الدوله بين الحق و العنف
مرسل: الجمعة يوليو 20, 2012 3:24 pm
الدولة بين الحق والعنف.
حينما نتحدث عن الدولة بين الحق والعنف، فإننا نثير بالضرورة إشكالية العلاقة بين الدولة كأجهزة ومؤسسات منظمة للمجتمع، وبين الأفراد الخاضعين لقوانينها. فإذا انبنت هذه العلاقة على احترام المبادئ الأخلاقية المتعارف عليها والقوانين المتعاقد عليها، فإن ممارسة الدولة تكون في هذه الحالة ممارسة مشروعة تجعلنا نتحدث عن دولة الحق، أما إذا كانت هذه العلاقة مبنية على أسس غير أخلاقية وغير قانونية، فإنها ستكون مؤسسة على القوة والعنف وهاضمة للحقوق والحريات الفردية والجماعية.
فما المقصود بمفهومي الحق والعنف؟
يحدد المعجم الفلسفي لأندري لالاند الحق باعتباره “ما لا يحيد عن قاعدة أخلاقية، وما هو مشروع وقانوني في مقابل ما هو واقعي وفعلي”. كما يحدده كانط باعتباره يحيل إلى “مجموع الشروط التي تسمح لحرية كل فرد بأن تنسجم مع حرية الآخرين”.
أما العنف فيمكن القول بأنه “اللجوء إلى القوة من أجل إخضاع أحد من الناس ضد إرادته، وهو ممارسة القوة ضد القانون أو الحق”. (المعجم الشامل لمصطلحات الفلسفة،د.عبد المنعم الحفني، مكتبة مدبولي، الطبعة الثالثة،2000)
هكذا يتبين أن الحق هو نقيض العنف؛ إذ أن الأول يمارس بإرادة الأفراد ويضمن لهم حرياتهم المشروعة، في حين أن الثاني يمارس ضد إرادتهم ويغتصبهم حرياتهم.
فإذا كان الأمر كذلك، فهل يمكن البحث عن مشروعية لممارسة الدولة العنف ضد الأفراد أوالجماعات؟ وهل العنف ضروري للدولة لكي تمارس سلطتها؟ ألا يتعارض العنف في هذه الحالة مع الحق والقانون؟
لمعالجة هذا الإشكال يمكن تقديم موقفين يبدوان متعارضين؛ أحدهما لماكس فيبر والثاني لجاكلين روس.
1- موقف ماكس فيبر: الدولة وحدها لها الحق في ممارسة العنف المادي.
إن الدولة تتأسس في نظر ماكس فيبر على العنف. ولذلك يرى أنه إذا وجدت تجمعات بشرية لا تعرف العنف، فمعنى ذلك أنه لا يمكن الحديث عن وجود الدولة، كجهاز يحكم هذه التجمعات السياسية. فما سيبقى في حالة اختفاء العنف هو الفوضى بين مختلف مكونات البناء الاجتماعي، نظرا لاختفاء القوة العنيفة القادرة على إزالة هذه الفوضى.
إن العنف إذن هو الوسيلة المميزة للدولة، والعلاقة بينهما هي علاقة وطيدة وحميمية. وللدولة وحدها الحق في ممارسة العنف المادي، إذ لا يحق لأي فرد أو جماعة ممارسة هذا العنف إلا بتفويض من الدولة.
لكن ألا تتعارض ممارسة العنف مع المواصفات التي يجب أن تتوفر في دولة الحق؟
2- موقف جاكلين روس: تتمسك دولة الحق بكرامة الفرد ضد كل أنواع العنف والتخويف.
اعتبرت جاكلين روس أن دولة الحق هي ممارسة معقلنة لسلطة الدولة، يخضع فيها الحق والقانون إلى مبدإ احترام الشخص البشري وضمان كرامته الإنسانية. هكذا فالفرد في دولة الحق هو قيمة عليا ومعيار أسمى لصياغة القوانين والتشريعات التي تمنع كل أنواع الاستعباد والاضطهاد التي قد يتعرض لها.
