- الثلاثاء يوليو 24, 2012 6:57 pm
#53354
تتكون أفريقيا حاليا من 53 دولة، وهذا الرقم يرسم صورة التجزؤ والتفكك والتمزق السياسي. وفي أفريقيا اليوم يبلغ معدل وفيات الأطفال دون سن الخامسة 140 حالة لكل 1000 طفل، كما أنّ معدل الحياة المتوقعة عند الولادة لا يتجاوز 54 عاما، ويحصل 58 في المائة فقط من السكان على مياه نظيفة، ويصل معدل الأمية بين السكان الذين تتجاوز أعمارهم 15 عاما 41 في بالمائة. فما هي آفاق التنمية في أفريقيا ؟
وتمثل مساحتها خمس مساحة أراضي العالم، إذ تبلغ أكثر من 30 مليون كلم مربع. ولكن 6 في المائة فقط من أراضيها مزروعة، وتغطي الغابات ربع مساحتها. والقارة غنية بالمعادن والنفط. وشعوب القارة الأفريقية متنوعة جدا، إذ يتكلم الأفارقة حوالي ألف لغة متميزة، إذ أنّ لكل من القبائل الكبرى لغتها الخاصة. كما أنّ التداخل القبلي في ما وراء الصحراء يسهّل إثارة الصراعات المحلية. وعندما نالت معظم دول القارة استقلالها في ستينيات القرن الماضي، لم يكن لديها الخبرة والكفاءات الإدارية والعلمية لإدارة الحكم في معظم دولها.
إنّ عام 2002 يمثل تحولاً كبيراً على مستوى النظام الإقليمي في أفريقيا, إذ حدثت عملية التحول من منظمة الوحدة الأفريقية إلى الاتحاد الأفريقي, وهي العملية التي بدأت منذ قمة سرت الليبية في سبتمبر/أيلول 1999. ومثلت قمة ديربان في جنوب أفريقيا علامة فاصلة في هذا الإطار, إذ صدر عنها إعلان ديربان في11 يوليو/تموز 2002 معلنا قيام الاتحاد الأفريقي مع إقرار اللوائح والإجراءات الخاصة بالأجهزة الرئيسية الأولى التي بدأ بها الاتحاد.
المعطيات الاقتصادية والاجتماعية لأفريقيا
إنّ أهم ما يعيب الاقتصاديات الأفريقية هو عدم تنوعها وتركيزها على سلع قليلة وتأخر أساليب الإنتاج، وتعتبر منطقة شمال أفريقيا أهم المناطق الاقتصادية حيث تساهم بنسبة 41 في المائة من الدخل القومي للقارة، مقابل 17 في المائة لغرب أفريقيا، و5.3 في المائة لوسطها، و8.4 في المائة لشرقها، و28.3 في المائة لمنطقة الجنوب الأفريقي.
وتحتل القارة الأفريقية موقعاً مهماً في خريطة النفط العالمية، إذ بلغ إنتاجها اليومي نحو 10.282 مليون برميل عام 2005، بنسبة 12.1 في المائة من إجمالي الإنتاج العالمي الذي بلغ نحو 84.615 مليون برميل يومياً في العام نفسه، أما احتياطات القارة فقد ارتفعت من نحو 100 بليون برميل عام 2005 إلى 102 بليون برميل عام 2006. ومع معدل تشمس يومي يتراوح بين 5 و7 كيلو واط في الساعة للمتر المربع الواحد، تجد أفريقيا نفسها في موقع مرموق في مجال الطاقة الشمسية.
أما في قطاع الزراعة فيعمل فيه أكثر من 70 في المائة من القوى العاملة ويساهم بما يقدر بنحو 30 في المائة من الإنتاج القومي الكلي للقارة، ومع ذلك فإنّ المزارعين الأفارقة هم أكثر فئات المجتمع فقراً. ولا تتعدى صادرات البضائع الأفريقية نسبة 0.68 في المائة من التجارة العالمية.
45 في المائة من السكان يعيشون تحت خط الفقر أو بأقل من دولار يومياً، والناتج الداخلي العام للقارة يمثل واحداً في المائة من الناتج الداخلي العام العالمي في حين أنّ نسبة السكان هي 11 في المائة من سكان العالم.
تحديات التنمية في أفريقيا
منذ مطلع القرن الحالي والقارة الأفريقية تشهد صراعاً محتدماً في الأفكار والتوجهات, بحثاً عن الموقع الصحيح على خريطة هذا العصر في ميادين النهضة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. ومن هذا المدخل تبلورت قائمة من التحديات الكبرى: مكافحة الفقر المدقع الذي تعاني منه كثيراً شعوب أفريقيا جنوب الصحراء, وضرورة وقف الحروب الأهلية والصراعات المسلحة من أجل إحلال السلام والاستقرار, وما يستتبعه ذلك من بيئة تصون حقوق الإنسان وتحفّز على الإنتاج والإبداع والاستثمار ( تقدر منظمة الإغاثة الإنسانية البريطانية " أوكسفام " في تقرير نشرته في أكتوبر/تشرين الأول 2007 أنّ كلفة هذه النزاعات بلغت خلال الفترة 1990 إلى 2005 نحو 300 مليار دولار شملت 23 بلداً أفريقياً، وهو حجم يساوي تقريباً حجم كل المساعدات المالية والاقتصادية التي تلقتها هذه البلدان في الفترة نفسها ).
