منتديات الحوار الجامعية السياسية

على مقهى الحياة

المشرفون: عبدالله العجلان،عبد العزيز ناصر الصويغ

By محمد الغامدي (٣)
#53144
صعود صادم حسين في حزب البعث

في عام 1959 شارك صدام مع مجموعة بعثية في محاولة اغتيال عبد الكريم قاسم، الرئيس العراقي حينها، بعد ظهر اليوم السابع من أكتوبر وخلافاً للترتيبات وبسبب الانفعال سحب صدام مدفعه الرشاش من تحت معطفه وفتح النار على سيارة قاسم قبل الوقت المقرر، وقبل أن يتمكن الآخرون من فتح النار تمكن حراس قاسم من مواجهة الموقف وقتل سائق السيارة الذي أصيب في ذراعه وكتفه، كما قتل أحد أفراد مجموعة الاغتيال وأصيب صدام في ساقه على يد أحد زملائه.
تمكن أعضاء فريق الاغتيال من الفرار إلى أحد مخابئ الحزب في العاصمة بغداد، أما عبد الكريم قاسم فقد نقل إلى المستشفى وأجرى له العلاج اللازم، وتم استدعاء الدكتور تحسين الملا، وهو أحد الأعضاء المؤسسين لحزب البعث، لمعالجة صدام وقال : " أنه لم يكن سوى جرح بسيط عبارة عن كشط ". و قد تم مداهمة المخبأ الذي لجأ إليه فريق الاغتيال إلا أن صدام استطاع الفرار إلى سوريا حيث قضى هناك ثلاثة أشهر، قبل أن ينتقل إلى القاهرة، حيث أنضم إلى نحو 500 شاب من البعثيين الذين اجتمعوا في العاصمة المصرية وكانت الحكومة السورية قد أرسلت هؤلاء إلى مصر بهدف استكمال تعليمهم. لم يكن صدام قد أكمل تعليمة الثانوي، وكان عبد الناصر رئيس الجمهورية العربية المتحدة يعارض عبد الكريم قاسم لأنه نكث بوعده في ضم العراق للإتحاد، وكان ميشيل عفلق وغيره من قادة البعث في سوريا، يعتقدون بأن المشاركين في المحاولة سيتمتعون بأمان أكثر في القاهرة من دمشق، حيث كان النظام السوري أقل استقراراً.
و قد اهتم ميشيل عفلق عميد حزب البعث السوري بصدام الشاب ورقاه إلى مرتبه عالية بأن جعله عضواً كامل العضوية في الحزب، لدوره في محاولة تصفية عبد الكريم قاسم لأن جهد البعثيين العراقيين لقلب الحكومة في بغداد جعلت منهم أبطالاً في نظر القوميين، حيث رأوا ن واجبهم الوطني يحتم عليهم قتل عبد الكريم قاسم لأنه سلم مقدرات البلد إلى الشيوعيين.
و كان عفلق الذي هيمن على حزب البعث في سوريا والعراق، يقف وراء انتخاب صدام عام 1964 في موقع مهم بالقيادة العراقية لحزب البعث، وقد رد صدام الجميل لدى توليه السلطة بأن جعل من البعثية العقيدة السياسية الرسمية للعراق، وعندما أجبر عفلق على الذهاب إلى المنفى إلى العراق عام 1989، أمر صدام بإقامة ضريح فخم لمؤسس البعث.
في فبراير عام 1963 أسقط انقلاب قام به مجموعة من ضباط الجيش تربطهم علافة بحزب البعث حكومة عبد الكريم قاسم أطيح بعبد الكريم قاسم بانقلاب تزعم الانقلاب الذي اعتبر رهيباً وشنيعاً، اللواء أحمد حسن البكر وكان البكر قد تبوأ مركزاً مرموقاً في البعث أثناء وجود صدام بالمنفى في القاهرة، حيث اتصف بكراهيته ومقته للشيوعيين. وقد أنضم البكر إلى البعث أثناء وجودة في السجن بتهمة تآمره ضد عبد الكريم قاسم، ولدى إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، ومن بينهم البكر، بدأ الأخير مع غيره من البعثيين بالتخطيط لخلع قاسم.
و قد رفضت العديد من وحدات الجيش دعم البعثيين في محاولتهم، فهاجم البكر قاسم في مقره في وزارة الدفاع واستمر القتال طيلة يومين، ونجم عنه سقوط مئات القتلى والجرحى في وسط بغداد، قبل أن يضطر قاسم إلى الاستسلام، ورفض قادة الانقلاب السماح بمحاكمته علنية، وبعد محاكمة قصيرة في استيديو الموسيقى في التلفزيون، وأمام الكاميرات على الهواء مباشرة أعدم عبد الكريم قاسم رمياً بالرصاص، خلال هذه الأحداث كان صدام لا يزال في القاهرة لكن سرعان ما عاد إلى بغداد، ليصبح عبد السلام عارف رئيساً للجمهورية وبعد وصولة أعاد صدام تقديم نفسه للبكر، الذي كوفئ على دورة بإسقاط قاسم بمنصب رئيس الوزراء من قبل الرئيس الجديد عبد السلام عارف، عين البكر العديد من أبناء بلدته تكريت في مواقع بارزة وقد وجد صدام نفسه في بداية الأمر على الهامش، ولكن الاشتباكات الدامية بين البعثيين والشيوعيين بعد إسقاط قاسم وفرت له متنفساً ومخرجاً، وكمكافئة لهو في مثابرته على تعقب الشيوعيين عين صدام في لجنة الاستخبارات الحزب التي تتولى مسؤولية الاستجوابات والتحقيقات، وفي فلم " الأيام الطوال عن حياة صدام " – الذي أخرجه المخرج توفيق صالح – فإن صدام يعلق على مشاركته في أحداث عام 1963 بقوله : يجب علينا قتل أولئك الذين يتآمرون ضدنا.
