الاسلام السياسي
مرسل: الأحد يوليو 22, 2012 4:37 pm
محجوب الزويري
المركز العربي للدراسات
يشغل الدور الذي يمكن أن تلعبه ما تعرف بحركات "الإسلام السياسي"، مكانة بارزة في الجدل السياسي لمرحلة ما بعد الثورات في العالم العربي. وهذا الجدل لم يتناول الدول التي حصلت أو تحصل فيها الثورات فحسب، بل تلك التي تشهد مستويات أخرى -ربما أدنى- من التغيير؛ فهنالك أطراف مختلفة تطرح هذا الجدل، سواء داخل المنطقة أو خارجها. وهو جدل متضمن لخطاب يتراوح بين التشكيك والتخويف، يقابله خطاب آخر للإسلاميين المشاركين -بالطبع- في هذا النقاش، وهو خطاب يراوح بين التطمين من جهة، وبين رفع سقف المطالبات من جهة أخرى. ويطرح هذا الجدل-من جانب- التساؤل الأهم، وهو: كيف يمكن لحركات الإسلام السياسي أن تتعاطى مع مرحلة المخاض السياسي التي تعيشها المنطقة ما بعد الثورات؟ ولا تبدو الإجابة عن هذا التساؤل يسيرة، لاسيما وأننا أمام مشهد يفتأ يتشكل؛ ونحن هنا نسعى لوضع جملة من المقدمات التي يجب التذكير بها، كما نقترح بعضًا من "معالم الطريق " الواجب أخذها بعين الاعتبار من أجل خروج الشعوب العربية من هذا المخاض وهي أكثر قوة كمجتمعات وكقوًى سياسية:
أولاً : إن كل جماعات الإسلام السياسي المنهمكة في المشهد السياسي العربي، هي نِتَاجٌ لتفاعلات تمت في عصر الاستبداد، وتولّدت عنها حركاتٌ متأثرة بالبيئة السياسية التي استمرت موجودة طوال أكثر من ثمانين عاما. فالسياسات المحتكمة للقراءة الأمنية وسيادة منطق التخوين والإقصاء لكل صاحب رؤية تختلف عن رؤية الأنظمة السياسية، كُلُّها مفردات طالت الإسلاميين ودفعت بهم إلى نوع من الحركة، لبناء مؤسساتهم التي يأوي إليها "المغضوب عليهم" من النظام، سواء أكانت مؤسسات تعليمية أو صحية؛ إلى غير ذلك من الاستثمارات. والأهم من هذا وذاك، أنها جعلت الجدل السياسي الداخلي يجري في أجواء من التكتم، خوفا من العدو الخارجي (أي الحكومات وأذرعها الأمنية)، في بيئة لم تخل من أحادية في الرؤية وعدم الشفافية. هذه الظروف لم تجعل من الإسلاميين قادة للمشهد السياسي في العالم العربي، حتى في حال فوزهم بالأغلبية، كمثل الذي حدث في الجزائر، وقد لقي هذا الفوز معارضة من العالم بأسره؛ وحدثت ذات المعارضة العالمية عندما فرض إسلاميو حركة حماس أنفسهم على المشهد السياسي الفلسطيني، وأعقب ذلك حصار عالمي سياسي واقتصادي على حركة حماس. مما تقدم، يتضح تأثير البيئة الحاضنة على طبيعة الثورات العربية، مضافٌ إليه عنصر المفاجأة التي صارت سمة ملازمة لها.
ثانياً : إن الحديث عن الإسلام بوصفه غريبا عن المشهد السياسي، هو خطاب مكرر شهدناه في مطلع القرن العشرين، حينها كان اعتقاد الدول الخارجة من حضن المستعمر هو أن الدين ككل والإسلام بشكل خاص، قوة تجذب الشعوب نحو الخلف، وتؤخر مسيرة المجتمعات الساعية لبناء الدولة الحديثة؛ فالإسلام في عيون أولئك النفر يقلل من فرص بناء تلك الدولة. من هنا، كان الاكتفاء بوصف الإسلام "دينا للدولة ومصدرا للتشريع" المتعلق بالأحوال الشخصية؛ لكن أي علاقة له "بالحيز العام" -ومنه السياسة- كانت مرفوضة وتواجه بالقمع. ونمط التفكير هذا، هو ما كان وراء تلك البيئة التي سبق الحديث عنها في الملاحظة الأولى. لقد دفع منطق الإنكار هذا، إلى ظهور التشوهات الفكرية والدينية في البيئة العربية وغير العربية، ودفع -كذلك- إلى التصنيفات التي لا تزال متداولة مثل "الإسلام المعتدل والإسلام المتطرف أو الإسلام الجهادي"؛ وهي -في الحقيقة- كلمات صُنعت كلها في بيئة الاستبداد، التي لا تؤمن إلا "بشيطنة" الآخر. تلك استراتيجية قسّمت المجتمعات، وأحدثت وقيعة حقيقية في بُنى المجتمع، بحيث بقي النظام السياسي الرابح الأول والأخير من كل ذلك.
