تجار الوهم
مرسل: الخميس يوليو 19, 2012 1:54 pm
تجار الوهم
محمد حسن مفتي
تتعقد الحياة وترتفع حدة وتيرتها وتتزايد أحداثها وتتشابك نتيجة المتغيرات التي نعايشها يوما بعد يوم، ومن الناس من يتجلد في مواجهة الأزمات مستعينا بالله متيقنا بأن بعد كل عسر يسرا فيظل صابرا محتسبا، وفئة أخرى سرعان ما تنهار أمام هذه الضغوط فنجد أفرادها قلقين متوترين وقد غلبهم الشرود الذهني والوجداني، حيث تفقدهم الأزمات القدرة على إيجاد توازنات معقولة في حياتهم اليومية مما يؤدى بهم في نهاية المطاف لأن يقعوا أسرى بين مطرقة الأمراض العضوية وسندان الأمراض النفسية.
سأقتصر حديثي هنا على الأمراض النفسية كإحدى نتائج ضغوط الحياة المعيشية، وهي من السلبيات الخطيرة لكونها ثغرة تعطي الفرصة للاستغلاليين ضعاف النفوس للتربح من تجارة الوهم تحت ذريعة العلاج. ولعل الكثير منا تابع في وسائل الإعلام خلال الفترات الماضية إلقاء الجهات الأمنية القبض على الكثير من ممارسي السحر والشعوذة المدعين بقدرتهم على تفسير الأحلام وفك السحر وغيرها من أمور الدجل، ممن يبتزون ضحاياهم ويوهمونهم بأن لديهم الحلول السحرية لمشكلاتهم بامتلاكهم أنواعا خاصة من الزيوت والأعشاب الطبيعية وغيرها من الأدوات التي توحي بقدرتهم على شفاء الأمراض وعلاج المشكلات. إن مافيا تجارة الوهم لا تقف عند حد الاستشارة الوحيدة أو العلاج من خلال جلسة واحدة، بل يتم استنزاف الشخص المخدوع عدة أشهر من خلال جلسات متتابعة حتى تتحقق الاستفادة المادية القصوى منه واستهلاك كل ما بجيبه!
مثل هذه القضايا قد ناقشها الإعلام وطال الحديث والتحذير بشأنها مرارا، وقد سبقني في هذا الكثيرون، ولعل قراءة المشهد تحيلنا لتحليل الموقف، فعملية الخداع هنا تعتمد على عنصرين: الأول هو العنصر المستغِل المتلون المخادع القادر على استبطان نقاط الضعف فيمن يراه، وهو ينفذ إليها بطريقة ذكية عادة ما تبدأ بسرد للمشكلات التي يتعرض لها المريض بعد أن يقوم الدجال بجمع قدر كافٍ من المعلومات عنه بمساعدة عناصر مشعوذة أخرى لكسب المزيد من الثقة والإيهام بمعرفة خفايا وبواطن الأمور. إن مثل هؤلاء يخاطبون القطاع الأضعف في المجتمع ويستطيعون أن يؤثروا فيه ويعيدوا تشكيل وعيه وفقا لمصالحهم الشخصية.. أما العنصر الثاني فهو العنصر المستغل، وهو فئة من الناس تتنوع ما بين أشخاص بسطاء لم يتلقوا قدرا كافيا من التعليم ويسهل تماما خداعهم والتغرير بهم لعدم قدرتهم على النقد وافتقادهم لوسائل التفنيد المنطقية، وقطاع آخر ممن لم تسمح لهم الظروف أو الوقت بالتفكير بقدر من العمق في مشكلاتهم ومحاولة حلها بطرق علمية، وأخيرا، فئة أخرى من ضعاف الإيمان ممن يسهل تماما التلاعب بأفكارهم وتشكيلها كيفما يحلو لأي شخص مخادع.
لاشك أن تحليل الموقف على النحو السابق يمكننا من وضع تصور لحل هذه القضية يعتمد على ثلاثة عناصر: الأول هو فئة علماء الدين الأجلاء الذين تقع على عاتقهم مهمة توضيح العلاقة الصحيحة بين العبد وربه، والمفهوم الحقيقي للرقية الشرعية التي يجب أن تكون خالصة لوجه الله دون أن تشوبها شائبة. وإحقاقا للحق فإن الهيئات الدينية بالمملكة قامت بدورها في التحذير مرارا من ذلك الاحتيال وقامت بدور كبير في محاربة الدجل والشعوذة والتحذير ممن يمارسها. أما الفئة الثانية فهي فئة المثقفين والكتاب الذين يتوخى منهم الجميع القيام بدور ملموس في توعية الناس بمدى الضرر الديني والعقلي والنفسي الذي سيلحق بهم جراء اتباعهم للدجالين تجار الوهم، حيث يجب أن يسهم هذا الدور التوعوي في توسيع مدارك الناس وتزويدهم بآراء حصيفة وتحليلات عميقة لما يدور حولهم ليكتسبوا مناعة وقدرة على تحليل المحتوى الغث من الثمين وتمييز الحق عن الباطل..
وأخيرا، يأتي دور المواطن والمقيم الواعي في الإبلاغ عن أي دجال أو مشعوذ يتخذ من الدين ستارا لإخفاء نواياه الخبيثة متظاهرا بالتزيي بلباس التقوى والورع لاصطياد ضحايا جدد كل يوم، فأي إنسان يشاهد من يغير على دينه ووطنه سيحز في نفسه كثيرا رؤية هذا النبت الخبيث وهو يتوغل في تربتها الطيبة وأرضها الزكية، فالضرب بيد من حديد على أيدي هؤلاء العابثين هو واجب ديني ومسؤولية وطنية ودفاع مشروع عن حضارة أمة عريقة كرمها الله وجعلها خير أمم الأرض قاطبة.
