- الأربعاء يوليو 25, 2012 8:12 am
#53595
اتسم التعاطي التركي مع تطورات الثورة السورية بدرجة عالية من الارتباك، حيث ساندت تركيا في بدايات الأزمة نظام الأسد، مرجحة أن يكون هو ذاته مخرجا لإنهائها، عبر الإقدام على مجموعة من الإصلاحات السياسية والاقتصادية التي تلبي طموحات حركة الاحتجاجات، التي تأججت مع انتهاج النظام الحل الأمني، وعدم استجابته إلى المطالب والنصائح التركية، الأمر الذي دفع أنقرة بعد ذلك إلى إعادة النظر في مواقفها حيال الثورة السورية، من خلال التحول من دعم النظام إلى مساندة معارضيه، وتبنى أطروحتهم.
هذا التحول أدركته أنقره باعتباره باهظ التكلفة، ليس وحسب انطلاقا من حجم الاستثمارات السياسية والاقتصادية والعسكرية التي وظفتها أنقرة لتمتين علاقاتها مع جاراتها الجنوبية، وإنما لأن من شأن هذا التحول أن يعيد صوغ قواعد الاشتباك بين البلدين، ليس على المستوى العسكري وحده، وإنما كذلك على المستويين السياسي والأمني.
سمات الموقف التركي
اشتبك الموقف التركي مع الثورة السورية، منذ اليوم الأول، من خلال التصريحات والمبادرات، وتعدد الزيارات التي بلغت على مستوى وزراء الخارجية 14 زيارة أثناء الأزمة قام بها أحمد داود أوغلو إلى سوريا، كما شملت رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، وعديدا من مسئولي تركيا على مستويات مختلفة.
هذه اللقاءات هدفت في مجملها إلى إنهاء الأزمة، وفق رؤية سياسية بأن المبادرة التركية يجب أن تبدأ وتوجه للنظام، وهى رؤية تحولت مع تصاعد الأحداث، وتعنت الاستجابة، وغياب المرونة، إلى إدراك أن نجاح أي مبادرة يرتبط بكونها إقليمية أو دولية، وتمتعها بالقدرة على إقصاء الرئيس الأسد أو رموز نظامه ذوى الأدوار المحورية في الأزمة، استجابة لتطلعات قوى وتيارات المعارضة السورية. وفي هذا السياق، اتسم الموقف التركي تجاه الثورة السورية بعدد من السمات الأساسية:
أولا-"التنسيق" مع القوى الإقليمية والدولية المعنية: نسقت تركيا مع العديد من القوى الإقليمية والدولية على مستويات عدة من أجل تفادي التداعيات السلبية على أمنها القومي، حيث وضح أن تطور مواقفها حيال الأزمة ارتبط بتصاعد مواقف الجامعة العربية والأمم المتحدة، بما دفعها إلى التخلي عن المبادرات الفردية لصالح الأطروحات الجماعية، وبدت من طريقة معالجتها للأزمة أقرب إلى المواقف الخليجية منها إلى مواقف دول الجوار المباشر، كالعراق وإيران، أو الجوار غير المباشر كروسيا.
كما نسقت تركيا مع الإدارة الأمريكية. ففي البداية، سُربت معلومات بأن هناك خطة للتعامل مع الوضع السوري حال قبول الأسد التنحي. كما بدا واضحا من سياق الأحداث أن الإدارة الأمريكية قد أوكلت للحكومة التركية مهمة نسج خيوط الاتصال مع المعارضة السورية، وإعداد مؤتمرات للتنسيق بينها، وفتح مقار لها داخل الأراضي التركية. هذا في وقت انخرطت فيه تركيا بالتنسيق مع الجامعة العربية والقوى الدولية لفرض عقوبات سياسية واقتصادية على نظام الأسد، وهو ما دفع بعض رموز النظام السوري لإعلان أن أنقرة ستدفع ثمن مواقفها، وذلك في إطار التلويح بإمكانية توظيف الورقة الكردية.