إنّ تكرار الحديث عن الإسلام والتخويف من حضوره في المشهد السياسي والاجتماعي في مجتمعات ما بعد الثورات، إن هو -في الحقيقة- إلا تكرار لإنكارٍ دام طويلا للإسلام، بوصفه مكونا أساسيا للسياسة والاقتصاد والقيم في المجتمعات العربية، سواء كان مواطنوها مسلمين بالدين أو مسلمين بالثقافة والتعايش. لذلك، فإن الاستمرار في مسلسل التخويف، ما هو في الحقيقة إلا تكرار لأخطاء مكلفة الثمن للمجتمعات العربية. ثم إن عدم خروج الإسلاميين من مربع فترة الاستبداد إلى مربع الحرية والانفتاح، ما هو في حقيقة الأمر إلا دعم للاستبداد وأهله الذين يرددون أنّ "المجتمعات العربية لا يمكن أن تدار إلا بالقوة".
ثالثاً : إن الاستثمار في اللحظة التاريخية التي تعيشها المجتمعات العربية يجب أن يكون هدفا بعينه، للخلاص من أدران الاستبداد وأهله، بما في ذلك تغيير سبل النظر والعمل مع الآخر، وعلى رأس ذلك الآخر الغرب.
إنّه لمن المهم أن يتذكر الجميع، أنّ المبادرة قد عادت إلى الإنسان العربي.. مبادرة غابت لأكثر من قرن، وقد كان للأجنبي وأذرعه فيها دورٌ في رسم صورة قاتمة تروج لفكرة أنّ الحل والتغيير لا يأتيان إلا من الخارج، وأن التغيير الذي لا يتم فيه التواصل مع الآخر المروج للحداثة، إنما هو تغيير ناقص وغير سوي، يرافق ذلك إفساد التغيير وجعل مساراته متناقضة في نهاياتها مع ما تريده المجتمعات العربية.
هذه الرؤية وأهلها، يبدوان اليوم في وضع لا يحسدان عليه؛ فالتغيير الذي بدأ في كانون الثاني/يناير 2011 يمثل ثورة في طبيعة الثورات، فالثائرون لم يخرجوا ليختاروا أن يحكموا وأن يحتلوا مكان أولئك الذين هربوا أو تنازلوا، بل خرجوا ليروّجوا لأسلوب الحياة ونمط الحكم الذي يريدون. فليس الهدف استبدال شخصية بأخرى، بل إنهاء نمط حكمٍ ومعاملةٍ واستبداله بشكلٍ آخر، عنوانه الأصلي الكبير "الكرامة". تلك سابقة في تاريخ العرب الحديث؛ فالأحزاب التقليدية التي كانت تعيش في ظل أنظمة الاستبداد لم تقد التغيير حتى وإن حشدت لذلك قواها في ما بعد، إذ الحَراك كان أكبر من أن يحاط به؛ وبدلًا من أن تتحكم تلك الأحزاب في مسير الأحداث، وجدت نفسها مسيرة بها بل ومجبرة على عمل مراجعات سريعة في خطابها وأدواتها، لتتخلص من درن سنوات الاستبداد وأهله. تلك رسالة يجب أن ترسل بوضوح للآخر الذي لا يزال يرى أن التغيير في هذه المنطقة يتم تحت مظلة الوعي الكامل، وأنه ليس بالضرورة أن يختم بخدمة مصالح ذلك الآخر، ليس إلا.
