مفهوم العولمة (تنمية سياسية)
مرسل: الأحد يوليو 22, 2012 2:45 am
يعتبر انهيار سور برلين ، وتفكك الاتحاد السوفيتي وسقوط النظام الاشتراكي والذي كان يتقاسم الهيمنة مع الولايات المتحدة انتصاراً للنظام الرأسمالي الليبرالي والتي أظهرت ما يسمى بالنظام العالمي الجديد الذي يدعو إلى النظام الرأسمالي وتبني أيدلوجية النظام العالمي الاستعماري ــ تحت ستار ...
العولمة [1]ـ والتي تمثل مرحلة متطورة للهيمنة الرأسمالية الغربية على العالم .
إن سقوط النظام الاشتراكي أدى إلى تحول العالم من " نظام الحرب الباردة " المتمركز حول الانقسام والأسوار إلى نظام العولمة المتمركز حول الاندماج وشبكات الإنترنت " تتبادل فيه المعلومات والأفكار والرساميل بكل يسر وسهولة" . وانتصار الرأسمالية على الاشتراكية أدى إلى تحول كثير من الاشتراكيين إلى الرأسمالية والديمقراطية باعتبارها أعلى صورة ـ بزعمهم ـ وصل إليها الفكر الإنساني وأنتجه العقل الحديث حتى عده بعضهم أنه نهاية التاريخ.
تعريف العولمة :
لفظة العولمة هي ترجمة للمصطلح الإنجليزي (Globalization) وبعضهم يترجمها بالكونية[2]، وبعضهم يترجمه بالكوكبة، وبعضهم بالشوملة[3] ، إلا إنه في الآونة الأخيرة أشتهر بين الباحثين مصطلح العولمة وأصبح هو أكثر الترجمات شيوعاً بين أهل الساسة والاقتصاد والإعلام . وتحليل الكلمة بالمعنى اللغوي يعني تعميم الشيء وإكسابه الصبغة العالمية وتوسيع دائرته ليشمل العالم كله [4]. يقول "عبد الصبور شاهين " عضو مجمع اللغة العربية :" فأما العولمة مصدراً فقد جاءت توليداً من كلمة عالم ونفترض لها فعلاً هو عولم يعولم عولمة بطريقة التوليد القياسي ... وأما صيغة الفعللة التي تأتي منها العولمة فإنما تستعمل للتعبير عن مفهوم الأحداث والإضافة ، وهي مماثلة في هذه الوظيفة لصيغة التفعيل[5]"
وكثرت الأقوال حول تعريف معنى العولمة حتى أنك لا تجد تعريفاً جامعاً مانعاً يحوي جميع التعريفات وذلك لغموض مفهوم العولمة ، ولاختلافات وجهة الباحثين فتجد للاقتصاديين تعريف ، وللسياسيين تعريف ، وللاجتماعيين تعريف وهكذا ، ويمكن تقسيم هذه التعريفات إلى ثلاثة أنواع : ظاهرة اقتصادية ، وهيمنة أمريكية ، وثورة تكنولوجية واجتماعية.
النوع الأول : أن العولمة ظاهرة اقتصادية:
عرفها الصندوق الدولي بأنها :" التعاون الاقتصادي المتنامي لمجموع دول العالم والذي يحتّمه ازدياد حجم التعامل بالسلع والخدمات وتنوعها عبر الحدود إضافة إلى رؤوس الأموال الدولية والانتشار المتسارع للتقنية في أرجاء العالم كله [6]" .
وعرفها "روبنز ريكابيرو" الأمين العام لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والنمو ـ بأنها :"العملية التي تملي على المنتجين والمستثمرين التصرف وكأن الاقتصاد العالمي يتكون من سوق واحدة ومنطقة إنتاج واحدة مقسمة إلى مناطق اقتصادية وليس إلى اقتصاديات وطنية مرتبطة بعلاقات تجارية واستثمارية [7]".