أما التحدي الأبرز فهو التخلص من الثلاثي المدمر المتمثل في مرض الإيدز ومرض الملاريا ومرض السل الرئوي, إذ يشكل الإيدز أخطر مكونات هذا الثالوث الماحق, وتشير بعض التقديرات إلى أنّ أكثر من 25 في المائة من القوة العاملة قد تُفقد - بسبب الإيدز - بحلول عام 2020 في بعض الدول الأفريقية.
ومن أهم التحديات أيضاً: الديمقراطية والحكم الصالح، بما ينطوي عليه من توسيع المشاركة الشعبية في عملية صنع القرارات، وتكريس سيادة القانون، وتوفير الآليات الفعالة التي يمكن للمواطنين من خلالها ممارسة حقوقهم، وتمكينهم من الحصول على المعلومات والبيانات الضرورية لفهم الواقع والتأثير فيه.
ومن المؤكد أنّ لا مستقبل لأفريقيا ما لم يرتقِ التعليم ويتطور حتى يواكب متغيّرات العصر في جميع الحقول، مما يتطلب ضرورة الانخراط الواعي والمدروس في مسيرة التحولات العالمية الكبرى ممثلة في ثورة المعلومات والاتصالات.
وبعد أن تبنّت الأمم المتحدة إعلان الألفية الثالثة بشأن التنمية في سبتمبر/أيلول 2000، والذي تضمن ثمانية أهداف أساسية تصبو إليها البشرية، من أجل عيش أفضل، تحققها الدول خلال الفترة الممتدة بين 2000 - 2015: القضاء على الفقر المدقع والجوع، تحقيق تعميم التعليم الابتدائي، تعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة، خفض معدلات وفيات الأطفال دون الخامسة، تحسين صحة الأمهات، مكافحة مرض نقص المناعة " الإيدز " والملاريا وغيرهما من الأمراض، ضمان الاستدامة البيئية وتطوير شراكة دولية من أجل التنمية.
فلا مناص لأفريقيا من مواجهة هذه التحديات بجدية تامة، ونظرة مستقبلية ثاقبة، وإعمال للإرادة الجماعية التي تصمم على تحويل وضع القارة من مظاهر الفقر والمرض والصراعات المسلحة إلى واقع يسعى إلى التنمية المستدامة، ويحارب الفقر، ويرسي قواعد السلام والديمقراطية وحقوق الإنسان.
معوّقات التنمية في أفريقيا
هناك عقبات وعراقيل وصعوبات تحول دون إعمال الحق في التنمية سواء في المجتمع الدولي أو في الدول الأفريقية، إذ أنّ النظام الدولي ما زال يستخدم المؤسسات الدولية ويتحكم بالعلاقات الاقتصادية الدولية وترتيب المصالح والنفوذ والقوة، أي علاقات الهيمنة التي يعاني منها ملايين البشر وعدد كبير من الشعوب التي ترزح تحت نير التبعية والهيمنة.
أما أهم معوقات التنمية على المستوى الأفريقي، فهي: الفقر والفساد الإداري، وغياب الحريات الديمقراطية، وتهميش دور المرأة، وانخفاض مستوى التعليم والثقافة بما في ذلك استمرار تفشي ظاهرة الأمية، وتجاهل حقوق الأقليات وعدم الاعتراف بها.
إنّ أهم معوّق ستواجهه أفريقيا، خلال الأعوام القادمة، هو تأثير التغيّرات المناخية، خاصة ازدياد حدة موجات الجفاف والفيضانات والكوارث الطبيعية وشح المياه. ومن الأخطار أيضاً تزايد عدد اللاجئين في أفريقيا والذين يقدر عددهم بين سبعة وعشرة ملايين لاجئ، إضافة إلى أخطار المجاعات والكوارث الطبيعية والأوبئة. كما يتم الحديث في هذا السياق عن الديون الخارجية التي تثقل كاهل أفريقيا، والتي تصل خدمتها إلى ما يعادل 30 إلى 40 في المائة من إجمالي الدخل القومي.
ويبدو أنّ صعوبة التفاوض السياسي بين القوى المتصارعة، لإعادة توزيع الاستحقاقات الاجتماعية على وجه الخصوص والمكانة السياسية في المجتمع بوجه عام، يعتبر أحد أهم العوائق أمام التنمية في أفريقيا. وثمة إجماع في الرأي، من جانب عدد من الخبراء المعنيين بالشؤون الأفريقية، أنّ أبرز أسباب إهدار إفريقيا لفرص التقدم هي: غياب النظم الديمقراطية، وغياب نظم الحكم الرشيدة في العديد من الدول الأفريقية، مما أدى إلى تفشّي: الفساد، والقبلية، والنزاعات العرقية التي عبرت عن نفسها في سلسلة جهنمية من الصراعات العرقية والحروب الأهلية التي دمرت إمكانيات التقدم. وفي ظل هذه الأوضاع المتردية، لم تجد النخب الأفريقية سبيلا للحياة سوى بالهجرة إلى الخارج، وهو ما يعرف باسم هجرة العقول، ولا جدال في أنّ مثل هذه الهجرة تقلص عدد الكوادر المتعلمة القادرة على المشاركة الفعالة في تنمية الأقطار الأفريقية.
