منتديات الحوار الجامعية السياسية

خاص بالمشكلات السياسية الدولية
#53574
قضية فلسطين بين القومية والدين


يزعم العرب والفلسطينيون ان ارض اسرائيل (فلسطين) هي ارض عربية اسلامية، وان حقهم التاريخي والديني والحضاري في هذه البلاد ناصع البياض لا لبس فيه.. ولم يحسم الفلسطينيون أمرهم الى الآن حول طبيعة وهوية الدولة العتيدة هل ستكون دولة اسلامية حمساوية ام قومية فتحاوية..

ولو نظرنا بروية وامعان الى الركائز القومية او الدينية التي يستند اليها هؤلاء لتأييد ادعاءاتهم لوجدناها هشة وواهية وهزيلة تتهاوى وتتحطم ازاء اول استعراض لبعض الحقائق التاريخية. فاذا كان ارباب الدولة الاسلامية يستمدون الشرعية لزعمهم من مكانة القدس في نفوس المسلمين، فان هذه الشرعية تتقوض عندما نراجع التاريخ الحقيقي للقدس تحت حكم الدول الاسلامية المتوالية. والمصير نفسه يكون من نصيب دعاة القومية ونحن نرى الانحسار والجمود الذي اصاب هذه الفكرة خلال العقود الاخيرة.

لنلقي نظرة على الدعائم التي يستمد منها دعاة الدولة الاسلامية شرعيتهم: ونبدأ بالقول إن القدس هي اولى القبلتين فقد نُسخ هذا الامر بعد ان عاد العرب الى قبلتهم الأصلية الكعبة، واما المسلمون الأوائل فقد اتخذوا بيت المقدس قبلة لهم لحوالي السنتين قبل دخول العرب المسلمين ارض اسرائيل (فلسطين) في الوقت الذي كان بيت المقدس لا يزال يهوديا من هنا فان موضوع اولى القبلتين لا يعطي المسلمين اي حق في القدس. واما القول إن المسجد الأقصى ذكر في القرآن فالقارئ للتاريخ يعلم ان المسجد الأقصى القائم اليوم في القدس لم يكن موجودا عندما نزلت سورة الاسراء على النبي محمد في مكة. واما القول إن القدس هي مسرى النبي فقد أسري بالنبي الى قدس اليهود لأن القدس لم تكن يومها عربية كما أسلفنا. واما القول إن فلسطين هي مهبط الانبياء فالانبياء الذين ذكروا في القرآن جميعهم يهود اي ان ارض اسرائيل هي مهبط أنبياء بني اسرائيل فكيف يعطي هذا حقا للمسلمين!؟ واما القول إن المسجد الاقصى هو ثاني المسجدين فالحديث الشريف الذي يستند اليه هذا القول كان يقصد به بيت المقدس اليهودي لأسباب زمنية بديهية حيث المسجد الاقصى الذي يقوم اليوم في القدس لم يكن موجودا عندما ذكر النبي محمد هذا الحديث امام أصحابه ومعنى الحديث ببساطة ان اول بيت وضع على الارض هو الكعبة ومن ثم بني بيت المقدس في ايلياء (اورشليم) وهذه لا تتعدى كونها معلومة تاريخية لا تشير الى المسجد الاقصى الذي يعرفه المسلمون اليوم لا من قريب ولا من بعيد. والقدس لم تكن يوما من الايام عاصمة لأي دولة عربية او اسلامية، فالخلفاء الراشدون اتخذوا من المدينة المنورة عاصمة لهم الا علي الذي نقل عاصمته الى الكوفة في العراق، واعاد الزبير بن العوام مركز الحكم الى المدينة، واما بنو أمية فنقلوا مركز الخلافة الى دمشق، وحتى عبدالملك بن مروان الذي بنى مسجد قبة الصخرة في نطاق بيت المقدس، فهو قد فعل ما فعل محاولة لتوجيه حجاج أهل الشام إلى القدس بدلا من مكة، التي كان قد انفصل في حكمها ابن الزبير، وذلك خوفا من أن يستهويهم ابن الزبير ويؤلبهم عليه. ولقد استصدر عبدالملك فتاوى من رجال الدين مدعومة بأحاديث تسمح بالحج إلى بيت المقدس بدلا من مكة، وقد حج أهل الشام إلى القدس لمدة ثلاث سنين حسب كتب التاريخ!! وحوّل بنو العباس الكوفة الى مركز حكمهم ومن ثم الى بغداد، وانتقل مقر الحكم ايام الفاطميين الى القاهرة، وظلت مصر عاصمة السلاطين الايوبيين والمماليك، واتخذ الطولونيون والحمدانيون والقرامطة والبويهيون عواصم مختلفة لحكمهم ولم يفكروا بالقدس برغم انها كانت تخضع لسيطرتهم، وحتى صلاح الدين الذي يتبهرج المسلمون بتحريره للقدس فلو نظرنا في حقيقة هذا (التحرير) لوجدنا ان صلاح الدين لم يخرج بنية تحرير القدس، وانما لمحاربة جيوش دويلات وممالك فلسطين، مثل مملكة حيفا ومملكة عكا ومملكة صور ومملكة بيت المقدس، التي كانت تغير على قوافل الحجاج وتحرم الدولة الأيوبية من ريع تجارة الحج. وهي حرب تجارية توسعية لا علاقة لها بالدين ولا بالقدسية، فلما حطم تلك الجيوش في حطين سقطت تلك الممالك ومن بينها مملكة القدس، فكانت معاملة صلاح الدين لها ولأهلها نفس معاملة أي فاتح لأي مدينة، فلا قدسية ولا تقديس. بل ان ابن أخيه قد تفاوض مع الفرنسيين عند غزوهم مصر على ارجاع القدس لهم عن طيب خاطر، فأين القدسية؟! وعندما استقر الأمر للدولة العثمانية اختارت هضبة الأناضول ومدنها عواصم لها ولم تفكر في القدس!! حتى الدولة الأردنية الهاشمية التي نشأت بعد الحرب العالمية الأولى بزعامة أشراف الحجاز من بني هاشم، اتخذت عمان عاصمة للدولة ولم تفكر في القدس رغم انها كانت تحت حكمها. فأين كانت قدسية القدس!؟