وقال محمد الأطرش :" تعني بشكل عام اندماج أسواق العالم في حقول التجارة والاستثمارات المباشرة ، وانتقال الأموال والقوى العاملة والثقافات والتقانة ضمن إطار من رأسمالية حرية الأسواق ، وتاليا خضوع العالم لقوى السوق العالمية ، مما يؤدي إلى اختراق الحدود القومية وإلى الانحسار الكبير في سيادة الدولة ، وأن العنصر الأساسي في هذه الظاهرة هي الشركات الرأسمالية الضخمة متخطية القوميات.[8]" بهذا التعريف للعولمة ركز على أن العولمة تكون في النواحي التجارية والاقتصادية التي تجاوزت حدود الدولة مما يتضمن زوال سيادة الدولة ؛ حيث أن كل عامل من عوامل الإنتاج تقريباً ينتقل بدون جهد من إجراءات تصدير واستيراد أو حواجز جمركية ، فهي سوق عولمة واحدة لا أحد يسيطر عليها كشبكة الإنترنت العالمية .
وعند صادق العظم هي :" حقبة التحول الرأسمالي العميق للإنسانية جمعاء في ظل هيمنة دول المركز وبقيادتها وتحت سيطرتها ، وفي ظل سيادة نظام عالمي للتبادل غير المتكافئ[9]".
التعريف الثاني : إنها الهيمنة الأمريكية :
قال محمد الجابري :" العمل على تعميم نمط حضاري يخص بلداً بعينه ، وهو الولايات المتحدة الأمريكية بالذات ، على بلدان العالم أجمع [10]".فهي بهذا التعريف تكون العولمة دعوة إلى تبنى إيديولوجية معينة تعبر عن إرادة الهيمنة الأمريكية على العالم . ولعل المفكر الأمريكي " فرانسيس فوكوياما " صاحب كتاب " نهاية التاريخ "يعبر عن هذا الاتجاه فهو يرى أن نهاية الحرب الباردة تمثل المحصلة النهائية للمعركة الإيديولوجية التي بدأت بعد الحرب العالمية الثانية بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية وهي الحقبة التي تم فيها هيمنة التكنولوجيا الأمريكية .
التعريف الثالث : إنها ثورة تكنولوجية واجتماعية :
يقول الاجتماعي "جيمس روزناو" في تعريفها قائلاً :" العلومة علاقة بين مستويات متعددة للتحليل : الاقتصاد، السياسة ، الثقافة ، الايديولوجيا ، وتشمل إعادة تنظيم الإنتاج ، تداخل الصناعات عبر الحدود ، انتشار أسواق التويل ، تماثل السلع المستهلكة لمختلف الدول ، نتائج الصراع بين المجموعات المهاجرة والمجموعات المقيمة[11]".وعرفها بعضهم بأنها : "الاتجاه المتنامي الذي يصبح به العالم نسبياً كرة اجتماعية بلا حدود . أي أن الحدود الجغرافية لا يعتبر بها حيث يصبح العالم أكثر اتصالاً مما يجعل الحياة الاجتماعية متداخلة بين الأمم" .
فهو يرى أن العولمة شكل جديد من أشكال النشاط ، فهي امتداد طبيعي لانسياب المعارف ويسر تداولها تم فيه الانتقال بشكل حاسم من الرأسمالية الصناعية إلى المفهوم ما بعد الصناعي للعلاقات الصناعية .
وهناك من يعرفها بأنها:" زيادة درجة الارتباط المتبادل بين المجتمعات الإنسانية من خلال عمليات انتقال السلع ورؤوس الأموال وتقنيات الإنتاج والأشخاص والمعلومات".وعرفها إسماعيل صبري تعريفاً شاملاً فقال :" هي التداخل الواضح لأمور الاقتصاد والسياسة والثقافة والسلوك دون اعتداد يذكر بالحدود السياسية للدول ذات السيادة أو انتماء إلى وطن محدد أو لدولة معينة ودون الحاجة إلى إجراءات حكومية .[12]"
وبعد قراءة هذه التعريفات ، يمكن أن يقال في تعريف العولمة : أنها صياغة إيديولوجية للحضارة الغربية من فكر وثقافة واقتصاد وسياسة للسيطرة على العالم أجمع باستخدام الوسائل الإعلامية ، والشركات الرأسمالية الكبرى لتطبيق هذه الحضارة وتعميمها على العالم.
الفرق بين العولمة والعالمية :
إن التقابل بين العالمية والعولمة وإيجاد الفرق بينهما فيه نوع من الصعوبة وخصوصاً أن كلمة العولمة مأخوذة أصلاً من العالم ولهذا نجد بعض المفكرين يذهبون إلى أن العولمة والعالمية تعني معنى واحدا وليس بينهما فرق . ولكن الحقيقة أن هذين المصطلحين يختلفان في المعنى فهما مقابلة بين الشر والخير .