مستقبل التنمية في أفريقيا
القارة الأفريقية لديها من الموارد الطبيعية والمواد الخام والأنهار إلى جانب الأراضي الصالحة للزراعة ما يجعلها من أغنى القارات, إلا أنّ ما ينقصها هو التصنيع والاعتماد على الإنتاج الزراعي للقارة. وفي هذا السياق يبدو أنّ المطلوب مقاربة شاملة، حيث يلتقي الدور الدولي بالدور الإقليمي بالدور الوطني، لبلورة شراكة استراتيجية لإنقاذ أفريقيا.
ومن الملح أن تعيد الدول الأفريقية النظر في سياساتها الزراعية، ليس فقط لتكون قادرة على تغذية سكانها، إنما أيضا لتكون في وضع يسمح لها بالدخول فعلياً في مجال التنافس في السوق الدولية، مما يتطلب رفع الإنتاجية الزراعية وضخ المزيد من الاستثمارات لتحسين التربة والحد من تدهورها وتنمية خصوبتها واستصلاح المزيد من الأراضي, بالإضافة إلى الاهتمام بتحسين إدارة الموارد المائية، مع ضرورة توفير الأسمدة والمبيدات بوفرة.
وفي عالم يقوم علي المنافسة التنموية والانفتاح العالمي, لا يمكن إنجاز التنمية المستدامة والمتجددة إلا بمشاركة جميع القوى في المجتمع خاصة الطبقات الفقيرة، مما يتطلب:
(1) - محو أمية أفراد الطبقات الفقيرة ليس فقط أبجدياً وحسابياً وإنما من خلال تطعيم برامجها بمكون سلوكي تطبيقي وعملي يتصل بمتطلبات العمل والإنتاج والحياة وتعاملاتها .
(2) - تحسين التعليم الفني والتدريب الحرفي وتضمين التعليم العام مهارات حرفية ومهنية ترتبط باحتياجات سوق العمل.
(3) - تحسين وتطوير نظم المشروعات الصغيرة, بتوجيه السياسات الاقتصادية والاستثمارات للأخذ بيدها ودعم قدراتها ومساعدتها على الاندماج في القطاعات الإنتاجية, فهذه المشروعات الصغيرة هي الأكثر قدرة على امتصاص واستيعاب فائض العمالة الذي تئن منه أغلب الدول الأفريقية.
(4) - تحسين الخدمات الصحية والتعليمية الموجهة للمناطق التي يقطنها الفقراء, بما يؤهلها ويهيئ لها أن تقوم بدورها الإنتاجي والمشاركة في التنمية.
(5) - تشجيع وتحفيز المشروعات الكبيرة والمتوسطة على القيام بدورها الاجتماعي والتنموي لتحسين قدرات وفرص الأخذ بيد الطبقات الفقيرة, من خلال الحوافز الضريبية والمؤسسية.
(6) - تنمية قيم الضبط الاجتماعي والمؤسسي, وتوظيفها لتحقيق تضافر التجمعات الفقيرة, فرأس المال الاجتماعي التي تملكه التجمعات الفقيرة يمكن أن يتم تنميته بالتوعية وبالحوافز الإنتاجية والاقتصادية وبالمشاركة المجتمعية.
(7) - التمكين السياسي للفقراء, من خلال تنمية وعيهم السياسي, وتفعيل مشاركتهم وانخراطهم في الانتخابات وفي العمل السياسي, وتنمية انتمائهم إلى تيارات وتجمعات ومؤسسات أهلية وأحزاب تتبنى قضاياهم وتدافع عن مصالحهم, ومن خلال تنمية تضامنهم وتضافر جهودهم في مواقف وأعمال ومشروعات جماعية ترفع من قوة تأثيرهم على واقعهم الفئوي والمحلي والقومي.
إنّ المطالب، الموصوفة أعلاه، تستند إلى تقليص أنشطة الإنفاق غير المنتج والتضخم في الجهاز الحكومي وفي تحجيم الفساد ودور الأنشطة غير المنتجة، وفي توليد الدخل, وإلى تعظيم دور الأنشطة والعمليات المنتجة خاصة التحويلية.
ضرورة الخطط التنموية
ما لم توضع السياسات التنموية الأفريقية الجديدة لتسريع الحلول لمشاكل الجوع والفقر والبطالة، التي فتحت الأبواب للعديد من الكوارث الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأخلاقية، وما لم تعود العدالة لتسود وتقود في جميع المجالات بين الدول والجماعات والأفراد، فإنّ أفريقيا تسير نحو المجهول.
