منتديات الحوار الجامعية السياسية

على مقهى الحياة

المشرفون: عبدالله العجلان،عبد العزيز ناصر الصويغ

By عبدالرحمن الزبن
#53381
وبدون شك، فإن المشكل لا يكمن في مسألة ا لتنافس في النفوذ السياسي وخلق
مصاعب في وجه الحكومات بقدر ما يكمن في انعدام الإطارات المنتظمة لإجراء الحوار
والتعرف على نوايا الطرف الآخ ر. فالشيء المطلوب أساسا حصول نوع من التفهم
لموقف كل جانب ووصول الأفكار الجديدة إلى عقول المسؤولين في قطاعي الإنتاج
والتسيير. والسبب الذي جعلنا نعطي أهمية كبيرة للمجالس التي تنشأ بقصد تقوية روح
التفاهم والتعاون بين الإطارات المنتجة والإطارات المسيرة هو أن التنافس من أجل النفوذ
وكسب الإنتصارات السياسية يعتبر ظاهرة ملازمة لكل مجتمع يخوض معركة التقدم في
الميادين الإقتصادية والإجتماع ية والثقافي ة. كما أن ميدان التنافس قد اتسع نطاقه ولم يعد
السباق بين القطاع العام والقطاع الخاص أو القطاع الوطني والقطاع الأجنبي وإنما أصبح
السباق الآن بين مختلف القطاعات العمومية التي تتغذى من الضرائب المفروضة على
الأفراد وممتلكاتهم وتستمد قوتها من استغلال ها للثروات الوطني ة. ولهذا فإن الصراع بين
اطارات الإنتاج واطارات التسيير لا جدوى من ه ما دامت الدولة هي التي أصبحت، بصفة
عامة، تشرف على وسائل الإنتاج وحماية الأفراد من أي تلاعب بخيرات الشعب.
المشكل الرابع يكمن في أسلوب القيادة وطريقة تجنيد الجماهير الشعبية لخدمة
البلاد والخروج بها من مرحلة التخلف السياسي والإقتصادي إلى مرحلة التقدم والرق ي.
عوامل التخلف السياسي والإقتصادي في دول العالم الثالث
167
وبطبيعة الحال، إن شخصية رئيس كل دولة لها طابعها الخاص وخاصة الطريقة التي
يتبعها لتحديد الإختيارات السياسية وكيفية تحقيق الأهداف البعيدة والقصيرة المد ى.
والنقطة التي يتوقف عليها مصير الشعوب هي مقدرة القيادة على تخفيف حدة التوتر الذي
يسود الفئات المتنازعة وإقناعهم بضرورة التمشي مع القرارات السياسية التي تمت
الموافقة عليها بدون تردد أو تخو ف. ومعنى هذا، أن القيادة تتحمل مسؤولية كبح جماح
الهيئات المتصارعة على المصالح الخاصة أو الأشياء التي تعود عليها بالفائدة، وخلق نوع
من العدل والإنصاف بين المنظمات الضعيفة والقوية وتوزيع الثروات والفوائد بطريقة
عادلة. وفي حالة نجاح القيادة في إقناع جميع أو أغلب الهيئات الشعبية بسلامة قراراتها،
فإنها تتحول إلى قوة قادرة على تجنيد الطاقات البشرية والمادية لخدمة القضايا الأساسية
التي تهم الشعب بأكمله.
إن الجماهير، في نظرنا، في حاجة ماسة إلى العثور على القائد الذي يمثل الرغبة
الشعبية وليس رغبة جماعات معينة وخاصة أن الأغلبية الساحقة من السكان غير قادرة
على تغيير مجرى الأمور أو الحد من نفوذ جماعات الض غط. وحالة فرنسا في
الخمسينيات تعتبر، في الحقيقة، أحسن مثال على ما ذكرناه آنف ا. فبالرغم من كون فرنسا
دولة متقدمة، فإن الحكومة الفرنسية قد وجدت نفسها عاجزة، في أغلب الأحيان، عن
انتهاج سياسة وطنية تضمن لها مواصلة التوسع الإقتصادي والتغلب على الأزمات
السياسية التي كانت تواجه فرنس ا. وهكذا، أصبح البرلمان الفرنسي عبارة عن منصة
لتبادل التهم بين الأحزاب التقدمية والأحزاب اليمينية، وكل فئة تسعى لإدانة الفئة المعادية
واتهامها بإتباع فكرة مضادة لمصلحة فرنس ا. وقد استطاعت فرنسا أن تتغلب، تدريجيا،
على أزمتها السياسية في س نة 1958 وذلك عندما تسلم الجنرال ديغول زمام الأمور
السياسية وغير الدستور لكي يتسنى له أن يكون المعبر الحقيقي عن رغبة الشعب الفرنسي
ويتخذ القرارات بعد استشارته في الإستفتاءات التي تنظم عندما تدعو الحاجة إلى ذلك.
المشكل الخامس هو أن ثروات دول العالم الثالث لا تستغل في أماكن استخراجها
وإنما تصدر بأرخص الأثمان إلى الدول المتقدمة التي تحولها إلى منتوجات صناعية
وتزيد في نسبة رفع مستوى إنتاجه ا. إن حصول الدول المتقدمة على المواد الأولية
الأبحاث والدراسات المنشورة في مجلات علمية باللغة العربية
168
بأرخص الأثمان، ثم إعادة تصدير بضائعها إلى دول العالم الثالث بأغلى الأثمان، قد جاء
بمثابة نعمة على اقتصاد الدول المصنعة، إذ أن مصانع الدول المتقدمة لاتكتفي بامتصاص
