- الأربعاء يوليو 25, 2012 12:58 am
#53530
إعداد محمد الأمين ولد الكتاب
رئيس نادي المثقفين الموريتانيين للديمقراطية والتنمية
يكاد يجمع المفكرون الذين اهتموا عبر الأيام باستقراء النسق الديمقراطي ، على وجود تعالق بين الديمقراطية و التنمية الاقتصادية.
فقد قال أرسطو بوجود صلة وثيقة بين الديمقراطية والرفاهية الاقتصادية كما قد أجمع كبار المفكرين الغربيين من أمثال توك فيل (Toque Ville) وكونت (Comte) وماركس (K.Marx) وديركايم (Dur Keime) وويبرر (Max Weber) على أن ثمة ارتباطا أكيدا بين نوعية الوضعية الاقتصادية القائمة ضمن سياق اجتماعي ما وطبيعة النظام السياسي السائد فيه.
وقد حاول سيمور ليبست Seymour Libset أن يثبت من خلال أبحاثه في أواخر الخمسينيات أن تحسين ظروف الجماهير العريضة يجب أن يمر عبر اضطراد النماء الاقتصادي الذي يتأثر بدوره بديمقراطية الأنظمة السياسية.
و اجتهد هؤلاء المفكرون كل من منطلقه في محاولة إثبات تأثر النماء الاقتصادي،سلبا أو إيجابا،في أي بلد، بدرجة دمقرطة النظام السياسي القائم في ذلكم البلد..
وقد أدى الحرص المتزايد للساسة و المفكرين عبر العالم خلال العقود الماضية على قياس مدى الترابط بين الديمقراطية بكل أبعادها و بين التنمية الاقتصادية بمختلف تجلياتها ، أدى إلى قيام منظمة اليونسكو في نهاية التسعينيات، بإنشاء هيئة دولية تحت رئاسة بطرس بطرس غالي تدعى الهيئة الدولية حول الديمقراطية والتنمية.
وقد أنجزت هذه الهيأة تقريرا وافيا تحت عنوان "التفاعل بين الديمقراطية والتنمية".
كل هذه الجهود والتحريات ترمي في التحليل النهائي إلى إثبات أن النظام الديمقراطي ومرجعيته الأيديولوجية والمنظومة القيمية المواكبة له هو السبيل الأوحد إلى التنمية الاقتصادية وما تتيحه من وفرة وجدة وبحبحة وازدهار وتقدم على مختلف الصعد.
بيد أن السؤال الذي يطرح نفسه هاهنا هو: هل هذه الافتراضات صحيحة؟ وهل طرائق قياس سلامتها وصدقها موضوعية أم أنها مجرد تسويغات إيديولوجية لتسويق نسق اقتصادي وسياسي وفكري يسعى أساسا إلى إحكام سيطرة الغرب على العالم وصهر حضارات باقي الأمم في قوالب موحدة لا تفسح مجالا للتنوع والاختلاف والمغايرة؟
الواقع أنه مما لا مراء فيه أن الديمقراطية هي النظام الأوحد الذي يفترض ويقتضي العدالة والمساواة والتعددية السياسية والفكرية وصيانة الحريات الأساسية واستقلالية القضاء وعلوية القانون والشفافية والمساءلة وإشراك المجتمع المدني عبر تنظيماته الجمعوية في تدبير الشأن العام وصياغة المستقبل؛ كما أن غيابها يعني الاستبداد و الأحادية والسلطوية وتهميش المرأة ومصادرة الحريات ومحاربة الفكر المتنور وتفشي الأمية والجهل والعقل الخرافي المؤبد للتخلف و الرجعية.
ولا ريب كذلك أن التنمية الاقتصادية هي السبيل الأمثل إلى وفرة الموارد وتنامي الثروات واتساع الإمكانيات؛ مما يوفر الفرص أمام إمكانية رفع الدخل وتحسين ظروف العيش بالنسبة للجماهير العريضة.
ولعله أيضا قد بات من الراجح أن ثمة تواشجا وتفاعلا وتأثيرا بين تجذر الديمقراطية وتوطيد التنمية الاقتصادية في سياق معين و تعزيز التنمية المضطردة في ذلكم السياق.
