صفحة 1 من 1

مفهوم المشاركة السياسية

مرسل: الأحد يوليو 29, 2012 7:43 pm
بواسطة راشد خالد الجدوع 101
مفهوم المشاركة السياسية

حتى العصر الحديث، كانت المشاركة السياسية مقتصرة في الغالب على أثرياء القوم، ووجهائهم، من أصحاب المولد النبيل، أما الأغلبية الساحقة فكانت بعيدة عن المشاركة.
ومنذ مطلع عصر النهضة حتى القرن السابع عشر، بدأ الاتجاه نحو مزيد من المشاركة السياسية، وبلغ هذا الاتجاه ذروته أثناء الثورة الصناعية، في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.
ولعل ذلك يرجع إلى العوامل التالية:

1- التصنيع، ونمو المدن، وازدياد التعليم، الذي ترتب عليه ظهور قوى اجتماعية جديدة (عمال ـ تجار ـ أصحاب مهن حرة)، استشعرت في نفسها القدرة على تشكيل مصيرها، فطالبت بجزء من القوة السياسية.

2 - ظهور الدعوات التي حمل لواءها المثقفون، من فلاسفة وكتاب وصحفيين، والتي تنادى بقيم المساواة والحرية، والمصلحة العامة، بشكل أدى إلى تغذية المطالبة بمشاركة أوسع في العملية السياسية.

3 - التطور في وسائل النقل والمواصلات، والاتصالات، والذي أدى إلى انتشار الأفكار الجديدة حول الديمقراطية، والمشاركة بسرعة وسهولة نسبية.

4 - الصراع بين القيادات السياسية، ففي ظل التنافس على السلطة، تناضل القوى المتصارعة في سبيل كسب التأييد الشعبي، وهذا في حد ذاته يعطى الشرعية لفكرة المشاركة الجماهيرية.

5 - التدخل الحكومي المتزايد، في الشئون الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، والذي أصبحت معه الحياة اليومية للأفراد تتوقف على أعمال الحكومة بصورة حاسمة، وبدون الحق القانوني في المشاركة السياسية، يصبح الفرد بلا حول ولا قوة في مواجهة الحكومة، التي قد تضر بمصالحه، من هنا كانت المطالبة بمنح الحقوق السياسية للأفراد، وتهيئة إمكانية ممارستها بفاعلية، وذلك للحد من سطوة الحكومة ونفوذها.

وتختلف مسميات المشاركة. فهناك من يطلق عليها المشاركة الجماهيرية، وهناك من يسميها المشاركة الشعبية، أو المشاركة العامة.

وبالرغم من اختلاف هذه المسميات إلا أنها تدور كلها حول معنى واحد، ألا وهو مساهمة كل فرد من أفراد المجتمع - في كل الأعمال، وفي كل المستويات- في مختلف مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها، أي المشاركة المباشرة للجماهير في شئون المجتمع، وليس عن طريق المشاركة النيابية، كممثلي الشعب، أو المجالس المنتخبة، والتي تعتبر مشاركة غير مباشرة.

ويمكن التعرض لقضية المشاركة السياسية من خلال المحاور التالية:

أولاً: تعريف المشاركة السياسية:

يقتضى الاقتراب من مفهوم المشاركة السياسية، توضيح المقصود بمصطلح المشاركة بصفة عامة، تمهيدًا لطرح مفهوم المشاركة السياسية.

فالمشاركة قد تعنى أي عمل تطوعي من جانب المواطن، بهدف التأثير على اختيار السياسات العامة، وإدارة الشئون العامة، أو اختيار القادة السياسيين على أي مستوى: حكومي، أو محلي، أو قومي.

وهناك من يعرفها على أنها عملية تشمل جميع صور اشتراك أو إسهامات المواطنين في توجيه عمل أجهزة الحكومة، أو أجهزة الحكم المحلى، أو لمباشرة القيام بالمهام التي يتطلبها المجتمع، سواء كان طابعها استشاريًّا أو تقريريًّا أو تنفيذيًّا أو رقابيًّا، وسواء كانت المساهمة مباشرة أو غير مباشرة.