إنّ الأمر المشجع في أفريقيا اليوم هو مشاهدة الكثير من الأشخاص الناشطين والموهوبين يتحملون مسؤولياتهم في جميع أنحاء القارة مستصحبين الذكاء والاستعداد للعمل الشاق، ولنتأمل هنا ثلاثة ميول تاريخية كبرى: أولها، أنّ عدد الأنظمة الديمقراطية في أفريقيا في العام 1989 لم يكن يتجاوز الأربعة، أما اليوم فقد ارتفع ذلك الرقم إلى ثمانية عشر. وثانيها، التحسن الذي طرأ على السياسة الاقتصادية، فقد ولت، باستثناءات ضئيلة، أيام أسعار الصرف المزدوجة، ومعدلات التضخم الهائلة، والحواجز التجارية المكثفة. وثالثها، التوصل أخيراً إلى حل لأزمة الديون في كثير من البلدان الأفريقية، والتي دامت ربع قرن من الزمان. الأمر الذي سمح لحكومات هذه البلدان بضخ قدر أعظم من الاستثمارات في الصحة، والتعليم، والبنية الأساسية.
وتتداخل هذه الميول الثلاثة في مجموعة تتألف من نحو خمسة عشر بلداً أفريقياً تبدي التزاماً قوياً بالحكم المسؤول والسياسات الاقتصادية العقلانية، وتحرص هذه الدول على التحاق المزيد من أطفالها بالمدارس، ومكافحة الأمراض، وتوفير الفرص الاقتصادية الجديدة للفقراء.
وفي الواقع، من أجل تحقيق التنمية المستدامة والقضاء على الفقر وإقامة المؤسسات الديمقراطية المستقرة، فإنّ أفريقيا بحاجة إلى إصلاح نظم الحكم فيها، وتحقيق الشفافية والاستقرار من أجل تشجيع الدول المانحة والاستثمارات الدولية. ولابد من تأكيد أنّ المسئولية الرئيسية تقع على عاتق الأفارقة أنفسهم، وذلك بالقضاء على الفساد الذي ينخر في جسد الكثير من الأنظمة الحاكمة، وتحقيق التنمية باستغلال الثروات الكامنة فيها والقضاء على الأمراض وفض المنازعات الداخلية فيما بينها، وذلك عن طريق اتخاذ الخطوات الجادة نحو الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي يعبر عن طموحات وآمال الشعوب الأفريقية.
إنّ نجاح الخطط التنموية الأفريقية ومواجهة تحديات العولمة واقتناص فرصها، يتطلبان توفير شروط كثيرة، تأتي في مقدمتها توفير مؤسسات ديمقراطية تمكّن المواطنين الأفارقة من المشاركة في صياغة مستقبل وطنهم والمفاضلة، بحرية ووعي واستقلالية، بين الخيارات التنموية المتاحة وطرق ووسائل بلوغها، وبالتالي إجراء مفاضلة صحيحة بين الأعباء والمردودية المتوقعة لكل من هذه الخيارات.
مما يتطلب ضرورة الانطلاق من: رفع مستوى الأداء الاقتصادي، أي رفع مستوى الإنتاجية وزيادة حجم الإنتاج القومي، ضمن نمط قطاعي متوازن قدر الإمكان. وإتاحة المزيد من السلع والخدمات التي تلبي الحاجات الأساسية للشعوب الأفريقية، مع توفير فرص العمالة المنتجة ومحاولة خفض البطالة، المكشوفة والمقنّعة، وتعبئة المزيد من الموارد البشرية بما يؤدي إلى تأمين المزيد من القدرة الشرائية في يد العدد الأكبر من المواطنين. إضافة إلى إصلاح نمط توزيع الدخل داخل الأقطار الأفريقية، وتقليص الفجوة التنموية بين الأقطار الأفريقية، جنباً إلى جنب مع تطوير قدرة البيئة الاجتماعية والثقافية والسياسية، بحيث تستطيع أن توفر للاقتصاد الأفكار والمعارف والمواقف والمؤسسات الضرورية للتحرك الاقتصادي بكفاءة، بحيث يكون نموه وتحسن أدائه متواصلاً، وأخيراً وبمواكبة كل ذلك تحقيق مشاركة شعبية واسعة، واتخاذ القرارات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المتصلة باستراتيجيات وسياسات التنمية.
إنّ إنهاء تهميش وتمزق وتفكك أفريقيا، على كل المستويات، لا يكون إلا باندماج الدول الصغيرة في وحدات اقتصادية أكبر وأكثر قوة وأشد حيوية للنمو والبناء. ولا شك في أنّ مستقبل القارة الأفريقية مرتبط بخروجها من المأزق الاقتصادي الذي تواجهه، إذ أن عبور القارة من عنق الزجاجة سيضعها في موقع أفضل اقتصادياً واجتماعياً وبالتالي سياسياً وثقافياً.