لكن الشيء الذي لا يمكن تجاهله في هذا المضمار والذي يثير الحيرة والإرباك ويبعث على القلق هو أن الديمقراطية على إيجابيتها ورغم المنظومة القيمية السليمة التي تقوم عليها و المبادئ النبيلة والمثل السامية التي ترتكز عليها فإنها لا تخلو من انزلاقات واخلالات وإخفاقات تناقض مقوماتها وتتنافى ومراميها، حيث أن مجتمعات البلدان الديمقراطية تفتقر في معظمها إلى تكافئ الفرص في النفاذ إلى الموارد والى الأمن والسلم الاجتماعي و كذلك إلى المساواة الحقيقية بين الأجناس والأعراق والطبقات الاجتماعية.
كما أن الديمقراطية لم تفلح في الحيلولة دون الاحتراب بين الأمم ، و لم تحد من جموح البلدان القوية إلى الهيمنة الاقتصادية على العالم ، و لا من نزوعها إلى إحكام سيطرتها على موارد البلدان المستضعفة ، و لم تقدها إلى احترام الشرعية الدولية و إلى تفادي اعتماد ازدواجية المعايير حيال قضايا العالم الكبرى المطروحة و النزاعات الدولية القائمة.
فكيف يمكن التوفيق بين هكذا مسلكيات ومقتضيات الديمقراطية؟
وكيف يتسنى تسويغ الحد من حرية الصحافة في انساق توصف بالديمقراطية والذي يتجلى فيما ذكرته Freedom House من انه لم يحصل في المعدل أي تقدم ذي بال منذ 1995 إلى اليوم في مجال حرية الصحافة ؛ يضاف إلى ذلك أن هذه الحرية غائبة بالمرة في 40 % من البلدان الديمقراطية عبر العالم .
وإن مما يدعو إلى الإحباط كذلك هو كون التنمية الاقتصادية الذي يراد للديمقراطية أن توطدها و أن تعززها ليست في أغلب الأحيان سوى عولمة اللبرالية المتوحشة وإفساح المجال بشكل كامل لسيطرة الشركات العملاقة العابرة للحدود وإزاحة كل الحواجز في وجه المضاربين والمقامرين المدفوعين بمحض الجشع واللهث وراء الثراء الفاحش.
علما أن تعطش الشركات الاحتكارية وكبار المضاربين العالميين إلى تحقيق المزيد من الأرباح قد أدى إلى خلق ديناميكية استهلاكية جنونية أفضت إلى استنزاف مفرط لموارد كوكبنا؛ مما تسبب في اختلالات خطيرة في التوازنات المناخية والبيئية يخشى أن تكون لها في المدى المتوسط انعكاسات مدمرة على كوكب الأرض و على كامل ساكنته.
وليست الأزمة الكارثية التي تعصف حاليا بالنظام الرأس مالي الليبرالي وتهدده بالانهيار التام وكذا التداعيات المخيفة لظاهرة الانحباس الحراري إضافة إلى ظهور وانتشار أوبئة لم تكن معروفة قبل الآن إلا نتيجة مباشرة أو غير مباشرة لتكثيف انبعاث الغازات السامة في الجو ومضاعفة حجم المواد الكيماوية والنفايات الملوثة المرتبطة بأنواع الصناعات التحويلية المختلفة.
وفي ختام هذه العجالة أود التنويه أنني لا أقصد من وراء حديثي هذا التقليل من شأن الديمقراطية أو التشكيك في نجاعتها كنظام سياسي و اجتماعي يرتكز على منظومة قيمية واضحة المعالم و لست أهدف إلى التأليب على التنمية الاقتصادية و التكنولوجية أو نعتها بالسلبية و العبثية و إنما أريد فقط أن أهيب بالمهتمين بتقويم انزلاقات الديمقراطية و المسكونين بهاجس تقويم اعوجاجات التنمية الاقتصادية من مثقفين وفاعلين جمعويين وشركاء اجتماعيين وقادة رأي ، أن يكثفوا من جهودهم من أجل أن يصبح الإنسان هو محط اهتمام الديمقراطية الأول و محورها الأساسي و أن يصبح إسعاده و الا رتقاء به نحو أسمى مكانة ممكنة في الحياة هو الهدف الأول و الأخير لأية تنمية اقتصادية تستحق منا العناية و الاهتمام.
