لماذا انفجرت سورية
مرسل: الأحد يوليو 29, 2012 7:49 pm
لماذا انفجرت سورية؟الخميس ٢٦ يوليو ٢٠١٢طرحتُ في الاسابيع الماضية على مسؤولين وسياسيين يعرفون دمشق ودائرة القرار فيها سؤالاً هو الآتي: لماذا انفجرت سورية التي كانت تعتبر نفسها محصنة ضد رياح «الربيع العربي»؟. تمايزت الاجابات لكنها اشارت الى خيط يربط ما سماه احدهم «محطات على طريق الانفجار»، وها أنا أوجزها، علّها تساعد على فهم اسباب ما نشهد.
- في 2001 جرى نقاش داخل القيادة السورية حول طريقة التعاطي مع «ربيع دمشق» الذي رفع المشاركون فيه مطالب اصلاحية «بسيطة وخجولة» تتعلق بالانفتاح والحريات واحترام القانون من دون اي مطالبة بتغيير النظام او اسقاطه. نجح جنرالات الامن وكرادلة الحزب في تصوير هذا التحرك كمصدر للخطر على النظام ملوحين باحتمال ان يستغله الاسلاميون للعودة بعد عقدين من النجاح في اقتلاعهم. تبنى الرئيس بشار الاسد في النهاية وجهة النظر هذه وأضاع فرصة لفتح النوافذ وتقليم أظافر الجنرالات والكرادلة كانت تتيحها له شعبيته آنذاك.
- في 2003 غزت القوات الاميركية العراق واقتلعت نظامه البعثي. انصرفت السلطات السورية عن ملفات الداخل وتفرغت لمواجهة الخطر المقيم على الحدود. اندفعت سورية في خيار افشال الغزو الاميركي بالتنسيق مع ايران على رغم عدم التطابق الكامل بينهما في الحسابات العراقية. فتحت سورية حدودها للجهاديين الراغبين في الانتقال الى العراق ولم تتقبل نصيحة زائر عربي حذرها من ان هذه اللعبة «تشبه المنشار اليوم يذهب الجهاديون الى هناك وغدا يعودون الى هنا». نجحت سورية في زعزعة الوجود الاميركي في العراق لكن العملية السياسية التي اطلقها استمرت وبتشجيع ضمني من طهران التي شعرت ان العملية ستؤدي الى وصول قوى حليفة لها. شاهد السوريون عبر شاشات الفضائيات فصول العنف العراقي لكنهم شاهدوا ايضا العراقيين يتوجهون الى صناديق الاقتراع ويختارون بحرية ممثليهم على انقاض الحزب الواحد القائد للدولة والمجتمع.
- في 2005 وبعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري اضطرت سورية الى سحب قواتها من لبنان. نجحت في استيعاب هذه الانتكاسة وحملة الاتهامات الدولية لكن موقعها داخل التحالف القائم بينها وبين ايران اصيب بضعف كبير. تعمق هذا الخلل بعد حرب 2006 في لبنان. صحيح ان معظم الصواريخ التي سقطت على اسرائيل كانت من صنع سوري لكن المحصلة الفعلية كانت تكريس خط التماس الايراني-الاسرائيلي في جنوب لبنان وضبط هذا الخط بقرار دولي وقوات دولية وتحول «حزب الله» اللاعب الاول في لبنان واضطرار سورية الى ممارسة دورها اللبناني عبره. وفي نشوة النصر التي اعقبت «حرب تموز»، اعتبرت سورية ان الوقت حان لإحالة المثلث السوري - السعودي - المصري الى التقاعد لمصلحة مثلث تحل فيه الدوحة مكان الرياض وانقرة مكان القاهرة.
