منتديات الحوار الجامعية السياسية

خاص بالمشكلات السياسية الدولية
By عبدالمجيد الوهيبي3
#53161
شاهد مسلسل «عمر بن الخطاب» بل وحرض أسرتك وجيرانك وأصدقاءك على مشاهدته، ليس من باب الدعاية ولكن من باب دعم الدراما التاريخية ولا أقول الدينية فى مواجهة الجهل بالتاريخ، فى زمن عزت فيه القراءة وندر فيه اللجوء للكتب ولم تعد إلا الدراما سبيلاً إلى قراءة التاريخ، خاصة بالنسبة لشباب جيل الإنترنت، شاهد مسلسل «عمر بن الخطاب» وأنت تحس بأنك لست مذنباً ولاترتكب حراماً أو خطيئة، أنت تفعل الحلال كل الحلال، شاهد «الفاروق» عمر لتتحدى كل من يكبل الإبداع باسم الدين، وكل من يصادر الفن تحت شعار المقدس، وعندما ترفضه ارفضه لأنه ضعيف فنياً ولاترفضه لأنه جسّد شخصية «عمر بن الخطاب»، ليست لدينا تابوهات فى الفن، ما دمنا نحترم التاريخ ومصداقيته، والفن وأسلوبه، فنحن لانرتكب خطيئة ولانهدم مقدساً ولانشوه ديناً، فديننا الحنيف حرضنا على المعرفة بـ«اقرأ»، ولذلك فى هذا الملف نحن نحرض على مشاهدة مسلسل بغرض مزيد من المعرفة، وسنطرح بهدوء عدة أسئلة لمن يرفض تجسيد الصحابة والعشرة المبشرين وسنجيب عنها بشكل منطقى، سنرد على حجج وتخوفات الرافضين لهذا التجسيد الدرامى، والاختيار لك عزيزى القارئ، إما أن تجلس أمام شاشة التليفزيون مجرداً من كل الوساوس والمخاوف والأوهام والأساطير بغرض مشاهدة عمل فنى لا بد أن يحاسب بمعايير العمل الفنى، وإما أن تجلس مكبلاً بقيود وأغلال وأفكار مسبقة مرتعشاً خائفاً مستعيذاً بالله من شيطان الفن الدرامى، مشيحاً بوجهك عن الشاشة، ممسكاً بالريموت ضاغطاً على زر الإغلاق بكل حماس راضياً بمعلوماتك الناقصة عن التاريخ الإسلامى، راضياً بكسلك المزمن عن الطرق على أبواب جديدة وطرق حديثة لتناول وتحليل التاريخ حتى ولو كان مرتبطاً بفترة ظهور الإسلام، مقتنعاً بأننا قد وضعنا نقطة النهاية وفصل الخطاب، عليك أن تختار وأن تتحمل مسئولية اختيارك، لكن قبل ذلك اقرأ هذه الصفحة بمسام عقلية مفتوحة وبدون بديهيات وقناعات سابقة التجهيز، ولك مطلق الحرية فى الرفض أو القبول.

* الحجة الأولى: الدين الإسلامى يرفض تجسيد الصحابة وآل البيت والعشرة المبشرين بالجنة.

- الرد: على من يقول هذا الكلام ويردده أن يذكر لنا نصاً واحداً من القرآن أو حديثاً من كتب الصحاح أو توصية من السنة النبوية تؤكد هذا الكلام أو على الأقل تشير إليه من بعيد، لايوجد نص صريح يقول ممنوع تجسيد الصحابة فى الدراما، مما يجعل المناقشة بعيدة عن احتكار رجال الدين، فهى خارج ملعب النصوص الدينية القطعية لأنها ببساطة تتحدث عن شىء مستحدث لم يكن موجوداً فى ثقافة العرب بل وُلد فى أحضان اليونان، هذا الشىء اسمه الدراما، إذن لا مكان لمزايدة على دين أحد وتكفيره إذا تبنى الرأى الموافق على تجسيدهم درامياً فى مسلسل أو مسرحية أو فيلم، لماذا يخاف مجمع البحوث الإسلامية من عرض مسلسل «عمر بن الخطاب»؟، عليه أن يعلن لنا أسبابه الحقيقية بطريقة واضحة وصريحة يبرر فيها ويشرح أسباب رفضه عرض المسلسل بهذا التصميم والتحفز والحماس وأيضاً التربص لدرجة الملاحقة القضائية للقنوات الفضائية التى ستعرض المسلسل!

