صفحة 1 من 1

التنمية السياسية النظريات والمفهوم (2)

مرسل: الثلاثاء يوليو 24, 2012 6:48 pm
بواسطة عبدالرحمن الزبن
ت‌- المرحلة الثالثة: بدأت بعد عام 1971 ويطلق عليها مرحلة " ما بعد السلوكية " والتي جاءت كنوع من الاستجابة للنقد الموجه إلى نظرية التحديث بشكل عام ، ونظرية التنمية السياسية بشكل خاص، بسبب الطابع الإيديولوجي المنطلق من الرؤية الغربية الرأسمالية، ومداخلها القائمة على التصنيف الوظيفي وعدم قدرتها على معالجة مشكلات التنمية في دول العالم الثالث، إضافة إلى فشل علم السياسة في بلورة نظرية قادرة على التعامل بصورة فعالة مع هذه المشكلات ([19] ). وجرى استخدام نماذج للدراسة تعتبر خليط من التحليل السياسي ذات الطابع الرشيد والسياسة العامة، نتيجة استخدام متزايد للمفاهيم الاقتصادية من جانب علماء السياسة، حيث أدركوا حاجتهم إلى التركيز على الجوانب الاجتماعية والاقتصادية، كمحاولة لتجنب أوجه القصور في النظرية الليبرالية والنظرية السلوكية ([20] ). ويرى هيجوت أن مدخل تحليل السياسات شكل تحولا من التركيز على مدخلات النظام خلال فترة الستينيات إلى التركيز على مخرجات النظام، وبدلا من التركيز على السياسات الكلية انتقل التركيز إلى التحليل السياسي الجزئي ذي الطابع التجريبي. وتم النظر إلى السياسة العامة في سياق حل المشكلات والاختيار العام، على عكس المدخل الذي ينظر للمشكلات بوصفها نتاجا لنظام سياسي معين. كما يرى ان المداخل المختلفة المستخدمة من علماء السياسة هي استجابة للفرضيات المنهجية لنظرية التحديث. حيث أن المشكلات التي واجهت الدارسين في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات متشابهة، لذا ينظر إلى مداخل السياسة العامة وتحليل السياسات على أنها عمليا طريقة أخرى من طرق التركيز على العلاقة بين الدولة والمجتمع والسياسة ([21] ). ويعتبر هيجوت أن هناك نوعا من الاستمرارية بين منهجية تحليل السياسات ونظرية التحديث، حيث أن هذا التحليل لا زال يسعى للبرهنة على النماذج النظرية بناءا على العوامل التاريخية والثقافية بدلا من استخدام البيانات المتاحة لبناء النظريات والنماذج. لذا لم يستطع علم السياسة المعني بالتنمية السياسية الخروج من معطف نظرية التحديث وتبنى الاتجاهات المنهجية الأساسية التي سادت المرحلة السلوكية ([22] ).
1.1.1 التنمية السياسية في نظرية التحديث:
تم معالجة ودراسة التنمية السياسية من الدارسين الغربيين في بدايات الاهتمام بالموضوع على أنها عملية تقل للنموذج الغربي في بناء المؤسسات والأبنية السياسية، والتخلص من الأبنية والقيم التقليدية التي تعيق تطور المجتمع بشكل عام. وكانت النظرة إلى التنمية التي حدثت في الغرب، على أنها عملية ذات صفة عالمية يصلح تطبيقها أو نقلها إلى كل دول العالم الثالث. وكان التركيز والاهتمام في دراسات التنمية السياسية الأولى منصب أكثر على التعرف على الخصائص التي تميز المجتمعات المتقدمة وتطورها عن الخصائص التي تميز المجتمعات المتخلفة. كما جرى التركيز على المراحل التي تمر بها المجتمعات نحو التطور، والقوى والعوامل التي تعجل من عملية التنمية ( [23] ). كما اعتبرت عملية التنمية والتحديث بأنها تمر بمراحل متعاقبة باتجاه واحد صاعد، وأن كل المجتمعات البشرية لا بد أن تسير في هذا الاتجاه الذي مرت به الدول الغربية.
