منتديات الحوار الجامعية السياسية

على مقهى الحياة

المشرفون: عبدالله العجلان،عبد العزيز ناصر الصويغ

By عبدالعزيز عامر 313
#53171
خلفية تاريخية للأزمة0
في يناير 1959، نجح الثائر فيديل كاسترو في إطاحة باتيستا، واستولى على الحكْم في كوبا. وبدأ بالبحث عن حليف بديل من الولايات المتحدة الأمريكية، المؤيدة للحاكم المخلوع، فلم يجد سوى الاتحاد السوفيتي. وتوثيقاً لهذه العلاقة التحالفية، اعتنق كاسترو الماركسية، منذ منتصف عام 1959؛ فانقلبت كوبا، الجزيرة التي تبعد نحو 65 كم من السواحل الأمريكية، إلى الشيوعية؛ فاختل توازن القوى في تلك المنطقة. ولم ترغب واشنطن في استخدام القوة، للحدّ من تداعيات الموقف، آنئذٍ، وخاصة في عهد الرئيس أيزنهاور. وحينما تولّى جون كيندي الرئاسة الأمريكية، سعى إلى إطاحة كاسترو؛ فساعد مناهضيه على غزو كوبا في إطار عملية خليج الخنازير، التي أخفقت في مهمتها؛ ولكنها أفلحت في تشريع الأزمات السياسية.
لقد بادرت موسكو وهافانا إلى توثيق علاقاتهما التجارية، لتشمل، في غفلة من واشنطن، إنشاء قواعد صواريخ متطورة في كوبا. وما لبث ازدياد النشاط السوفيتي في الجزيرة، أن أثار حفيظة الكونجرس الأمريكي، فعمد إلى مناقشته. ولكن الرئيس السوفيتي، خروشوف، عَجِل إلى طمأنة نظيره الأمريكي، كيندي، في 4 سبتمبر 1962، في رسالة، تضمنت تعهداً من الاتحاد السوفيتي بألاّ يحاول إثارة أزمات، خلال هذه المرحلة. إلاّ أن الرئيس الأمريكي، أنذر موسكو إنذاراً حازماً، وحمّلها المسؤولية عن إدخال أسلحة إلى كوبا. وأعلن، تزايد الوجود العسكري السوفيتي في الجزيرة. بيد أن أجهزة الاستخبارات الأمريكية المختلفة، أجمعت، في ما سمِّي "تقديرات سبتمبر المخجلة"، في 19سبتمبر على نفي أيِّ احتمال لنشر الاتحاد السوفيتي صواريخ في كوبا. ولكن، تدارك تلك التقديرات بإعلانه، في 22 أكتوبر 1962، امتلاك دلائل، تؤكد وجود سلسلة من مواقع الصواريخ النووية، التي يطاول مداها ألف ميل، والقادرة على حمْل رؤوس نووية.
تطُّور الأزمة وأسلوب إدارتها0
بعد اكتشاف الصواريخ السوفيتية، أُلف فريق لإدارة الأزمة، قوامه خمسة عشر عضواً، عُرف باسم "اللجنة التنفيذية لمجلس الأمن القومي"، عُهِد إليها بِسَبْر نيات موسكو، واستنباط الخيارات، في مواجهة التهديد السوفيتي.
تمخضت اللجنة بتقديرات متباينة. رأى أحدها أن هدف السوفيت، هو تعزيز موقفهم التفاوضي، لإزالة الصواريخ الأمريكية من تركيا. وهو رأى داحض؛ إذ إن الولايات المتحدة الأمريكية أعلنت عزمها على إزالة صواريخها تلك، من دون مقابل؛ فضلاً عن اختلال التوازن الإستراتيجي، بينها وبين نظائرها السوفيتية في كوبا؛ فالأولى تناهز 15 صاروخاً؛ بينما تقدَّر الثانية بنحو 42 صاروخاً متوسط المدى، و36 صاروخاً بعيد المدى.
