- الثلاثاء يوليو 24, 2012 11:41 pm
#53474
التخلف السياسي
ان عصور التنوير شكلت منعطفا هاما في سيرورة العقل، فتحرر من المعوقات التي كبلته وفي طليعتها الأسطورة والأحكام المسبقة. هذا التحرر اتاح لمفاهيم المعارف الأنسانية ان تتبدل. وقد نالت السياسة نصيبها في هذا المجال، فاصبحت علما له قواعد وأصول. والعلم هو معرفة الشيء بحقيقته، او المعرفة المنسقة. وهذا يعني ان على السياسة ان تصبح هي الأخرى خاضعة للعقل العلمي وللحقيقة الممنهجة من حيث مقولاتها وموضوعية تحليلاتها وابتعادها عن الذاتية وضغوط الميول.
لكن السياسة على مستوى الممارسة، لم تصل ابدا الى هذا الحد من الضبط والعقلانية، فقد أظهرت الأحداث مدى ابتعادها عن كونها علما. وظلت خاضعة للعشوائية السلطوية، فلم تختلف عما كانت عليه في عصور الظلمات وفي مجتمعات ما قبل الدولة.
ان المدى السياسي في المجتمعات الديمقراطية مختلف نسبيا في حراكه عن الانظمة الاخرى، ولا سيما الانظمة الشمولية. ان اخضاع العمل السياسي للعقلانية لا بد ان يمر في مرحلة تنقيته من مجموعة أوهام، وفي طليعتها الاعتقاد بأن كل من يتعاطى العمل السياسي هو عالم وخبير، يستطيع ساعة يشاء ان يفتي في قضايا الأمة والوطن والشعب، فيحلل ويحرم، ويخوَن ويمنح صك غفران أو شهادة في الوطنية. وما صفحات الصحف وشاشات التلفزة سوى الدليل الساطع على ان لدينا من "الساسة" اكثر مما لدى الدول صاحبة القرار والممسكة بالورقة السياسية الدولية. هذا المشهد السياسي عندنا – فكرا وممارسة – هو الأكثر بؤسا في العالم.
من هنا يمكن الأستنتاج بأن الوضع السياسي السائد يسيطر عليه التخلف، لما هناك من استهتار بالقيم، واستخفاف بعقول الناس، وتسطيح لذاكرتهم. ان التخلف السياسي يشكل خللا فاضحا في تركيبة المجتمع، بل هو خلل خطير وذلك انطلاقا من ان العمل السياسي يعني رعاية مصالح الشعب، فالخلل هنا يصيب حتما هذه المصالح ويعطلها. ليست الديكتاتورية وحدها ما يجمَد قدرات الناس كليا او جزئيا، من خلال الانفراد بالحكم وأقصاء الآخرين عن القرار السياسي العام. فالممارسة المتخلفة في الأنظمة التي تتظلل الديمقراطية ينتج عنها ما هو أشدَ ضررا، أي اقامة الحواجز امام التقدم، والعمل على تعميم التبعية العمياء التي تولَد الساسة الشخصانيين الذين يعيدون الناس الى أزمنة العبودية.
لا بدَ، بعد استعراض هذا الواقع، من وضع آليات دقيقة تؤدي الى النهوض بالمجتمع. آليات يمكن ان تأسس لعمل سياسي عصري يتماشى مع العقلانية السائدة في المجتمعات المتحضرة، ومنها:
- المشاركة السياسية من خلال تحفيز النسيج الشعبي لتأدية دور وطني في صنع القرار السياسي على مستوى الشؤون التي يرتكز عليها مصير البلاد.
- تداول السلطة بوعي، وهذا يعني ان ايصال فريق سياسي الى الحكم ليس خيارا ابديا، بل يجب ان يخضع لرغبة الغالبية في التغيير، وبالتالي احترام هذه الرغبة عملا بالمبدأ الديمقراطي.
- جعل الأنسان هو محور العمل السياسي وغايته، فحقوقه يجب ان تتصدر اهتمام السلطة. ان تأمين مصالح الفرد يعني تأمين الصالح العام، وان صيانة حقوق الأنسان توصل الى توفير شروط ملائمة للتقدم والرقي.
- الدفاع عن الحرية او في الحقيقة الحرية المنضبطة بالقانون. فالأنسان الذي ولد حرا، يجب الا تكبله أغلال مادية او اجتماعية او اثنية... تعيق ممارسته للحرية واطلاقه الى تحقيق ذاته.
- تأمين العدالة بكل أوجهها، وهي الضامن الأوحد للأستقرار الأجتماعي والسياسي. فالظلم عاهة ووصمة قاتمة فوق جبهة الجماعة. - الألتزام بالثوابت الوطنية، ولا سيما مفهوم المواطنية القائم دائما على الأنتماء والولاء والذي يستدعي حكما التشبث بالسيادة المطلقة وحرية تقرير المصير.
ان النظام الديمقراطي هو المساحة الوحيدة التي يمكن لمؤسسات المجتمع ان تمارس الحق في تأسيس مواطن واع لا يتنازل عن مثله، ما يستدعي نقلة نوعية لجهة المستوى الذي يجب ان يتمتع به المشتغلون بالسياسة، فلا نعود نواجه طغاة أو عشاق سلطة متخلفين، بل طبقة راقية تنشئ دولة تتكلم وتعقل باسم الشعب.