وهي قد تعنى لدى البعض الجهود التطوعية المنظمة، التي تتصل بعمليات اختيار القيادات السياسية، وصنع السياسات، ووضع الخطط، وتنفيذ البرامج والمشروعات، سواء على المستوى الخدمي أو على المستوى الإنتاجي، وكذلك على المستوى المحلي أو المستوى القومي.

كما تعني المشاركة إسهام المواطنين بدرجة أو بأخرى، في إعداد وتنفيذ سياسات التنمية المحلية، سواء بجهودهم الذاتية، أو التعاون مع الأجهزة الحكومية المركزية والمحلية.

كما قد تعنى تلك الجهود المشتركة الحكومية والأهلية في مختلف المستويات؛ لتعبئة الموارد الموجودة، أو التي يمكن إيجادها؛ لمواجهة الحاجات الضرورية، وفقًا لخطط مرسومة، وفي حدود السياسة الاجتماعية للجميع.

ويمكن تقسيم المشاركة الجماهيرية إلى ثلاثة أنواع رئيسة: المشاركة الاجتماعية، والمشاركة الاقتصادية، والمشاركة السياسية، وإن كانت هناك صعوبة عند الفصل بين هذه الأنواع في الواقع العملي، لارتباط هذه الأنواع مع بعضها ارتباطًا قويًّا، وتداخلها تداخلاً قويًّا، وتأثير كل نوع في النوعين الآخرين وتأثره بهما تأثرًا كبيرًا.

1- تعرف المشاركة الاجتماعية على أنها تلك الأنشطة، التي تهدف إلى التغلب على بعض المشكلات العملية اليومية، وتُسهم في تحقيق قدر من التضامن والتكافل بين أعضاء المجتمع، وذلك في مجالين أساسيين.

الأول: هو الجهود التطوعية: كبناء المساجد أو المدارس أو المستشفيات، بالمساهمة بالمال والأرض في إنشائها.

والثاني: هو حل المشكلات اليومية، والخلافات التي قد تنشأ بين الأفراد أو الجماعات في المجتمع، فالمشاركة الاجتماعية ظاهرة اجتماعية، تحدث نتيجة تفاعل الفرد وتعامله مع أفراد مجتمعه، وجماعاته ومنظماته ومؤسساته، وتختلف درجة استجابة المواطن لتلك المشاعر وفقاً لعدة عوامل، بعضها نفسي كسماته وقدراته النفسية والعقلية، وبعضها اجتماعي كظروف التنشئة الاجتماعية، كما تخضع المشاركة للظروف والعوامل الاقتصادية والسياسية والتربوية لشخصية الفرد ومجتمعه.

2- المشاركة الاقتصادية هي مشاركة الجماهير في مشاريع التنمية الاقتصادية، وذلك بالمساهمة في وضع قراراتها وتمويلها وتنفيذها، كما قد تعني الأنشطة التي تقوم بها الجماهير؛ لدعم الاقتصاد القومي: مثل دفع الضرائب والرسوم وغيرها، كما قد تعنى أن يقوم الفرد بضبط إنفاقه، بحيث يكون استهلاكه في حدود دخله، وبما يسمح له بوجود فائض على الدوام، يدعم الاقتصاد الوطني، مع توفر درجة من الوعي تجعله يقاطع التجار، الذين يغالون في رفع الأسعار، أو يحجبون سلعًاً معينة عن المستهلكين.

3- المشاركة السياسية تعنى تلك الأنشطة الإرادية التي يقوم بها المواطنون؛ بهدف التأثير بشكل مباشر أو غير مباشر، في عملية اختيار الحكام، أو التأثير في القرارات، أو السياسات التي يتخذونها.

كما قد تعني المشاركة السياسية، العملية التي يلعب الفرد من خلالها دورًا في الحياة السياسية لمجتمعه، وتكون لديه الفرصة لأن يسهم في مناقشة الأهداف العامة لذلك المجتمع، وتحديد أفضل الوسائل لإنجازها، وقد تتم هذه المشاركة من خلال أنشطة سياسية مباشرة أو غير مباشرة.

ويرى البعض أن أنشطة المشاركة يمكن تصنيفها في مجموعتين:

1ـ أنشطة تقليدية أو عادية: وتشمل التصويت ومتابعة الأمور السياسية، والدخول مع الغير في مناقشات سياسية، وحضور الندوات والمؤتمرات العامة، والمشاركة في الحملة الانتخابية بالمال والدعاية، والانضمام إلى جماعات المصلحة، والانخراط في عضوية الأحزاب، والاتصال بالمسئولين، والترشيح للمناصب العامة، وتقلد المناصب السياسية.