رئيس نادي المثقفين الموريتانيين للديمقراطية والتنمية
يكاد يجمع المفكرون الذين اهتموا عبر الأيام باستقراء النسق الديمقراطي ، على وجود تعالق بين الديمقراطية و التنمية الاقتصادية.
فقد قال أرسطو بوجود صلة وثيقة بين الديمقراطية والرفاهية الاقتصادية كما قد أجمع كبار المفكرين الغربيين من أمثال توك فيل (Toque Ville) وكونت (Comte) وماركس (K.Marx) وديركايم (Dur Keime) وويبرر (Max Weber) على أن ثمة ارتباطا أكيدا بين نوعية الوضعية الاقتصادية القائمة ضمن سياق اجتماعي ما وطبيعة النظام السياسي السائد فيه.
وقد حاول سيمور ليبست Seymour Libset أن يثبت من خلال أبحاثه في أواخر الخمسينيات أن تحسين ظروف الجماهير العريضة يجب أن يمر عبر اضطراد النماء الاقتصادي الذي يتأثر بدوره بديمقراطية الأنظمة السياسية.
و اجتهد هؤلاء المفكرون كل من منطلقه في محاولة إثبات تأثر النماء الاقتصادي،سلبا أو إيجابا،في أي بلد، بدرجة دمقرطة النظام السياسي القائم في ذلكم البلد..
وقد أدى الحرص المتزايد للساسة و المفكرين عبر العالم خلال العقود الماضية على قياس مدى الترابط بين الديمقراطية بكل أبعادها و بين التنمية الاقتصادية بمختلف تجلياتها ، أدى إلى قيام منظمة اليونسكو في نهاية التسعينيات، بإنشاء هيئة دولية تحت رئاسة بطرس بطرس غالي تدعى الهيئة الدولية حول الديمقراطية والتنمية.
وقد أنجزت هذه الهيأة تقريرا وافيا تحت عنوان "التفاعل بين الديمقراطية والتنمية".
كل هذه الجهود والتحريات ترمي في التحليل النهائي إلى إثبات أن النظام الديمقراطي ومرجعيته الأيديولوجية والمنظومة القيمية المواكبة له هو السبيل الأوحد إلى التنمية الاقتصادية وما تتيحه من وفرة وجدة وبحبحة وازدهار وتقدم على مختلف الصعد.
بيد أن السؤال الذي يطرح نفسه هاهنا هو: هل هذه الافتراضات صحيحة؟ وهل طرائق قياس سلامتها وصدقها موضوعية أم أنها مجرد تسويغات إيديولوجية لتسويق نسق اقتصادي وسياسي وفكري يسعى أساسا إلى إحكام سيطرة الغرب على العالم وصهر حضارات باقي الأمم في قوالب موحدة لا تفسح مجالا للتنوع والاختلاف والمغايرة؟
الواقع أنه مما لا مراء فيه أن الديمقراطية هي النظام الأوحد الذي يفترض ويقتضي العدالة والمساواة والتعددية السياسية والفكرية وصيانة الحريات الأساسية واستقلالية القضاء وعلوية القانون والشفافية والمساءلة وإشراك المجتمع المدني عبر تنظيماته الجمعوية في تدبير الشأن العام وصياغة المستقبل؛ كما أن غيابها يعني الاستبداد و الأحادية والسلطوية وتهميش المرأة ومصادرة الحريات ومحاربة الفكر المتنور وتفشي الأمية والجهل والعقل الخرافي المؤبد للتخلف و الرجعية.
ولا ريب كذلك أن التنمية الاقتصادية هي السبيل الأمثل إلى وفرة الموارد وتنامي الثروات واتساع الإمكانيات؛ مما يوفر الفرص أمام إمكانية رفع الدخل وتحسين ظروف العيش بالنسبة للجماهير العريضة.
ولعله أيضا قد بات من الراجح أن ثمة تواشجا وتفاعلا وتأثيرا بين تجذر الديمقراطية وتوطيد التنمية الاقتصادية في سياق معين و تعزيز التنمية المضطردة في ذلكم السياق.