العالمية : انفتاح على العالم ، واحتكاك بالثقافات العالمية مع الاحتفاظ بخصوصية الأمة وفكرها وثقافتها وقيمها ومبادئها . فالعالمية إثراء للفكر وتبادل للمعرفة مع الاعتراف المتبادل بالآخر دون فقدان الهوية الذاتية . وخاصية العالمية هي من خصائص الدين الإسلامي ، فهو دين يخاطب جميع البشر ، دين عالمي يصلح في كل زمان ومكان ، فهو لا يعرف الإقليمية أو القومية أو الجنس جاء لجميع الفئات والطبقات ، فلا تحده الحدود . ولهذا تجد الخطاب القرآني موجه للناس جميعا وليس لفئة خاصة فكم آية في القرآن تقول " يا أيها الناس" فمن ذلك قوله تعالى :" يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى " وقوله تعالى :"يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا " وقوله تعالى :" يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة " إلى غير ذلك من الآيات التي ورد فيها لفظة الناس وقد تجاوزت المأتيين آية ؛ بل إن الأنبياء السابقين عليهم صلوات الله وسلامه تنسب أقومهم إليهم " قوم نوح " " قوم صالح " وهكذا إلى محمد صلى الله عليه وسلم فإنه لم يرد الخطاب القرآني بنسبة قومه إليه صلى الله عليه وسلم وهذا يدل على عالمية رسالته صلى الله عليه وسلم فهو عالمي بطبعه، " وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ"
ومن أسباب تخلفنا عن الركب الحضاري هو إقصاء الإسلام عن عالميته ، وعدم زجه في كثير من حقول الحياة بزعم المحافظة على قداسته وطهوريته، وهذا نوع من الصد والهجران للدين ، وعدم فهم لطبيعة هذا الدين والذي من طبيعته وكينونته التفاعل مع قضايا الناس والاندماج معهم في جميع شؤون الحياة ، وإيجاد الحلول لكل قضاياهم وهذا من كمال هذا الدين وإعجازه . فهو دين تفاعلي حضاري منذ نشأته . فمنذ فجر الرسالة النبوية نزل قوله تعالى :" ألم ، غلبت الروم في أدنى الأرض ، وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين " فيذكر الخطاب القرآني الكريم المتغيرات العالمية ، لإدراك أبعاد التوازنات بين القوتين العظميين في ذلك الزمان ، وذلك " أن المسلم يحمل رسالة عالمية ، ومن يحمل رسالة عالمية عليه أن يدرك الوقائع والأوضاع العالمية كلها وخاصة طبيعة وعلاقات القوى الكبرى المؤثرة في هذه الأوضاع.[13]"
أما العولمة : فهي انسلاخ عن قيم ومبادئ وتقاليد وعادات الأمة وإلغاء شخصيتها وكيانها وذوبانها في الآخر. فالعولمة تنفذ من خلال رغبات الأفراد والجماعات بحيث تقضي على الخصوصيات تدريجياً من غير صراع إيديولوجي . فهي " تقوم على تكريس إيديولوجيا " الفردية المستسلمة" وهو اعتقاد المرء في أن حقيقة وجوده محصورة في فرديته ، وأن كل ما عداه أجنبي عنه لا يعنيه ، فتقوم بإلغاء كل ما هو جماعي ، ليبقى الإطار " العولمي" هو وحده الموجود . فهي تقوم بتكريس النزعة الأنانية وطمس الروح الجماعية ، وتعمل على تكريس الحياد وهو التحلل من كل التزام أو ارتباط بأية قضية ، وهي بهذا تقوم بوهم غياب الصراع الحضاري أي التطبيع والاستسلام لعملية الاستتباع الحضاري. وبالتالي يحدث فقدان الشعور بالانتماء لوطن أو أمة أو دولة ، مما يفقد الهوية الثقافية من كل محتوى ، فالعولمة عالم بدون دولة ، بدون أمة ، بدون وطن إنه عالم المؤسسات والشبكات العالمية .[14]" يقول عمرو عبد الكريم :" العولمة ليست مفهوماً مجرداً ؛ بل هو يتحول كلية إلى سياسات وإجراءات عملية ملموسة في كل المجالات السياسية والاقتصادية والإعلام ؛ بل وأخطر من ذلك كله هو أن العولمة أضحت عملية تطرح ـ في جوهرها ـ هيكلاً للقيم تتفاعل كثير من الاتجاهات والأوضاع على فرضه وتثبيته وقسر مختلف شعوب المعمورة على تبني تلك القيم وهيكلها ونظرتها للإنسان والكون والحياة [15]".