ويعتبر التصويت أكثر أنماط المشاركة السياسية شيوعًا؛ حيث تعرفه الأنظمة الديمقراطية وغير الديمقراطية على السواء، مع خلاف في دلالته، ودرجة تأثيره، فهو في الأولى آلية للمفاضلة بين المرشحين، واختيار شاغلي المناصب السياسية بدرجة كبيرة من الحرية، ولكنه ليس كذلك في الأنظمة التسلطية، إذ تعد الانتخابات هناك أداة لمن هم في مواقع السلطة، يستخدمونها للدعاية, وكسب التأييد والشرعية, أكثر منها أداة للاختيار السياسي الواعي، والتأثير في شئون الحكم والسياسة من قِبَل الجماهير، ولهذا قد يعتبر الامتناع عن التصويت لونًا من الاحتجاج الصامت.

2ـ أنشطة غير تقليدية: بعضها قانوني مثل الشكوى، وبعضها قانوني في بعض البلاد وغير قانوني في بلاد أخرى، كالتظاهر والإضراب وغيره من السلوكيات السلبية.

وتعتبر المشاركة السياسية شكلاً من أشكال التعليم، حيث يتعلم المواطنون من خلالها حقوقهم وواجباتهم، وهذا يؤدى بدوره إلى معرفة تامة وإدراك كبير لهذه الحقوق والواجبات، وإلى مزيد من الواقعية والمرونة في مطالب هؤلاء المواطنين.
فالمشاركة السياسية ترتبط بالمسئولية الاجتماعية، التي تقوم على أساس الموازنة بين الحقوق والواجبات، لذلك فهي سمة من سمات النظم الديمقراطية، حيث يتوقف نمو وتطور الديمقراطية على مدى اتساع نطاق المشاركة، وجعلها حقوقاً يتمتع بها كل إنسان في المجتمع.

كما تؤدى المشاركة إلى مزيد من الاستقرار والنظام في المجتمع، مما يؤدى بدوره إلى توسيع وتعميق الإحساس بشرعية النظام، ذلك أن المشاركة تعطى الجماهير حقاً ديمقراطياً يمكنهم من محاسبة المسئولين عن أعمالهم، إذا ما قصروا في الأداء؛ ذلك لأن المواطنين التين لديهم معرفة وعلم بمجريات الأمور، يمكنهم الحكم تماماً على مدى جودة الأداء الحكومي، بالإضافة إلى أن المشاركة تدعم العلاقة بين الفرد ومجتمعه، الأمر الذي سينعكس بالضرورة، على شعوره بالانتماء لوطنه الكبير.

كما أن المشاركة تجعل الجماهير أكثر إدراكاً لحجم المشاكل المتعلقة بمجتمعهم وللإمكانيات المتاحة لها فتفتح باباً للتعاون البناء بين الجماهير والمؤسسات الحكومية.

إن المشاركة الحقيقية تعنى في كثير من الأحيان، تدعيم الفكر الحكومي بكثير من الآراء الجماهيرية الصالحة، التي لم تتأثر بتقاليد البيروقراطية وحدودها، كما أنها تؤدى إلى قيام الجماهير بتنظيم أنفسهم في جمعيات أهلية، تساند الهيئات الحكومية في مقابلة الاحتياجات العامة للجماهير ككل.

والمشاركة من خلال الهيئات التطوعية تفتح في بعض الأحيان ميادين للخدمات والنشاط، وهي بذلك، بجانب مساهمتها المادية والمعنوية، توجه الأنظار إلى ميادين جديدة، كما أنها ـ أي المشاركةـ تزيد من الوعي العام للجماهير، لاضطرار القائمين عليها إلى شرح أبعاد الخدمات والمشروعات باستمرار، بغرض حث الجماهير على الاشتراك والمساهمة فيها.