ان عصور التنوير شكلت منعطفا هاما في سيرورة العقل، فتحرر من المعوقات التي كبلته وفي طليعتها الأسطورة والأحكام المسبقة. هذا التحرر اتاح لمفاهيم المعارف الأنسانية ان تتبدل. وقد نالت السياسة نصيبها في هذا المجال، فاصبحت علما له قواعد وأصول. والعلم هو معرفة الشيء بحقيقته، او المعرفة المنسقة. وهذا يعني ان على السياسة ان تصبح هي الأخرى خاضعة للعقل العلمي وللحقيقة الممنهجة من حيث مقولاتها وموضوعية تحليلاتها وابتعادها عن الذاتية وضغوط الميول.
لكن السياسة على مستوى الممارسة، لم تصل ابدا الى هذا الحد من الضبط والعقلانية، فقد أظهرت الأحداث مدى ابتعادها عن كونها علما. وظلت خاضعة للعشوائية السلطوية، فلم تختلف عما كانت عليه في عصور الظلمات وفي مجتمعات ما قبل الدولة.
ان المدى السياسي في المجتمعات الديمقراطية مختلف نسبيا في حراكه عن الانظمة الاخرى، ولا سيما الانظمة الشمولية. ان اخضاع العمل السياسي للعقلانية لا بد ان يمر في مرحلة تنقيته من مجموعة أوهام، وفي طليعتها الاعتقاد بأن كل من يتعاطى العمل السياسي هو عالم وخبير، يستطيع ساعة يشاء ان يفتي في قضايا الأمة والوطن والشعب، فيحلل ويحرم، ويخوَن ويمنح صك غفران أو شهادة في الوطنية. وما صفحات الصحف وشاشات التلفزة سوى الدليل الساطع على ان لدينا من "الساسة" اكثر مما لدى الدول صاحبة القرار والممسكة بالورقة السياسية الدولية. هذا المشهد السياسي عندنا – فكرا وممارسة – هو الأكثر بؤسا في العالم.
من هنا يمكن الأستنتاج بأن الوضع السياسي السائد يسيطر عليه التخلف، لما هناك من استهتار بالقيم، واستخفاف بعقول الناس، وتسطيح لذاكرتهم. ان التخلف السياسي يشكل خللا فاضحا في تركيبة المجتمع، بل هو خلل خطير وذلك انطلاقا من ان العمل السياسي يعني رعاية مصالح الشعب، فالخلل هنا يصيب حتما هذه المصالح ويعطلها. ليست الديكتاتورية وحدها ما يجمَد قدرات الناس كليا او جزئيا، من خلال الانفراد بالحكم وأقصاء الآخرين عن القرار السياسي العام. فالممارسة المتخلفة في الأنظمة التي تتظلل الديمقراطية ينتج عنها ما هو أشدَ ضررا، أي اقامة الحواجز امام التقدم، والعمل على تعميم التبعية العمياء التي تولَد الساسة الشخصانيين الذين يعيدون الناس الى أزمنة العبودية.
لا بدَ، بعد استعراض هذا الواقع، من وضع آليات دقيقة تؤدي الى النهوض بالمجتمع. آليات يمكن ان تأسس لعمل سياسي عصري يتماشى مع العقلانية السائدة في المجتمعات المتحضرة، ومنها:
- المشاركة السياسية من خلال تحفيز النسيج الشعبي لتأدية دور وطني في صنع القرار السياسي على مستوى الشؤون التي يرتكز عليها مصير البلاد.
- تداول السلطة بوعي، وهذا يعني ان ايصال فريق سياسي الى الحكم ليس خيارا ابديا، بل يجب ان يخضع لرغبة الغالبية في التغيير، وبالتالي احترام هذه الرغبة عملا بالمبدأ الديمقراطي.
- جعل الأنسان هو محور العمل السياسي وغايته، فحقوقه يجب ان تتصدر اهتمام السلطة. ان تأمين مصالح الفرد يعني تأمين الصالح العام، وان صيانة حقوق الأنسان توصل الى توفير شروط ملائمة للتقدم والرقي.
- الدفاع عن الحرية او في الحقيقة الحرية المنضبطة بالقانون. فالأنسان الذي ولد حرا، يجب الا تكبله أغلال مادية او اجتماعية او اثنية... تعيق ممارسته للحرية واطلاقه الى تحقيق ذاته.
- تأمين العدالة بكل أوجهها، وهي الضامن الأوحد للأستقرار الأجتماعي والسياسي. فالظلم عاهة ووصمة قاتمة فوق جبهة الجماعة. - الألتزام بالثوابت الوطنية، ولا سيما مفهوم المواطنية القائم دائما على الأنتماء والولاء والذي يستدعي حكما التشبث بالسيادة المطلقة وحرية تقرير المصير.
ان النظام الديمقراطي هو المساحة الوحيدة التي يمكن لمؤسسات المجتمع ان تمارس الحق في تأسيس مواطن واع لا يتنازل عن مثله، ما يستدعي نقلة نوعية لجهة المستوى الذي يجب ان يتمتع به المشتغلون بالسياسة، فلا نعود نواجه طغاة أو عشاق سلطة متخلفين، بل طبقة راقية تنشئ دولة تتكلم وتعقل باسم الشعب.