منتديات الحوار الجامعية السياسية

فليقل كل كلمته
#52906
•• هناك ثلاثة مؤشرات هامة تدل على قرب سقوط النظام السوري..

•• كما أن هناك مؤشرين خطرين آخرين يدلان على أن الوضع السوري حتى بعد هذا السقوط لن يكون مطمئنا، مالم يتم تدارك ذلك منذ الآن بين المعارضة بجناحيها السياسي والعسكري.

•• وهناك مؤشر وحيد فقط.. لدخول سورية في مرحلة أكثر تعقيدا.. وذلك بـ«انقلاب النظام على النظام» بهدف الإبقاء على «بشار الأسد» بعيدا عن المساءلة.. أو توفير ملاذ آمن له في الوقت المناسب مع ضمانة عدم متابعته قضائيا.

•• لكن السؤال الأهم الآن هو:

•• من كان وراء مقتل وزير الدفاع (داوود راجحة) ونائب وزير الدفاع (آصف شوكت) ورجل الأمن الأول (حسين توركماني) وبقية المسؤولين السوريين المتوقع الإعلان عن مقتلهم في حادثة الاجتماع الأمني الذي عقد في «مبنى الأمن القومي» وهو منطقة محصنة ولا يمكن الوصول إليها بسهولة.. فضلا عن معرفة أي أحد توقيت ومكان الاجتماع من غير الدائرة الأمنية القريبة من النظام.. أو على أقل تقدير من الجهة المنظمة لهذا الاجتماع المحوري الهام؟

•• وبصرف النظر عن الأدوات التي استخدمت في هذه العملية النوعية الدقيقة بكل المقاييس التخطيطية والتنظيمية.. فإن تحقيق أكثر من (80%) من أهداف العملية نفسها يعتبر عملا أمنيا عاليا ومحترفا ومحكم التخطيط إلى درجة بعيدة.. وهذا يؤكد ــ بما لايدع مجالا للشك ــ بأن كل أسباب النجاح اللوجستية.. والدعم البشري.. والفني.. والتنظيمي قد توفرت. لتصل بعملية التنفيذ إلى أقصى درجات النجاح.. وهذا يطرح سؤالا مهما ومتفرعا هو:

•• هل تمت العملية بمعرفة «بشار الأسد» وبتخطيط منه؟! وإذا كان هذا قد حدث.. فهل تمت تصفية قيادات أمنية كبيرة بهذا الحجم يخدم النظام ويكفل استمراره..؟

وبمعنى آخر.. هل اكتشف الأسد أن رؤوس نظامه تتآمر عليه.. وأنها اخذت تدبر أمرا للتخلص منه.. ولاسيما بعد أن سبقها ببضعة أيام انشقاق بعض العناصر المقربة منه ومنها ابن وزير الدفاع الأسبق «مصطفى طلاس» وسفير سورية في بغداد «نواف الفارس» وما أعلن أيضا عن مغادرة بعض أفراد أسرة عقل النظام «رستم غزالة» إلى الأردن قبل يومين من الآن؟!

•• أو هل كانت عملية التصفية هذه لرؤوس النظام نتيجة صراع بين هؤلاء القادة وبين «رستم غزالة» لكي ينفرد بالرئيس ويتولى مسؤولية إدارة المعركة مع الشعب نيابة عنه ترسيخا لقواعد النظام وتخفيفا من الضغط على بشار نفسه؟!

•• وإذا كان هذا قد حدث بالفعل.. ومن وراء مؤسسات النظام الأمنية الكبرى (المخابرات/ الداخلية/ الدفاع/ فريق إدارة الأزمة).. فكيف استطاع فريق «رستم غزالة» أن يخترق كل هذه الهياكل ويقضي عليها دفعة واحدة ولماذا؟!