كما أن المشاركة تعود المواطنين الحرص على المال العام، وهي مشكلة تعانى منها غالبية الدول النامية، حيث يتعرض هذا المال إلى الإهدار وسوء الاستعمال من جانب المواطنين، ويرجع ذلك إلى تصور إدراكهم بأن المال العام، هو في حقيقته، نابع من أموالهم الخاصة، وأن سوء استعمال المرافق العامة أو عدم الاهتمام بصيانتها، يؤدى بالضرورة إلى تقصير فترات أعمارها الافتراضية، وبالتالي يكون عليهم تحمل الأعباء المالية، اللازمة لصيانة هذه المرافق، وتجديدها وإعادة بنائها.

فإذا ما شارك هؤلاء المواطنون في إنشاء هذه المرافق، تصبح قيمتها في نظرهم مساوية لأموالهم الخاصة تماماً، فيحرصون على حسن استخدامها.

بالإضافة إلى أن مشاركة المواطنين في المساهمة في تحمل مسئولية صنع القرار، يسهل كثيراً في عملية تنفيذ الخطط والبرامج، ذلك لأن تقبل المواطنين لأية مشروعات قائمة أو جديدة، وكذلك العمل على إتمام نجاح هذه المشروعات، لا يتم إلا إذا شارك المواطنون في التخطيط لهذه المشروعات، بناء على معرفتهم التامة وإدراكهم لفوائد هذه المشروعات وأهميتها.

وأيضاً من خلال المشاركة الجماهيرية، يمكن تحقيق كل أهداف المجتمع، بشكل يضمن تحقيق الحد الأقصى من الفوائد، وبأسلوب يتلاءم مع احتياجات ورغبات وقدرات الجماهير.

كما تسهم المشاركة وتزيد من ارتباط الجماهير بالنظام وأهدافه، وترفع من شأن الولاء والتأثير والمسئولية، وتحسن من الفاعلية، وترفع من مستوى الأداء وتحقق التكيف الاجتماعي، وتقضى على صور استغلال السلطة والاغتراب، وتحقق قيمة المساواة والحرية.

فأهمية المشاركة تأتى من أنها عملية لنقل وإبلاغ حاجات المواطنين إلى الحكومة. ولكنها أيضاً تهدف إلى التأثير على سلوك الحكام، وذلك بتوصيل معلومات عن الأولويات التي تفضلها الجماهير، وأيضاً من خلال الضغط على هؤلاء الحكام؛ ليعملوا وفق هذه الأولويات.

وبذلك تتسع فرص المشاركة، فتقل عمليات استغلال السلطة والشعور بالاغتراب لدى الجماهير، وتتحقق قيم المساواة والحرية، مما يؤدى إلى الاستقرار العام في المجتمع، الأمر الذي يساعد على تحقيق الشروط الاجتماعية والثقافية والسياسية؛ لنجاح خطط التنمية المختلفة.

والمشاركة مبدأ أساسي من مبادئ تنمية المجتمع، فالتنمية الحقيقية الناجحة لا تتم بدون مشاركة، كما أن المشاركة تعتبر أفضل وسيلة لتدعيم وتنمية الشخصية الديمقراطية، على مستوى الفرد والجماعة والمجتمع، وهي، في الوقت نفسه، من أبسط حقوق المواطن، وهي حق أساسي، يجب أن يتمتع به كل مواطن يعيش في مجتمعه، فمن حقه أن يختار حكامه، وأن يختار نوابه، الذين يقومون بالرقابة على الحكام، وتوجيههم لما فيه مصلحة الشعب.

كما أنه من خلال المشاركة، يمكن أن يقوم الفرد بدور في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية لمجتمعه، بقصد تحقيق أهداف التنمية الشاملة، على أن تتاح الفرصة لكل مواطن، لكي يسهم في وضع هذه الأهداف وتحديدها، والتعرف على أفضل الوسائل والأساليب لتحقيقها، وعلى أن يكون اشتراك المواطنين في تلك الجهود، بناء على رغبة منهم في القيام بهذا الدور، دون ضغط أو إجبار من جانب السلطات، وفي هذه الحالة يمكن القول بأن هذه المشاركة، تترجم شعور المواطنين بالمسئولية الاجتماعية تجاه مجتمعهم، والمشكلات المشتركة التي تواجههم، والرغبة في تحويل الأهداف التي يريدون بلوغها، إلى واقع ملموس.
http://www.4shbab.com/index.cfm?do=cms. ... goryid=388