إنّ أفريقيا لا تحتاج إلى قواعد عسكرية، إنما إلى تنمية حقيقية، بشرية واقتصادية وثقافية واجتماعية. تحتاج إلى أموال لاستثمارها بوعي ومعرفة في ما يفيد الإنسان الأفريقي، تحتاج إلى أدوية لمكافحة الملاريا والإيدز وعمى العيون، تحتاج إلى تعليم ينقلها من حال البؤس إلى مرحلة الانطلاق.
وتمثل مساحتها خمس مساحة أراضي العالم، إذ تبلغ أكثر من 30 مليون كلم مربع. ولكن 6 في المائة فقط من أراضيها مزروعة، وتغطي الغابات ربع مساحتها. والقارة غنية بالمعادن والنفط. وشعوب القارة الأفريقية متنوعة جدا، إذ يتكلم الأفارقة حوالي ألف لغة متميزة، إذ أنّ لكل من القبائل الكبرى لغتها الخاصة. كما أنّ التداخل القبلي في ما وراء الصحراء يسهّل إثارة الصراعات المحلية. وعندما نالت معظم دول القارة استقلالها في ستينيات القرن الماضي، لم يكن لديها الخبرة والكفاءات الإدارية والعلمية لإدارة الحكم في معظم دولها.
إنّ عام 2002 يمثل تحولاً كبيراً على مستوى النظام الإقليمي في أفريقيا, إذ حدثت عملية التحول من منظمة الوحدة الأفريقية إلى الاتحاد الأفريقي, وهي العملية التي بدأت منذ قمة سرت الليبية في سبتمبر/أيلول 1999. ومثلت قمة ديربان في جنوب أفريقيا علامة فاصلة في هذا الإطار, إذ صدر عنها إعلان ديربان في11 يوليو/تموز 2002 معلنا قيام الاتحاد الأفريقي مع إقرار اللوائح والإجراءات الخاصة بالأجهزة الرئيسية الأولى التي بدأ بها الاتحاد.
المعطيات الاقتصادية والاجتماعية لأفريقيا
إنّ أهم ما يعيب الاقتصاديات الأفريقية هو عدم تنوعها وتركيزها على سلع قليلة وتأخر أساليب الإنتاج، وتعتبر منطقة شمال أفريقيا أهم المناطق الاقتصادية حيث تساهم بنسبة 41 في المائة من الدخل القومي للقارة، مقابل 17 في المائة لغرب أفريقيا، و5.3 في المائة لوسطها، و8.4 في المائة لشرقها، و28.3 في المائة لمنطقة الجنوب الأفريقي.
وتحتل القارة الأفريقية موقعاً مهماً في خريطة النفط العالمية، إذ بلغ إنتاجها اليومي نحو 10.282 مليون برميل عام 2005، بنسبة 12.1 في المائة من إجمالي الإنتاج العالمي الذي بلغ نحو 84.615 مليون برميل يومياً في العام نفسه، أما احتياطات القارة فقد ارتفعت من نحو 100 بليون برميل عام 2005 إلى 102 بليون برميل عام 2006. ومع معدل تشمس يومي يتراوح بين 5 و7 كيلو واط في الساعة للمتر المربع الواحد، تجد أفريقيا نفسها في موقع مرموق في مجال الطاقة الشمسية.
أما في قطاع الزراعة فيعمل فيه أكثر من 70 في المائة من القوى العاملة ويساهم بما يقدر بنحو 30 في المائة من الإنتاج القومي الكلي للقارة، ومع ذلك فإنّ المزارعين الأفارقة هم أكثر فئات المجتمع فقراً. ولا تتعدى صادرات البضائع الأفريقية نسبة 0.68 في المائة من التجارة العالمية.
45 في المائة من السكان يعيشون تحت خط الفقر أو بأقل من دولار يومياً، والناتج الداخلي العام للقارة يمثل واحداً في المائة من الناتج الداخلي العام العالمي في حين أنّ نسبة السكان هي 11 في المائة من سكان العالم.
تحديات التنمية في أفريقيا
منذ مطلع القرن الحالي والقارة الأفريقية تشهد صراعاً محتدماً في الأفكار والتوجهات, بحثاً عن الموقع الصحيح على خريطة هذا العصر في ميادين النهضة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. ومن هذا المدخل تبلورت قائمة من التحديات الكبرى: مكافحة الفقر المدقع الذي تعاني منه كثيراً شعوب أفريقيا جنوب الصحراء, وضرورة وقف الحروب الأهلية والصراعات المسلحة من أجل إحلال السلام والاستقرار, وما يستتبعه ذلك من بيئة تصون حقوق الإنسان وتحفّز على الإنتاج والإبداع والاستثمار ( تقدر منظمة الإغاثة الإنسانية البريطانية " أوكسفام " في تقرير نشرته في أكتوبر/تشرين الأول 2007 أنّ كلفة هذه النزاعات بلغت خلال الفترة 1990 إلى 2005 نحو 300 مليار دولار شملت 23 بلداً أفريقياً، وهو حجم يساوي تقريباً حجم كل المساعدات المالية والاقتصادية التي تلقتها هذه البلدان في الفترة نفسها ).
