صفحة 1 من 1

الربيع العربي براءة أمريكا!!

مرسل: الثلاثاء يوليو 24, 2012 9:07 pm
بواسطة محمد العجلان 313
الربيع العربي براءة أمريكا!!

في كلمة له أشاد الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي أكمل الدين إحسان أوغلو بالربيع العربي معتبرا أن "شعوب العالم العربي قررت الانخراط في التاريخ عقب ثورات الربيع العربي". وقال في كلمة له فى منتدى اسطنبول الذى ينظمه مركز الاتصال الاستراتيجي في تركيا: "إن ما شهده العالم العربي يمثل "خريفا" للأنظمة الديكتاتورية"، وأن ثورات العالم العربي تعد "انخراطا في منظومة التاريخ"، وقال إنها ستجلب المزيد من الانسجام بين الإسلام والديمقراطية. وفي الوقت نفسه صرحت السيدة هيلاري كلنتون بأن امريكا لم تلعب أي دور في التخطيط والتوجيه لما حدث في عالمنا العربي وأن ذلك ليس عرضا من أعراض نتائج القوة الناعمة.

ومع الاحترام لكلا التصريحين فإن الحكم على نتائج الثورات العربية وما تشهده الساحة الشرق أوسطية من تغيرات متلاحقة يعبر عن أمنيات أكثر منه عن تحليلات قائمة على معلومات محايدة، ذلك أن توقع مآلات الأحداث يتطلب قراءة متعمقة للواقع العربي وما إذا كان يمكن قياسه ومقارنته بتجارب أوروبا الشرقية أو حتى التجربة التركية. كما أن إعلان أمريكا البراءة من أي دور يتعارض بشكل صارخ مع الأدبيات التي تملأ أوعية المعلومات في المكتبات الأمريكية التقليدية والإلكترونية؛ فأمريكا منذ تدوين عراب سياستها الخارجية هنري كينسجر في كتابه "سياسة أمريكا الخارجية" وشهادته بأن أمريكا ليس لديها سياسة خارجية وإنما لديها نظام حياة وثقافة معاشة تعتقد أنه الأفضل للعالم ولديها قوة قادرة على فرض نمط الحياة الأمريكي على شعب العالم، مرورا بإعلان ساستها عن مصطلح "الفوضى الخلاقة"، ووصولا إلى حمايتها وقيامها على ضمان تبادل المعلومات بين شعوب العالم من خلال وسائل التواصل الاجتماعي وتبنيها صناعة المواطن الكوني تقدم شواهد لا تصب في مصلحة البراءة الأمريكية مما يحدث.

الولايات المتحدة تعلن صراحة بأنها اليوم تتخاطب مع شعوب العالم دون مرورها بالأنظمة القائمة، وربما يكون إقرار الرئيس الروسي بوتين لنظام مثير للجدل يعتبر تلقي أي مؤسسة مجتمع مدني روسية دعما أجنبيا بمثابة العمالة لتلك الدولة والخيانة العظمى للسيادة الوطنية إنما هو إحساس بالدور الذي تلعبه دول محددة في توجيه مؤسسات المجتمع المدني وتأثيرها على مستوى الحوار البيني الذي ينخرط فيه الروس باعتبارهم جزءا من هذا العالم الذي يلغي الحكومات ويربط الشعوب بالولايات المتحدة الأمريكية. فأمريكا في الوقت الذي تؤكد فيها تواصل مؤسساتها مع الشعوب بعيدا عن الأنظمة تعمل على تقويض الأنظمة القائمة على أمل أن تستبدل بأنظمة تطبق القيم الأمريكية التي ترفع عناوين بارزة وجاذبة مثل الحرية والديمقراطية والعدل والمساواة وحقوق الإنسان، وشؤون المرأة والأقليات. وليس بجديد أن نشير هنا إلى التناقض الصارخ في السياسة الأمريكية وتبنيها في الواقع لمعايير مزدوجة في تطبيق القيم التي تعلنها تطبيقا انتقائيا يخدم مصالحها فقط.

الربيع العربي اصبح حقيقة لابد من التعامل معها، وأخطر ما يواجه عالمنا العربي بأنظمته التقليدية هو تحدي ثوابت قائمة وأصيلة واستبدالها بنمط غربي ليس فيه مقدس، ولا يعترف بما تأصل في مجتمعاتنا الإسلامية والعربية من قيم لا يمكن لنا التخلي عنها بسهولة، وسيتطلب سلخ المجتمع من هويته عمليات جراحية لن تكون بلا دماء كما حدث في القارة الأوروبية العجوز من حروب دامية في طريقها إلى الحداثة.

مقاومة التيار الربيعي الذي يتمدد في العقول ويترسخ في وجدان الشباب العربي لن يكون بغير احتواء الشباب وتوجيه المعلومة بدلا من حجبها وتجريم تعاطيها. التيار جارف ولكل دولة ظروفها وإمكاناتها في امتصاص الآثار الجانبية السلبية لهذا الحراك، والتعاطي معه بإيجابية والعمل على التغيير بما ينسجم مع أجمل ما يمكن أن يأتي به هذا المد المؤدلج والمسيس غير البريء على الإطلاق.