صفحة 1 من 1

التطور الديمقراطي ومقومات التنمية السياسية .

مرسل: الثلاثاء يوليو 24, 2012 7:00 pm
بواسطة عبدالرحمن الزبن
إنّ عملية التنمية السياسية بوجه عام تخلق الظروف والشروط الملائمة للتطور الديمقراطي، فالتنمية السياسية تهدف في النهاية إلى بناء النظام السياسي، وإجراء عمليات التحديث عليه ليصبح نظاماً عصرياً ومتطوراً وديمقراطياً، فالتنمية السياسية بذلك تفترض التخلص من بقايا السلطات التقليدية بخصائصها التي لم تعد تناسب البناء الجديد، وهذه الحالة تتطلب وجود عملية مواجهة مستمرة مع البقايا الراسخة التي ما تزال تؤثر سلباً في اتجاهات الأفراد والمجتمع.
ومثال على ذلك، لابدّ من قيام بعملية نفسية وإجرائية لجعل الأفراد يؤمنون بأن الحكومة هي آلية من آليات تحقيق أهدافهم ومصالحهم وطموحاتهم(1). وهنا من المفروض أن يتسع المجال للتغيير المؤسسي واستمرارية تغيير النظام السياسي، بحيث يكون لدى الأفراد القابلية للموافقة على الأشكال الجديدة للسلطة التنظيمات والطرق الجديدة لتداول السلطة.
ومن أجل التطبيق الفعلي للديمقراطية يجب التركيز على مقومات التنمية السياسية، ونذكر منها:
1- المشاركة السياسية.
2- التعددية السياسية.
3- التداول السلمي للسلطة.
4- حماية واحترام حقوق الإنسان.
وسنأتي لاحقاً إلى توضيح هذه المقومات وبشكل مختصر، وسنبين دورها في تحقيق الديمقراطية والمساواة بين أفراد المجتمع.
أولاً: المشاركة السياسية
المفهوم العام والبسيط للمشاركة السياسية هو حق المواطن في أن يؤدي دوراً معيناً في عملية صنع القرارات السياسية، هذا في أوسع معانيها، وفي أضيق معانيها تعني حق ذلك المواطن في أن يراقب تلك القرارات بالتقويم والضبط عقب صدورها من الحاكم(2)، وهي تعني، عند صموئيل هنتنكتون وجون نيلسون، "ذلك النشاط الذي يقوم به المواطنون العاديون بقصد التأثير في عملية صنع قرار الحكومة، سواء أكان هذا النشاط فردياً أو جماعياً، منظماً أو عفوياً، متواصلاً أو منقطعاً، سلمياً أم عنيفاَ، شرعياً أو غير شرعي، فعالاً أم غير فعال"(3)، وهذا ما ذهب إليه د.عبدالمنعم المشاط، حيث عرّفها بأنها "شكل من الممارسة السياسية يتعلق ببنية النظام السياسي وآليات عملياتهُ المختلفة، إذ يكمن موقعها داخل النظام السياسي في المدخلات سواء كانت التأييد والمساندة أو المعارضة، ولكنها تستهدف تغيير مخرجات النظام السياسي بالصورة التي تلاءم مطالب الأفراد والجماعات الذين يقدمون عليها"(4).
والمعنى الأكثر تداولاً لمفهوم المشاركة السياسية هو "قدرة المواطن على التعبير العلني والتأثير في اتخاذ القرارات سواء بشكل مباشر أو عن طريق ممثلين يفعلون ذلك"(5).
وهناك نفراً من الباحثين استخدم مفهوم المشاركة السياسية بمعنى "أن تصدر القرارات العليا تعبيراً عن رغبة المجتمع، ولهذا تتطلب الأمور ظهور التنفيذ النيابي، ونظم الانتخابات والاستفتاء والاستعانة بالخبراء"(6).
إنّ العملية السياسية تتم عن طريق ممارسة أعداد كبيرة من اللاصفوة السياسية، العمل السياسي والاندماج السايكلوجي في العملية السياسية(7)، وهذا يعني إشراك الجميع بغض النظر عن انتماءاتهم الأثنية والعرقية في الحياة السياسية العامة، وتمكينهم من أن يلعبوا دوراً واضحاً في العملية السياسية، أي تكون السلطة عن طريق التمثيل فيها(8).
