منتديات الحوار الجامعية السياسية

على مقهى الحياة

المشرفون: عبدالله العجلان،عبد العزيز ناصر الصويغ

#53025
يفرز المجتمع العشوائى ظواهر عشوائية ،و تتراكم الظواهر العشوائية لتحكم بناء مجتمع عشوائى ، وهكذا الجدلية والتفاعل بين المجتمع العشوائى والظاهرة العشوائية .


وفي هذا السياق من الأهمية أن نقوم بتعريف المفاهيم التى ترتبط بهذه العلاقة وأهمها على وجة الاطلاق : ماذا نعنى بالظاهرة العشوائية ؟


مفهوم الظاهرة بوجه عام يشير إلى عناصر التكوين والتراكم ، وخصائص الاستمرارية والتواتر وأشكال الشمول النسبى والتكرار . وهى قد تشير إلى حدث أو مشكلة أو إشكال أو قضية صارت مع توافر هذه الأركان والسمات والأشكال تأشيراً على وجود ظاهرة وتنامى أشكالها وتكاثر تجلياتها في جنبات المجتمع ، وسائر أنساقه ونظمه وتنظيماته وتفاعلاته وعلاقاته .


والظاهرة لها جزء من اشتقاقها العربى ، وهو الظهور والبروز بحيث لا تخطئها عين عند الرؤية أو الملاحظة ، وذلك في إطار توافر عناصر الظاهرة ، التى لا يمكن ان تفعل دون ملاحظة سياقاتها العامة وسياقها الزمنى ، وتجلياتها الآنية ،


وأثارها المستقبلية . الظاهرة بهذا الاعتبار :



تكرار وانتشار واستمرار وآثار



أما العشوائية فهى حالة من الاختلاط والاختلال والمصادفة ، والتداخل وقد تعبر عن مظاهر وتأشيرات انحرافية ، ومرضية ، تمثل في البداية حالات استثنائية تتراكم في الوجود وتستمر في المشاهد وتنتشر في الجنبات ويمكن رؤية بعض الآثار السلبية الدالة عليها وجودا واستمرارا وآثارا .


العشوائية تشير إلى كلمات في اللغة من مثل خبط عشواء ، أو اختلاط الحابل بالنابل ، أو الفوضى .




وفي هذا المقام تبدو الظاهرة العشوائية مع استمرارها حالة أو مسألة أو قضية كبرى تتحول مع التراكم الشديد واستحكام عقدة الظواهر وإمعانها في التأثير في المجتمع والأفراد ( فكرا ، وقيما ، وسلوكا ) على جملة من الأزمات الأساسية التى تتحول مع تجاهلها أو إغفالها أو التعتيم عليها ( كحالات عشوائية في ذاتها ) وفي إطار مناهج وطرائق التعامل معها ، تتحول إلى جملة من الأزمات البنيانية والهيكلية في المجتمعات وأنساقها ، فتفقد الأنساق ميزتها في الإنسجام والتراتب والسواء وتتحول الى حالة من التشرذم والفوضى والانحراف . وتصير العشوائية حالة إنسانية و مجتمعية تتسم بها.


بحيث يمكن وصف المجتمع بكونه مجتمعا عشوائيا تتفاعل فيه حزمة من الظواهر العشوائية التى تراكمت وتمكنت في أنساق المجتمع ( المعرفية والادراكية ، القيمية والأخلاقية ، الحركية والسلوكية ) ، فتصير مع تفاعلاتها طرائق تفكير وأحوال تسيير وأساليب تدبير كلها تصب في عشوائيات الظواهر المجتمعية والمجتمع العشوائى ، فتمكن له ما تمكن ، وتصير عشوائية الظواهر من وجودها ( كهوامش) أو حالة استثنائية إلى تراكمها في متن الظواهر وأساسياتها وجوهرها ومعظم وسطها والبيئة المجتمعية عامة فتتحول إلى (متن ) في المجتمع بعد أن كانت هامشا ـ إن صح هذا التعبير ـ. وتتشابك عشوائية الظواهر من غير اشتباك حقيقى معها ، فيقع معظم الناس في حبائلها وشباكها ، ويصير التصور المجتمعى المكون لصوره الذهنية معايشا لهذه العشوائية ، متفقا مع صورها وأشكالها موافقا على كامل مساراتها، فتحدث حالة من حالات التفكير الذى يتسم بحالة من حالات اللامبالاة الشديدة، وتخرج مقولات تتوج حال الظاهرة وتراكمها واستمرارها وانتشارها على قاعدة " دع الأمور تمشى في أعنتها"، أو مقولة حاكمة من مثل "نحن لا نصلح الكون "، ويصير من ينبه إلى هذه الظواهر أو خطورتها ،" يعيش في كوكب أخر "، قد لا يرى الجميع في رسالته تلك غير مقام " النذير" بل هو " الخيالى " الذى لا يتعرف على حقيقة الواقع وشروطه في إطار يساير مقولات " ما تغلب به، إلعب به " في وقوعية تأخذ سمت الواقعية المدُعاه فتؤصل معنى التقليد والمحاكاة والمسايرة ، لا معانى الاصلاح والممانعة والمقاومة لهذه الظواهر ، فتملك بذلك وكل يوم أنصارا جُددا وتفقد كل يوم أو تحبط معظم عناصر استجابات المواجهة أو الممانعة . ويصير كل من ينبه أو يقف في وجه تنامى هذه الظواهر وتراكمها وإحكام عقدتها كمن" يسبح ضد التيار" ، "و كناطح صخرة" لا يؤثر فيها بينما قد تكون الصخرة سببا في تكسر أفعاله وانكسار أحواله بل وإهلاك كيانه.


