" دور التكنولوجيا في تقليص مهمة السفراء "
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
لقد أدت الحرب العالمية الأولى إلى نشوء كوارث عصفت بأوروبا,لكن السلام الذي أعقب تلك الحرب الفظيعة المدمرة كان هشا ويحمل معه بذور انهياره, فمعاهدة فرساي التي أبرمت عام 1919 كانت مجحفة بحق ألمانيا,
وعصبة الأمم المتحدة التي نشأت في السنة نفسها كانت عاجزة عن فعل أي شيء حقيقي, الأمر الذي أدى بالنتيجة إلى نشوب الحرب العالمية الثانية.
وكنتيجة للتقدم التكنولوجي في مجال الاتصالات والعلوم العسكرية ولما أحدثته التكنولوجيا المتطورة من دور بارز في تشكيل الرأي العام العالمي برزت محصلات مختلفة دفعت بالمجتمع الدولي إلى الانتقال إلى عصر جديد تطورت فيه الكثير من المفاهيم السياسية والاقتصادية والاجتماعية, الأمر الذي أدى إلى وقوع السياسات الخارجية والعلاقات الدولية تحت جملة من التأثيرات, وإلى قيام تغيرات جوهرية فيما يخص ( الدبلوماسية) والتي تعتبر الوسيط الأساسي للعلاقات الدولية.
ونظرا لكون الهدف الرئيسي لهذا البحث هو تقييم الآثار التي خلفتها التكنولوجيا على النظام الدولي المعاصر وعلى الدبلوماسية الحديثة والتي جعلتها تختلف جوهريا عن الدبلوماسية التقليدية فإننا سنتعرض إلى أهم الخصائص التي يتميز بها هذا العصر.
تميز القرن العشرين بتعدد المنظمات الدولية وبتنوعها من حيث الاختصاصات والوظائف, حيث نشأت أولا (عصبة الأمم المتحدة) ثم نشأت بعدها ( منظمة الأمم المتحدة) وقد سعت هاتان المنظمتان العالميتان بفروعهما المتعددة وعلى رأسها ( مجلس الأمن) إلى محاولة فض الخلافات عن طريق المفاوضات والمباحثات بعيدا عن أجواء الحروب وإلى خلق مناخات يسودها التعاون.
ولقد أسست هذه المنظمات الدولية لنشوء الدبلوماسية العلنية والدبلوماسية المتعددة الأطراف, كمواز أو بديل للدبلوماسيات الثنائية الأطراف التي تتسم عادة بالسرية.
وقد بلغ عدد الدول المستقلة عام 1941 خمسين دولة ثم ارتفع العدد إلى 94 دولة بعد الحرب العالمية الثانية 1946 ليصل إلى 159 دولة عام 1986 وإلى 191 دولة عام .2005
أما تعداد المنظمات فقد بلغ 80 منظمة حكومية و500 منظمة غير حكومية عام 1945 ليرتفع إلى 180 منظمة حكومية و2470 منظمة غير حكومية عام .2000
ولقد توزعت نسب المنظمات على الشكل التالي: 1- المنظمات المتخصصة في الاقتصاد 70% -2- المنظمات المتخصصة في الأمور الاجتماعية والحضارية والثقافية 23% -3- المنظمات المتخصصة في الشؤون السياسية والأمنية 7%.
التأثيرات الإيجابية
تمثلت التأثيرات الإيجابية للتكنولوجيا على بنية الدبلوماسية على الشكل التالي:
1- جعل التقدم العلمي في مجال الاتصالات والمواصلات بنية الدبلوماسية أكثر تماسكا وترابطا وانسجاما, فقد مضى الوقت الذي كان يحتاج فيه الدبلوماسي إلى أسابيع أو أشهر للوصول أوالاتصال ببلده, كما سمح الطيران النفاث بنقل الزعماء بسهولة ويسر, وشكلت المشاركة في تشييع الشخصيات البارزة نوعا من المؤتمرات غير العادية والاتصالات الثنائية حيث يعقد الزعماء عددا من اللقاءات مع أقرانهم.