وما يمكن ملاحظته هنا هو أن الغاية هنا هي الفرد وليس الدولة؛ فهذه الأخيرة هي مجرد وسيلة لخدمة الفرد، إذ تعتبره الغاية الأساسية من كل تشريع. ولن يتم ذلك إلا من خلال مبدأ فصل السلط الذي يمكن من إحقاق الحق وإخضاعه للممارسة المعقلنة القائمة على الاحترام وتطبيق القانون، ونبذ كل أشكال الإرهاب والعنف.
3- موقف غاندي: العنف رذيلة وتعبير عن الحقد، وبالتالي فلا مشروعية له.
يتبنى غاندي موقف اللاعنف باعتباره يمثل ذلك الحب أو الإرادة الطيبة تجاه كل الناس. ولذلك فهو يرفض السلوك العنيف لأن وراءه نية من أجل إلحاق الأذى والألم بالآخر، كما أنه تعبير عن نشيد الحقد الذي تعبت الإنسانية من عواقبه الوخيمة. هكذا يدعو غاندي إلى تعميم الصداقة بين كل الناس، ومكافحة العنف والشر بسلاح الذهن والفكر الأخلاقي، وهو ما يقتضي مواجهة العنف بمقاومة روحية تمكن من خلق خيبة أمل لدى الممارس للعنف بأن لا أواجهه بسلاحه من جهة، وتمكن من الرفع من مستواه الإنساني والأخلاقي بأن يصبح هو الآخر رافضا للعنف من جهة أخرى.
انطلاقا من كل هذا فاللاعنف عند غاندي يستمد قوته من الروح؛ إذ يعتبر عقيدة روحية وأخلاقية قبل أن يصبح ممارسة جسدية وسلوكية. وهذا أمر يقتضي رفض العنف رفضا نهائيا ومبدئيا واعتباره رذيلة في ذاته، وأنه القانون الذي يحكم عالم الحيوانات، بينما اللاعنف هو القانون الذي يحكم العالم الإنساني.
حينما نتحدث عن الدولة بين الحق والعنف، فإننا نثير بالضرورة إشكالية العلاقة بين الدولة كأجهزة ومؤسسات منظمة للمجتمع، وبين الأفراد الخاضعين لقوانينها. فإذا انبنت هذه العلاقة على احترام المبادئ الأخلاقية المتعارف عليها والقوانين المتعاقد عليها، فإن ممارسة الدولة تكون في هذه الحالة ممارسة مشروعة تجعلنا نتحدث عن دولة الحق، أما إذا كانت هذه العلاقة مبنية على أسس غير أخلاقية وغير قانونية، فإنها ستكون مؤسسة على القوة والعنف وهاضمة للحقوق والحريات الفردية والجماعية.
فما المقصود بمفهومي الحق والعنف؟
يحدد المعجم الفلسفي لأندري لالاند الحق باعتباره “ما لا يحيد عن قاعدة أخلاقية، وما هو مشروع وقانوني في مقابل ما هو واقعي وفعلي”. كما يحدده كانط باعتباره يحيل إلى “مجموع الشروط التي تسمح لحرية كل فرد بأن تنسجم مع حرية الآخرين”.
أما العنف فيمكن القول بأنه “اللجوء إلى القوة من أجل إخضاع أحد من الناس ضد إرادته، وهو ممارسة القوة ضد القانون أو الحق”. (المعجم الشامل لمصطلحات الفلسفة،د.عبد المنعم الحفني، مكتبة مدبولي، الطبعة الثالثة،2000)
هكذا يتبين أن الحق هو نقيض العنف؛ إذ أن الأول يمارس بإرادة الأفراد ويضمن لهم حرياتهم المشروعة، في حين أن الثاني يمارس ضد إرادتهم ويغتصبهم حرياتهم.
