By فيصل العثيمين-3 - الجمعة سبتمبر 07, 2012 2:16 pm
- الجمعة سبتمبر 07, 2012 2:16 pm
#53695
قبل أن تأخذ المملكة العربية السعودية مكانها في مبنى الأمم المتحدة يوم 24 أكتوبر عام 1945م في اليوم نفسه الذي أصبح فيه ميثاق الأمم المتحدة نافذاً بعد أن وُقِّعَ عليه في سان فرانسيسكو يوم 26 يونيه 1945م ... قبل ذلك بأكثر من عشر سنوات نقل حجاج المغرب ، على الرغم من وسائلهم المحدودة آنذاك، النص الكامل لخطاب الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود في وفود الحجاج رافعاً شعار " من أجل توحيد الأمة الإسلامية " .
لقد كانت المصادر المغربية من أول الجهات التي اهتمت بخطاب العاهل السعودي برمته، ومنذ ذلك الوقت تعرفنا على تصورات المملكة إزاء المجموعة الدولية آنــذاك، وكان ذلك بمكة المكرمـــة مساء الخميس السـادس من ذي الحجة 1352هـ / 22 مارس 1934م أثناء مأدبة العشاء التي أقامها الملك عبدالعزيز تكريماً للضيوف الذين كان على رأسهم الوفد الذي بعثه العاهل المغربي السلطان سيدي محمد بن يوسف([1]) .
ويبدو أن هذه البعثة كانت – إضافةً إلى ماسبقها من بعثات – تهدف إلى تأكيد الأواصر التي تربط المغرب بالحجاز عبر السنين والقرون، وخاصةً بعد أن استتب قدم البطل المغوار المجاهد المناضل الملك عبدالعزيز آل سعود في عاصمة الرياض التي نهـض منها يوم الجمعة متم ذي القعدة في موكب فخم حيث وصل بعد أربعة مراحل إلى العاصمة الحجازية: مكة المكرمة على ما يحكيه شاهد عيان([2]) .
ولم يفت الملك عبدالعزيز في ذلك الخطاب التاريخي المرتجل أن يشجب العدوان من أي كان على أيّ كان ... كما لم يفته أن يقارن بين الوضع في النمسا التي تعرضت لحروب داخلية فوجدت من يخمد أنفاسها([3]) ، وبين الوضع في الجزيرة العربية التي لم تجد من يقــوم بمساعيـــه من أجل تقريب وجهات النظر بين قادتها... وتساءل – رحمه اللَّه – مستغرباً غفلة الأمة الإسلامية عن الاستفادة مما يجري حولها ...
من هذه المنطلقات البعيدة النظر خططت الدبلوماسية السعودية لسياستها وهي تستعد للإسهام في المجتمع الدولي ...
رسم الخطـــاب :
وهكذا فمن خلال استعراضنا للمواقف التي اتخذتها الخارجية السعودية ابتداءً من هذا التاريخ نجد أن المملكة ظلت تقاوم الظلم من أي كان مأتاه ، وظلت تناصر قضايا الاستقلال والوحدة الوطنية للأمم التي كانت آنذاك ترزح تحت نير الاستعمار الأجنبي..
وينبغي في هذا الصدد أن نرجع إلى أرشيف الأمم المتحدة لنقف على هذه المواقف المعززة ليس فقط بالتدخلات الكتابية والصوتية، ولكن كذلك بطريق الصور التي كانت تلتقط في هذه المناسبة أو تلك([4]) .
وسأختار بهذه المناسبة بلاد المغرب التي نعرف عن دورها هي منذ القدم في صنع التاريخ الدولي قبل أن نتعرض للعدوان الذي استهدفها، بعد كفاح مرير ضد الأطماع الأوربية إلى أن اضطرت لقبول الحماية الفرنسية عام 1912م تحت ضغط شديد توالى عليها من كل جهة، بالرغم من أنها أي بلاد المغرب لم، تنفك تقاوم الاستعمار على مختلف الصعد بشيوخها وشبابها .
ومن المصادفات الغريبة أن نسمع بميلاد الأمم المتحدة 1945م، على الرغم ونحن ما نزال نرسف في قيودنا خلف القضبان الحديدية بالسجون المغربية في أعقاب الانتفاضة العارمة عام 1944م للمطالبة باسترجاع الاستقلال الذي سرقته منا القوات الاستعمارية... !
لقد اقترن ميلاد المنظمة الأممية بظهور وثيقة المطالبة بالاستقلال ، وما من شك في أن الدول العربية التي كانت قد التحقت بالأمم المتحدة كانت على علم بجو القمع والظلم الذي كان المغرب يعيشه قمة وقاعدة .