2- حدث تغيير في وظيفة الدبلوماسي وفي طبيعة مهامه, فقد بات مسؤولا عن جملة من القضايا المتنوعة في المجال السياسي والاقتصادي والثقافي والتجاري والعسكري, الأمر الذي اقتضى توسيع الكادر في السفارة ليشمل عددا من الملحقين المتخصصين في كل مجال.
3-لعب تطور الاتصالات والمواصلات دورا كبيرا في جعل الاجتماعات أكثر فعالية, بحكم القدرة على التحضير الجيد لها.
4- فرضت التكنولوجيا الحديثة وعلى رأسها ( الانترنت) على الدبلوماسي جملة من الواجبات, حيث بات مضطرا إلى المتابعة وإلى الاستناد إلى مجموعة من الملفات التي تحتوي على بيانات وأرقام وإحصائيات, وبات مضطرا أيضا إلى الإلمام بالعديد من المسائل التي هي خارج اختصاصه, كيما يكون قادرا على إجراء المباحثات والمفاوضات باقتدار وكفاءة.
وما يؤيد هذا الرأي بشدة الكلمة التي قالها اللورد بلاودن ( لم يعد لبريطانيا الأساطيل ولا القوة العسكرية التي تحمي بها مصالحها, كما كان الحال في عصر الامبراطورية, بل أصبح الحفاظ على هذه المصالح اليوم وحمايتها وتنميتها يعتمد في الدرجة الأولى على قدرة وكفاءة دبلوماسييها في الداخل والخارج).
5- ساهمت التكنولوجيا الحديثة في الحد من سوء التفاهم ومن الاحتقانات الناجمة عن المواقف الخاطئة أو الملتبسة.
التأثيرات السلبية
أما التأثيرات السلبية للتكنولوجيا على بنية الدبلوماسية فهي على الشكل التالي:
1- إن الالتجاء إلى الدبلوماسية العلنية قد يؤثر على سير المفاوضات ويؤدي بالتالي إلى التقلب في المواقف, الذي قد يؤثر على سير المفاوضات أو على مصالح الدول.
وقد صرح الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة (داج همرشولد) في البرلمان البريطاني أن التجارب الطويلة أثبتت أن المفاوضات العلنية والمكشوفة قلما تؤدي الى نتائج ملموسة, وأن المفاوضات عبر الطرق الدبلوماسية هي الوسيلة الأنجع لحل القضايا الشائكة والمستعصية, وعليه لا بد من الحفاظ على الدبلوماسية التقليدية التي تلتزم السرية والهدوء, وقد أيد الكثيرون هذا الرأي.
2- تقلص دور الدبلوماسي نتيجة للإمكانات التي يتيحها التقدم التكنولوجي لمخططي السياسة الخارجية, بالاتصال والتشاور مباشرة مع المعنيين في الدول متجاوزين دبلوماسيي بلدانهم ودون أخذ رأيهم .
3- العبء الإضافي الذي سيثقل كاهل الدبلوماسي بالإطلاع على مختلف الملفات والبيانات .
4- عدم قدرة الدبلوماسي على الاطلاع على كافة البيانات بسبب إغلاق بعض المواقع الهامة, وذلك للحد من إطلاع الإرهابيين عليها.
5- نظراً للاستخدام غير المشروع للحقائب الدبلوماسية من قبل بعض الإرهابيين فقد صارت هذه الحقائب عرضة للتفتيش, الأمر الذي خلق عقبات جديدة, وقد استوعبت الدبلوماسية السوريةالتطورات الحاصلة على صعيد تكنولوجيا وتقدم المعلومات بإيجابياتها وسلبياتها وهي تحاول جاهدة الاستفادة القصوى من هذه الإيجابيات وما توفره وسائل التكنولوجيا في تفعيل طرائق ومناهج العمل الدبلوماسي والسياسي المباشر, وهذا ما جسده الأداء السياسي والدبلوماسي السوري على الساحة العالمية خلال السنوات الماضية وإزاء أكثر الأحداث التي شهدتها المنطقة والعالم خطورة.
تقبلوا تحياتي ..