صفحة 1 من 1

الديمقراطية والاصلاح السياسي والحكم الرشيد

مرسل: السبت يوليو 21, 2012 4:15 pm
بواسطة عبدالعزيز عامر 313
هناك علاقة مباشرة بين مفهومي الحكم الرشيد والديمقراطية، إذ أن الديمقراطية تتطلب كلا من الحق بالاختلاف وقبول الجميع بمثل هذا الاختلاف، والأساس أن يتم الاعتراف بهذا الاختلاف لإثراء الحياة العامة للناس، فالحياة السياسية مكونة من آراء متقابلة.



والديمقراطية تهدف فيما تهدف اليه التأكد من هذه المواجهة؛ التي تخدم العدل الاجتماعي والوصول الى نتائج ايجابية للمجتمع، إذ أن الحكم الرشيد يوفر لنا العديد من الوسائل لتحقيق هذه الغايات وعند المقارنة بين المفاهيم الديمقراطية والحكم الصالح نرى ان الشفافية والمساءلة العامة على جميع الذين يتولون سلطة عامة بغض النظر إذا كانوا منتخبين أو لا، وينطبق ذلك على جميع مؤسسات السلطة العامة بلا استثناء، وتنطوي المسألة على الحق العام بلا استثناء بالحصول على المعلومات عن نشاطات الحكومة وعلى الحق بالاعتراض عليها والسعي الى الإصلاح من خلال آليات قضائية وقانونية وتتم المسألة عبر البرلمانات ومؤسسات التدقيق العليا.ومن المعروف ان الديمقراطية ترتكز الى حكم القانون فهي تتطلب ادارة فعّالة للقضاء والحاكم وبقية المؤسسات القضائية فضلا عن آليات الرقابة المستقلة، وعليه فان الحاجة لوجود برلمان لا يكون فقط مؤسسة تشريعية وانما كجهاز مركزي للدولة يعمل باسم الشعب ولصالحه على مراقبة الأداء الحكومي بفاعلية ويخضعه للمسألة بعدالة وشفافية.ومن هنا يجب أن تصطبغ الحياة العامة بكلّيّتها بشعور من الاخلاق إذ يجب أن نعمل جميعا من أجل الخير المشترك إذ لا مكان للفساد في الدولة الديمقراطية، كون الفساد يزعزع الثقة بمؤسسات الدولة ويدفع الى التطاول ومد اليد إلى المال العام، ويقود للترهل الإداري ويعمل على هدر واضح للثروات والموارد، وان محاربة الفساد تسير جنبا الى جنب مع تعزيز قيم النزاهة والشفافية والاستخدام الامثل والفعّال للموارد والثروات وهذا هو جوهر الحكم الرشيد “الصالح” والذي يقود اليه.ان الديمقراطية لا يمكن ان تتواجد في كيان معزول خارج جسم الظروف التاريخية والوجود البشري، وامكانياتها وحدودها تعتمد على البنى الاجتماعية القائمة وظاهرة الوعي، فهي قيمة او مجموعة قيم لا بد من توافرها حتى ينتج عنها سلوك، اذن هي حالة ذهنية يجب ان تدرك وتستوعب مضامينها في العقل البشري كجزء من ثقافته العامة وكذلك هو الاصلاح الهادف لإحداث تغيير في الثقافة العامة، وعليه لا يمكن للسلوك الديمقراطي ان يكون دون توفر القيم ذات الطابع الديمقراطي، فحالة التحول المطلوبة من اطار سلطوي الى آخر ديمقراطي تحتاج لوعي، أو إدراك لجوهر ومضامين القيم الديمقراطية والتي هي متعلمة، ومكتسبة ولها علاقة بالخبرة والممارسة الانسانية، صحيح أنها مذهب فلسفي يعيد أصل السلطة السياسية الى إرادة العامة “إرادة الشعب” لأنه مصدر السلطات، وتعود على شكل النظام السياسي إذ نميز بين نظام سلطوي وآخر ديمقراطي، لكن مقصدنا هنا الحديث عن مضامين الديمقراطية كقيم ثقافية واجتماعية فالقيمة الاولى هي ان الفرد بحد ذاته قيمة، وحريته نقطة الاطلاق فلا يجوز تقييده او تكبيله باسم السلطة ومن قبلها في مجالات الحياة وفضاءات السلطة.إن الديمقراطية تروج لفكرة الحرية، وحق تقرير المصير، والاختيار، والاستقلال الذاتي المعنوي، ومسؤولية الفرد عن اختياراته، وحماية مصالحه، والخبرات التي يشارك بها الآخرين، ناهيك عن احترام كرامة الانسان كإنسان بغض النظر عن عرقة او دينه او جنسه، واحترام حرية الرأي والاعتقاد، والتعبير بكافة الاشكال وبقية الحريات كما هي الحقوق من مدنية وسياسية وبالذات الحقوق التي ولدت معنا والتي اكتسبت من وجود التنظيم السياسي الذي تطور مع تطور المجتمعات البشرية، ولا ننسى ان من مضامين الديمقراطية مبدأ سيادة القانون كمعيار يتم التعامل به مع الجميع وهو ما يسمى المساواة