فمسألة تجسيد الصحابة وآل البيت والعشرة المبشرين بالجنة درامياً باتت مسألة محسومة وحجة ضعيفة لا تستطيع الوقوف على قدمين فى مواجهة التفنيدات المنطقية التى اخترقت هذه الدرع الفولاذية التى يحتمى بها كل من يهاجم الأعمال الدرامية التى تحكى تاريخ المسلمين عن طريق تجسيد الصحابة لأنهم ببساطة أبطال الحدث، ودراما بدون أبطال حقيقيين تتحول إلى ثرثرة لا فائدة منها، هذه الفزّاعة التى تطلق فى وجه كل فنان يحاول التصدى لمثل هذه الأعمال التاريخية هى فزّاعة كرتونية لاتصمد أمام نور المنطق ومناقشة العقل.

* الحجة الثانية: لماذا تجسيد هذه الشخصيات المقدسة الآن فقط، فالمجتمع الإسلامى طوال عمره رافض لمثل هذا النوع من التجسيد الدرامى؟

- الرد: انظر عزيزى القارئ إلى هذه الأفيشات السينمائية لتعرف أننا فى مصر بالذات عرضنا وجسدنا شخصيات لها نفس درجة القداسة والاحترام ومنذ أكثر من نصف قرن، وأعتقد أن مصر كانت مجتمعاً إسلامياً متديناً بل أكثر أخلاقاً من الآن، كان المصريون يخافون على الإسلام، وكان هناك أزهر، مؤسسة وشيوخاً مكانتهم عظيمة وعلمهم جليل، لم تكن مصر تعتنق البوذية وقت أن عرضت تلك الأفلام بل كان معظم أهلها يعتنقون الإسلام.

* الحجة الثالثة: تجسيد الصحابة والعشرة المبشرين فيه إهانة بالغة لهم، ولايصح أن يؤدى ممثل دور صحابى وهو قد جسد من قبل دور سكير أو قاتل.

- الرد: لماذا يُسمح بتجسيد شخصية مثل عمار بن ياسر وبلال بن رباح وخالد بن الوليد فى السينما ولايسمح بعمر بن الخطاب وباقى المبشرين فى المسلسلات؟، هل تجسيد هؤلاء ليست فيه إهانة وتجسيد أولئك فيه إهانة، هل المسموح بهم أقل تديناً وإسلاماً من غير المسموح بهم؟ ومن يستطيع أن يمسك بمعيار وميزان هذا التصنيف وهذه الأفضلية؟!! هل دخول الجنة مقصور على العشرة المبشرين بالجنة؟! وإذا كانت القداسة التى نخشى عليها من الظهور فى الدراما لا تحدث إلا بدخول الجنة، فلماذا سمح الأزهر بظهور «عمار بن ياسر» الذى جسده «عماد حمدى» فى فيلم ظهور الإسلام؟!، أليس «عمار بن ياسر» هو الذى قيل عنه «الجنة اشتاقت إلى ثلاثة على وعمار وياسر»؟!!، «عمار» ليس من العشرة المبشرين ولكن هذا ليس معناه أنه محروم من دخولها، وكذلك «بلال بن رباح» الذى جسده «يحيى شاهين» ألم يوصف بأنه رجل من أهل الجنة؟!، ولماذا يتهم الأزهر الصورة دائماً والدراما بأنها ستهين الصحابة؟!، أناشد شيوخ الأزهر الرافضين ظهور الصحابة الدرامى أن يذهبوا لمكتبة الأزهر ويسحبوا من على رفوفها كتاباً مثل «تاريخ الطبرى» ليقرأوا الإهانات التى تطل من بين سطوره، لكنهم للأسف يقبلونها لأنها مكتوبة بالحبر لا بالكاميرا.

السؤال الذى يفرض نفسه لماذا يرتبط التجسيد الدرامى بالصورة لشخصية نقدسها بالإهانة؟ ولماذا عندما نكتب عنها بالقلم لايحدث هذا الارتباط الشرطى؟، أعتقد أن الإهانة هى فى المضمون وليس الشكل، وكم من كتب تراث موجودة على رفوف مكتباتنا ومنها مكتبة الأزهر نفسه تهين هذه الرموز الدينية، سواء بأحاديث مختلقة أو روايات تاريخية مفبركة يندى لها الجبين خجلاً!!، ولايقف منها مجمع البحوث الإسلامية نفس الموقف، وأعود لأكرر إنه الخوف من الصورة التى تعنى الحقيقة التى من لحم ودم، نحن نكره الصورة ولذلك نخاف الفن التشكيلى والسينما والنحت، وكما يردد البعض الآن بسذاجة عن تحريم النحت وتحطيم التماثيل لأنها تفتن الناس فى دينهم، يتحدثون بنفس النغمة عن الدراما، ويتناسون أن إنسان القرن الحادى والعشرين الذى يشاهد «أفاتار» ويعرف أنه تمثيل لا حقيقة، مختلف تماماً عن إنسان العصر الجاهلى الذى كان يسجد للات والعزى!، بل مختلف عن مصرى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الذى عندما شاهد مفرقعات الحملة الفرنسية صرخ «ياخفى الألطاف نجنا مما نخاف».

