صفحة 1 من 1

عوامل التخلف السياسي!!

مرسل: الثلاثاء يوليو 24, 2012 7:31 pm
بواسطة عبدالرحمن الزبن
إنه لمن الصعب على أي مفكر أن يضع مقياسا لتحديد نوعية الدول التي يصح لنا
أن نعتبرها متقدمة والدول التي يمكن أن نقول عنها بأنها متخلف ة. ومصدر هذه الصعوبة
هو أن التخلف السياسي مرتبط بالتخلف الإقتصادي ولا يمكن فصلهما في أية دراسة
تحليلية عن بعضهما البع ض. فإذا كانت هناك بعض الدول المنتجة للبترول غنية ومعدل
دخل أفرادها يفوق معدل دخل بعض الدول الصناعية فهذا لا يعني أن الدول الثرية قد
انتقلت من صف الدول المتأخرة إل ى صف الدول المتقدمة، لأن التقدم الحقيقي لا يقاس بما
تجلبه الثروة البترولية من عملات صعبة وإنما يقاس بمدى مقدرة كل دولة على إنتاج
الآلات الصناعية وقلة اعتمادها على المواد المستوردة من الدول الأجنبي ة. وحجتنا في
ذلك هي أن الإعتماد على الخارج للحصول على المواد والآلات الصناعية التي تعتبر
أساسية لقطاعات الإنتاج، يعني الإرتباط السياسي وخضوع الإختيارات الوطنية في دول
العالم الثالث للنفوذ الأجنب ي. وتبعا لذلك تكون النتيجة الحتمية طغيان المصالح الأجنبية
على المصالح الوطنية وقهرها في عقر دارها.
وإذا كان الثراء ليس هو مقياس التقدم لأن الإعتبارات السياسية تجعل الدول
المتقدمة صناعيا هي التي تتحكم في وسائل الإنتاج، فذلك لا يعني أن الإبتعاد عن الدول
المتقدمة، التي يمكن وصفها بأنها متلهفة للإستئثار بخيرات الدول النامية، هو الطريق
السليم الذي يقود إلى طريق الخلاص من مشاكل ال تخلف السياسي والإقتصاد ي. فعلى
.60- (*) دراسة منشورة بمجلة العلوم الإجتماعية (جامعة الكويت)، العدد الثاني (أكتوبر)، 1974 ، ص 50
(**) أستاذ في كلية الحقوق، جامعة الجزائر.
الأبحاث والدراسات المنشورة في مجلات علمية باللغة العربية
160
العكس من ذلك، إن الإحتكاك بالدول الصناعية يساعد الدول النامية على الإستفادة من
خبرة الدول المتقدمة في ميدان التقنية والتعرف على الإكتشافات العلمية التي تمكن جميع
الأمم من محاربة التخلف في كل ميدا ن. وفي حقيقة الأمر، فإن الإتصا لات بين الدول
والأفراد تعتبر ضرورية لأن كل طرف في حاجة إلى الطرف الآخر سواء لإستكمال ما
ينقصه من مواد أولية أو للإستعانة به للتغلب على المشاكل الإقتصادية والسياسية التي
تزداد تعقيدا بمرور الزم ن. وهذه هي سنة الله في الحياة، فالإنسان بطبعه يميل إلى التكيف
مع رفقائه في هذا العالم، فيحاول أن يفيد غيره بما يملك ويقنع الآخرين بتزويده بما هو
في أشد الحاجة إلي ه. ولكن المشكل الذي يقف حجر عثرة في طريق تحسين العلاقات بين
الدول والأفراد هو تلهف القوي على هضم حق الضعيف وتسليط الضغط على من هو في
مركز الضعف لكي يقبل بالشرو ط المجحفة التي فرضها عليه من هو في مركز الق وة.
وكنتيجة طبيعية لإصرار القوي على تغيير قوانين التعامل بين الأفراد والدول، تزول الثقة
بين الدول والأفراد ويحل محلها الجفاء ويقضي على روح التعاون وإنعا ش الصداقة
الطيبة بين الأمم.