وتتساند ظواهر لتحكم حال الظواهر العشوائية والمجتمع العشوائى من مثل :ـ


الظواهر الدالة على الامبالاة " أنا مالى " " اسكت تسلم "


الظواهر الدالة على الانخداع برأي الجمهور وسواء فكر الامعية فيها " أنا مع الناس إن أحسن الناس أحسنت وإن أساءوا أسأت "


الظواهر الدالة على التعامى وافتعال الغفلة " كبّر دماغك " " ليس في الامكان أبدع مما كان " " باب يأتيك منه الريح سده واستريح "


الظواهر الدالة على عبثية الاصلاح أو الممانعة " نحن لن نصلح الكون " " دع الخلق للخالق "


الظواهر الدالة على اليأس والإحباط وعدوى المسايرة " كان غيرك أشطر " " وليس هناك من فائدة " " وهذه ليست بلادنا ..هذه بلادهم "


الظواهر الدالة على الحالة الإذعانية في إطار من الرضا الكاذب ونفاق الظواهر غير المرضى عنها " نحن نستأهلهم ..!! " من خاف سلم "


تتسم الظواهر العشوائية بسمة رئيسية قد ينخدع البعض في تصورها ، وتبدو هذه الظواهر في حال استحكامها وتراكمها تستفيد من طبيعتها " الحربائية " أو التلون الذى يصيبها بحيث تتخذ لون الوسط الذى تعيش فيه ، فستخفي ، فلا يلحظها أحد في بدايتها وبواكيرها هذه " الحالة الحربائية " مع وسط الغفلة والتغافل القابل لهذه الظواهر يشكل شروط تمكين الظواهر العشوائية . ويجعل الظاهر منها قليل إذا ما قورن بحجم المكنون في جوفها في عناصر تكوينها وتراكمها .(سطح الظاهرة ) يوهم الكثيرين بأن الظاهرة مازالت تعبر عن حالات استثنائية بينما تكون الظاهرة على أرض الواقع قد تراكمت وتعقدت واستحكمت .


ويقع في قمة الاسباب التى تسمح بتمكين هذه الظواهر العشوائية ظاهرة السلطة ذاتها وتصوراتها حيال نفسها وحيال الآخرين . ـ خاصة إذا ما عرفنا أن من أكد على ضرورة السلطة للاجتماع الإنسانى وجعلها من الظواهر الفطرية انطلق من قاعدة تؤكد أن في السلطة والسلطان :


الأمان والأمن ، النظام والتنظيم ، الاستقرار والنماء


السلطة بما تملكه من" قوة " مرهونة " بشروط " هى القيام " بوظائفها " على نحو " شرعى " وذلك ضمن إطار عقد تأسيسي يقوم على قاعدة ا السلطة قوة ، ولكنها من جانب أخر السلطة مسئولية ، والمسئولية تفرض المساءلة ، وكل أمر لا يرتجى إلا لآثاره ولا يؤمنه العمل إلا العمل لمقصوده، فإن تحول الأمن لهرج والنظام إلى فوضى والاستقرار إلى حالة من الخنوع والخضوع ، أو التفلت من غير ضابط فإن كل ذلك لا يمكن بأي حال أن يشكل بيئة للنماء أو الارتقاء ، أو للتعمير أو للتثمير .


ومن هنا لو كانت القوة والسلطان كما في أحد معانيهما القوة والبطش فإن الوجه الثانى من معانيهما هو الحجة والبرهان ،ومن هنا وجب على السلطة أن تسير ضمن مسار سلطان الحجة ، لا حجة السلطان في وجوده ضرورة ، ومن سلطان الحجة يكون مسار السلطة في سياق شرعيتها (الرضا العام) ومشروعيتها ( التوافق النظامى والقانونى ) وليس للسلطة أن تجعل من القانون مجال تلاعبها او تجعله ألعوبتها ف يفقد القانون معناه ولا يحقق مبتغاه ، ويصير القانون ملكا لمن يعزفه لا تحقيقا لمصالح البشر وضبط عناصر معاشهم .