لم تطل فترة العنف، فقد أودت التناحرات الداخلية بين المجموعات البعثية المتنافسة إلى خروج الحزب من الحكم في نوفمبر عام 1963. و كان الاختلاف بين الجناح المدني في الحزب بقيادة علي صالح السعدي، والذي كان يحبذ الوحدة السياسية مع مصر وسوريا، وبخاصة بعد نجاح انقلاب البعث السوري في مارس من نفس العام، في حين عارض الجناح العسكري المحافظ الذي يفضل السياسة التقليدية " العراق أولاً ".
عمد البكر الذي كان يحاول التوفيق بين الأجنحة المتنافسة للحزب – إلى عقد اجتماع للقيادة القومية للبعث، وخلال تلك الفترة ساند صدام البكر مواطنه التكريتي، وبدأ يشاهد على الدوام إلى جانب البكر وهو يتسلح بمسدسه، ومع استمرار التهديد الذي يشكله الحرس القومي على النظام والأمن العام، نفد صبر عبد السلام عارف مع البعث وقرر التصرف، وبالفعل صدرت الأوامر في 18 نوفمبر بمهاجمة الحرس القومي في بغداد ونجح عارف، وخلال ساعات كان يسيطر تماماً على المدينة.
أدى تدخل الرئيس عارف الحاسم إلى إنهاء أول تلاعب بعثي قصير في السلطة، وتم عزل الوزراء حيث استبدلوا بضباط عسكريين من الموالين للرئيس، وطرد البكر من منصبه كرئيس للوزراء، وأصبح العراق يحكم من قبل حكومة عسكرية، وتم حل الحرس القومي واستبدل بالحرس الجمهوري الذي يضم وحدات النخبة في القوات المسلحة والذي تمثلت مهمته الرئيسية في حماية النظام من أي محاولات انقلاب مستقبلية [6]، كان صدام وأحد من مجموعة البعثيين الذين أنيط بهم عام 1964 مسؤولية إنشاء الجهاز الأمني للحزب، والذي أطلق عليه " جهاز حنين "، وذلك بعد انقلاب عام 1963 والذي أدى اكتشافه إلى الزج بقادة البعث المتبقين بمن فيهم البكر في السجن، وبقى صدام في بغداد على الرغم من مطالبة قيادة الحزب في دمشق بفرارة من جديد إلى سوريا، وبالتعاون مع قلة من البعثيين الذين لم يسجنهم عارف شكل صدام قوة أمنية سرية.
كانت الحرية التي تمتع بها صدام عام 1964 قصيرة الأمد، تم خلالها بحث سيناريوهات عدة للاغتيال الرئيس، وفي منتصف أكتوبر طوق رجال الأمن مخبأ صدام في أحد أحياء بغداد وبعد تبادل قصير لإطلاق النار اضطر صدام للاستسلام بعد أن نفدت ذخيرته، وتم سجنه. كان خير الله طلفاح يقبع في السجن هو الآخر في ذلك الوقت، رغم أنه لم يكن عضواً في حزب البعث، وكانت ساجدة، التي كانت وضعت لتوها عدي، تزوره وتزور زوجها صدام الذي كان معتقلاً في سجن هو الآخر وتحضر له رسائل من البكر الذي كان قد أفرج عنه، وهو ما كان يمكن صدام للاطلاع على مجريات الأمور حتى انتهت الفترة الثانية لسجن صدام يوم 23 يوليو عام 1966 عندما تمكن مع اثنين من رفاقه من الهرب حيث عمل من جديد على الإطاحة بالحكومة والاستيلاء على السلطة، مع فجر يوم 17 يوليو من عام 1968 استولت وحدات عسكرية يرافقها نشطاء بعثيون مدنيون على مؤسسات عسكرية حكومة مهمة، وصدرت الأوامر بالتحرك إلى قصر الرئاسة، فاندفعت الدبابات إلى باحته، وتوقفت تحت النوافذ حيث كان الرئيس عبد الرحمن عارف ما زال نائماً في سريرة، وكان في الدبابة الأولى صدام حسين ببزته العسكرية.
لم يعرف الرئيس عبد الرحمن عارف بالانقلاب، إلا عندما سمع صوت الرصاصة الذي أطلقته عناصر من الحرس الجمهوري في الهواء للتعبير عن الفرح والانتصار، قبل الرئيس عارف الذي تسلم السلطة بعد مقتل شقيقه عبد السلام عارف بتحطم هيلوكبتر عام 1966 – التنحي وكان مطلبه الوحيد أن يضمن الانقلابين سلامة ابنه الذي كان ضابطاً في الجيش، وتمثل دور صدام حسين يومها في مراقبة القصر وضامن عدم تدخل الجنود الموالين لعارف. و بحلول الساعة 3:40 دقيقة صباحاً كان الانقلاب قد نجح وبعد استراحة دامت ساعات، وضع عارف على طائرة متجهة إلى لندن للانضمام إلى زوجته التي كانت تعالج هناك من داء السرطان، وأعلنت إذاعة بغداد أن حزب البعث قد استولى على السلطة.
بعد الانقلاب عين أحمد حسن البكر رئيساً للجمهورية فيما كلف صدام بمسؤولية الأمن القومي، وقد كان صدام مناسباً لتسلم هذا الموقع لسابق تجربته للإقامة " جهاز حنين "، والذي حل بعد تسلم البعثيين السلطة، لتحل محلة مؤسسات أمنية رسمية، وكان عمر صدام حسين وقتها 31 عاماً.