رابعاً: منطق الاستثمار الذي نتحدث عنه لا يعني -بالضرورة- اللجوء إلى طرح أنواع من الخطاب القائم على الترويج لأفكار أو تغيير في الخطاب لتمرير هذه المرحلة. بعبارة أخرى، فإن حديث الإسلاميين عن الانفتاح، واستخدامهم مفردات كالدولة المدنية ودولة المواطنة.. إلخ، يجب أن يرافقه عمل داخلي للاستعداد لكيفية التعامل مع المتغيرات المتسارعة حولهم؛ فالتغيير على مستوى الخطاب الإعلامي وحسب، سيكون تأثيره سلبيا إذا لم يرافقه عمل يعكس صدق النوايا على تنفيذ ذلك التغيير؛ لأن العمل بغير ذلك يعني -مرة أخرى- تكرار ما كان راكبو موج التغيير يفعلونه في زمن الانقلابات العربية، حينما كانوا يعدون الناس بالجنة على الأرض، لكن الشعوب لم تر في الحقيقة إلا بعضًا من لهيب جهنم المستعر. من هنا، فإنه قد صار من المهم التركيز على درجة المصداقية في مخاطبة الرأي العام والانسجام؛ لأنه بغياب الانسجام الداخلي وانعدام المصداقية، فإن الفوضى هي النتيجة المتوقعة.
تحكم الفوضى مساحة زمنية لا بأس بها في ما بعد فترات الثورة(........)، لكن طول أو قصر تلك الفترات، يعتمد بشكل أساسي على درجة النضج (الرشد) السياسي التي يتمتع بها المجتمع وقيادته. ومن الضروري أن يعيَ الإسلاميون قبل غيرهم، أنهم بطرح أنفسهم عاملين تحت راية الإسلام، فإن مسؤوليتهم ستصبح أكبر، وبالتالي سيغدو حجم التوقعات والمساءلة كبيرا.
من هنا، فقد بات من الضروري العمل على التعاطي وعلى تعميق فكرتين أساسيتين طال تغييبهما، وهما: المواطنة الصحيحة وحكم القانون. هاتان قاعدتان، حفظتا لمجتمعات -غير قليلة- نسيجها وأمنها، وأعانتاها على تحقيق الازدهار في كل المجالات.. تلك ربما تكون المدخل الصحيح، لدورٍ يؤدي فيه الإسلاميون -على قدم المساواة مع الآخرين- دورًا في بناء مجتمعات ما بعد الثورات!
المركز العربي للدراسات
يشغل الدور الذي يمكن أن تلعبه ما تعرف بحركات "الإسلام السياسي"، مكانة بارزة في الجدل السياسي لمرحلة ما بعد الثورات في العالم العربي. وهذا الجدل لم يتناول الدول التي حصلت أو تحصل فيها الثورات فحسب، بل تلك التي تشهد مستويات أخرى -ربما أدنى- من التغيير؛ فهنالك أطراف مختلفة تطرح هذا الجدل، سواء داخل المنطقة أو خارجها. وهو جدل متضمن لخطاب يتراوح بين التشكيك والتخويف، يقابله خطاب آخر للإسلاميين المشاركين -بالطبع- في هذا النقاش، وهو خطاب يراوح بين التطمين من جهة، وبين رفع سقف المطالبات من جهة أخرى. ويطرح هذا الجدل-من جانب- التساؤل الأهم، وهو: كيف يمكن لحركات الإسلام السياسي أن تتعاطى مع مرحلة المخاض السياسي التي تعيشها المنطقة ما بعد الثورات؟ ولا تبدو الإجابة عن هذا التساؤل يسيرة، لاسيما وأننا أمام مشهد يفتأ يتشكل؛ ونحن هنا نسعى لوضع جملة من المقدمات التي يجب التذكير بها، كما نقترح بعضًا من "معالم الطريق " الواجب أخذها بعين الاعتبار من أجل خروج الشعوب العربية من هذا المخاض وهي أكثر قوة كمجتمعات وكقوًى سياسية:
أولاً : إن كل جماعات الإسلام السياسي المنهمكة في المشهد السياسي العربي، هي نِتَاجٌ لتفاعلات تمت في عصر الاستبداد، وتولّدت عنها حركاتٌ متأثرة بالبيئة السياسية التي استمرت موجودة طوال أكثر من ثمانين عاما. فالسياسات المحتكمة للقراءة الأمنية وسيادة منطق التخوين والإقصاء لكل صاحب رؤية تختلف عن رؤية الأنظمة السياسية، كُلُّها مفردات طالت الإسلاميين ودفعت بهم إلى نوع من الحركة، لبناء مؤسساتهم التي يأوي إليها "المغضوب عليهم" من النظام، سواء أكانت مؤسسات تعليمية أو صحية؛ إلى غير ذلك من الاستثمارات. والأهم من هذا وذاك، أنها جعلت الجدل السياسي الداخلي يجري في أجواء من التكتم، خوفا من العدو الخارجي (أي الحكومات وأذرعها الأمنية)، في بيئة لم تخل من أحادية في الرؤية وعدم الشفافية. هذه الظروف لم تجعل من الإسلاميين قادة للمشهد السياسي في العالم العربي، حتى في حال فوزهم بالأغلبية، كمثل الذي حدث في الجزائر، وقد لقي هذا الفوز معارضة من العالم بأسره؛ وحدثت ذات المعارضة العالمية عندما فرض إسلاميو حركة حماس أنفسهم على المشهد السياسي الفلسطيني، وأعقب ذلك حصار عالمي سياسي واقتصادي على حركة حماس. مما تقدم، يتضح تأثير البيئة الحاضنة على طبيعة الثورات العربية، مضافٌ إليه عنصر المفاجأة التي صارت سمة ملازمة لها.