ولم يكن غريباً علينا أن نسمع لأول مرة في 20 نوفمبر عام 1950م صدى المغرب من مبنى الأمم المتحدة في دورتها الخامسة التي انعقدت برئاسة الأمير التايلاندي فان ورثاياركون Van Wartayarkon ، فمنذ ذلك الوقت ظهرت مناصرة المملكة العربية السعودية جلية للقضية المغربية إلى جانب دول الجامعة العربية التي حفظنا من أسماء رجالها في ذلك التاريخ اسم فاضل الجمالي ( العراق ) ، وجمال مكاوي ( لبنان ) ، وعدنان الترسيــــسي ( اليمن ) ، وأحمد الشقــــيري ( سوريا ) ، وصــــلاح الدين باشا ( مصر ) ، ورشاد فرعون (العربية السعودية) .
صورة الوفود العربية :
وفي أثناء الدورة السادسة التي انعقدت بباريس في قصر شايو وبالذات في الجلسة التي انعقدت يوم 26 نوفمبر 1951م تصدى لمهاجمة الاستعمار الفرنسي في عقر داره عدد من المندوبين العرب كان في صدرهم عن المملكة العربية السعودية السيد صفي الدين الذي كم كنت أتوق لمعرفة المزيد عن حياته .
لقد كشف السيد صفي الدين في جلسة ما بعد الظهر، في قصر شايو، كشف عن خيبته لعدم توصل اللجنة الخاصة إلى اتفاق جماعي بشأن الشروط التي يجب وضعها في الحسبان لتقرير تأهيل الشعوب المستعمرة لأخذ زمام أمرها بنفسها، وقد أعطى السيد صفي الدين أهمية بالغة لقضية المغرب ؛ نظراً للعلاقة الوطيدة التي تربط بلاده بالمغرب بصفتها بلداً عربياً وإسلامياً وبصفتها بلداً أيضاً يتعلق بمبادئ ميثاق الأمم المتحدة .
وقد لحظ السيد صفي الدين:أن حياة المغرب تحت السيطرة الأجنبية يتنافى مع رغبات هذا البلد العربي ومصالحه، كما لحظ أنه إذا ما كانت فرنسا تسعى بصدق لتحقيق الواجبات الملقاة على كاهلها بمقتضى ميثاق الأمم المتحدة، وإذا ما كانت تعمل على إرضاء رغبات الشعب المغربي اليوم، فإن الصعوبات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها اليوم بالمغرب سوف تخف، ومن ثم تفوز فرنسا بصداقة الشعب المغربي والعالم الإسلامي، وسوف تبرهن على أنها وفية للمثل والمبادئ الأصيلة التي عرفت عنها ، وسوف تأخذ مكانة جديرة بها بين الدول التي تعمل على تطبيق مبادئ ميثاق الأمم المتحدة في العالم كله([5]) .
صورة الوفد السعودي :
لقد شعر الفرنسيون في الدورة الخامسة السابقة التي انعقدت في نيويورك، بأنهم – أعني الفرنسيين – يتعرضون لحملات متوالية من جراء تعاملهم مع قضية الاستعمار، ولذلك فإنهم اقترحوا تحويل الدورة السادسة إلى باريس حتى يقع المندوبون تحت ضغط "الضيافة" !! لكن الذي حصل أن المندوبين العرب ومن سار على طريقهم هاجموا الفكر الاستعماري بشدة وعنف ..
وقد حاولت أن أحصل على النص الكامل لمندوب العربية السعودية السيد صفي الدين ومعه بقية التداخلات التي كانت تقف إلى جانب المغرب، لكني فوجئت بأن معظم الوثائق المتعلقة بالقضية المغربية قد أتلف من قبل دهاقنة الاستعمار الذين لم يرقهم أن يسمعوا عن مرافعات ساخنة من أقصى المشرق توجه لصالح قوم يوجدون في أقصى المغرب وعلى منبر عام في باريس .
وحتى جريدة " لوموند " الباريسية التي نعرف نزعتها التحريرية انساقت مع خصوم الحرية ، فلم تردد صدى جميع ما كان يقال ، الأمر الذي تسرب إلينا نحن في المغرب عن طريق أصدقائنا وطلبتنا الذين كانوا يدرسون في فرنسا مما نشر لاحقاً في مجلة [ رسالة المغرب ] .
واستمر أمر اضطهاد المغرب إلى أن حل موعد الدورة السابعة التي انعقدت في نيويورك في أكتوبر 1952م حيث استمعنا إلى عدد من المندوبين الذين ظلوا يشهرون بغطرسة الاستعمار ، وينددون بتصرفاته ضد المواطنين المغاربة .