العولمة [1]ـ والتي تمثل مرحلة متطورة للهيمنة الرأسمالية الغربية على العالم .
إن سقوط النظام الاشتراكي أدى إلى تحول العالم من " نظام الحرب الباردة " المتمركز حول الانقسام والأسوار إلى نظام العولمة المتمركز حول الاندماج وشبكات الإنترنت " تتبادل فيه المعلومات والأفكار والرساميل بكل يسر وسهولة" . وانتصار الرأسمالية على الاشتراكية أدى إلى تحول كثير من الاشتراكيين إلى الرأسمالية والديمقراطية باعتبارها أعلى صورة ـ بزعمهم ـ وصل إليها الفكر الإنساني وأنتجه العقل الحديث حتى عده بعضهم أنه نهاية التاريخ.
تعريف العولمة :
لفظة العولمة هي ترجمة للمصطلح الإنجليزي (Globalization) وبعضهم يترجمها بالكونية[2]، وبعضهم يترجمه بالكوكبة، وبعضهم بالشوملة[3] ، إلا إنه في الآونة الأخيرة أشتهر بين الباحثين مصطلح العولمة وأصبح هو أكثر الترجمات شيوعاً بين أهل الساسة والاقتصاد والإعلام . وتحليل الكلمة بالمعنى اللغوي يعني تعميم الشيء وإكسابه الصبغة العالمية وتوسيع دائرته ليشمل العالم كله [4]. يقول "عبد الصبور شاهين " عضو مجمع اللغة العربية :" فأما العولمة مصدراً فقد جاءت توليداً من كلمة عالم ونفترض لها فعلاً هو عولم يعولم عولمة بطريقة التوليد القياسي ... وأما صيغة الفعللة التي تأتي منها العولمة فإنما تستعمل للتعبير عن مفهوم الأحداث والإضافة ، وهي مماثلة في هذه الوظيفة لصيغة التفعيل[5]"
وكثرت الأقوال حول تعريف معنى العولمة حتى أنك لا تجد تعريفاً جامعاً مانعاً يحوي جميع التعريفات وذلك لغموض مفهوم العولمة ، ولاختلافات وجهة الباحثين فتجد للاقتصاديين تعريف ، وللسياسيين تعريف ، وللاجتماعيين تعريف وهكذا ، ويمكن تقسيم هذه التعريفات إلى ثلاثة أنواع : ظاهرة اقتصادية ، وهيمنة أمريكية ، وثورة تكنولوجية واجتماعية.
النوع الأول : أن العولمة ظاهرة اقتصادية:
عرفها الصندوق الدولي بأنها :" التعاون الاقتصادي المتنامي لمجموع دول العالم والذي يحتّمه ازدياد حجم التعامل بالسلع والخدمات وتنوعها عبر الحدود إضافة إلى رؤوس الأموال الدولية والانتشار المتسارع للتقنية في أرجاء العالم كله [6]" .
وعرفها "روبنز ريكابيرو" الأمين العام لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والنمو ـ بأنها :"العملية التي تملي على المنتجين والمستثمرين التصرف وكأن الاقتصاد العالمي يتكون من سوق واحدة ومنطقة إنتاج واحدة مقسمة إلى مناطق اقتصادية وليس إلى اقتصاديات وطنية مرتبطة بعلاقات تجارية واستثمارية [7]".
وقال محمد الأطرش :" تعني بشكل عام اندماج أسواق العالم في حقول التجارة والاستثمارات المباشرة ، وانتقال الأموال والقوى العاملة والثقافات والتقانة ضمن إطار من رأسمالية حرية الأسواق ، وتاليا خضوع العالم لقوى السوق العالمية ، مما يؤدي إلى اختراق الحدود القومية وإلى الانحسار الكبير في سيادة الدولة ، وأن العنصر الأساسي في هذه الظاهرة هي الشركات الرأسمالية الضخمة متخطية القوميات.[8]" بهذا التعريف للعولمة ركز على أن العولمة تكون في النواحي التجارية والاقتصادية التي تجاوزت حدود الدولة مما يتضمن زوال سيادة الدولة ؛ حيث أن كل عامل من عوامل الإنتاج تقريباً ينتقل بدون جهد من إجراءات تصدير واستيراد أو حواجز جمركية ، فهي سوق عولمة واحدة لا أحد يسيطر عليها كشبكة الإنترنت العالمية .