ثانياً : إن الحديث عن الإسلام بوصفه غريبا عن المشهد السياسي، هو خطاب مكرر شهدناه في مطلع القرن العشرين، حينها كان اعتقاد الدول الخارجة من حضن المستعمر هو أن الدين ككل والإسلام بشكل خاص، قوة تجذب الشعوب نحو الخلف، وتؤخر مسيرة المجتمعات الساعية لبناء الدولة الحديثة؛ فالإسلام في عيون أولئك النفر يقلل من فرص بناء تلك الدولة. من هنا، كان الاكتفاء بوصف الإسلام "دينا للدولة ومصدرا للتشريع" المتعلق بالأحوال الشخصية؛ لكن أي علاقة له "بالحيز العام" -ومنه السياسة- كانت مرفوضة وتواجه بالقمع. ونمط التفكير هذا، هو ما كان وراء تلك البيئة التي سبق الحديث عنها في الملاحظة الأولى. لقد دفع منطق الإنكار هذا، إلى ظهور التشوهات الفكرية والدينية في البيئة العربية وغير العربية، ودفع -كذلك- إلى التصنيفات التي لا تزال متداولة مثل "الإسلام المعتدل والإسلام المتطرف أو الإسلام الجهادي"؛ وهي -في الحقيقة- كلمات صُنعت كلها في بيئة الاستبداد، التي لا تؤمن إلا "بشيطنة" الآخر. تلك استراتيجية قسّمت المجتمعات، وأحدثت وقيعة حقيقية في بُنى المجتمع، بحيث بقي النظام السياسي الرابح الأول والأخير من كل ذلك.
إنّ تكرار الحديث عن الإسلام والتخويف من حضوره في المشهد السياسي والاجتماعي في مجتمعات ما بعد الثورات، إن هو -في الحقيقة- إلا تكرار لإنكارٍ دام طويلا للإسلام، بوصفه مكونا أساسيا للسياسة والاقتصاد والقيم في المجتمعات العربية، سواء كان مواطنوها مسلمين بالدين أو مسلمين بالثقافة والتعايش. لذلك، فإن الاستمرار في مسلسل التخويف، ما هو في الحقيقة إلا تكرار لأخطاء مكلفة الثمن للمجتمعات العربية. ثم إن عدم خروج الإسلاميين من مربع فترة الاستبداد إلى مربع الحرية والانفتاح، ما هو في حقيقة الأمر إلا دعم للاستبداد وأهله الذين يرددون أنّ "المجتمعات العربية لا يمكن أن تدار إلا بالقوة".
ثالثاً : إن الاستثمار في اللحظة التاريخية التي تعيشها المجتمعات العربية يجب أن يكون هدفا بعينه، للخلاص من أدران الاستبداد وأهله، بما في ذلك تغيير سبل النظر والعمل مع الآخر، وعلى رأس ذلك الآخر الغرب.