لكن الشيء الذي لا يمكن تجاهله في هذا المضمار والذي يثير الحيرة والإرباك ويبعث على القلق هو أن الديمقراطية على إيجابيتها ورغم المنظومة القيمية السليمة التي تقوم عليها و المبادئ النبيلة والمثل السامية التي ترتكز عليها فإنها لا تخلو من انزلاقات واخلالات وإخفاقات تناقض مقوماتها وتتنافى ومراميها، حيث أن مجتمعات البلدان الديمقراطية تفتقر في معظمها إلى تكافئ الفرص في النفاذ إلى الموارد والى الأمن والسلم الاجتماعي و كذلك إلى المساواة الحقيقية بين الأجناس والأعراق والطبقات الاجتماعية.
كما أن الديمقراطية لم تفلح في الحيلولة دون الاحتراب بين الأمم ، و لم تحد من جموح البلدان القوية إلى الهيمنة الاقتصادية على العالم ، و لا من نزوعها إلى إحكام سيطرتها على موارد البلدان المستضعفة ، و لم تقدها إلى احترام الشرعية الدولية و إلى تفادي اعتماد ازدواجية المعايير حيال قضايا العالم الكبرى المطروحة و النزاعات الدولية القائمة.
فكيف يمكن التوفيق بين هكذا مسلكيات ومقتضيات الديمقراطية؟
وكيف يتسنى تسويغ الحد من حرية الصحافة في انساق توصف بالديمقراطية والذي يتجلى فيما ذكرته Freedom House من انه لم يحصل في المعدل أي تقدم ذي بال منذ 1995 إلى اليوم في مجال حرية الصحافة ؛ يضاف إلى ذلك أن هذه الحرية غائبة بالمرة في 40 % من البلدان الديمقراطية عبر العالم .
وإن مما يدعو إلى الإحباط كذلك هو كون التنمية الاقتصادية الذي يراد للديمقراطية أن توطدها و أن تعززها ليست في أغلب الأحيان سوى عولمة اللبرالية المتوحشة وإفساح المجال بشكل كامل لسيطرة الشركات العملاقة العابرة للحدود وإزاحة كل الحواجز في وجه المضاربين والمقامرين المدفوعين بمحض الجشع واللهث وراء الثراء الفاحش.
علما أن تعطش الشركات الاحتكارية وكبار المضاربين العالميين إلى تحقيق المزيد من الأرباح قد أدى إلى خلق ديناميكية استهلاكية جنونية أفضت إلى استنزاف مفرط لموارد كوكبنا؛ مما تسبب في اختلالات خطيرة في التوازنات المناخية والبيئية يخشى أن تكون لها في المدى المتوسط انعكاسات مدمرة على كوكب الأرض و على كامل ساكنته.
وليست الأزمة الكارثية التي تعصف حاليا بالنظام الرأس مالي الليبرالي وتهدده بالانهيار التام وكذا التداعيات المخيفة لظاهرة الانحباس الحراري إضافة إلى ظهور وانتشار أوبئة لم تكن معروفة قبل الآن إلا نتيجة مباشرة أو غير مباشرة لتكثيف انبعاث الغازات السامة في الجو ومضاعفة حجم المواد الكيماوية والنفايات الملوثة المرتبطة بأنواع الصناعات التحويلية المختلفة.
وفي ختام هذه العجالة أود التنويه أنني لا أقصد من وراء حديثي هذا التقليل من شأن الديمقراطية أو التشكيك في نجاعتها كنظام سياسي و اجتماعي يرتكز على منظومة قيمية واضحة المعالم و لست أهدف إلى التأليب على التنمية الاقتصادية و التكنولوجية أو نعتها بالسلبية و العبثية و إنما أريد فقط أن أهيب بالمهتمين بتقويم انزلاقات الديمقراطية و المسكونين بهاجس تقويم اعوجاجات التنمية الاقتصادية من مثقفين وفاعلين جمعويين وشركاء اجتماعيين وقادة رأي ، أن يكثفوا من جهودهم من أجل أن يصبح الإنسان هو محط اهتمام الديمقراطية الأول و محورها الأساسي و أن يصبح إسعاده و الا رتقاء به نحو أسمى مكانة ممكنة في الحياة هو الهدف الأول و الأخير لأية تنمية اقتصادية تستحق منا العناية و الاهتمام.