أما التحدي الأبرز فهو التخلص من الثلاثي المدمر المتمثل في مرض الإيدز ومرض الملاريا ومرض السل الرئوي, إذ يشكل الإيدز أخطر مكونات هذا الثالوث الماحق, وتشير بعض التقديرات إلى أنّ أكثر من 25 في المائة من القوة العاملة قد تُفقد - بسبب الإيدز - بحلول عام 2020 في بعض الدول الأفريقية.
ومن أهم التحديات أيضاً: الديمقراطية والحكم الصالح، بما ينطوي عليه من توسيع المشاركة الشعبية في عملية صنع القرارات، وتكريس سيادة القانون، وتوفير الآليات الفعالة التي يمكن للمواطنين من خلالها ممارسة حقوقهم، وتمكينهم من الحصول على المعلومات والبيانات الضرورية لفهم الواقع والتأثير فيه.
ومن المؤكد أنّ لا مستقبل لأفريقيا ما لم يرتقِ التعليم ويتطور حتى يواكب متغيّرات العصر في جميع الحقول، مما يتطلب ضرورة الانخراط الواعي والمدروس في مسيرة التحولات العالمية الكبرى ممثلة في ثورة المعلومات والاتصالات.
وبعد أن تبنّت الأمم المتحدة إعلان الألفية الثالثة بشأن التنمية في سبتمبر/أيلول 2000، والذي تضمن ثمانية أهداف أساسية تصبو إليها البشرية، من أجل عيش أفضل، تحققها الدول خلال الفترة الممتدة بين 2000 - 2015: القضاء على الفقر المدقع والجوع، تحقيق تعميم التعليم الابتدائي، تعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة، خفض معدلات وفيات الأطفال دون الخامسة، تحسين صحة الأمهات، مكافحة مرض نقص المناعة " الإيدز " والملاريا وغيرهما من الأمراض، ضمان الاستدامة البيئية وتطوير شراكة دولية من أجل التنمية.
فلا مناص لأفريقيا من مواجهة هذه التحديات بجدية تامة، ونظرة مستقبلية ثاقبة، وإعمال للإرادة الجماعية التي تصمم على تحويل وضع القارة من مظاهر الفقر والمرض والصراعات المسلحة إلى واقع يسعى إلى التنمية المستدامة، ويحارب الفقر، ويرسي قواعد السلام والديمقراطية وحقوق الإنسان.
معوّقات التنمية في أفريقيا
هناك عقبات وعراقيل وصعوبات تحول دون إعمال الحق في التنمية سواء في المجتمع الدولي أو في الدول الأفريقية، إذ أنّ النظام الدولي ما زال يستخدم المؤسسات الدولية ويتحكم بالعلاقات الاقتصادية الدولية وترتيب المصالح والنفوذ والقوة، أي علاقات الهيمنة التي يعاني منها ملايين البشر وعدد كبير من الشعوب التي ترزح تحت نير التبعية والهيمنة.
أما أهم معوقات التنمية على المستوى الأفريقي، فهي: الفقر والفساد الإداري، وغياب الحريات الديمقراطية، وتهميش دور المرأة، وانخفاض مستوى التعليم والثقافة بما في ذلك استمرار تفشي ظاهرة الأمية، وتجاهل حقوق الأقليات وعدم الاعتراف بها.
إنّ أهم معوّق ستواجهه أفريقيا، خلال الأعوام القادمة، هو تأثير التغيّرات المناخية، خاصة ازدياد حدة موجات الجفاف والفيضانات والكوارث الطبيعية وشح المياه. ومن الأخطار أيضاً تزايد عدد اللاجئين في أفريقيا والذين يقدر عددهم بين سبعة وعشرة ملايين لاجئ، إضافة إلى أخطار المجاعات والكوارث الطبيعية والأوبئة. كما يتم الحديث في هذا السياق عن الديون الخارجية التي تثقل كاهل أفريقيا، والتي تصل خدمتها إلى ما يعادل 30 إلى 40 في المائة من إجمالي الدخل القومي.
ويبدو أنّ صعوبة التفاوض السياسي بين القوى المتصارعة، لإعادة توزيع الاستحقاقات الاجتماعية على وجه الخصوص والمكانة السياسية في المجتمع بوجه عام، يعتبر أحد أهم العوائق أمام التنمية في أفريقيا. وثمة إجماع في الرأي، من جانب عدد من الخبراء المعنيين بالشؤون الأفريقية، أنّ أبرز أسباب إهدار إفريقيا لفرص التقدم هي: غياب النظم الديمقراطية، وغياب نظم الحكم الرشيدة في العديد من الدول الأفريقية، مما أدى إلى تفشّي: الفساد، والقبلية، والنزاعات العرقية التي عبرت عن نفسها في سلسلة جهنمية من الصراعات العرقية والحروب الأهلية التي دمرت إمكانيات التقدم. وفي ظل هذه الأوضاع المتردية، لم تجد النخب الأفريقية سبيلا للحياة سوى بالهجرة إلى الخارج، وهو ما يعرف باسم هجرة العقول، ولا جدال في أنّ مثل هذه الهجرة تقلص عدد الكوادر المتعلمة القادرة على المشاركة الفعالة في تنمية الأقطار الأفريقية.