إنّه لمن المهم أن يتذكر الجميع، أنّ المبادرة قد عادت إلى الإنسان العربي.. مبادرة غابت لأكثر من قرن، وقد كان للأجنبي وأذرعه فيها دورٌ في رسم صورة قاتمة تروج لفكرة أنّ الحل والتغيير لا يأتيان إلا من الخارج، وأن التغيير الذي لا يتم فيه التواصل مع الآخر المروج للحداثة، إنما هو تغيير ناقص وغير سوي، يرافق ذلك إفساد التغيير وجعل مساراته متناقضة في نهاياتها مع ما تريده المجتمعات العربية.
هذه الرؤية وأهلها، يبدوان اليوم في وضع لا يحسدان عليه؛ فالتغيير الذي بدأ في كانون الثاني/يناير 2011 يمثل ثورة في طبيعة الثورات، فالثائرون لم يخرجوا ليختاروا أن يحكموا وأن يحتلوا مكان أولئك الذين هربوا أو تنازلوا، بل خرجوا ليروّجوا لأسلوب الحياة ونمط الحكم الذي يريدون. فليس الهدف استبدال شخصية بأخرى، بل إنهاء نمط حكمٍ ومعاملةٍ واستبداله بشكلٍ آخر، عنوانه الأصلي الكبير "الكرامة". تلك سابقة في تاريخ العرب الحديث؛ فالأحزاب التقليدية التي كانت تعيش في ظل أنظمة الاستبداد لم تقد التغيير حتى وإن حشدت لذلك قواها في ما بعد، إذ الحَراك كان أكبر من أن يحاط به؛ وبدلًا من أن تتحكم تلك الأحزاب في مسير الأحداث، وجدت نفسها مسيرة بها بل ومجبرة على عمل مراجعات سريعة في خطابها وأدواتها، لتتخلص من درن سنوات الاستبداد وأهله. تلك رسالة يجب أن ترسل بوضوح للآخر الذي لا يزال يرى أن التغيير في هذه المنطقة يتم تحت مظلة الوعي الكامل، وأنه ليس بالضرورة أن يختم بخدمة مصالح ذلك الآخر، ليس إلا.
رابعاً: منطق الاستثمار الذي نتحدث عنه لا يعني -بالضرورة- اللجوء إلى طرح أنواع من الخطاب القائم على الترويج لأفكار أو تغيير في الخطاب لتمرير هذه المرحلة. بعبارة أخرى، فإن حديث الإسلاميين عن الانفتاح، واستخدامهم مفردات كالدولة المدنية ودولة المواطنة.. إلخ، يجب أن يرافقه عمل داخلي للاستعداد لكيفية التعامل مع المتغيرات المتسارعة حولهم؛ فالتغيير على مستوى الخطاب الإعلامي وحسب، سيكون تأثيره سلبيا إذا لم يرافقه عمل يعكس صدق النوايا على تنفيذ ذلك التغيير؛ لأن العمل بغير ذلك يعني -مرة أخرى- تكرار ما كان راكبو موج التغيير يفعلونه في زمن الانقلابات العربية، حينما كانوا يعدون الناس بالجنة على الأرض، لكن الشعوب لم تر في الحقيقة إلا بعضًا من لهيب جهنم المستعر. من هنا، فإنه قد صار من المهم التركيز على درجة المصداقية في مخاطبة الرأي العام والانسجام؛ لأنه بغياب الانسجام الداخلي وانعدام المصداقية، فإن الفوضى هي النتيجة المتوقعة.
تحكم الفوضى مساحة زمنية لا بأس بها في ما بعد فترات الثورة(........)، لكن طول أو قصر تلك الفترات، يعتمد بشكل أساسي على درجة النضج (الرشد) السياسي التي يتمتع بها المجتمع وقيادته. ومن الضروري أن يعيَ الإسلاميون قبل غيرهم، أنهم بطرح أنفسهم عاملين تحت راية الإسلام، فإن مسؤوليتهم ستصبح أكبر، وبالتالي سيغدو حجم التوقعات والمساءلة كبيرا.
من هنا، فقد بات من الضروري العمل على التعاطي وعلى تعميق فكرتين أساسيتين طال تغييبهما، وهما: المواطنة الصحيحة وحكم القانون. هاتان قاعدتان، حفظتا لمجتمعات -غير قليلة- نسيجها وأمنها، وأعانتاها على تحقيق الازدهار في كل المجالات.. تلك ربما تكون المدخل الصحيح، لدورٍ يؤدي فيه الإسلاميون -على قدم المساواة مع الآخرين- دورًا في بناء مجتمعات ما بعد الثورات!