وعند صادق العظم هي :" حقبة التحول الرأسمالي العميق للإنسانية جمعاء في ظل هيمنة دول المركز وبقيادتها وتحت سيطرتها ، وفي ظل سيادة نظام عالمي للتبادل غير المتكافئ[9]".
التعريف الثاني : إنها الهيمنة الأمريكية :
قال محمد الجابري :" العمل على تعميم نمط حضاري يخص بلداً بعينه ، وهو الولايات المتحدة الأمريكية بالذات ، على بلدان العالم أجمع [10]".فهي بهذا التعريف تكون العولمة دعوة إلى تبنى إيديولوجية معينة تعبر عن إرادة الهيمنة الأمريكية على العالم . ولعل المفكر الأمريكي " فرانسيس فوكوياما " صاحب كتاب " نهاية التاريخ "يعبر عن هذا الاتجاه فهو يرى أن نهاية الحرب الباردة تمثل المحصلة النهائية للمعركة الإيديولوجية التي بدأت بعد الحرب العالمية الثانية بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية وهي الحقبة التي تم فيها هيمنة التكنولوجيا الأمريكية .
التعريف الثالث : إنها ثورة تكنولوجية واجتماعية :
يقول الاجتماعي "جيمس روزناو" في تعريفها قائلاً :" العلومة علاقة بين مستويات متعددة للتحليل : الاقتصاد، السياسة ، الثقافة ، الايديولوجيا ، وتشمل إعادة تنظيم الإنتاج ، تداخل الصناعات عبر الحدود ، انتشار أسواق التويل ، تماثل السلع المستهلكة لمختلف الدول ، نتائج الصراع بين المجموعات المهاجرة والمجموعات المقيمة[11]".وعرفها بعضهم بأنها : "الاتجاه المتنامي الذي يصبح به العالم نسبياً كرة اجتماعية بلا حدود . أي أن الحدود الجغرافية لا يعتبر بها حيث يصبح العالم أكثر اتصالاً مما يجعل الحياة الاجتماعية متداخلة بين الأمم" .
فهو يرى أن العولمة شكل جديد من أشكال النشاط ، فهي امتداد طبيعي لانسياب المعارف ويسر تداولها تم فيه الانتقال بشكل حاسم من الرأسمالية الصناعية إلى المفهوم ما بعد الصناعي للعلاقات الصناعية .
وهناك من يعرفها بأنها:" زيادة درجة الارتباط المتبادل بين المجتمعات الإنسانية من خلال عمليات انتقال السلع ورؤوس الأموال وتقنيات الإنتاج والأشخاص والمعلومات".وعرفها إسماعيل صبري تعريفاً شاملاً فقال :" هي التداخل الواضح لأمور الاقتصاد والسياسة والثقافة والسلوك دون اعتداد يذكر بالحدود السياسية للدول ذات السيادة أو انتماء إلى وطن محدد أو لدولة معينة ودون الحاجة إلى إجراءات حكومية .[12]"
وبعد قراءة هذه التعريفات ، يمكن أن يقال في تعريف العولمة : أنها صياغة إيديولوجية للحضارة الغربية من فكر وثقافة واقتصاد وسياسة للسيطرة على العالم أجمع باستخدام الوسائل الإعلامية ، والشركات الرأسمالية الكبرى لتطبيق هذه الحضارة وتعميمها على العالم.
الفرق بين العولمة والعالمية :
إن التقابل بين العالمية والعولمة وإيجاد الفرق بينهما فيه نوع من الصعوبة وخصوصاً أن كلمة العولمة مأخوذة أصلاً من العالم ولهذا نجد بعض المفكرين يذهبون إلى أن العولمة والعالمية تعني معنى واحدا وليس بينهما فرق . ولكن الحقيقة أن هذين المصطلحين يختلفان في المعنى فهما مقابلة بين الشر والخير .