بناءا على ذلك تم تعريف التنمية السياسية في هذا الاتجاه من علماء السياسة، كل من زاوية رؤيته والمنهج المستخدم في دراسة عملية التنمية السياسية. وقد تعددت المناهج وأساليب دراسة التنمية السياسية وطرق تحقيقها والوصول إليها، بحيث أن هناك عدد كبير من الاقترابات والتعريفات التي جعلت من مفهوم التنمية السياسية مفهوما فضفاضا يحمل معاني ودلالات متنوعة. ويرى ديفيد باكنهام أن هناك خمسة اقترابات لدراسة التنمية السياسية ([24] ):
أ‌- الاقتراب القانوني: الذي يرى التنمية من زاوية القانون والدستور وما يتضمنه من تحديد لنظام الحكم والسلطات وتنظيمها والحقوق وغيرها.
ب‌- الاقتراب الاقتصادي: ويعالج التنمية السياسية على أنها احد جوانب التنمية الاقتصادية التي تلبي حاجات المجتمع التنموية.
ت‌- الاقتراب الإداري: يعتبر التنمية السياسية دالة في قدرات النظام الإدارية وكفاءة وفعالية أداء الوظائف المختلفة.
ث‌- اقتراب النظام الاجتماعي: يعالج التنمية السياسية كجانب من جوانب النظام الاجتماعي المتطور الذي يسهل المشاركة ويوحد الأمة.
ج‌- اقتراب الثقافة السياسية: يرى أن التنمية السياسية هي دالة في الثقافة السياسية الحديثة التي تقدر القيم الديمقراطية وتحترمها.
لوسيان باي صنف مناهج دراسة التنمية السياسية في عشرة ([25] ):
أ‌- التنمية السياسية كمتطلب للتنمية الاقتصادية: حيث أن التنمية السياسية هي حالة النظام الذي ينجح في تحقيق التنمية الاقتصادية.
ب‌- التنمية السياسية كنمط لسياسة المجتمعات الصناعية: فالمجتمعات الصناعية طورت نموذجا للحياة السياسية يعتبر مثالا للمجتمعات الأخرى.
ت‌-التنمية السياسية كتحديث سياسي: أي نقل النموذج الغربي في الحياة السياسية.
ث‌- التنمية السياسية كبناء للدولة القومية.
ج‌- التنمية السياسية كتنمية إدارية وقانونية: حيث يؤكد على الترابط بين التنمية السياسية والتنظيم الإداري والقانوني.
ح‌- التنمية السياسية كتعبئة ومشاركة جماهيريتين.
خ‌- التنمية السياسية كبناء للديمقراطية: أي هي نتاج إقامة المؤسسات الديمقراطية.
د‌- التنمية السياسية كاستقرار وتغير منتظم: أي إن التنمية السياسية تتحقق عندما يستطيع النظام السياسي ضمان الاستقرار وضبط التغيير وتنظيمه والحفاظ على التوازن بحيث لا يؤثر على الاستقرار.
ذ‌- التنمية السياسية كتعبئة وقوة: من حيث قدرة النظام وقوته في تعبئة وتخصيص الموارد.
ر‌- التنمية السياسية كجانب من الجوانب المتعددة للتغيير الاجتماعي: أي إن التنمية السياسية ترتبط بمجالات التغير الاجتماعي الأخرى وتتأثر وتؤثر بها وليست مستقلة عنها.
وقد خرج لوسيان باي من هذه المداخل بخلاصة ترى أن التنمية السياسية هي " جانب من عملية التغيير الاجتماعي المتعددة الجوانب ". وتقوم على ثلاثة مقومات رئيسية هي:
أولا: المساواة: مساواة أمام القوانين، ومساواة في الفرص وإمكانيات المشاركة في صنع القرار.
ثانيا: القدرة: وهي قدرة النظام وأبنيته المختلفة بالقيام بمهامها، وقدرتها على تحويل المدخلات إلى مخرجات تلبي حاجات المجتمع.
ثالثا: التميز والتخصص: أي قيام كل بنية في النظام بوظائف محددة ومتخصصة، مع تفاعلها وتعاونها مع بعضها البعض.
جبراييل الموند يعرف التنمية السياسية على أنها " التمايز والتخصص المتزايد للأبنية السياسية، والعلمنة المتزايدة للثقافة السياسية" ([26] ). وعملية التمايز أو التخصص هنا مرتبطة بالوظائف التي تقوم بها الأبنية السياسية، والعمليات والتفاعلات داخل الأنظمة الفرعية للنظام السياسي .حيث أن التمايز والتخصص، يعني تنوع الأدوار وإيجاد أبنية بوظائف وادوار محددة. والعلمانية تشير إلى الرشادة والواقعية في السلوك، وطرح الأساليب التقليدية جانبا مع إتباع الأسس العلمية في اتخاذ القرار. ويرى الموند في مسألة أسلوب الأداء أن النظم التقليدية والحديثة يتم التمييز بينها على أساس طريقة أداء الوظائف السياسية المختلفة. حيث يتميز الأسلوب الحديث بالتحديد والعمومية مقابل الانتشار والخصوصية للتقليدي ([27] ). وهذه الخصائص هي التي تميز تطور الأنظمة السياسية الغربية، التي تعتبر نموذجا للتطور والتنمية لبقية البلدان.
