صفحة 1 من 1

دعوة سعودية قد تشعل سباق تسلح نووي في الخليج

مرسل: الثلاثاء يوليو 24, 2012 9:49 pm
بواسطة عبدالعزيز القبلان 36
لماذا لا يمتلك مجلس التعاون الخليجي قوة نووية تواجه القوي النووية الأخري إذا فشلت الجهود الدولية في منع إيران من امتلاك سلاح نووي، أو تفكيك القوة النووية الإسرائيلية؟
لا تكمن الإثارة في طرح السؤال، بقدر ما يثير الدهشة والتأمل أن من طرحه شخصية بوزن الأمير تركي الفيصل الذي كان يشغل إلي وقت ليس ببعيد موقع رئيس الاستخبارات السعودية!
صحيح أنه يشغل الآن موقع رئيس مجلس إدارة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، لكنه يظل جزءا من الأسرة الحاكمة، ومن النظام السعودي، ومن غير المتصور أن يطلق تساؤلا علي هذه الدرجة من الخطورة، دون أن يقدر عواقب ما يقول، وردود الأفعال الإقليمية والدولية التي تترتب علي إطلاق مثل هذه الدعوة، وفي توقيت شديد الحساسية بالنسبة للمنطقة العربية المشتعلة بالثورات والانتفاضات علي وجه العموم، ثم بالنسبة لمنطقة الخليج العربي التي لم تسلم من رياح الدعوة للتغيير في أكثر من دولة، وإن كانت البحرين صاحبة الحظ الأوفر في ارتفاع سقف مطالب المعارضة بالتغيير، إلي الحد الذي دفع السلطات البحرينية إلي الاستعانة بقوات درع الجزيرة للحفاظ علي الأمن.
في هذه البيئة الإقليمية شديدة الاضطراب والتي يعاد تشكيل ملامح بعض دولها، وتغيير بنية السلطة فيها يطلق الفيصل دعوته مؤخرا في أبوظبي والتي صاغها في صورة سؤال، وعطفا علي تساؤل نطاقه أوسع حين قال: ما الذي يمنع أن يتحول مجلس التعاون إلي اتحاد علي غرار الاتحاد الاوروبي وإنشاء جيش خليجي موحد؟
وإذا كان المحفل الذي شهد إطلاق »التساؤل/ الدعوة« غير رسمي، فالفيصل طرح رؤيته أثناء كلمة ألقاها في مؤتمر لمركز الإمارات للدراسات الاستراتيجية، إلا أن ذلك لا ينفي أنه يعلم ان ما قاله لم يكن في غرفة مغلقة، بل أن هناك تغطية إعلامية واسعة لفعاليات المؤتمر، وأن ما يطرح أمام المشاركين فيه سوف يحمل رسائل إلي جهات ومراكز لصنع القرار في العديد من عواصم" class="city">العواصم المعنية، وأولها طهران، ثم تل أبيب، والنطاق المتوقع للصدي يتسع ليشمل عواصم في المنطقة وخارجها .
تظل طهران العاصمة المقصودة أكثر من سواها برسالة الفيصل ولأسباب عدة:
ان البحرين لم تكلف نفسها عبء تغليف اتهامها لإيران بالتورط في الأحداث التي شهدتها منذ منتصف فبراير الماضي، وتواصلت حرب التصريحات بين الدولتين، ثم انتقلت الي مرحلة تبادل طرد الدبلوماسيين.
ما حدث في البحرين يسجل السابقة الأولي من نوعها لإجراء خليجي جماعي بهذا الحجم، وبصورة واضحة، مما يعني أن ثمة ابعاد إقليمية سواء علي مستوي التهديد الذي تواجهه إحدي دول مجلس التعاون، أو علي مستوي تفعيل معاهدة الدفاع المشترك لدول الخليج.
ان الزلزال السياسي بحسب تعبير الفيصل- الذي تشهده المنطقة يضاعف من حجم الانكشاف الاستراتيجي، لا سيما أمام القوي الإقليمية في المنطقة خاصة إيران كما يري أهل الخليج، ومن ثم فإنه يجب البحث عن الآليات التي تضع حدا لهذه الحالة وما دامت السبل المعتادة لا تجدي، فالمطلوب التوصل للرادع الأكثر نجاعة.
في خلفية المشهد - طوال الوقت - يلوح شبح البرنامج النووي الإيراني وبالمقابل طموحات دول مجلس التعاون لامتلاك برامج نووية سلمية علي المستوي الوطني حتي نقل الفيصل المسألة النووية لمستوي مختلف تماما بحديثه عن برنامج عسكري وجماعي في مواجهة تهديدين كانت الأولوية فيهما لمنع إيران من امتلاك رادعها النووي!
وبعيدا عن الرسالة الموجهة لإيران، فإن الطرح السعودي المتجاوز لكل المواقف السابقة يحمل في طياته تحولات مهمة لعل في مقدمتها:
ان السعودية تلوح بمراجعة موقفها من جعل الشرق الأوسط منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل، بما في ذلك السلاح النووي.
