قراءة للدبلوماسية الصينية
مرسل: السبت يوليو 21, 2012 7:31 pm
لنأخذ على سبيل المثال كيف تعاملت الدبلوماسية الصينية مع حادثة الرهائن الصينيين المؤسفة التي وقعت في العراق .. لقد انتابنا نحن العرب الكثير من القلق على ارواح الرهائن الصينيين الثمانية ، خاصة وان الصين حكومة وشعبا ظلت على مدار العقود الماضية تقف مؤيدة داعمة للقضايا العربية العادلة ، ولا يوجد خلافات تعكر صفوة العلاقات العربية الصينية .. لقد تعاملت الدبلوماسية الصينية مع هذه الحادثة بكل حكمة ، ولم يصدر عنها اي رد فعل متسرع ، على العكس من ذلك سارعت باتخاذ الاجراءات العملية التي من شأنها ضمان حياة و سلامة الرهائن الثمانية .. استنفرت القيادة الصينية من اعلى الهرم القيادي وحتى اصغر الموظفين في الخارجية .. وتحول مقر الخارجية الى غرفة عمليات حقيقية .. كيف لا والموضوع يتعلق بحياة مواطنين صينين !! انها قضية البلاد كلها .. الرئيس خو جينتاو يعطي تعليماته والوزير لي جاو شينغ يجري اتصالاته مع الاجهزة المعنية في الداخل والخارج .. الخط الساخن يعمل ليل نهار .. حركت الخارجية وفدا الى مقاطعة جا جيانغ لمواساة اسر المختطفين وتطمينهم ، وأرسلت وفدا آخر إلي بغداد لمساعدة السفارة في جهودها والاتصال بكل الاصدقاء والجهات الحزبية والحكومة والمنظمات الشعبية التي يمكن ان تساعد على اطلاق سراح الرهائن .. كان نائب رئيس الحكومة العراقية المؤقتة يقوم في ذلك الوقت بزيارة للصين ، حيث اعرب الجانب الصيني عن قلقه البالغ ازاء هذه الحادثة الخطيرة ، وطالب الحكومة العراقية بسرعة التحرك والعمل على انقاذ الرهائن وضمان سلامتهم .. لقد كان الخاطفون يطالبون الصين بتوضيح موقفها من الاحتلال الامريكي للعراق ، في الوقت الذي كان فيه الموقف الصيني من المسألة العراقية في غاية الوضوح والشفافية ، فقد شجبت ومنذ البداية استخدام القوة ضد العراق ، ووقفت ضد نزعة التفرد الامريكية ، وضد تخطيها لهيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن في ضرب العراق ، وقبل الحرب ايضا ظلت تدعو الى تفعيل دور هيئة الامم المتحدة والوكالة الدولية للذرة في عملية التفتيش عن اسلحة الدمار الشامل في العراق ، وتنادي باحترام سيادة العراق ووحدة اراضيه ، هذا ورفضت ارسال اي قوات لها للعراق ، وتؤكد على ضرورة تمكين قيادة العراق من قبل العراقيين والانسحاب الاجنبي منها في اسرع وقت ممكن .. هذا هو الموقف الصيني الذي ظل ثابتا وواضحا قبل وبعد الحرب ولا زال كذلك حتى الاّن .. وعلى الفضائيات العربية ترجل الدبلوماسي الصيني المخضرم لي خوا شينغ / المعروف بحمدان / ليخاطب العالم العربي شعوبا وحكومات بلغة الضاد الواضحة وليعيد التأكيد على عمق العلاقات العربية الصينية ، وعلى الموقف الصيني انف الذكر من المسألة العراقية والمرتكز على خدمة المصالح الاساسية للشعب العراقي .. وهكذا تم اطلاق سراح الرهائن الصينيين الثمانية بحنكة السياسة الدبلوماسية الصينية المرنة والواقعية .. ثمانية اشخاص لا يشكلون شيئا بالنسبة لعدد سكان الصين الذي يزيد عن المليار وثلاثمائة مليون نسمة ، الا أن الدبلوماسية الصينية تحرص على كرامة ومصلحة وحياة اي مواطن صيني اينما كان كحرصها على كرامة ومصلحة الشعب باكمله .. فكيف لا يتبنى الشعب الصيني هذه الدبلوماسية ويدافع عنها !! لقد نجحت الدبلوماسية الصينية في الافراج عن مواطنيها الرهائن غي الوقت الذي لم تستطع لا الدبلوماسية الامريكية ولا اليابانية وكما الكورية الجنوبية ولاغيرها من انقاذ ولو رهينة واحدة من رهائن مواطنيها في العراق ..