يعتبر الدور السياسي والبنية عند الموند احد أهم وحدات تحليل الأنظمة السياسية، حيث أن الأدوار السياسية مرتبطة يبعضها على شكل أبنية متمايزة ومتفاعلة، وذلك يتيح التركيز على السلوك الفعلي للاعبي الأدوار والمشتركين في السياسة. والتمايز يعني عمليات تبدل الأدوار وتطورها للاستقلال والتخصص المتزايد، حيث ينبثق عنها أدوار جديدة، وأبنية جديدة، والى تغير أنماط التفاعل والعلاقات بين الأدوار أو بين الأبنية. حيث أن السلوك هذا ذا قابلية للملاحظة والدراسة، رغم أن السلوك يتأثر بالقواعد والمعايير، لكن هذه لا تصنعه بشكل كامل. ويمثل الدور والبنية المرتبط بها وحدة من وحدات النظام السياسي، أو نظام فرعي يتكون من أدوار متفاعلة كبنية، والنظام السياسي كمجموعة من النظم الفرعية ( [28] ).
صامويل هنتنجتون يرى أن الحداثة السياسية أو التنمية السياسية تتحقق عندما تتوفر ثلاثة عوامل: الأولى: ترشيد السلطة، أي أن يتم ممارستها واستلامها وتداولها على أساس قانون أو دستور محدد. والثانية: تمايز وتنوع الوظائف السياسية وإيجاد أبنية متخصصة لها. والثالثة: زيادة المشاركة السياسية من قبل المواطنين، ومن خلال قنوات وآليات للمشاركة ( [29] ).
ايزنستادت رأى أن التنمية السياسية تقوم على التالي: أولا: تنمية أبنية سياسية عالية التخصص والتنوع. ثانيا: التوسع المستمر في أنشطة الحكومة المركزية. ثالثا: إضعاف الصفوات التقليدية ([30] ).
نرى من التعريفات السابقة للتنمية السياسية ارتباطها بالمنظور أو التنميط الثنائي الذي يسوق خصائص ومواصفات للمجتمعات الحديثة والمجتمعات التقليدية، واعتماده على الأنماط المثالية للحداثة كما يراها منظري نظرية التحديث. وهذه النظرة تعتبر بلدان العالم الثالث بأنها مجتمعات تقليدية تفتقر للمؤسسات والأبنية المتطورة القادرة على أداء وظائف وادوار بطرق رشيدة وعقلانية، وبعدم كفاءة وفاعلية البنى والمؤسسات الموجودة لديها التي تعتبر متخلفة وتقليدية لا تتلاءم مع متطلبات وشروط الحداثة.
لم تستطع هذه النظريات أن تحقق ما كانت تدعوا له من عملية تحديث، وتعثرت عملية التنمية وانتقال الدول حديثة الاستقلال من النمط " التقليدي " إلى النمط " الحديث ". وقد اتجه علماء السياسة على ضوء ذلك إلى دراسة مشاكل أو أزمات التنمية والتحديث. ورأى البعض منهم أن عمليات التحديث التي تجري في المجتمعات لا تسير بصورة سلسلة وخطية ومتصاعدة كما تم تصويرها من قبل. بل إن تلك العملية يرافقها أو ينتج عنها مشاكل متنوعة، وأزمات بحاجة إلى حل ومعالجة. وقد حددت تلك الأزمات بشكل ومدى مختلف لدى منظري التنمية، كما تم تناولها من زوايا متعددة لدى كل منهم.
ويعتبر لوسيان باي أن التنمية السياسية لا تسير بشكل خطي صاعد، ولا تسير بمراحل ومسارات محددة سلفا، بل قد يحكمها عدد من المشكلات المتزامنة والمنفصلة ([31] ). وبناءا على ذلك أصبحت التنمية السياسية عند جزء مهم من منظريها وكأنها تتحقق عندما ينجح النظام السياسي في معالجة مشكلات أو أزمات التنمية، ويتغلب عليها من خلال رفع فعالية وكفاءة النظام وزيادة قدراته المختلفة ([32] ).