ثانيا-"التداخل" بين الشأن السوري والمصالح التركية: نظرت تركيا للأزمة السورية، باعتبارها أزمة داخلية، انطلاقا من خصوصية العلاقات مع سوريا، لذلك حاولت مبكرا تفادى تداعي الأحداث، وارتفاع حدة المصادمات بين الجيش والمتظاهرين، من خلال دفع الرئيس بشار الأسد لتقديم تنازلات تسمح بتحول تدريجي لسوريا نحو الديمقراطية.
بيد أن تجاهل الأخير للنصائح التركية جعله يعيد توجيه الاستثمار السياسي التركي إلى قوى وتيارات المعارضة السياسية. ورغم التزام تركيا في بادئ الأمر بعدم الانخراط في دعم حركات وتيارات المعارضة ماديا أو عسكريا، فإن تصاعد حدة المواجهة السياسية والإعلامية والأمنية بين كل من تركيا وسوريا من جانب، والأخيرة والمجتمع الدولي من جانب آخر، دفع أنقرة إلى إسقاط العديد من الخطوط التي وضعتها في الماضي كمحددات لسياساتها الخارجية بشأن الثورة السورية، لاسيما بعد إقدام دمشق على إسقاط طائرة تركية (فانتوم- F4) قبالة سواحل اللاذقية، بما دفع القوات المسلحة التركية (TSK) إلى تغيير قواعد الاشتباك، ورفع درجة التأهب، استعدادا إلى أي تطورات في هذا السياق.
ثالثا-"الراصد" لحركة تدفق الأموال والسلاح إلى سوريا: حيث لعبت تركيا دورا أساسيا في مراقبة الحدود السورية، البحرية والجوية والبرية، وذلك انطلاقا من أن دمشق محاطة بعدد من الدول والفاعلين الداعمين للمقاربة السورية حيال الثورة (العراق، حزب الله في لبنان، إيران)، لذلك أوكلت مهمة مراقبة الحدود والحيلولة دون تدفق الأموال والسلاح لأنقرة بالتنسيق مع قوى إقليمية ودولية. وفي هذا الإطار، أجبرت تركيا عددا من الطائرات القادمة لسوريا من إيران في مارس 2011 على الهبوط وقامت بتفتيشها.
كما أوقفت السلطات التركية في 19 مارس 2011 إحدى هذه الطائرات عبر أجوائها، وذلك من أجل تفتيشها، وقامت باعتقال طاقمها، وصادرت حمولتها، والتي كانت تضم شحنة من الأسلحة الإيرانية. وعلى الحدود البرية، أوقفت السلطات التركية أيضا بعض الشاحنات التي كانت تنقل أسلحة من إيران لدمشق، وذلك في أغسطس 2011. وفي المجال البحري، فقد صرح رئيس الوزراء التركي، رجب طيب أوردغان، في سبتمبر 2011، بأن بلاده اعترضت إحدى السفن التي تحمل العلم السوري، وهى محملة بالأسلحة والذخائر.
رابعا:"الداعم" لقوى وتيارات المعارضة السورية: اضطلعت تركيا في بديات الأزمة بدور "الوسيط" بين النظام السوري وقوى المعارضة الرئيسية، خصوصا حركة الإخوان المسلمين. بيد أن المقاربة السورية التي ساوت بين حركة الإخوان بالنسبة لدمشق، وحزب العمال الكردستاني (PKK) بالنسبة لأنقرة، ورفض إتباع الحلول السياسية كاستراتيجية، وليس كمناورة للقضاء على الثورة، دفعا أنقرة، وفي سياق التنسيق مع المواقف الإقليمية والدولية، إلى الاضطلاع بدور القوى الداعمة لتيارات وأحزاب المعارضة السورية.