•• ثم.. ماهو دور من كان سببا في تنظيم هذا الاجتماع وفي الدعوة إليه.. وتجميع هذا العدد من قيادات النظام الأمنية وهي تدرك أن اجتماع رؤوس النظام في مكان واحد.. وفي وقت واحد.. مسألة غير مقبولة من وجهة نظر أمنية بحتة تحسبا لأي طارئ..؟

•• هذه الأسئلة وغيرها.. رغم أهميتها في تقريب الصورة.. وفك مغاليقها.. إلا أن الأهم منها هو السؤال التالي:

•• وماهي مصلحة النظام نفسه في حصد رؤوس القادة الأمنيين في وقت واحد.؟ وماهو تأثير عمل كهذا على النواحي المعنوية لقوات النظام وأجهزته الأمنية المتعددة؟!

•• هذا السؤال الكبير هو الوحيد الذي يبدو وكأنه يستبعد قيام النظام نفسه بهذا العمل في هذا الوقت بالذات لأنه وبكل المقاييس سيعني أن أعمدة النظام قد دخلت مرحلة الانهيار الحقيقي.. وأنه إذا كان عاجزا عن حماية قياداته وفي أخطر مواقعها وأكثرها تحصنا فكيف يمكن له أن يحفظ له الهيبة.. أو يؤكد مدى قدرته على التماسك.. أو الاستمرار في العمل بمواجهة المقاومة الباسلة سواء في جانبها العسكري (الميداني) أو السياسي الاتصالي المتنوع..

•• لكن حسابات الأنظمة التي تواجه مصيرا يقترب بها من حالة الانهيار والموت.. تتجاوز كل هذه التحسبات ولا تلقي لها بالا.. لأن الحديث عن النواحي المعنوية لا أهمية ولا قيمة له مقارنة بالعمل على تأمين النظام من داخله لاسيما إذا توفرت معلومات أو مؤشرات لدى القيادة العليا بأن بعض عناصر النظام توشك أن تكون أكثر خطورة عليه من المقاومة التي لا تملك نفس القدرات والأدوات والوسائل التي يملكها هؤلاء ويستطيعون معها أن يجهزوا على النظام في لحظات..

•• صحيح أن النظام محمي بالفرقة الرابعة بقيادة أخي بشار (ماهر الأسد) وأنها هي التي تدير كل مؤسسات النظام الأمنية بحق.. وأنه لا وزارة الدفاع.. ولا الاستخبارات العامة.. ولا وزارة الداخلية.. تمتلك القرار بنفس القوة والنفاذية التي يتملكها (ماهر).. لكن سيطرة شقيق بشار على مقاليد الأمور ربما كانت هي سبب تبرم القادة الأمنيين والعسكريين.. ونقطة الانطلاق في التخطيط للتخلص من الأسد.. وأن هذه المعلومة قد وصلت إليه.. وجعلته أمام خيار صعب من خيارين.. فإما أن يقدم على ما أقدم عليه ويتجنب ما قد تسفر عنه خطتهم تلك.. وإما أن يكتفي بتجريدهم، من كامل صلاحياتهم ورتبهم.. ويودعهم الإقامة الجبرية ويرتاح من المخاوف المتصاعدة منهم.. بصرف النظر عن الضغوط الداخلية والخارجية التي سيواجهها النظام وبعضها يطال الناحية المعنوية بمجرد أن يعلن عن إنهاء خدمات عدد كبير من القادة في ظروف أمنية حساسة كهذه.. دليلا على تداعي النظام وتساقط رؤوس قياداته.

•• لكن الأسد فيما يبدو اختصر المسافة بين تخطيط المؤسسة الأمنية لإقصائه وبين تفجير الموقف بصورة أوسع وذلك بقيام العسكر بالانقلاب عليه والاستيلاء على السلطة في البلاد.. وكلاهما أسوأ من بعضهما.. وكلاهما يكتب له نهاية مؤلمة.. قبل أن يصل «الثوار» إلى نفس النتيجة بعد طول انتظار..

