صفحة 1 من 1

التخلف السياسي

مرسل: السبت يوليو 21, 2012 4:43 am
بواسطة عمر البطاح 36
ان عصور التنوير شكلت منعطفا هاما في سيرورة العقل، فتحرر من المعوقات التي كبلته وفي طليعتها الأسطورة والأحكام المسبقة. هذا التحرر اتاح لمفاهيم المعارف الأنسانية ان تتبدل. وقد نالت السياسة نصيبها في هذا المجال، فاصبحت علما له قواعد وأصول. والعلم هو معرفة الشيء بحقيقته، او المعرفة المنسقة. وهذا يعني ان على السياسة ان تصبح هي الأخرى خاضعة للعقل العلمي وللحقيقة الممنهجة من حيث مقولاتها وموضوعية تحليلاتها وابتعادها عن الذاتية وضغوط الميول.

لكن السياسة على مستوى الممارسة، لم تصل ابدا الى هذا الحد من الضبط والعقلانية، فقد أظهرت الأحداث مدى ابتعادها عن كونها علما. وظلت خاضعة للعشوائية السلطوية، فلم تختلف عما كانت عليه في عصور الظلمات وفي مجتمعات ما قبل الدولة.
ان المدى السياسي في المجتمعات الديمقراطية مختلف نسبيا في حراكه عن الانظمة الاخرى، ولا سيما الانظمة الشمولية. ان اخضاع العمل السياسي للعقلانية لا بد ان يمر في مرحلة تنقيته من مجموعة أوهام، وفي طليعتها الاعتقاد بأن كل من يتعاطى العمل السياسي هو عالم وخبير، يستطيع ساعة يشاء ان يفتي في قضايا الأمة والوطن والشعب، فيحلل ويحرم، ويخوَن ويمنح صك غفران أو شهادة في الوطنية. وما صفحات الصحف وشاشات التلفزة سوى الدليل الساطع على ان لدينا من "الساسة" اكثر مما لدى الدول صاحبة القرار والممسكة بالورقة السياسية الدولية. هذا المشهد السياسي عندنا – فكرا وممارسة – هو الأكثر بؤسا في العالم.