ارتبط بذلك أن أنقرة التي تخوفت من تداعيات الأحداث السورية على أمنها القومي هدفت من ناحية تقوية المعارضة لتفادي كارثة حرب طائفية تفضي إلى تقسيم الدولة التي يقطنها 22 مليون نسمة. ومن ناحية أخرى، سعت إلى تجنب التداعيات الأمنية التي قد تضر بمصالحها، لاسيما حال تفاقم الأزمة في شقها الطائفي والعرقي. لذلك، تحولت أنقرة مع مرور الوقت إلى مركز رئيسي لتنظيم مؤتمرات المعارضة السورية، كالمجلس الوطني السوري، والجيش السوري الحر، المكون بصفة أساسية من المنشقين السنة عن الجيش.
هذا التحول أدركته أنقره باعتباره باهظ التكلفة، ليس وحسب انطلاقا من حجم الاستثمارات السياسية والاقتصادية والعسكرية التي وظفتها أنقرة لتمتين علاقاتها مع جاراتها الجنوبية، وإنما لأن من شأن هذا التحول أن يعيد صوغ قواعد الاشتباك بين البلدين، ليس على المستوى العسكري وحده، وإنما كذلك على المستويين السياسي والأمني.
سمات الموقف التركي
اشتبك الموقف التركي مع الثورة السورية، منذ اليوم الأول، من خلال التصريحات والمبادرات، وتعدد الزيارات التي بلغت على مستوى وزراء الخارجية 14 زيارة أثناء الأزمة قام بها أحمد داود أوغلو إلى سوريا، كما شملت رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، وعديدا من مسئولي تركيا على مستويات مختلفة.
هذه اللقاءات هدفت في مجملها إلى إنهاء الأزمة، وفق رؤية سياسية بأن المبادرة التركية يجب أن تبدأ وتوجه للنظام، وهى رؤية تحولت مع تصاعد الأحداث، وتعنت الاستجابة، وغياب المرونة، إلى إدراك أن نجاح أي مبادرة يرتبط بكونها إقليمية أو دولية، وتمتعها بالقدرة على إقصاء الرئيس الأسد أو رموز نظامه ذوى الأدوار المحورية في الأزمة، استجابة لتطلعات قوى وتيارات المعارضة السورية. وفي هذا السياق، اتسم الموقف التركي تجاه الثورة السورية بعدد من السمات الأساسية:
أولا-"التنسيق" مع القوى الإقليمية والدولية المعنية: نسقت تركيا مع العديد من القوى الإقليمية والدولية على مستويات عدة من أجل تفادي التداعيات السلبية على أمنها القومي، حيث وضح أن تطور مواقفها حيال الأزمة ارتبط بتصاعد مواقف الجامعة العربية والأمم المتحدة، بما دفعها إلى التخلي عن المبادرات الفردية لصالح الأطروحات الجماعية، وبدت من طريقة معالجتها للأزمة أقرب إلى المواقف الخليجية منها إلى مواقف دول الجوار المباشر، كالعراق وإيران، أو الجوار غير المباشر كروسيا.
كما نسقت تركيا مع الإدارة الأمريكية. ففي البداية، سُربت معلومات بأن هناك خطة للتعامل مع الوضع السوري حال قبول الأسد التنحي. كما بدا واضحا من سياق الأحداث أن الإدارة الأمريكية قد أوكلت للحكومة التركية مهمة نسج خيوط الاتصال مع المعارضة السورية، وإعداد مؤتمرات للتنسيق بينها، وفتح مقار لها داخل الأراضي التركية. هذا في وقت انخرطت فيه تركيا بالتنسيق مع الجامعة العربية والقوى الدولية لفرض عقوبات سياسية واقتصادية على نظام الأسد، وهو ما دفع بعض رموز النظام السوري لإعلان أن أنقرة ستدفع ثمن مواقفها، وذلك في إطار التلويح بإمكانية توظيف الورقة الكردية.
ثانيا-"التداخل" بين الشأن السوري والمصالح التركية: نظرت تركيا للأزمة السورية، باعتبارها أزمة داخلية، انطلاقا من خصوصية العلاقات مع سوريا، لذلك حاولت مبكرا تفادى تداعي الأحداث، وارتفاع حدة المصادمات بين الجيش والمتظاهرين، من خلال دفع الرئيس بشار الأسد لتقديم تنازلات تسمح بتحول تدريجي لسوريا نحو الديمقراطية.