العالمية : انفتاح على العالم ، واحتكاك بالثقافات العالمية مع الاحتفاظ بخصوصية الأمة وفكرها وثقافتها وقيمها ومبادئها . فالعالمية إثراء للفكر وتبادل للمعرفة مع الاعتراف المتبادل بالآخر دون فقدان الهوية الذاتية . وخاصية العالمية هي من خصائص الدين الإسلامي ، فهو دين يخاطب جميع البشر ، دين عالمي يصلح في كل زمان ومكان ، فهو لا يعرف الإقليمية أو القومية أو الجنس جاء لجميع الفئات والطبقات ، فلا تحده الحدود . ولهذا تجد الخطاب القرآني موجه للناس جميعا وليس لفئة خاصة فكم آية في القرآن تقول " يا أيها الناس" فمن ذلك قوله تعالى :" يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى " وقوله تعالى :"يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا " وقوله تعالى :" يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة " إلى غير ذلك من الآيات التي ورد فيها لفظة الناس وقد تجاوزت المأتيين آية ؛ بل إن الأنبياء السابقين عليهم صلوات الله وسلامه تنسب أقومهم إليهم " قوم نوح " " قوم صالح " وهكذا إلى محمد صلى الله عليه وسلم فإنه لم يرد الخطاب القرآني بنسبة قومه إليه صلى الله عليه وسلم وهذا يدل على عالمية رسالته صلى الله عليه وسلم فهو عالمي بطبعه، " وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ"
ومن أسباب تخلفنا عن الركب الحضاري هو إقصاء الإسلام عن عالميته ، وعدم زجه في كثير من حقول الحياة بزعم المحافظة على قداسته وطهوريته، وهذا نوع من الصد والهجران للدين ، وعدم فهم لطبيعة هذا الدين والذي من طبيعته وكينونته التفاعل مع قضايا الناس والاندماج معهم في جميع شؤون الحياة ، وإيجاد الحلول لكل قضاياهم وهذا من كمال هذا الدين وإعجازه . فهو دين تفاعلي حضاري منذ نشأته . فمنذ فجر الرسالة النبوية نزل قوله تعالى :" ألم ، غلبت الروم في أدنى الأرض ، وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين " فيذكر الخطاب القرآني الكريم المتغيرات العالمية ، لإدراك أبعاد التوازنات بين القوتين العظميين في ذلك الزمان ، وذلك " أن المسلم يحمل رسالة عالمية ، ومن يحمل رسالة عالمية عليه أن يدرك الوقائع والأوضاع العالمية كلها وخاصة طبيعة وعلاقات القوى الكبرى المؤثرة في هذه الأوضاع.[13]"
أما العولمة : فهي انسلاخ عن قيم ومبادئ وتقاليد وعادات الأمة وإلغاء شخصيتها وكيانها وذوبانها في الآخر. فالعولمة تنفذ من خلال رغبات الأفراد والجماعات بحيث تقضي على الخصوصيات تدريجياً من غير صراع إيديولوجي . فهي " تقوم على تكريس إيديولوجيا " الفردية المستسلمة" وهو اعتقاد المرء في أن حقيقة وجوده محصورة في فرديته ، وأن كل ما عداه أجنبي عنه لا يعنيه ، فتقوم بإلغاء كل ما هو جماعي ، ليبقى الإطار " العولمي" هو وحده الموجود . فهي تقوم بتكريس النزعة الأنانية وطمس الروح الجماعية ، وتعمل على تكريس الحياد وهو التحلل من كل التزام أو ارتباط بأية قضية ، وهي بهذا تقوم بوهم غياب الصراع الحضاري أي التطبيع والاستسلام لعملية الاستتباع الحضاري. وبالتالي يحدث فقدان الشعور بالانتماء لوطن أو أمة أو دولة ، مما يفقد الهوية الثقافية من كل محتوى ، فالعولمة عالم بدون دولة ، بدون أمة ، بدون وطن إنه عالم المؤسسات والشبكات العالمية .[14]" يقول عمرو عبد الكريم :" العولمة ليست مفهوماً مجرداً ؛ بل هو يتحول كلية إلى سياسات وإجراءات عملية ملموسة في كل المجالات السياسية والاقتصادية والإعلام ؛ بل وأخطر من ذلك كله هو أن العولمة أضحت عملية تطرح ـ في جوهرها ـ هيكلاً للقيم تتفاعل كثير من الاتجاهات والأوضاع على فرضه وتثبيته وقسر مختلف شعوب المعمورة على تبني تلك القيم وهيكلها ونظرتها للإنسان والكون والحياة [15]".