- في السنوات التالية نجحت سورية في العودة الى الساحة الدولية بفضل جهود قطرية وتركية وفرنسية، لكنها ارتكبت خطأ في القراءة، فبدلاً من ان تعتبر هذه العودة تشجيعاً لها على اعادة النظر في خياراتها المتشددة اقليمياً اعتبرتها دليلاً على «حاجة الآخرين الى سورية». ارتكبت الخطأ نفسه في قراءة مبادرة المصالحة السعودية. وسيظهر ذلك بوضوح في محطتين: الاولى تأييد دمشق لبقاء نوري المالكي في مكتبه بعدما وعدت بغير ذلك، وتأييدها ارغام سعد الحريري على مغادرة مكتبه بعدما وعدت بتسهيل مهمته. وعبر المحطتين خسرت سورية علاقات إقليمية كانت تعتبر بعضها من قماشة العلاقات الاستراتيجية.
- في هذا الوقت، أساءت دمشق تقدير مدى التدهور في العلاقات السنية-الشيعية على مستوى الاقليم، وخسرت ايضا إمكان «موازنة» صورة مع احمدي نجاد وحسن نصرالله، بصورة مع حمد بن خليفة ورجب طيب اردوغان.
- جمدت سورية ملف الاصلاح السياسي سنوات. وتضاعفت نقمة الناس، بسبب افتقار حديث مكافحة الفساد الى الجدية. وأدت عملية الانفتاح الاقتصادي في جانب منها الى مضاعفة المتاعب المعيشية، خصوصا في الارياف التي تشهد زيادة سكانية متسارعة.
اندلع «الربيع العربي»، فاعتقدت دمشق ان لغة الممانعة المتكئة على نظام امني محكم تحصنها ضده. لم تتنبه الى دخول اجيال جديدة مختلفة تطالب بحياة جديدة مختلفة، بعيداً من بيانات الحزب ووطأة الامن. وحين انطلقت الشرارات الاولى في درعا اضاعت السلطة فرصة اطفاء الحريق بمعاقبة المسؤول وإحالة الحزب الى التقاعد واطلاق حل سياسي يمنع امتداد النار الى المدن والبلدات الاخرى. وهكذا انتقلت الاحتجاجات من المطالبة بالاصلاح الى المطالبة بإسقاط النظام وامتدت النار الى معظم انحاء الخريطة. غرقت سورية في القتل داخلياً. وغرقت في العزلة عربياً ودولياً. المشهد ينذر بالآم كثيرة. لقد انفجرت سورية.
http://alhayat.com/OpinionsDetails/421431
- في 2001 جرى نقاش داخل القيادة السورية حول طريقة التعاطي مع «ربيع دمشق» الذي رفع المشاركون فيه مطالب اصلاحية «بسيطة وخجولة» تتعلق بالانفتاح والحريات واحترام القانون من دون اي مطالبة بتغيير النظام او اسقاطه. نجح جنرالات الامن وكرادلة الحزب في تصوير هذا التحرك كمصدر للخطر على النظام ملوحين باحتمال ان يستغله الاسلاميون للعودة بعد عقدين من النجاح في اقتلاعهم. تبنى الرئيس بشار الاسد في النهاية وجهة النظر هذه وأضاع فرصة لفتح النوافذ وتقليم أظافر الجنرالات والكرادلة كانت تتيحها له شعبيته آنذاك.
- في 2003 غزت القوات الاميركية العراق واقتلعت نظامه البعثي. انصرفت السلطات السورية عن ملفات الداخل وتفرغت لمواجهة الخطر المقيم على الحدود. اندفعت سورية في خيار افشال الغزو الاميركي بالتنسيق مع ايران على رغم عدم التطابق الكامل بينهما في الحسابات العراقية. فتحت سورية حدودها للجهاديين الراغبين في الانتقال الى العراق ولم تتقبل نصيحة زائر عربي حذرها من ان هذه اللعبة «تشبه المنشار اليوم يذهب الجهاديون الى هناك وغدا يعودون الى هنا». نجحت سورية في زعزعة الوجود الاميركي في العراق لكن العملية السياسية التي اطلقها استمرت وبتشجيع ضمني من طهران التي شعرت ان العملية ستؤدي الى وصول قوى حليفة لها. شاهد السوريون عبر شاشات الفضائيات فصول العنف العراقي لكنهم شاهدوا ايضا العراقيين يتوجهون الى صناديق الاقتراع ويختارون بحرية ممثليهم على انقاض الحزب الواحد القائد للدولة والمجتمع.