الثروات المعدنية وإنما تستنزف أموال الدول المتأخرة وذلك عن طريق تصدير بضائعه
إلى أسواق الدول النامية.
وبالإضافة إلى ذلك، يوجد مشكل آخر له ارتباط وثيق بالمشكل السابق وهو
سيطرة الشركات العالمية على المؤسسات المالية في العالم. فالأموال التي تملكها الشركات
العالمية التي يوجد مقرها الرسمي في الولايات المتحدة تقدر بحوالي 125 مليار دولار
أمريكي ( 1). والمشكل هنا هو أن هذه المؤسسات المالية العملاقة أصبحت قادرة على
التلاعب بالثروات والتأثير على اقتصاد الدول النامية وذلك عن طريق تحويل
الإستثمارات من دولة إلى أخرى أو من قطاع إلى آخ ر. وحسب بعض الإحصائيات التي
اطلعنا عليها مؤخرا، فإن شركة " أرامكو " قد ارتفعت أرباح المساهمين فيها في مدة
(2) .% 1973 ) بنسبة لا تقل عن 350 - خمس سنوات ( 1969
وقصدنا من هذا المشكل الذي يعرقل تقدم الدول النامية هو أنه من الصعب إحراز
أي تقدم اقتصادي ما دام العالم يتخبط في أزمة نقدية حيث يوجد نوع من الدولار يصرف
في أمريكا ويدعم الإقتصاد الداخلي لهذا البلد، ودولار آخر يؤثر على أعصاب البشر
ويتحكم في مصير دول العال م. وهكذا نرى اليوم الصراع يدور بين الأمريكيين
والأوروبيين حول حماية مصالحهم الإقتصادية من أزمة التضخم المالي، في حين أن دول
العالم الثالث هي التي تتضرر اقتصادياتها من أي كتل ة أخر ى. فالأوروبيون يقولون اليو م:
دع أمريكا وشأنها ولنركز على حماية الأسواق الأوروبي ة. والأمريكيون يقولون من
جهتهم : لنترك الدولار ضعيفا لأنه لا يضر اقتصاد أمريكا في الداخل، إذ يساعدها على
تصدير بضائعها إلى الخارج ( 1). وكما قال الرئيس الفرنسي الراحل جورج بومبيدو، فإنه
لمن المؤسف أن ينخفض الدولار من الناحية الواقعية (وليس من الناحية النظري ة) بن سبة
%33 في خلال 24 شهر ا. وبطبيعة الحال، فإن تضخم الدولار في داخل الولايات المتحدة
(1) C.L. SULZBERCER, International Herald Tribune, July 14-15, 1973.
(2) Morton Mintz, Washington Post, March 29, 1974.
(1) C.L. SULZBERGER, The International Herald Tribune, July 14-15, 1973.
عوامل التخلف السياسي والإقتصادي في دول العالم الثالث
169
كان طبيعيا ولم يتضرر منه الإقتصاد الأمريك ي. لكن اقتصاد أوروبا ودول العالم الثالث
تضرر كثيرا من هذا التضخم المالي.
والمشكل السادس يكمن في افتقار الدول النامية إلى وجود طبقة كبيرة الحجم،
تشتمل على نسبة كبيرة من الأفراد القادرين على تنشيط الإستثمارات والتجارة والتعاون
في الداخل في اطار التنمية الإقتصادية واستغلال الثروات المعدنية والبشري ة. والصعوبات
التي تعترض قيام طبقة متوسطة نشطة تتمثل بصفة خاصة في امكانية التأثير على
الإختبارات السياسية وخلق مضايقات للقيادات الوطنية التي تتحمل مسؤولية التوزيع
العادل للثروات وحماية المصلحة العام ة. إلا أن الواقع هو أن أي تقدم تحققه أية قيادة لا
يمكن إلا أن يكون مصحوبا بظهور طبقة متوسطة ذات نفوذ وثروة لأن فتح المجال
للنشاط الإقتصادي والإجتماعي ي عني إتاحة الفرص للأفراد النشطين الذين ينتهزون
الفرص المواتية لتدعيم مكانتهم السياسية والإقتصادية.
وفي الحقيقة، فإن هذا الفراغ الإقتصادي والسياسي قد خلق صعوبات عديدة في
وجه الدول النامية سواء في ميدان البناء الداخلي أو مواجهة الدول الكبرى وشركاتها
العملاقة. فعلى المستوى المحلي، كان في إمكان الدول النامية أن تجند أموالها للمشاريع
الحيوية وتستثمر نسبة عالية في الصناعات الثقيلة، لكن القطاع الخاص لم يلعب الدور
المكمل للقطاع العام وبالتالي لم يساهم في تقوية البنية الإقتصادية وتشغيل اليد العاملة التي
تبقى فائضة عن حاجيات القطاع العا م. وعلى المستوى الخارجي، نلاحظ أن الدول النامية
لا تفتقر إلى رؤوس الأموال الوطنية فقط ولكنها تحتاج إلى الخبرة الفنية والأموال التي
تستثمر لمدة طويلة من الزم ن. وبطبيعة الحال، تحصل الشركات الأجنبية التي تتتعامل
معها الدول النامية على أرب اح كبيرة لكي تقدم خدماتها لأية دول ة. وبذلك تشترط الشركات
الأجنبية نقل الثروات الوطنية إلى خارج البلدان النامية في مقابل مساهمتها في معارك
.( البناء والتشييد