•• وإذا صح هذا الاستنتاج فإن «بشار الأسد» يكون قد اختار الحل الأسرع.. وأقدم على الخطوة الأنجع.. والدليل على أنه كان يخطط لذلك هو سرعة اتخاذ قرار تعيين «فهد جاسم الفريج» وزيرا بديلا للدفاع.. وظهوره على الملأ بعد أقل من ساعتين على حدوث العملية التي لم يتبين بعد إن كانت انتحارية.. أو كانت بسبب تشريك منطقة الاجتماع بكاملها.. أو كانت تمت بوسائل أخرى.. قيل أنها تمت بهدوء مما يؤكد أنها عملية محكمة التخطيط وأنها قد تمت بحرفية عالية.. وبتوقيت دقيق.. كما أن تسلم وزير الدفاع الجديد مهامه بصورة فورية يرسل رسالة إلى الجميع أن الحادث كان مدروسا بعناية.. وأن تنفيذه قد روعي فيه الاستباق لأي تطورات أشد يمكن أن تتم من داخل النظام وتنهيه بصورة مأساوية..

•• لكن الاحتمال الآخر.. وهو احتمال ضعيف يقول: إن العملية برمتها تمت بالاتفاق بين رئيس الأركان الذي أصبح هو الوزير وبين بعض القادة العسكريين والأمنيين وإنها تمت في اتجاهين.

•• الاتجاه الأول هو.. إخفاء الرئيس بشار الأسد عن الواجهة بصورة طوعية..

•• والاتجاه الآخر هو: القضاء على المجموعة الأمنية بالصورة التي تمت بها.

•• وإن كانت العملية في جانبيها تعد انقلابا عسكريا مدروسا.. من داخل النظام وضد النظام.. بدليل أن المرسومين العسكريين بتعيين العماد فهد جاسم الفريج نفسه وزيرا للدفاع ونائبا للقائد العام.. لم يكونا ممهورين بتوقيع الرئيس الأسد نفسه.. وإنما كانا مطبوعين بخاتم الرئاسة وذلك ما أثار الشك لبعض الوقت في أن الأسد بخير.. أو أنه ما زال على رأس السلطة.. أو أنه قادر على اتخاذ قرارات كهذه.. وبهذه السرعة.

•• تلك هي الفرضية الأرجح.. في صورتيها السابقتين وهما:

• إما أن الرئيس قد انقلب على من يدبرون له سوءا.

•• وإما أن الجيش قد تخلص من هؤلاء وسوف يسيطر على الوضع برمته بمعرفة الرئيس وبمبررات حمايته من أي ردود فعل أو تعريضه لأي أخطار أمنية محتملة.

•• أما الاحتمال الثاني المطروح فإنه يتمثل في القول إن هناك قوى دولية خارجية نظمت عملا استخباراتيا محكما أدى إلى إنجاز عملية التصفية هذه لإضعاف النظام وإرسال رسالة إليه بأن عليه أن يقبل بما هو معروض عليه في مشروع «عنان» بالدخول في مرحلة انتقالية سلمية تنتهي بتوفير ملاذ آمن للرئيس وإبعاده عن أي محاكمة في المستقبل.

•• ومع أن هذا الاحتمال غير مستبعد كلية.. إلا أن من يستطيع أن يقوم بعمل كهذا ضد هذا العدد الكبير من القيادات الأمنية كان يمكنه أن يقوم به ضد الرئيس ويسقط النظام بالكامل.. ويسهم في دخول البلاد في مرحلة أقل تعقيدا لو أن ذلك كان مطلوبا..

•• لكن عملا استخباراتيا بهذا الحجم.. يتطلب أدوات نافذة وقوية ومؤثرة في داخل بيت النظام.. وليست هناك مؤشرات كافية على أن «العماد فهد جاسم الفريج» على رأسها لأنه لم يكن معروفا في سلسلة هرم قادة النظام بصورة كبيرة.. وإن لم يكن هذا الاحتمال مستبعدا أيضا لاعتبارات كثيرة يرد في مقدمتها أن كثيرا من الأعمال التغييرية ذات الطابع الأمني قد تقوم بها عناصر مغمورة إذا هي وجدت الدعم وحسن التخطيط وتمكنت من النفاذ إلى مفاصل السلطة.. وذلك غير بعيد.