وتعتبر المشاركة السياسية بُعداً أساسياً من أبعاد التنمية البشرية، حيث عرّفها إعلان "الحق في التنمية" الذي أقرتهُ الأمم المتحدة عام 1986 عملية التنمية بأنها عملية متكاملة ذات أبعاد اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية، تهدف إلى تحقيق التحسن المتواصل لرفاهية كل السكان وكل الأفراد، التي يمكن عن طريقها أعمال حقوق الإنسان وحرياتهُ الأساسية(9).
يتضح مما سبق إنّ العلاقة بين المشاركة السياسية والتنمية البشرية، هو إن الأولى لازمة لتحقيق الثانية، إذ لا يمكن تحقيق أهداف التنمية، بدون مشاركة فعلية وحقيقية من قبل شرائح المجتمع وبمختلف انتماءاتهم الأثنية والإقليمية والاجتماعية.
وعليهِ يمكن القول إن المشاركة السياسية تعتبر المظهر الرئيسي للديمقراطية، حيث إن ازدياد المشاركة السياسية من قبل الشعب في العملية السياسية يمثل التعبير الحقيقي عن الديمقراطية، ولكن من أجل تحقيق مشاركة سياسية فعالة يتطلب تواجد مجموعة من الشروط لتحقيق ذلك، منها رفع درجة الوعي الإسلامي من خلال القضاء على الأمية والتخلف، وحرية وسائل الإعلام، وحرية الرأي والتعبير، وتقوية وتفعيل التنظيمات السياسية الوسيطة من الأحزاب وجماعات مصالح وجماعات ضغط وتفعيل دور المؤسسات والهيئات في الدولة، كمؤسسات المجتمع المدني باعتبارها أداة مهمة من أدواة مراقبة أعمال الحكومة، وتحقيق الانتعاش الاقتصادي داخل المجتمع، وبناء المؤسسات السياسية القادرة على استيعاب القوى السياسية الراغبة في المشاركة السياسية، وعند توفير الشروط المذكورة آنفاً فمن الممكن الحديث عن وجود مشاركة سياسية فعالة من قبل الجماهير، وهذه المشاركة سوف تعود على المجتمع بعدة فوائد يمكن استخلاصها في هذا الصدد كما يلي(10):
1. إنّ المشاركة تعني تحقيق مساهمة أوسع للشعب في رسم السياسات العامة وصنع القرارات واتخاذها وتنفيذها.
2. إنّ المشاركة تعني إعادة هيكلة وتنظيم بنية النظام السياسي ومؤسساتهُ وعلاقته بما يتلاءم وصيغة المشاركة الأوسع للشعب في العملية السياسية وفعالياتها.
3. إنّ المشاركة السياسية أضحت أحد المعايير الرئيسية لشرعية السلطة السياسية في أي مجتمع.
4. إنّ المشاركة السياسية توفر للسلطة فرص التعرف على رأي الشعب ورغباته واتجاهاته.
5. إنّ المشاركة السياسية توفر الأمن والاستقرار داخل المجتمع.
6. إنّ المشاركة السياسية تمثل الإرادة العامة للشعب.
7. إنّ المشاركة السياسية تعني القضاء على الاستبداد والتسلط والانفراد بالسلطة.
8. إنّ المشاركة السياسية تمثل شرطاً أساسياً لتحقيق التنمية في المجتمع.
9. إنّ المشاركة السياسية تلعب دوراً كبيراً في بناء وتحقيق الوحدة الوطنية بين الجميع.
يتضح مما تقدم إن إتاحة الفرصة لجميع سكان الدولة للمشاركة الشعبية باتخاذ القرارات وإدارة شؤون البلاد، سواء بشكل مباشر أو عن طريق ممثلين عنهم، أي بمعنى الإسهام في الحياة العامة، يولد الأمن والاستقرار السياسي داخل البلاد، لأن المشاركة السياسية هي إحدى الشروط الأساسية للقدرة على رص الصفوف لتحقيق الوحدة الوطنية، وكذلك تحقيق أهدف التنمية السياسية.