مستقبل التنمية في أفريقيا
القارة الأفريقية لديها من الموارد الطبيعية والمواد الخام والأنهار إلى جانب الأراضي الصالحة للزراعة ما يجعلها من أغنى القارات, إلا أنّ ما ينقصها هو التصنيع والاعتماد على الإنتاج الزراعي للقارة. وفي هذا السياق يبدو أنّ المطلوب مقاربة شاملة، حيث يلتقي الدور الدولي بالدور الإقليمي بالدور الوطني، لبلورة شراكة استراتيجية لإنقاذ أفريقيا.
ومن الملح أن تعيد الدول الأفريقية النظر في سياساتها الزراعية، ليس فقط لتكون قادرة على تغذية سكانها، إنما أيضا لتكون في وضع يسمح لها بالدخول فعلياً في مجال التنافس في السوق الدولية، مما يتطلب رفع الإنتاجية الزراعية وضخ المزيد من الاستثمارات لتحسين التربة والحد من تدهورها وتنمية خصوبتها واستصلاح المزيد من الأراضي, بالإضافة إلى الاهتمام بتحسين إدارة الموارد المائية، مع ضرورة توفير الأسمدة والمبيدات بوفرة.
وفي عالم يقوم علي المنافسة التنموية والانفتاح العالمي, لا يمكن إنجاز التنمية المستدامة والمتجددة إلا بمشاركة جميع القوى في المجتمع خاصة الطبقات الفقيرة، مما يتطلب:
(1) - محو أمية أفراد الطبقات الفقيرة ليس فقط أبجدياً وحسابياً وإنما من خلال تطعيم برامجها بمكون سلوكي تطبيقي وعملي يتصل بمتطلبات العمل والإنتاج والحياة وتعاملاتها .
(2) - تحسين التعليم الفني والتدريب الحرفي وتضمين التعليم العام مهارات حرفية ومهنية ترتبط باحتياجات سوق العمل.
(3) - تحسين وتطوير نظم المشروعات الصغيرة, بتوجيه السياسات الاقتصادية والاستثمارات للأخذ بيدها ودعم قدراتها ومساعدتها على الاندماج في القطاعات الإنتاجية, فهذه المشروعات الصغيرة هي الأكثر قدرة على امتصاص واستيعاب فائض العمالة الذي تئن منه أغلب الدول الأفريقية.
(4) - تحسين الخدمات الصحية والتعليمية الموجهة للمناطق التي يقطنها الفقراء, بما يؤهلها ويهيئ لها أن تقوم بدورها الإنتاجي والمشاركة في التنمية.
(5) - تشجيع وتحفيز المشروعات الكبيرة والمتوسطة على القيام بدورها الاجتماعي والتنموي لتحسين قدرات وفرص الأخذ بيد الطبقات الفقيرة, من خلال الحوافز الضريبية والمؤسسية.
(6) - تنمية قيم الضبط الاجتماعي والمؤسسي, وتوظيفها لتحقيق تضافر التجمعات الفقيرة, فرأس المال الاجتماعي التي تملكه التجمعات الفقيرة يمكن أن يتم تنميته بالتوعية وبالحوافز الإنتاجية والاقتصادية وبالمشاركة المجتمعية.
(7) - التمكين السياسي للفقراء, من خلال تنمية وعيهم السياسي, وتفعيل مشاركتهم وانخراطهم في الانتخابات وفي العمل السياسي, وتنمية انتمائهم إلى تيارات وتجمعات ومؤسسات أهلية وأحزاب تتبنى قضاياهم وتدافع عن مصالحهم, ومن خلال تنمية تضامنهم وتضافر جهودهم في مواقف وأعمال ومشروعات جماعية ترفع من قوة تأثيرهم على واقعهم الفئوي والمحلي والقومي.
إنّ المطالب، الموصوفة أعلاه، تستند إلى تقليص أنشطة الإنفاق غير المنتج والتضخم في الجهاز الحكومي وفي تحجيم الفساد ودور الأنشطة غير المنتجة، وفي توليد الدخل, وإلى تعظيم دور الأنشطة والعمليات المنتجة خاصة التحويلية.
ضرورة الخطط التنموية
ما لم توضع السياسات التنموية الأفريقية الجديدة لتسريع الحلول لمشاكل الجوع والفقر والبطالة، التي فتحت الأبواب للعديد من الكوارث الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأخلاقية، وما لم تعود العدالة لتسود وتقود في جميع المجالات بين الدول والجماعات والأفراد، فإنّ أفريقيا تسير نحو المجهول.