أما قضية الممثل الذى يجسد دور صحابى ثم يخرج علينا بعد ذلك فى دور شرير مجرم، هذا كلام كان ينفع أيام ما كان المتفرجون يهرولون من صالة عرض السينما عند ظهور القطار!!، فمحمود المليجى فى فيلم الأرض أبكانا وتعاطفنا معه برغم أننا شاهدناه يذبح نصف ممثلى مصر فى أفلامه الأخرى!!، ولتجرب عزيزى القارئ وتتذكر وأنت تشاهد هذه الصور كم بكيت مع «بلال بن رباح» وتسأل نفسك سؤالاً صريحاً واضحاً هل تذكرت «سى السيد أحمد عبدالجواد» اللعوب السكير فى «بين القصرين»؟، وأيضاً هل دار بخلدك أن حسين صدقى فى «خالد بن الوليد» هو حسين صدقى فى شاطئ الغرام مع ليلى مراد، انظر إلى الصور وعد إلى الأفلام وننتظر الإجابة.

أعتقد أن المتلقى لم يعد بالسذاجة التى تجعله يخلط بين الممثل والدور، ومن يقول ذلك أو يتخيله للأسف فى حاجة لمعرفة معنى فن الدراما وما هو الصدق الدرامى، وأحيلكم كما ذكرت للرائع محمود المليجى «أبوسويلم» فى فيلم الأرض الذى صدقناه وبكينا معه حين تم سحله ولم نستنكر ويسيطر علينا دور المجرم والقاتل الذى جسده فى معظم أفلامه، وهل تزعزع إعجابنا بباسم ياخور الذى جسد «خالد بن الوليد» حين مثل دور جاسوس إسرائيلى فى رمضان الماضى؟! (ملاحظة باسم ياخور ممثل مسيحى ولم ينتقص هذا من إعجابنا بتمثيله لدور سيف الله المسلول)، إننا صدقناه هنا وصدقناه هناك ولم نصب بحمى التربص تلك التى تحكم نظرتنا للدراما، وانظر إلى هذه الصورة واسأل نفسك هل وقفت ديانة «ياخور» بينك وبين تصديق أدائه؟

وهل نقُص إعجاب الشيعة الذين يرسمون علياً بن أبى طالب مثل تلك الصورة ويمثلون مسرحيات عن الحسين برموزهم الدينية وهل نُزعت هالة القداسة عنهم بمجرد إنتاج أعمال درامية تحكى تاريخهم؟ ونحن نعرف عشق الشيعة الشديد لأهل البيت وقداسة منزلتهم لديهم، كل احتفالاتهم يدخلها عنصر التجسيد الدرامى والفنى، بل إنهم يرفعون صور على بن أبى طالب كطقس روتينى أثناء هذه الاحتفالات، السؤال: هل هذا التجسيد أنقص من هذه القداسة وخفض من سطوع نور هذه الهالة الدينية؟، هل نزع التمثيل والفن ثوب الاحترام والإجلال لهذه الشخصيات العظيمة؟، لا لم يحدث إطلاقاً، بل على العكس زاد الاحترام لأن الفهم زاد والمعرفة ارتفع رصيدها لسبب بسيط وهو انضمام طابور مشاهدى الفضائيات الطويل والضخم ممن لا يقرأون كتب التاريخ إلى طائفة راغبى المعرفة بالتاريخ وأسراره وكواليسه.

وأخيراً لا توجد دراما بدون بطلها الحقيقى، ولا يمكن أن نظل نضحك على المشاهدين ونراهن على سذاجتهم بقولنا «يقول على أو عثمان أو طلحة» وهم على بعد نصف متر فى الخيمة!!، وكما أنه لا يمكن أن نشاهد مسرحية هاملت بدون شحم ولحم هاملت، فإننا لايمكن أن نرى مسلسل «الفاروق» بدون أن نرى على الشاشة عمر بن الخطاب.