محمد حسن مفتي
تتعقد الحياة وترتفع حدة وتيرتها وتتزايد أحداثها وتتشابك نتيجة المتغيرات التي نعايشها يوما بعد يوم، ومن الناس من يتجلد في مواجهة الأزمات مستعينا بالله متيقنا بأن بعد كل عسر يسرا فيظل صابرا محتسبا، وفئة أخرى سرعان ما تنهار أمام هذه الضغوط فنجد أفرادها قلقين متوترين وقد غلبهم الشرود الذهني والوجداني، حيث تفقدهم الأزمات القدرة على إيجاد توازنات معقولة في حياتهم اليومية مما يؤدى بهم في نهاية المطاف لأن يقعوا أسرى بين مطرقة الأمراض العضوية وسندان الأمراض النفسية.
سأقتصر حديثي هنا على الأمراض النفسية كإحدى نتائج ضغوط الحياة المعيشية، وهي من السلبيات الخطيرة لكونها ثغرة تعطي الفرصة للاستغلاليين ضعاف النفوس للتربح من تجارة الوهم تحت ذريعة العلاج. ولعل الكثير منا تابع في وسائل الإعلام خلال الفترات الماضية إلقاء الجهات الأمنية القبض على الكثير من ممارسي السحر والشعوذة المدعين بقدرتهم على تفسير الأحلام وفك السحر وغيرها من أمور الدجل، ممن يبتزون ضحاياهم ويوهمونهم بأن لديهم الحلول السحرية لمشكلاتهم بامتلاكهم أنواعا خاصة من الزيوت والأعشاب الطبيعية وغيرها من الأدوات التي توحي بقدرتهم على شفاء الأمراض وعلاج المشكلات. إن مافيا تجارة الوهم لا تقف عند حد الاستشارة الوحيدة أو العلاج من خلال جلسة واحدة، بل يتم استنزاف الشخص المخدوع عدة أشهر من خلال جلسات متتابعة حتى تتحقق الاستفادة المادية القصوى منه واستهلاك كل ما بجيبه!
مثل هذه القضايا قد ناقشها الإعلام وطال الحديث والتحذير بشأنها مرارا، وقد سبقني في هذا الكثيرون، ولعل قراءة المشهد تحيلنا لتحليل الموقف، فعملية الخداع هنا تعتمد على عنصرين: الأول هو العنصر المستغِل المتلون المخادع القادر على استبطان نقاط الضعف فيمن يراه، وهو ينفذ إليها بطريقة ذكية عادة ما تبدأ بسرد للمشكلات التي يتعرض لها المريض بعد أن يقوم الدجال بجمع قدر كافٍ من المعلومات عنه بمساعدة عناصر مشعوذة أخرى لكسب المزيد من الثقة والإيهام بمعرفة خفايا وبواطن الأمور. إن مثل هؤلاء يخاطبون القطاع الأضعف في المجتمع ويستطيعون أن يؤثروا فيه ويعيدوا تشكيل وعيه وفقا لمصالحهم الشخصية.. أما العنصر الثاني فهو العنصر المستغل، وهو فئة من الناس تتنوع ما بين أشخاص بسطاء لم يتلقوا قدرا كافيا من التعليم ويسهل تماما خداعهم والتغرير بهم لعدم قدرتهم على النقد وافتقادهم لوسائل التفنيد المنطقية، وقطاع آخر ممن لم تسمح لهم الظروف أو الوقت بالتفكير بقدر من العمق في مشكلاتهم ومحاولة حلها بطرق علمية، وأخيرا، فئة أخرى من ضعاف الإيمان ممن يسهل تماما التلاعب بأفكارهم وتشكيلها كيفما يحلو لأي شخص مخادع.
لاشك أن تحليل الموقف على النحو السابق يمكننا من وضع تصور لحل هذه القضية يعتمد على ثلاثة عناصر: الأول هو فئة علماء الدين الأجلاء الذين تقع على عاتقهم مهمة توضيح العلاقة الصحيحة بين العبد وربه، والمفهوم الحقيقي للرقية الشرعية التي يجب أن تكون خالصة لوجه الله دون أن تشوبها شائبة. وإحقاقا للحق فإن الهيئات الدينية بالمملكة قامت بدورها في التحذير مرارا من ذلك الاحتيال وقامت بدور كبير في محاربة الدجل والشعوذة والتحذير ممن يمارسها. أما الفئة الثانية فهي فئة المثقفين والكتاب الذين يتوخى منهم الجميع القيام بدور ملموس في توعية الناس بمدى الضرر الديني والعقلي والنفسي الذي سيلحق بهم جراء اتباعهم للدجالين تجار الوهم، حيث يجب أن يسهم هذا الدور التوعوي في توسيع مدارك الناس وتزويدهم بآراء حصيفة وتحليلات عميقة لما يدور حولهم ليكتسبوا مناعة وقدرة على تحليل المحتوى الغث من الثمين وتمييز الحق عن الباطل..
وأخيرا، يأتي دور المواطن والمقيم الواعي في الإبلاغ عن أي دجال أو مشعوذ يتخذ من الدين ستارا لإخفاء نواياه الخبيثة متظاهرا بالتزيي بلباس التقوى والورع لاصطياد ضحايا جدد كل يوم، فأي إنسان يشاهد من يغير على دينه ووطنه سيحز في نفسه كثيرا رؤية هذا النبت الخبيث وهو يتوغل في تربتها الطيبة وأرضها الزكية، فالضرب بيد من حديد على أيدي هؤلاء العابثين هو واجب ديني ومسؤولية وطنية ودفاع مشروع عن حضارة أمة عريقة كرمها الله وجعلها خير أمم الأرض قاطبة.