إنّ الأمر المشجع في أفريقيا اليوم هو مشاهدة الكثير من الأشخاص الناشطين والموهوبين يتحملون مسؤولياتهم في جميع أنحاء القارة مستصحبين الذكاء والاستعداد للعمل الشاق، ولنتأمل هنا ثلاثة ميول تاريخية كبرى: أولها، أنّ عدد الأنظمة الديمقراطية في أفريقيا في العام 1989 لم يكن يتجاوز الأربعة، أما اليوم فقد ارتفع ذلك الرقم إلى ثمانية عشر. وثانيها، التحسن الذي طرأ على السياسة الاقتصادية، فقد ولت، باستثناءات ضئيلة، أيام أسعار الصرف المزدوجة، ومعدلات التضخم الهائلة، والحواجز التجارية المكثفة. وثالثها، التوصل أخيراً إلى حل لأزمة الديون في كثير من البلدان الأفريقية، والتي دامت ربع قرن من الزمان. الأمر الذي سمح لحكومات هذه البلدان بضخ قدر أعظم من الاستثمارات في الصحة، والتعليم، والبنية الأساسية.
وتتداخل هذه الميول الثلاثة في مجموعة تتألف من نحو خمسة عشر بلداً أفريقياً تبدي التزاماً قوياً بالحكم المسؤول والسياسات الاقتصادية العقلانية، وتحرص هذه الدول على التحاق المزيد من أطفالها بالمدارس، ومكافحة الأمراض، وتوفير الفرص الاقتصادية الجديدة للفقراء.
وفي الواقع، من أجل تحقيق التنمية المستدامة والقضاء على الفقر وإقامة المؤسسات الديمقراطية المستقرة، فإنّ أفريقيا بحاجة إلى إصلاح نظم الحكم فيها، وتحقيق الشفافية والاستقرار من أجل تشجيع الدول المانحة والاستثمارات الدولية. ولابد من تأكيد أنّ المسئولية الرئيسية تقع على عاتق الأفارقة أنفسهم، وذلك بالقضاء على الفساد الذي ينخر في جسد الكثير من الأنظمة الحاكمة، وتحقيق التنمية باستغلال الثروات الكامنة فيها والقضاء على الأمراض وفض المنازعات الداخلية فيما بينها، وذلك عن طريق اتخاذ الخطوات الجادة نحو الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي يعبر عن طموحات وآمال الشعوب الأفريقية.
إنّ نجاح الخطط التنموية الأفريقية ومواجهة تحديات العولمة واقتناص فرصها، يتطلبان توفير شروط كثيرة، تأتي في مقدمتها توفير مؤسسات ديمقراطية تمكّن المواطنين الأفارقة من المشاركة في صياغة مستقبل وطنهم والمفاضلة، بحرية ووعي واستقلالية، بين الخيارات التنموية المتاحة وطرق ووسائل بلوغها، وبالتالي إجراء مفاضلة صحيحة بين الأعباء والمردودية المتوقعة لكل من هذه الخيارات.
مما يتطلب ضرورة الانطلاق من: رفع مستوى الأداء الاقتصادي، أي رفع مستوى الإنتاجية وزيادة حجم الإنتاج القومي، ضمن نمط قطاعي متوازن قدر الإمكان. وإتاحة المزيد من السلع والخدمات التي تلبي الحاجات الأساسية للشعوب الأفريقية، مع توفير فرص العمالة المنتجة ومحاولة خفض البطالة، المكشوفة والمقنّعة، وتعبئة المزيد من الموارد البشرية بما يؤدي إلى تأمين المزيد من القدرة الشرائية في يد العدد الأكبر من المواطنين. إضافة إلى إصلاح نمط توزيع الدخل داخل الأقطار الأفريقية، وتقليص الفجوة التنموية بين الأقطار الأفريقية، جنباً إلى جنب مع تطوير قدرة البيئة الاجتماعية والثقافية والسياسية، بحيث تستطيع أن توفر للاقتصاد الأفكار والمعارف والمواقف والمؤسسات الضرورية للتحرك الاقتصادي بكفاءة، بحيث يكون نموه وتحسن أدائه متواصلاً، وأخيراً وبمواكبة كل ذلك تحقيق مشاركة شعبية واسعة، واتخاذ القرارات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المتصلة باستراتيجيات وسياسات التنمية.
إنّ إنهاء تهميش وتمزق وتفكك أفريقيا، على كل المستويات، لا يكون إلا باندماج الدول الصغيرة في وحدات اقتصادية أكبر وأكثر قوة وأشد حيوية للنمو والبناء. ولا شك في أنّ مستقبل القارة الأفريقية مرتبط بخروجها من المأزق الاقتصادي الذي تواجهه، إذ أن عبور القارة من عنق الزجاجة سيضعها في موقع أفضل اقتصادياً واجتماعياً وبالتالي سياسياً وثقافياً.
إنّ أفريقيا لا تحتاج إلى قواعد عسكرية، إنما إلى تنمية حقيقية، بشرية واقتصادية وثقافية واجتماعية. تحتاج إلى أموال لاستثمارها بوعي ومعرفة في ما يفيد الإنسان الأفريقي، تحتاج إلى أدوية لمكافحة الملاريا والإيدز وعمى العيون، تحتاج إلى تعليم ينقلها من حال البؤس إلى مرحلة الانطلاق.