- في 2005 وبعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري اضطرت سورية الى سحب قواتها من لبنان. نجحت في استيعاب هذه الانتكاسة وحملة الاتهامات الدولية لكن موقعها داخل التحالف القائم بينها وبين ايران اصيب بضعف كبير. تعمق هذا الخلل بعد حرب 2006 في لبنان. صحيح ان معظم الصواريخ التي سقطت على اسرائيل كانت من صنع سوري لكن المحصلة الفعلية كانت تكريس خط التماس الايراني-الاسرائيلي في جنوب لبنان وضبط هذا الخط بقرار دولي وقوات دولية وتحول «حزب الله» اللاعب الاول في لبنان واضطرار سورية الى ممارسة دورها اللبناني عبره. وفي نشوة النصر التي اعقبت «حرب تموز»، اعتبرت سورية ان الوقت حان لإحالة المثلث السوري - السعودي - المصري الى التقاعد لمصلحة مثلث تحل فيه الدوحة مكان الرياض وانقرة مكان القاهرة.
- في السنوات التالية نجحت سورية في العودة الى الساحة الدولية بفضل جهود قطرية وتركية وفرنسية، لكنها ارتكبت خطأ في القراءة، فبدلاً من ان تعتبر هذه العودة تشجيعاً لها على اعادة النظر في خياراتها المتشددة اقليمياً اعتبرتها دليلاً على «حاجة الآخرين الى سورية». ارتكبت الخطأ نفسه في قراءة مبادرة المصالحة السعودية. وسيظهر ذلك بوضوح في محطتين: الاولى تأييد دمشق لبقاء نوري المالكي في مكتبه بعدما وعدت بغير ذلك، وتأييدها ارغام سعد الحريري على مغادرة مكتبه بعدما وعدت بتسهيل مهمته. وعبر المحطتين خسرت سورية علاقات إقليمية كانت تعتبر بعضها من قماشة العلاقات الاستراتيجية.
- في هذا الوقت، أساءت دمشق تقدير مدى التدهور في العلاقات السنية-الشيعية على مستوى الاقليم، وخسرت ايضا إمكان «موازنة» صورة مع احمدي نجاد وحسن نصرالله، بصورة مع حمد بن خليفة ورجب طيب اردوغان.
- جمدت سورية ملف الاصلاح السياسي سنوات. وتضاعفت نقمة الناس، بسبب افتقار حديث مكافحة الفساد الى الجدية. وأدت عملية الانفتاح الاقتصادي في جانب منها الى مضاعفة المتاعب المعيشية، خصوصا في الارياف التي تشهد زيادة سكانية متسارعة.
اندلع «الربيع العربي»، فاعتقدت دمشق ان لغة الممانعة المتكئة على نظام امني محكم تحصنها ضده. لم تتنبه الى دخول اجيال جديدة مختلفة تطالب بحياة جديدة مختلفة، بعيداً من بيانات الحزب ووطأة الامن. وحين انطلقت الشرارات الاولى في درعا اضاعت السلطة فرصة اطفاء الحريق بمعاقبة المسؤول وإحالة الحزب الى التقاعد واطلاق حل سياسي يمنع امتداد النار الى المدن والبلدات الاخرى. وهكذا انتقلت الاحتجاجات من المطالبة بالاصلاح الى المطالبة بإسقاط النظام وامتدت النار الى معظم انحاء الخريطة. غرقت سورية في القتل داخلياً. وغرقت في العزلة عربياً ودولياً. المشهد ينذر بالآم كثيرة. لقد انفجرت سورية.
http://alhayat.com/OpinionsDetails/421431