وعَدّ تقدير آخر إصرار الاتحاد السوفيتي على نشر صواريخه في كوبا، على صرامة التحذيرات الأمريكية، حفزاً للرئيس الأمريكي إلى تنفيذ تهديده، وضرب الصواريخ السوفيتية؛ إذ إن الاتحاد السوفيتي، لم يحرص على إخفائها، بل رغب في أن يكتشفها الأمريكيون، عسى أن يضربوها، فيثير عليهم العالم كله، بل ينتهز تورُّطهم، فيتقدم هو نحو برلين. وأدحض هذا الرأي، كذلك، أن التضحية بآلاف الجنود الأمريكيين في برلين، مقابل الآلاف من الجنود السوفيت في كوبا، من دون هدف جوهري واضح ـ هي فكرة غير عقلانية.
وقال تقدير ثالث بأن هدف الاتحاد السوفيتي، إنما هو الدفاع عن كوبا، في مواجهة التهديدات الأمريكية، التي ازدادت حدَّتها، خلال الفترة السابقة على الأزمة. وحمايتها، ليست قضية ثانوية، بالنسبة إلى الاتحاد السوفيتي؛ فهي المركز الشيوعي الوحيد، المتقدم، في نصف العالم الغربي؛ ولذلك، تدفقت عليه، منذ بداية عام 1962، المعونات العسكرية السوفيتية. ويُفَنِّد هذا الرأي، أن الدفاع عن كوبا، لا يقتضي وجود صواريخ نووية؛ فضلاً عن كثافتها؛ وإنما يكفيه 22 ألف مقاتل سوفيتي، كانوا في الجزيرة، أثناء الأزمة.
بعد تحليل النيات السوفيتية، بادر فريق إدارة الأزمة الأمريكي إلى طرح خيارات مواجهتها:
1- تجاهل التهديد السوفيتي، بهدف منع الدخول في مواجهة استفزازية مع موسكو. إلا أن هذا المقترح استُبعد؛ لأن قواعد الصواريخ في كوبا، تخل بالتوازن الإستراتيجي، بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي.
2- إجراء اتصالات سِرية بكاسترو، تخيِّره بين سحب الصواريخ السوفيتية، أو تحمُّل عقبى بقائها. غير أن هذا البديل غير واقعي؛ إذ إن تلك الصواريخ، لا تخضع لكوبا، بل للسوفيت.
3- الضغط على الاتحاد السوفيتي، من خلال الأمم المتحدة، لحمْله على سحب الصواريخ؛ أو إجراء اتصالات به، سرية أو علنية. ويعيب هذا الخيار، أن تحويل الأزمة إلى الأمم المتحدة، لن يكون مجدياً، وخاصة أن رئيس مجلس الأمن، إبّان الأزمة، كان سفير الاتحاد السوفيتي نفسه. أما إجراء اتصالات سرية بموسكو، فإنه قد يعد اعترافاً أمريكياً بحقها في الدفاع عن كوبا. وستعني الاتصالات العلنية بها، أن يتخلَّى كِلا الطرفَين عن بعض أهدافه.
4- غزو كوبا، والقضاء على نظامها الشيوعي، وخاصة أن الظروف المحيطة بالأزمة، تتيح لهذا الخيار الفرصة الملائمة، والمبررات الشرعية. إلاّ أنه نُحِّي مؤقتاً ولم يُستبعَد كلية؛ نظراً إلى خسائره البشرية الفادحة، وإمكانية تحوُّله إلى مواجهة نووية عالمية.
5- توجيه ضربة جوية مركزة، ومحدودة، إلى قواعد الصواريخ، وتدميرها تدميراً تاماً. وانُتقِد على هذا الخيار، أنه يتطلب هجوماً جوياً شاملاً، يدفع كوبا إلى انهيار سياسي فيها، قد يحمل الولايات المتحدة الأمريكية على غزوها؛ فيسفر عمّا انتهى إليه البديل السابق.
6- فرض حصار بحري على كوبا، يحُوْل دون وصول مساعدات عسكرية سوفيتية أخرى إليها. ويؤخذ على هذا البديل، أنه قد يستّب صداماً عسكرياً بين الجانبَين؛ إذ إن الحصار البحري، يُعَدُّ خرقاً لميثاق الأمم المتحدة، وقواعد القانون الدولي؛ فضلاً عن أنه لا يتعامل مع مشكلة الصواريخ تعاملاً مباشراً.
القرار الأمريكي 0