الإنسجام بين الجماعات هو المحرك الأساسي لأية نهضة
واعتراضنا على اعتبار مستوى الدخل القومي أو عدد العمال الذين يتحصلون على
دخلهم الشهري من القطاع الصناعي أو الفلاحي كمقياس للتقدم في المجتمعات النامية يقوم
أساسا على اختلاف وضعية دول العالم الثالث التي تمر بمرحلة مغايرة لوضعية العالم
الغربي. فالدول المصنعة قد وجهت عنايتها إلى البناء الداخلي منذ زمن بعيد فتمكنت من
إقامة هياكل اقتصادية متناسقة وتداركت الأخطاء التي وقعت فيها مشاريع التنمية من حين
لآخر. كما أن الدول الصناعية تبحث اليوم عن التقنيات الإضافية التي تمكنها من تدعيم
أجهزتها السياسية والإقتصادية واستغلال ثرواتها وتجنيد الطاقات البشرية لتحقيق نهضة
اقتصادية واجتماعية شامل ة. وقد تمت هذه العمليات المنسقة تدريجيا وبدون تدخل
خارجي. في حين أن الدول النامية لا تبحث عن التقنيات الإضافية ولكنها تريد بناء
الهياكل السياسية والإقتصادية المتماسكة ا لتي تكون قادرة على تحمل أعباء البناء الثقيلة
عوامل التخلف السياسي والإقتصادي في دول العالم الثالث
161
والوقوف في وجه الزوابع القوية التي تهب عليها سواء من الشرق أو من الغر ب. وإذا
كان البنيان قويا، فإن حظوظ النجاح في معركة التشييد وتحقيق نهضة اجتماعية
واقتصادية وسياسية تكون كبير ة. وبالإضافة إلى التركيز على إقامة الدعائم الأساسية
للنهضة، فإن دول العالم الثالث في حاجة للتفرغ إلى مراقبة الجماعات المحلية التي تساهم
في العمل اليومي لرفع مستوى الإنتاج والتوفيق بين الجهات والمؤسسات المتنافسة على
النفوذ والثروة وطرق العم ل. ولكن التدخلات الأجنبية كثيرا ما تلهي قادة الدول ا لنامية
عن البناء الداخلي وتمنعهم من التركيز على المسائل الحيوية التي تهم شعوبهم.
وإذا نحن ألقينا نظرة سريعة على تجربة أوروبا وحللنا المراحل التي مرت بها
لتحقيق نهضتها السياسية والإقتصادية، فإننا نجد التغيرات التي طرأت على الوضعية
السياسية والإجتماعية والإ قتصادية هي التي أدت إلى إبراز نوع جديد من الأدوار التي
يقوم بها الأفراد وخلقت نوعا جديدا من العلاقات بين الفئات العاملة في مختلف القطاعات.
والعامل الأساسي الأول الذي ظهرت ملامحه في الأفق الأوروبي نتيجة للتطورات
الإقتصادية هو انتقال السلطة السياسية بالتدرج من يد الحكام إلى الهياكل السياسية التي
أصبحت قادرة على تحمل الأعباء الثقيلة وحل المشاكل التي تواجه السكان قبل استفحاله ا.
أما العامل الثاني فهو قبول الأفراد والجماعات بالعمل في نطاق القوانين التي تسطرها
القيادة السياسية وعدم التمرد على هذه الأخيرة ما دامت ا لقرارات تمثل الإ رادة الشعبية
وليس إرادة الملك أو العائلات الأوروبية التي كانت مستأثرة بالحك م. والعامل الثالث هو
أن دور الحكومات الأوروبية قد تغير تبعا لتغير العلاقات التي تربط بين الأفراد
والمنظمات، فأصبحت لا تكتفي بسن القوانين وحماية الملكية الخاصة بل تقو م بدور الحكم
( المنصف بين الفئات المتنافسة على الثروة والنفوذ وحماية مكتسباتها التي حققتها. ( 1
إن العبرة التي يمكن استخلاصها من التجربة الأوروبية في نظرنا، هي أن رغبة
الهيآت لإحراز التقدم العلمي وتقوية الدول سواء عن طريق اختراع أسلحة جديدة أو
توحيد الدويلا ت المتجانسة، قد ضاعف إرادة الأفراد لكي يتغلبوا على المشاكل التي
تعترض سبيل تقدمهم بدلا من محاربة بعضهم البع ض. تباعا لهذا التطور، تحولت
(1) Irving Louis Horowitz, « Three Worlds of Development », in Reader in Political Sociology, New
York : Funk and Wagnals, 1968, pp 165-179.
الأبحاث والدراسات المنشورة في مجلات علمية باللغة العربية
162
الحكومات إلى أداة موجهة ومشجعة للعمل الجماعي من أجل تدليل الصعاب التي تعترض
طريق التقدم وتحقيق الإنسجام بين الجماعات المج ندة للعمل في كل قطا ع. وبهذه الطريقة
أصبحت سلطة الدولة مفروضة لا على الأفراد فقط ولكن على الأشياء التي تعرقل
المجهودات المبذولة لبلوغ الأهداف المنشودة.
الفنيون هم الدعامة الأساسية للتقدم