امام القانون والمساواة الأخلاقية الذاتية لكل الافراد باختيار ما هو أفضل لذاته والمساواة السياسية بين المواطنين، والمساواة في توزيع عوائد الموارد والثروة، يضاف الى ذلك التعددية السياسية والتي تعني التنوع بأشكاله المختلفة، الثقافة، الرأي، والفكر الذي ينظم من خلاله المجتمع متجها نحو مفهوم تداول السلطة السياسية والتي هي اهم مضامين الديمقراطية، يضاف الى كل ذلك مضامين مثل: التسامح، والحياد القيمي، والعقلانية، وعلى الصعيد السياسي المعاصر، فان الديمقراطية هي منهج حكم وليس عقيدة سياسية، وعندها نقول بالديمقراطية الدستورية وهي المقيدة بدستور يرسم معالم النظام السياسي وآليات الحكم التي تستند الى تكريس مبدأ سيادة الشعب من خلال المشاركة الفعّالة والمساواة في الاقتراع وشموليته على كافة المستويات المحلية والوطنية، وتطبيق مبدأ سيادة القانون، وفصل السلطات، وتداول السلطة ووجود حكومة يجب مساءلتها لتحقيق الرقابة السياسية، وضمان الحقوق والحريات العامة، وتحقيق مبدأ المساواة بأنواعه المختلفة، وهذه مضامين وقيم تأتي في صلب مفهوم الحكم الرشيد وهي ما يسعى الاصلاح السياسي لتحقيقها، إذ من دون الوصول الى حكم ديمقراطي يحترم كرامة الإنسان ويُعلي حقوقه ويحترم حرياته فما قيمة الاصلاح حينئذ؟!.اما مزايا الديمقراطية فهي تعمل على معاملة الجميع على قدم المساواة وتلبية احتياجات المواطنين استنادا لمطالبهم الجمعيّة، وتدفع باتجاه الحوار والاقناع والسعي للحلول الوسط وترسيخ السلم الاجتماعي، وكفالة وحماية حقوق الانسان وحرياته وتدفع باتجاه تجديد قوة المجتمع من خلال عمليات التجنيد السياسي الذي يؤدي لبروز قيادات منتخبة بنزاهة وبحرية، وعدالة فهي توفر القيادات السلمية والفاعلة.إن تطبيق أو تعزيز الديمقراطية يتطلب شروطاً يجب توافرها مثل الوعي السياسي، المستوى التعليمي “التعليم”، وتطور مفهوم المواطنة باطاره القانوني، والولاءَ للدولة كحاضنة للجميع ورمز يحترم ويضحى من أجله وانحسار الانتماءات الضيقة والتقليدية، واهمية وجود طبقة متوسطة عريضة لأنها الأساس في التغيير والاستقرار، ووجود مؤسسات مجتمع مدني فاعلة مثل الأحزاب السياسية، والجمعيات والنقابات والاتحادات النوعية، يضاف إلى ذلك مستوى معيشي جيد يستطيع الفرد من خلاله تلبية احتياجاته ومتطلباته الحياتية فالخبز أحياناً قبل الديمقراطية، إن نجاح الديمقراطية يعتمد على توفر البيئة الاجتماعية الحاضنة لتلك المضامين القادرة على تنميتها وحمايتها والحفاظ عليها، وتوفر الشروط اللازمة لانطلاقها من خلال دور فاعل لوسائل التنشئة السياسية المختلفة؛ لتصبح تلك القيم والمضامين جزءاً جوهرياً من الثقافة العامة والسياسة كنمط فرعي، فالديمقراطية لا تنمو بالشعارات بقدر ما تنمو من خلال زرع قيمها ومضامينها في العقل البشري لممارستها في الحياة العامة كمنهج عام يتطلب الاصلاح السياسي باستخدام آليات متعددة منها الشفافية والوضوح ويعني الانفتاح الشامل على المجتمع في السياسات والممارسات، وكذلك المساءلة، وإشراك المواطنين في الحكم وكلها قيم ديمقراطية، فمن هنا فإن جوهر الديمقراطية يلتقي مع كل من مفهوم الاصلاح السياسي ومضمون الحكم الرشيد الذي هو هدف وغاية الاصلاح السياسي الوصول لأفضل شكل في الحكم، من أجل خدمة المجتمع وتطوير آليات الحكم، وتوسيع قاعدة المشاركة السياسية لجميع المكونات الاجتماعية دون تفريق او تهميش او إقصاء.واذا ما أخذنا الديمقراطية على أنها شكل حكم يعمل جيداً اعتماداً على منظومة القيم فإن الحكم يشكل جوهر الديمقراطية، وحين تشكل الديمقراطية نموذجاً يسعى الى الحفاظ على كرامة الفرد وحقوقه الاساسية وحرياته العامة وتعزيزها وحمايتها عند ذلك تعتبر الديمقراطية والحكم وجهين لمعادلة واحدة، هي معادلة التنمية، ويضاف الى كل ذلك ضرورة توفر إطار تشريعي ناظم للعملية الديمقراطية والإصلاح المنوي إحداثه مع توفر ارادة سياسية صادقة وفاعلة.