واما الحديث عن عروبة فلسطين فقد دخل العرب ارض اسرائيل (فلسطين) غزاة مثلما غزاها من قبلهم الفراعنة والبابليون والاشوريون والفرس والرومان واليونانيون، ومن بعدهم الصليبيون والاخشيديون والسلاجقة والمماليك والاتراك.

واما الحديث عن قومية فلسطينية، ففي فلسطين أشتات من أعقاب من نزلها من الناس واستقروا فيها، من الاتراك والألبان والأكراد والشركس والبوشناق والمماليك والاتراك والصليبيين وغيرهم الكثير، وجميع هؤلاء تركوا من بعدهم سلالات واحفاد ما زالوا يعيشون في ارض اسرائيل (فلسطين)، وفيها سلالات الجزائريين الذين فروا من الثورة الجزائرية واستوطنوا فلسطين، وجنود محمد علي باشا الذين استقروا فيها بعد حملته على الشام ابان القرن التاسع عشر، وهذا غيض من فيض من الاقوام والعشائر والقبائل والأعراق التي استوطنت فلسطين منذ الغزو العربي فكيف يكون هؤلاء قومية واحدة، وأسوق مثالا للتوضيح لا للتفصيل قبيلة عنزة الشهيرة ومواطنها في أواسط نجد بينه وبين شمال الحجاز. ففي أوائل القرن الثامن عشر للميلاد شرعت بعض بطون عنزة تخرج من نجد وتزحف شمالاً، طلباً للرعي والماء، وما لبثت أن تمكنت من دخول حوران وشرق الاردن وانتزعت السيادة من (السردية). وقبل عام 1761م كانت عنزة تعد أكبر عشائر بادية الشام، تأخذ أموالاً وفيرة من ركب الحج الشامي. ثم اخترقت هذه القبيلة أواسط سورية ونازعت عشائر حمص وحماة سيادتها، وفرضت عليها الخوة، وتمكنت من الانتصار على عشائر حلب، وبذلك أصبحت عنزة سيدة بادية الشام حتى وادي الفرات وأطراف العراق. وتعد اليوم أعظم القبائل العربية ولها بطون عديدة في شمال الحجاز ونجد والشام وبادية الشام والعراق.. ومن أشهر بطونها اليوم (الرولا) و(ولد علي) و(الدهامشة). وهذه بعض الامثلة عن قبائل عنزة في (ارض اسرائيل) فلسطين : عرب النصيرات في ضواحي القدس وكان قدومهم الى فلسطين في بدايات القرن التاسع عشر مع ابناء عمومتهم من آل شعلان (شيوخ الرولة). وعرب السوالمة، وكان قدومهم مع ابناء عمومتهم من النصيرات وآل شعلان في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي ويقطنون على بعد 15 كم من مدينة يافا. وعائلة الصغير من السوالمة. وقبيلة الترابين في منطقة بئر السبع. والنعيرات في قرية ميتلون قضاء جنين. والشطة في قرية كفر الديك. وآل تاجي في كفر الديك. ودار علي في قرية كفر الديك ويقطنون مدينة اللد. وآل دهمش من الدهامشة ويقطون في مدينة اللد. وآل