بيد أن تجاهل الأخير للنصائح التركية جعله يعيد توجيه الاستثمار السياسي التركي إلى قوى وتيارات المعارضة السياسية. ورغم التزام تركيا في بادئ الأمر بعدم الانخراط في دعم حركات وتيارات المعارضة ماديا أو عسكريا، فإن تصاعد حدة المواجهة السياسية والإعلامية والأمنية بين كل من تركيا وسوريا من جانب، والأخيرة والمجتمع الدولي من جانب آخر، دفع أنقرة إلى إسقاط العديد من الخطوط التي وضعتها في الماضي كمحددات لسياساتها الخارجية بشأن الثورة السورية، لاسيما بعد إقدام دمشق على إسقاط طائرة تركية (فانتوم- F4) قبالة سواحل اللاذقية، بما دفع القوات المسلحة التركية (TSK) إلى تغيير قواعد الاشتباك، ورفع درجة التأهب، استعدادا إلى أي تطورات في هذا السياق.
ثالثا-"الراصد" لحركة تدفق الأموال والسلاح إلى سوريا: حيث لعبت تركيا دورا أساسيا في مراقبة الحدود السورية، البحرية والجوية والبرية، وذلك انطلاقا من أن دمشق محاطة بعدد من الدول والفاعلين الداعمين للمقاربة السورية حيال الثورة (العراق، حزب الله في لبنان، إيران)، لذلك أوكلت مهمة مراقبة الحدود والحيلولة دون تدفق الأموال والسلاح لأنقرة بالتنسيق مع قوى إقليمية ودولية. وفي هذا الإطار، أجبرت تركيا عددا من الطائرات القادمة لسوريا من إيران في مارس 2011 على الهبوط وقامت بتفتيشها.
كما أوقفت السلطات التركية في 19 مارس 2011 إحدى هذه الطائرات عبر أجوائها، وذلك من أجل تفتيشها، وقامت باعتقال طاقمها، وصادرت حمولتها، والتي كانت تضم شحنة من الأسلحة الإيرانية. وعلى الحدود البرية، أوقفت السلطات التركية أيضا بعض الشاحنات التي كانت تنقل أسلحة من إيران لدمشق، وذلك في أغسطس 2011. وفي المجال البحري، فقد صرح رئيس الوزراء التركي، رجب طيب أوردغان، في سبتمبر 2011، بأن بلاده اعترضت إحدى السفن التي تحمل العلم السوري، وهى محملة بالأسلحة والذخائر.
رابعا:"الداعم" لقوى وتيارات المعارضة السورية: اضطلعت تركيا في بديات الأزمة بدور "الوسيط" بين النظام السوري وقوى المعارضة الرئيسية، خصوصا حركة الإخوان المسلمين. بيد أن المقاربة السورية التي ساوت بين حركة الإخوان بالنسبة لدمشق، وحزب العمال الكردستاني (PKK) بالنسبة لأنقرة، ورفض إتباع الحلول السياسية كاستراتيجية، وليس كمناورة للقضاء على الثورة، دفعا أنقرة، وفي سياق التنسيق مع المواقف الإقليمية والدولية، إلى الاضطلاع بدور القوى الداعمة لتيارات وأحزاب المعارضة السورية.
ارتبط بذلك أن أنقرة التي تخوفت من تداعيات الأحداث السورية على أمنها القومي هدفت من ناحية تقوية المعارضة لتفادي كارثة حرب طائفية تفضي إلى تقسيم الدولة التي يقطنها 22 مليون نسمة. ومن ناحية أخرى، سعت إلى تجنب التداعيات الأمنية التي قد تضر بمصالحها، لاسيما حال تفاقم الأزمة في شقها الطائفي والعرقي. لذلك، تحولت أنقرة مع مرور الوقت إلى مركز رئيسي لتنظيم مؤتمرات المعارضة السورية، كالمجلس الوطني السوري، والجيش السوري الحر، المكون بصفة أساسية من المنشقين السنة عن الجيش.