صفحة 1 من 1

ما ماهية الإرهاب الداخلي ؟

مرسل: الأربعاء يوليو 25, 2012 12:52 am
بواسطة أحمد عيظه 313
كثيرة تلك التكهنات التي تلف ملف الإرهاب الداخلي، بحيث تجعله رهين الحدس والاستشراف المبني على النظر المجرد، أو التوقع فحسب. على أنه ليس مثيلا لملف الإرهاب الدولي، المتشعب، والكثيف، والبعيد عن أيدينا، لذا كان من حقنا أن نعمل في الأول كل أدواتنا الحدسية بلا حرج، بينما لا يحق لنا ذلك في الملف الداخلي.

"هناك 498 حادثة وقعت في أحد عشر بلدا أوربيا وصفت بأنها هجمات (إرهابية) ولقد جاءت نتائج تقرير الشرطة مفاجئة؛ إذ إن الإسلاميين قاموا بتنفيذ واحدة فقط من تلك الهجمات الإرهابية في عام 2006م، ولو أن الإرهابيين الإسلاميين كانوا وراء عدد أكبر من الهجمات لاحتل الموضوع الصفحات الإخبارية الأولى في كل الصحف اليومية" (كريستفور لارسون).

هذه الحقيقة المخبأة وراء سجف الإعلام العالمي الموجه، تعطي معطيات كثيرة، منها أن العمليات التي تقع تنسب أول ما تنسب لمسلمين متطرفين، وهي ليست في الحقيقة إلا لخلايا مجرمة تعشش في تلك الدول منذ عقود من الزمن، وقد تسجل ضمن الجرائم العادية اليومية، وقد تسجل ضد مجهول، فتموت في الأدراج العسكرية هناك، بينما توضع أية حادثة ارتكبها مسلم في ملف الإرهاب الدولي، ويزايد عليها، ويوظفها لضرب هذا الدين، محاولا تشويه وجهه الناصع.

وأما الإرهاب الداخلي، الذي لا يخالجني شك بأنه وليد الخارج أيضا، وليس نتيجة لظروف داخلية كما يدعي الصائدون في الماء العكر، فإنه ظاهرة أصبحت لا تقبل التأجيل، وأصبح من حق الجميع أن يعرف أبعادها، وكنهها، وكيف بدأت وكيف نمت، وكيف تمددت، وكيف تستعيد قواها بعد كل ضربة.

كل المتحدثين يربطون فكر هذه الفئة المنحرفة بفكر الخوارج التاريخي، ويظلون يتحدثون بثقافة تاريخية بحتة، وتحس منهم أن أيديهم خالية الوفاض من حقيقة الفكر الموجود، وتكاد تتيقن بأنهم يجهلونه إلى حد كبير، ولذلك يهربون إلى التاريخ ليستلهموه بعض ما فيه من نصوص وقصص وأحداث لها بعض صلة به.

أنا لا أدعي أنني أعرف أكثر منهم؛ لأنني منهم، ولكني أدعي بأنني أعرف أنهم لا يعرفون بالقدر الكافي عن خوراج اليوم.

إن التماثل في بعض الأفكار والتصرفات والأهداف بين الماضين والمعاصرين لا يعني أبدا تمام التماثل، حتى لا نجهد أقلامنا وألسنتنا، ونظن أننا أسهمنا في تطويق المشكلة، والحقيقة أننا كنا نصف دواء لمرض قديم، لا للمرض الجديد. حتى المصطلحات التي أطلقت عليهم، تحس بأنها مصطلحات إعلامية وليس علمية دقيقة.

إذن كيف يمكن التعرف على فكر هؤلاء الشباب المنحرفين عقيدة وفكرا وسلوكا ونفسا؟

الدراسات العلمية تؤكد أن التعرف على الفكر وقياس الجانب النفسي، والدوافع الذاتية أو الجماعية لأي عمل إنما تكون عن طريق دراسة عينات من الشريحة المقصودة ذاتها، دراسة واعية رياضية دقيقة، ليس فيها أي نوع من التوجس أو الاختزال أو التردد.

وهذه العينة موجودة الآن بعدد كاف لدى وزارة الداخلية؛ لإجراء دراسة واعية كافية؛ لتجلية الحقيقة أمام كافة الجهات التي يجب عليها وجوبا شرعيا وتاريخيا واجتماعيا أن تنهض بعبئها الخاص بها في مكافحة هذا الفكر الغريب المهجن.

إنني لا أشك بأن أكاديمياتنا الأمنية ربما قامت بعدد من الدراسات حول هذه الظاهرة المتنامية برغم الجهود الجبارة والموفقة من الجهات الأمنية، ولكن ربما قصر بي اطلاعي وأمثالي عن نتائجها، فما أرى من كتابات وحوارات على الشاشات لا يدل على اطلاع على هذه الدراسات إن وجدت.

سمعت عن جلسات المناصحة التي تعقدها شخصيات علمية شرعية مع المتورطين في هذا الفكر المنحرف، والتي ربما أتت بنتائج إيجابية في جلاء الصبح لذي عينين، وإنقاذ عدد من الشباب من هذا الضلال المنظم، ولكن لماذا لا تضع هذه اللجان نتائج تجربتها أمام المفكرين والكتاب والمثقفين؛ ليبينوا لنا نوع الانحراف، ومداه، ومن المسؤول عنه، وإن كان ما تقوم به ليس من الدراسة العلمية، وإنما يمثل فرصة للحوار مع هؤلاء الشباب أو المتأثرين بهم مباشرة.

إن كثيرا من الكتاب اتفقوا على أنه يجب ألا تترك الأجهزة الأمنية وحدها في الميدان، وأن على أطراف العملية التربوية للشباب أن تشترك معها، ليس في محاربة الفكر فقط، وإنما في وقاية من لم يقع فيه من الوقوع فيه.

ولكن هذه الجهات التربوية في حاجة ماسة إلى ملف علمي أمني متكامل، لتضع برامج الوقاية لشباب هذا الوطن الأمين، وبرامج العلاج لمن تشوه فكره ، بناء على أسس علمية واضحة، وليس بناء على مجرد حدس وتخمين.