منتديات الحوار الجامعية السياسية

على مقهى الحياة

المشرفون: عبدالله العجلان،عبد العزيز ناصر الصويغ

#52916
وفي هذا السياق، يعتبر مفهوم الحداثة من بين المفاهيم التي بات الحديث عنها موضوعا طويلا ومتشعبا.. حيث لايقف الأمر عند حد معين..فله أكثر من مدلول وتعريف، فكل يوم تخرج لنا دراسة وقراءة جديدة عنه…  وبات يستهلك - كمصطلحات أخرى خاصة في الحقل السياسي – أو السياسوي إن صح التعبير- استهلاكا مجانيا ومجانبا للصواب إذ تبرر عدة تصرفات منافية للأخلاق والقيم المجتمعية باسم الحداثة ،كما يلفق البعض لخصومه السياسيين وأصحاب الرأي الأخر تهما ونعوتا مجانية باسم الحداثة… الشئ الذي يعبر عن بؤس حقيقي في الوعي السياسي مما يؤدي في كل الأحوال إلى أخطاء فادحة وكبيرة . وهكذا بات إذن من الضروري تدقيق وتحديد هذا المفهوم، وإزاحة اللبس والضبابية و التلفيق الذي أصابه.

 

       إن  الحداثة في أصلها مشتقة من التحديث  أي كل جديد يهدف إلى "تجديد" القديم و"تحديثه" و "تطويره" يسمى حداثة , وهي مفهوم شامل للتحديث في كل نواحي الحياة بما فيها الأدب بأنواعه المختلفة وقد أطلقت الحداثة في البداية على التحولات الفكرية التي حصلت في العصر الذي تلا النهضة الأوربية وتحديدا بعد الثورة الفرنسية، وسمي بالعصر الحديث. وكان من أول نتائج هذه الثورة إقصاء الدين عن الحياة نهائياً في الغرب كله، وحذف مفاهيمه وقيمه من القلوب والعقول، وخاصة عندما بدأت تظهر للوجود - بشكل واضح - تباشير النور، وانزياح جيوش الظلام المتمثل بالجهل والتخلف والتعصب الذي كانت ترعاه الكنيسة في الغرب ، بحيث  لم يكن من الممكن لروّاد النهضة الأوربية في القرن الخامس عشر الميلادي أن يكسروا قيود الجهل والتخلف، ما لم يقضوا بشكل حاسم ونهائي على الحلف (غير المقدس) بين الملوك والكنيسة، ومن هنا كان تسجيل التاريخ لذلك الشعار الذي رفعته الثورة الفرنسية (اشنقوا آخر الملوك بأمعاء آخر القساوسة).     إن فصل الدين عن الدولة والمجتمع في الغرب، أدى إلى إحلال الرابطة القومية محل الرابطة الدينية، وإلى تفكيك الروابط الأسرية، روابط القربى والنسب والدم - فيما بعد - لصالح المجتمع من طرف، ولصالح النزعة الفردية والمصلحة الشخصية - فيما سمي بالحرية - من طرف آخر، وإلى انحسار سلطة الكنيسة على العلم والفكر، وفتح الطريق لنقد الفكر القديم القائم على المثالية والإيمان، والسعي لتشكيل منهج جديد قائم على الحس والعقل.. ذلك المنهج الذي انتهى إلى المادية الحالية.

 

              إذن ، فالحداثة مدرسة عريضة تشمل كل مجالات الحياة، فكراً وعقيدة، وثقافة وأدباً وفناً،وسلوكاً وسيرة، وقيماً  ونذكر من رواد الحداثة  في الغرب خاصة في مجال الأدب :الأديب الأمريكي إدغار ألان بو  1809-1849  و الذي يعتبر من رموز المدرسة الرمزية التي تمخضت عنها الحداثة في جانبها الأدبي على الأقل، وقد تأثر به كثير من الرموز التاريخية للحداثة   مثل مالا رميه  وفا ليري وموبوسان، وكان المؤثر الأول في فكر وشعر بود لير ا لذي يعتبره بعض النقاد أستاذ الحداثيين في كل مكان .