***

•• أما بالنسبة لدور الجيش الحر في التخطيط لعملية تصفية هؤلاء القادة.. وفي الوصول إليهم وفي ضرب النظام في مقتل.. فإن ذلك أمر مشكوك في صحته لسببين اثنين هما:

• أولا: إن الجيش الحر مازال في مرحلة التكون واستقطاب المزيد من القيادات العسكرية المنشقة عن النظام.. وأن كل من التحق به لم يكن مؤثرا بدرجة كبيرة في المؤسسة الأمنية والعسكرية كثيرا بحكم عدم ثقة النظام في القادة العسكريين والأمنيين وبسبب اعتماده على نظام تجسس دقيق على هذه القيادات من داخل وحداتهم.

• ثانيا: إن الانقسام مازال كبيرا بين قوى المقاومة السياسية والعسكرية.. وكذلك بين داخل كل من الفئتين الكبيرتين حتى الآن.. ومن الصعب أن تتوفر الأرضية الكافية لعمل كهذا في ظل استمرار هذا الاختلاف وبالمقابل تماسك النظام من الناحيتين العسكرية والأمنية بدليل تحيز الجيش إلى جانب السلطة حتى الآن.

•• وأنه حتى تصريح قيادة الجيش الحر بأن هذه العملية النوعية تأتي ضمن بركان دمشق.. زلزال سورية ماهي إلا محطة البداية لسلسلة طويلة من العمليات النوعية والكبيرة عن طريق إسقاط الأسد ونظامه بكل أركانه ورموزه.

إن هذا التصريح لم يشر إلى علاقته المباشرة بهذا العمل.. لأنه مازال في مرحلة التكوين وأن هذه المرحلة قد لا تسمح بالاختراق للنظام بمثل هذه القوة والدقة في التخطيط والتنفيذ.

***

•• وبالتأكيد.. فإن الأسابيع القليلة القادمة ستكشف عن مدى صحة هذه الفرضيات.. ولاسيما فرضية ضرب النظام من داخله أو فرضية الانقلاب عليه من داخل مؤسسته العسكرية أو فرضية أن الرئيس نفسه قد انقلب على رجاله حتى يتجنب السقوط قبل الأوان.

•• لكن ما ننتظره من تفاصيل قد لا تكون كافية للإجابة على نفس السؤال.. من قتل القادة الأمنيين دفعة واحدة.. ومن المستفيد الأول من ذلك.. وإن كان ظهور أو اختفاء الأسد سريعا أو بعد وقت طويل سيحدد بعض ملامح هذه الإجابة.. وقد يأتي الرد في صورة أكثر دراماتيكية.. بفرار الأسد أخيرا من دمشق إلى موسكو وليس إلى اللاذقية كما تناقلته الأخبار.. أو بالتحفظ عليه.. ودخول البلاد في حرب أهلية دموية بين خصومه وأنصاره.. وإن كان من دبر هذا العمل سوف لن يسمح بتحقق ذلك.. لأن سورية كلها ستشتعل في النهاية وقد تشتعل المنطقة كلها إذا مارس الأسد جنونه واستخدم أسلحة تدميرية سامة وقاتلة ومحرمة دوليا.. ولا يستبعد أن يفعل الأسد هذا إذا وصل إلى مرحلة الاقتناع بأنه أصبح هدفا سهلا.. وأن الجميع يتآمر عليه.. وأن فرصته في الحياة محدودة.. وبالتالي بات محتما عليه أن يقوم بإحراق البلد وتفجير المنطقة فوق رؤوس الجميع كما هدد بذلك منذ بضعة أشهر.