تعرض الى صدمة كبيرة منذ اللحظة الاولى للربيع العربي، وكلما تواصلت امتدادات الربيع العربي، تراجع ذلك التفوق المعنوي. والاهم ربما ان حالة الربيع العربي طرحت مزيدا من التساؤل حول مدى القوى المعنوية التي يمكن أن تكون بقيت لدى ايران في ظل الأحداث المتسارعة التي عصفت بست دول عربية بشكل مباشر، وأشاعت اجواء من نوع مختلف في بقاع اخرى. ان حالة التفوق المعنوي تلك دفعت المؤسسة السياسية والدينية الايرانية للحديث عن الربيع العربي وكأنه امتداد للثورة الايرانية التي حدثت في العام 1979، مثل هذا الانطباع لم توافق عليه المعارضة الايرانية المتمثلة في الحركة الخضراء، والتي ترى ان ايران فقدت بريقها السياسي في المنطقة بعد انتخابات الرئاسة التاسعة في العام 2009.
ان حالة التطلع الى ايران بوصفها النموذج قد تراجعت بشكل كبير وربما تختفي تدريجيا، حالة الاعجاب والنظر الى ايران بوصفها “النموذج” والتي سادت في العالم العربي منذ عقد الثمانينات، تراجعت ـ كما ذكرنا ـ بعد الانتخابات الرئاسية التاسعة في العام 2009، حيث بدا لأولئك المعجبين بنموذج ايران في الانتخابات وكثرتها، فالاتهامات الداخلية حول عدم نزاهة الانتخابات الرئاسية الايرانية، وما تلا ذلك من رد حكومي أمني على المحتجين على النتائج، لعب دورا لا يستهان فيه لدى قوى سياسية دينية وغير دينية في العالم العربي. هذا التراجع جاء الربيع العربي ليؤكده، وليضيف حالة من الثقة بالنفس في انحاء مختلفة من العالم العربي، ثقة بأن التغيير يمكن ان ينجز داخليا بطريقة سلمية من دون النظر الى “مخلصين” من خارج الحدود.
المرّبع الطائفي
التفاعلات وردود الفعل الايرانية نحو تجارب من الربيع العربي، ضاعفت تراجع حالة الاعجاب وربما الثقة بالنموذج الايراني، فايران التي اعتبرت ما جرى في مصر وتونس وليبيا ردا على طبيعة الحكم الاستبدادي، اصبح تقييمها مختلفا في حالات اليمن والبحرين وسوريا، اصبح منتقدا لما تسميه ايران بالتدخل في اليمن والبحرين، ورافضا بشكل قاطع لإعطاء أي امتياز لحالة الثورة في سوريا. ردود الفعل تلك وتقديم المصالح والتي كانت ايران انها يجب الا تقدم على المبادئ، كل ذلك أعاد ايران الى مربع الطائفية الذي سعت طوال اكثر من ثلاثين عاما الى مغادرته، حتى ولو اصر خصومها. الاهم في هذا السياق هو أن ما كان يطرح منذ احتلال العراق في العام 2003، بأن ايران في سياساتها الخارجية تتبع مصالحها المذهبية ويخالفه البعض، اصبح بالنسبة للكثيرين مثبتا، وهو امر بالتأكيد لن تنظر اليه ايران بارتياح.
نجاد يقوم بزيارة استفزازية لجزيرة أبو موسى الاماراتية المحتلة
لم تنعكس آثار الربيع على علاقة ايران بالمحيط العربي، بل تأثرت علاقاتها بجوارها التركي، فإيران ترى أن مشاركة تركيا في عمليات حلف الناتو في ليبيا، لم يكن الا خدمة للمصالح الاميركية، وبشكل عام، فإن هناك تصورا موجودا لدى بعض اطراف المؤسسة السياسية والدينية في ايران بأن تركيا في عميات دعمها المطلق للربيع الربيع، لا سيما في سوريا انما “تنفذ اجندة اميركية لنشر النموذج التركي من الاسلام السياسي”. وجود مثل هذا التصور أدى الى فتور في علاقات البلدين. صحيح ان تركيا تصر على مبدأ المفاوضات لحل معضلة الملف النووي الإيراني ورفض العمل العسكري ضد ايران، لكن هذا لا يعني بالضرورة غياب الخلافات حول ملف التغيير في العالم العربي.
لم يكن الربيع العربي محدودا في تأثيراته على ايران، فالتحالفات التي شيّدت عليها ايران سياستها الخارجية، اصبحت مهددة في اكثر من جهة، فالمشهد السوري، ومهما كانت مآلاته السياسية، لا يبدو مبشرا بالنسبة الى ايران، الأمر الذي سيلقي بظلاله على التحالف مع حزب الله، والذي هو بدوره سيجد نفسه في حاجة الى اعادة تعريف نفسه سياسيا، سواء في لبنان او المنطقة. اللافت للانتباه في هذا السياق، هو التراجع في علاقة حماس مع ايران، وهو أمر سبق وأن تحدثت عنه في العام 2006، حيث ان العلاقة بين ايران وحماس في اساسها الأيديولوجي ولدت هشة، ومع اتخاذ حماس موقفا شبه واضح في عدم تأييد النظام السوري، بات واضحا ان العلاقة مع ايران دخلت مرحلة الطلاق ربما “البائن بينونة كبرى”.
لا شك في أن التغيرات الداخلية في العالم العربي ستلقي بظلالها على ايران، عبر مستويات مختلفة ذكرنا بعضها، واخرى في طريقها للتشكل. ان مشهد الربيع العربي هو مشهد ثوري، ولأن الثورات ليست احداثا، بل هي دائما في حالة حركة، فإن حالة التراكم في الأحداث وتفاعلاتها، وبالتأكيد نتائجها ستستمر. من هنا فإنه بتغيير المشهد السياسي الداخلي في بعض البلدان، فإن علاقاتها واولويات سياساتها الخارجية وتحالفاتها، ستشهد تغييرا بالضرورة. وهو الأمر الذي ستكشف عنه السنوات القليلة القادمة.