سليمان ويقطنون في قرية سطاف في القدس. وكانت هذه العائلة على رأس من جاء من قبائل الرولة وأحلافها الى فلسطين أبان الفتنة اليمنية القيسية والتي كانت في تلك الفترة على أشدها في فلسطين وهذا ما يفسر وجود هذه العائلة في نفس المناطق القيسية في القدس (قرى قبيلة بني حسن) صاحبة الزعامة القيسية على جبال القدس ولهذا كان وجود قبيلة الرولة وعلى رأسها عائلة الشعلان لمساعدة هذه القبائل في هذه الفتنة. والعنوز ويقطنون مدينة حيفا. وآل صندوقة في قرية عنيزة التابعة لمدينة جنين. والفراهدة من الرولة ويقطنون في بعض قرى بني حسن غربي القدس. والهليبي من الرولة ويقطنون القدس. والنتوش من التياها في بئر السبع. والنتشة في مدينة الخليل. والعطاونة من التياها. وعرب المحافظة في ديرة بئر السبع. وأهالي قرية سكاكا في جبال نابلس. والهباب في مدينة يافا. والشعلان في قرية سطاف التابعة للقدس. وسكان قرية علار في مدينة طولكرم. وآل النمر، في مدينة نابلس..الخ

والقبائل مزيج من عشائر مختلفة وقبائل منوعة، فالكثير من فروع القبيلة لا يمت بالنسب الأصلي للقبيلة فقد يكونون من حلفائهم أو مستجيرين، او أعوانا لهم، وغلبتهم التسمية وتقادم الزمن عليهم فأصبحوا منهم، والحكومات المتوالية كانت تجمعهم تحت اسم واحد ليسهل قيادتهم، فجمعتهم الحكومات للإدارة لا للنسب..

ومن وصايا عمر بن الخطاب :

اوصيكم بالاعراب فإنهم اصل العرب ومادة الاسلام لا تكونوا كالأعاجم يقولون من قريه كذا وكذا ولكن قولوا انا من قبيله كذا . . . فأين القومية من كل هذا اذا كان العرب منذ زمن عمر وقبل عمر والى اليوم ينتسبون الى قبائل!؟ وكيف أصبحت قبيلة عنزة الحجازية التي غزت البلاد قبل حوالي 200 سنة، قبيلة فلسطينية خمسة نجوم!!

بالمقابل نرى ان اليهود هم الشعب الوحيد الذي حافظ على هويته اليهودية وعلى ارتباطه بارض اسرائيل، وبخلاف الفلسطينيين فاليهود هم شعب واحد من الناحية العرقية والدينية والقومية، ولم يبرحوا ارض اسرائيل (فلسطين) يوما واحدا مذ نشأوا فيها، مرورا بالحقبات التاريخية التي خضعت فيها ارض اسرائيل للمحتلين والغزاة وحتى اليوم، وظلت ارض اسرائيل هي ارض التوراة والتلمود ومهبط انبياء اليهود، وفيها نشأت الحضارة العبرانية والاعياد اليهودية والتقاليد اليهودية والثقافة اليهودية، ونقل اليهود هذا الموروث الحضاري العريق من جيل الى جيل، بينما لا نجد مثلا عيدا قوميا واحدا يميز الفلسطينيين فأين القومية!؟