ان عدم تفعيل معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية علي قدم المساواة في المنطقة سوف يدفع باتجاه سباق تسلح نووي ينخرط فيه كل من يملك امكانية ذلك.
ان صمت المجتمع الدولي علي الرادع النووي الاسرائيلي واحتمال القبول بإيران نووية في إطار صفقة كبري يعني »تحلل« الدول الأخري من أي التزام بمعاهدة منع الانتشار النووي.
ان التحديات والتهديدات المتصاعدة قد تدفع دول مجلس التعاون الي العمل بصورة مشتركة بدلا من تنامي الطموحات الوطنية بصدد امتلاك كل دولة لمشروعها النووي للأغراض السلمية، رغم ما يمكن أن يطال هذه المشروعات من محاولات لعرقتها.
في ضوء ما سبق فان التحول الأخطر قد يتمثل في تعظيم احتمال قيام برنامج نووي خليجي مشترك مع تعاظم الهاجس الأمني، ومن ثم الالتفاف الفعلي حول منظور خليجي للأمن الاقليمي، وأن يتم في هذا الإطار النظر إلي الطاقة النووية السلمية علي أنها خطوة ذات دلالات أمنية ودفاعية لا يمكن للقوي الاخري اغفالها عند تقييم سياسات الأمن في الخليج ، وإلا فان مظاهر الاختلال التي تعتري التوازن الاستراتيجي في المنطقة ستظل تميل في غير صالح دول الخليج العربي، وتبقي خطورة ما يحدث كامنة في تقييم الأمر علي أنه تحول باتجاه »أسلمة« أو »مذهبة« المسألة برمتها.
إسرائيل.. والريبة الغربية
غير أن امتلاك الطموح والمال لا يكفيان لبناء مشروع نووي، ولو كان سلميا، ولا يمكن تصور غض القوي الدولية الكبري لنظرها عن الدعوة السعودية لامتلاك قوة نووية حتي وإن كان التبرير هو مواجهة الرادع الإيراني المحتمل، فإن الريبة الغربية من امتلاك أي دولة عربية أو إسلامية للمعرفة النووية وتطبيقاتها السلمية سوف تكبح أي محاولة في هذا الاتجاه، حرصا علي أمن إسرائيل ودورها الإقليمي، لا سيما مع تصاعد الحديث عن مستقبل خريطة الشرق الأوسط، وموقع إسرائيل بين التوازنات التي تحكم تلك الخريطة، ولا شك أن دخول أي لاعب جديد يملك طموحا نوويا قد يعني اهتزاز التوازن الاستراتيجي الإقليمي.
كما لا يمكن تصور غض الطرف عن أي محاولة للجوء - مثلا - للسوق النووية السوداء للحصول علي قنبلة أو قنابل جاهزة، فمع ما يحيط بذلك من عقبات جمة، فإن الأمر يتجاوز امتلاك السلاح إلي ضرورة وجود بنية مكتملة لضمان فاعلية الرادع من آليات التأمين والحفظ إلي انتاج الوقود ودورته ثم وسائل الاطلاق، لأن الأمر يتعلق بمنظومة متكاملة، من هنا فإن دعوة الفيصل التي صاغها في صورة تساؤل ربما يكون هدفها الأساسي ممارسة نوع من الضغط علي القوي المعنية، لإنهاء المسألة النووية الإيرانية واستبعاد فكرة التسليم بإيران كقوة إقليمية مهيمنة.
المظلة الأمريكية
فضلا عن كل ما تقدم، فإنه مع وجود فرض جدلي بإمكانية إطلاق برنامج نووي خليجي - أيا كانت طبيعته - فإن نضج هذا البرنامج يتطلب في أحسن الأحوال نحو عقد من الزمان، فهل يكون البديل الذي يهدئ روع الخليج العربي مد المظلة النووية الأمريكية فوق دوله إذا أعلنت إيران نفسها قوة نووية ؟
وسط كل هذه التداعيات، تأتي مواكبة الدعوة التي أطلقها الأمير تركي الفيصل لتوابع تسونامي الأخير علي المفاعلات النووية اليابانية والتهديد بأزمة تنجم عن الخطر الاشعاعي بعد أن هدد الاعصار أكثر من مفاعل ياباني لتدفع العديد من الدول لاعادة التفكير في مواصلة مشروعاتها النووية وبالمقابل تعلن دول أخري إصرارها علي بناء مزيد من المفاعلات برغم كل شيء وبين هذا الفريق تركيا التي دعا رئيس وزرائها رجب طيب أردوغان الي بدء العمل فورا في بناء مفاعل نووي بجنوب البلاد، لان »العامل النووي« سيكون حاسما في تحديد مراكز اللاعبين، عندما يتم رسم خريطة جديدة للشرق الاوسط، وهو ما لا يجب أن يغيب عن مراكز صناعة القرار ليس في الخليج العربي وحده، وإنما في المنطقة العربية بأسرها، رغم ما يحمله ذلك من تحديات جمة.