منتديات الحوار الجامعية السياسية

على مقهى الحياة

المشرفون: عبدالله العجلان،عبد العزيز ناصر الصويغ

#53351
ويضطلع القطاع الخاص أيضا بدور محوري في التنمية المستدامة، حيث ينظر له اليوم بأنه المصدر الأساسي للعمالة المنتجة، وتحسين الدخل الذي يعتبر العامل المهم لتحقيق تلك التنمية. إلا أن نمو القطاع الخاص وقيامه بدوره يحتاج إلى دور الدولة بتوفير البيئة الاستثمارية المناسبة والحفاظ على استقرار الاقتصاد وضمان الأسواق التنافسية، وفرض القانون وتقديم الحوافز لتنمية الموارد البشرية. كما أن المجتمع المدني يوفر آلية مهمة لمشاركة الناس في الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وفي التأثير على السياسة العامة وصنع القرار. وعليه فان ضمان التنمية البشرية المستديمة يحتاج إلى تفاعل دوائر الحكم الثلاثة، وإقامة نظام سياسي يشجع الحكومة والقادة السياسيين وقطاع الأعمال التجارية والمجتمع المدني على صياغة أهداف تركز على الناس وتسعى لتحقيقها، وتعزيز توافق الآراء حول تلك الأهداف ([86] ).
البنك الدولي كمؤسسة عالمية أصبح لها دور متزايد في تقديم المشورات والنصائح لدول العالم الثالث خاصة في قضايا التنمية والمساعدات، يقدم رؤية بأن التنمية بالمفهوم الواسع إضافة إلى جانبها الاقتصادي كزيادة مستمرة في مستويات المعيشة، تتضمن خصائص أخرى. أهم جوانب التنمية بالمفهوم الواسع هو توفير فرص أكثر عدالة للناس في كافة المجالات، وضمان الحريات السياسية والحريات المدنية للمواطنين. ويرى أن هذا الهدف موجود منذ سنوات الخمسينيات، ولم يطرأ عليه تغير جوهري، لكن التغيير حصل على الاعتقاد المبكر في قدرة الدولة على قيادة التنمية وتوجيهها، وأصبح الاعتماد أكثر على الأسواق في هذه المهمة. وقامت العديد من الدول بإجراء إصلاحات السوق، والاقتناع بان التنمية هي عملية متعددة الأبعاد، تتكامل فيها عملية إصلاح الأسعار والاستثمار، وبناء المؤسسات. وصار تدخل الدولة الاقتصادي الواسع وفاعليته عرضة للانتقاد، وان التجربة تقول أن من الأفضل أن يكون دورها متمم وداعم للقطاع الخاص ( مثل توفير خدمات البنية التحتية والتعليم والصحة والأبحاث ) على أن يكون منتجا للسلع أو مديرا لقطاعات اقتصادية معينة. كما أن الحريات السياسية والمدنية مهمة لتحقيق الأهداف التنموية ([87] ).
ويرى البنك الدولي أن الدولة لها دورها المهم في التنمية، لكن دورها له حدود أيضا، على ضوء ما شهدته فترة التسعينيات من القرن الماضي من انهيار الاقتصاد الموجه، والأزمة المالية التي واجهتها دولة الرفاهية الغربية، ودور الدولة المحوري في تنمية وتطور دول شرق آسيا، وانهيار بعض الدول في العالم. ويرى أن العامل المحدد في تلك التطورات المتعارضة هو فاعلية الدولة. حيث أن وجود الدولة الفعالة مهم وأساسي لتوفير السلع والخدمات، والقواعد والمؤسسات التي توفر للسوق النمو والازدهار، ولان يعيش الناس حياة أفضل. حيث انه لا يمكن تحقيق تنمية مستديمة في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية بدون الدولة الفعالة. وكانت النظرة السابقة أن الدولة هي التي تتحمل مهمة تحقيق التنمية، لكن في الوضع الجديد يعتبر دور الدولة في التنمية محوري، لكن ليس بوصفها الجهة التي تحقق التنمية، بل كشريك وعاملا محفزا ، وأداة تيسر التغيير ([88] ). ويرى بأنه يجب زيادة قدرة الدولة عن طريق تفعيل المؤسسات العامة وزيادة حيويتها، بوضع قواعد وقيود تحد من التصرفات التحكمية للدولة، ومكافحة الفساد، وإخضاع مؤسسات الدولة للمنافسة لزيادة كفاءتها ، وتحسين الحوافز والرواتب، وان تصبح أكثر استجابة لاحتياجات المواطنين، وتوسيع مشاركتهم. ويرى أن هناك مهام جوهرية على الدولة أن تقوم بها لتحقيق التنمية المستديمة التي يستفيد منها الجميع. وهذه المهام تشمل إرساء القانون، وتوفير بيئة سليمة للسياسات، والاستثمار في توفير الخدمات الاجتماعية والبنية الأساسية، وحماية الضعفاء وحماية البيئة ([89] ).