فإذا كان الأمر كذلك، فهل يمكن البحث عن مشروعية لممارسة الدولة العنف ضد الأفراد أوالجماعات؟ وهل العنف ضروري للدولة لكي تمارس سلطتها؟ ألا يتعارض العنف في هذه الحالة مع الحق والقانون؟
لمعالجة هذا الإشكال يمكن تقديم موقفين يبدوان متعارضين؛ أحدهما لماكس فيبر والثاني لجاكلين روس.
1- موقف ماكس فيبر: الدولة وحدها لها الحق في ممارسة العنف المادي.
إن الدولة تتأسس في نظر ماكس فيبر على العنف. ولذلك يرى أنه إذا وجدت تجمعات بشرية لا تعرف العنف، فمعنى ذلك أنه لا يمكن الحديث عن وجود الدولة، كجهاز يحكم هذه التجمعات السياسية. فما سيبقى في حالة اختفاء العنف هو الفوضى بين مختلف مكونات البناء الاجتماعي، نظرا لاختفاء القوة العنيفة القادرة على إزالة هذه الفوضى.
إن العنف إذن هو الوسيلة المميزة للدولة، والعلاقة بينهما هي علاقة وطيدة وحميمية. وللدولة وحدها الحق في ممارسة العنف المادي، إذ لا يحق لأي فرد أو جماعة ممارسة هذا العنف إلا بتفويض من الدولة.
لكن ألا تتعارض ممارسة العنف مع المواصفات التي يجب أن تتوفر في دولة الحق؟
2- موقف جاكلين روس: تتمسك دولة الحق بكرامة الفرد ضد كل أنواع العنف والتخويف.
اعتبرت جاكلين روس أن دولة الحق هي ممارسة معقلنة لسلطة الدولة، يخضع فيها الحق والقانون إلى مبدإ احترام الشخص البشري وضمان كرامته الإنسانية. هكذا فالفرد في دولة الحق هو قيمة عليا ومعيار أسمى لصياغة القوانين والتشريعات التي تمنع كل أنواع الاستعباد والاضطهاد التي قد يتعرض لها.
وما يمكن ملاحظته هنا هو أن الغاية هنا هي الفرد وليس الدولة؛ فهذه الأخيرة هي مجرد وسيلة لخدمة الفرد، إذ تعتبره الغاية الأساسية من كل تشريع. ولن يتم ذلك إلا من خلال مبدأ فصل السلط الذي يمكن من إحقاق الحق وإخضاعه للممارسة المعقلنة القائمة على الاحترام وتطبيق القانون، ونبذ كل أشكال الإرهاب والعنف.
3- موقف غاندي: العنف رذيلة وتعبير عن الحقد، وبالتالي فلا مشروعية له.
يتبنى غاندي موقف اللاعنف باعتباره يمثل ذلك الحب أو الإرادة الطيبة تجاه كل الناس. ولذلك فهو يرفض السلوك العنيف لأن وراءه نية من أجل إلحاق الأذى والألم بالآخر، كما أنه تعبير عن نشيد الحقد الذي تعبت الإنسانية من عواقبه الوخيمة. هكذا يدعو غاندي إلى تعميم الصداقة بين كل الناس، ومكافحة العنف والشر بسلاح الذهن والفكر الأخلاقي، وهو ما يقتضي مواجهة العنف بمقاومة روحية تمكن من خلق خيبة أمل لدى الممارس للعنف بأن لا أواجهه بسلاحه من جهة، وتمكن من الرفع من مستواه الإنساني والأخلاقي بأن يصبح هو الآخر رافضا للعنف من جهة أخرى.
انطلاقا من كل هذا فاللاعنف عند غاندي يستمد قوته من الروح؛ إذ يعتبر عقيدة روحية وأخلاقية قبل أن يصبح ممارسة جسدية وسلوكية. وهذا أمر يقتضي رفض العنف رفضا نهائيا ومبدئيا واعتباره رذيلة في ذاته، وأنه القانون الذي يحكم عالم الحيوانات، بينما اللاعنف هو القانون الذي يحكم العالم الإنساني.