ويعتبر البنك الدولي مثله مثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن الحكم الجيد هو عامل وأداة رئيسية لتحقيق التنمية البشرية المستديمة, ويرى في احد تقاريره عن الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أن التنمية في المستويات الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية في هذه المنطقة، يتم إعاقتها بسبب ضعف إدارة الحكم العامة، التي تعتبر الأضعف مما هي عليه في بقية أنحاء العالم. ويرى أن الحكم الجيد يقوم على ركيزتين هما، التضمينية والمساءلة. حيث التضمينية تقوم على مفهوم المساواة، التي تعني إفساح المجال لكل من يريد أو له مصلحة في المشاركة بإدارة الحكم، بصورة متساوية مع الجميع. كما تشمل معاملة جميع المواطنين بشكل متساو أمام القانون وبدون تمييز، وإتاحة فرص متساوية للاستفادة من الخدمات المقدمة من الحكومة. والمساءلة تتعلق بمفهوم التمثيل الشعبي، أي أن من يتم اختياره للحكم، يجب أن يخضع للمساءلة من قبل الشعب. والمساءلة ترتكز على الشفافية، أي توفير المعلومات والشفافية في آليات الحكم، إضافة إلى وجود حوافز على أداء المهام، وهذه تأتي من اختيار الموظفين على قاعدة التنافس والكفاءة. ويعتبر أن تحسين إدارة الحكم يجب أن تتم في عدة نواحي وإجراءات: إجراءات لتحسين التضمينية، وأخرى لتعزيز المساءلة الداخلية، وإجراءات لتحسين المساءلة الخارجية، والفصل المتوازن بين السلطات لتقوية المساءلة الداخلية، وإصلاحات إدارية لتعزيز المساءلة الداخلية. وتقوم الإجراءات تلك على عناصر مختلفة، مثل توفير الحريات، وحق المشاركة، والعدل في توزيع الخدمات، ونشر المعلومات وتوفير إعلام حر ومستقل، وتقوية السلطة التشريعية، واستقلال السلطة القضائية، وتقوية وإصلاح أجهزة الدولة الإدارية والمقدمة للخدمات ([90] ).
وبعد التحولات الكبرى التي شهدها النظام السياسي والاقتصادي العالمي في العقد الأخير من القرن العشرين، أكدت عدة منظمات ومؤسسات عالمية تهتم بمجال التنمية، على الربط بين النجاح في تحقيق التنمية ونوعية الحكم، وفاعليته، حيث أن أسلوب الحكم الرشيد له تأثير كبير في التنمية. وترى منظمة اليونسكو أن هناك ترابط بين الديمقراطية والتنمية، ذلك أن التنمية المستديمة والعادلة تعتمد بصورة وثيقة على الديمقراطية، كما لا يمكن الحفاظ على الديمقراطية الحقيقية التي تتميز بسيادة القانون، واحترام حقوق الإنسان ، بدون أن يتمتع الناس بمستوى معقول من المعيشة، الذي يتطلب توفر حد أدنى من التنمية ([91] ). بل إن التكامل بين الحق في التنمية والحق في الديمقراطية مسألة ليست جديدة، حيث جرى التطرق له في ميثاق الأمم المتحدة، والمعاهدات الدولية، وإعلان 1986 الخاص بالحق في التنمية، والاتفاقية الخاصة بالقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة. وترى اليونسكو أيضا أن أسبقية القانون في الدولة، هو الآلية التي من خلالها يتم الربط بين التنمية والديمقراطية. ذلك أن أسبقية القانون تستند إلى سيادة المبادئ العامة للقانون، والى مفهوم العدالة في المجتمع، وهذا منبع أهميتها للحكم الديمقراطي. وفيما يتعلق بممارسة السلطة تستدعي أسبقية القانون توافر الشرعية، والشفافية، والمساءلة، وهي عوامل تحتل أهمية رئيسية للعملية الديمقراطية ولعملية التنمية ([92] ).