ولم يكن غريباً أن نجد ملفاً مهماً جداً باللغة الإنجليزية في أرشيف الأمم المتحدة، كان هذا الملف يحمل توقيع ثلاث عشرة دولة كان فيها، بطبيعة الحال المملكة العربية السعودية، إلى جانب أفغانستان، بورما، مصر، الهند، أندونيسيا، إيران، العراق، لبنان، باكستان، الفلبين، سوريا، اليمن، وقد كان الملف المشار إليه يحتوي على ثلاث وثائق :
1– رسالة بتاريخ 3 سبتمبر 1952م تحمل توقيع مندوبي الدول الثلاث عشرة المشار إليها .
2– مذكرة توضيحية بتاريخ 15 سبتمبر 1952م .
3– وأخيراً البلاغ المهم الذي أصدره السلطان سيدي محمد بن يوسف بتاريخ 8 أكتوبر1952م .
لقد عدَّ هذا البلاغ في نظر اللاحظين السياسيين بأروقة الأمم المتحدة أعظم سند وأقواه قدم إلى الذين يدافعون عن القضية المغربية في الأمم المتحدة .
كان على رأس الحاضرين في هذه الدورة عدد من وزراء الخارجية للدول الشقيقـة والصديقة على رأسهم سمو الأمير فيصل بن عبدالعزيز وزير الخارجية آنذاك .
صورة من الأرشيف الخاص للدكتور التازي :
وقد أقدم الاستعمار على فعلته الخرقاء التي أفاضت الكأس المتمثلة في نفي العاهل المغربي الملك سيدي محمد بن يوسف إلى أقاصي الدنيا في عام 1953م ، وكان اليوم الذي نفي فيه يصادف في المملكة العربية السعودية يوم عيد الأضحى حيث انطلقت أصوات الابتهالات والتوسلات إلى الله: أن ينتقم من العدوان! وكانت فرصة ليعرف من لم يكن يعرف من سائر أنحاء العالم الإسلامي هول ما حل بالمغرب من خرق سافر للحق ، ومن عدوان مارق على السيادة المغربية التي ظلت حاضرة عبر التاريخ، أما في المغرب فقد اكتوى الناس بنار لم يشعروا بمضاضتها من ذي قبل حيث شعر المواطنون بإهانة بالغة نالت من كبريائهم ..
وقد اتجهت الأنظار قاطبة إلى الدورة الثامنة للأمم المتحدة التي انعقدت بنيويورك في خريف سنة 1953م في أعقاب ارتكاب هذا الجرم الفظيع حيث سنقف على مذكرة صارخة تطلب من الأمين العام للأمم المتحدة تسجيل القضية المغربية استعداداً لفضح العدوان .
وكانت المملكة العربية السعودية أيضاً في صدر الموقعين على المذكرة إلى جانب أفغانستان،وبيرمانيا،ولبنان،وليبيريا،ومصر، والهند، وأندونيسيا، وإيران، والعراق، وباكستان، وسوريا، وتايلاند، واليمن .
وقد تدخل السيد مندوب المملكة العربية السعودية السيد أبو خضراء الذي رافع باسم المملكة عن القضية بعد ظهر الثلاثاء 20 أكتوبر 1953م عندما زعم المندوب الفرنسي أن الدول العربية لا حق لها في الدفاع عن جهات بعيدة عنها! ، لقد أجاب السيد أبو خضراء : " إن وفد العربية السعودية مهتم بقضية البلدان المستعمرة ... إن من بين مائتي مليون شخص مستعمر يوجد عشرون مليوناً عربياً يعتمدون على الدول العربية لكي تقدم لهم المساعدة .
ولهذا فإن الدول العربية – يقول المندوب السعودي– لها كامل الحق بأن تتكلم باسم أولئك المظلومين، وإننا نعزز كل الملاحظات التي تقدم بها الممثلون للدول العربية الأخرى فيما يتصل بالمملكة المغربية . إن عرب هذه البلاد لهم كامل الحق في حريتهم واستقلالهم، وإن العربية السعودية لا تفتأ تعبر عن رأيها هذا أمام سائر اللجان " .
لقد كانت مرافعة السيد أبو خضراء مرافعة قانونية تعتمد على الحجج والبراهين ، وقد ذكر السيد أبو خضراء بالمادة الثالثة والسبعين من الفصل الحادي عشر لميثاق الأمم المتحدة وهي المادة المتعلقة بالبلدان غير المتمتعة بالحكم الذاتي ، وهنا اغتنم الفرصة ليشهر بنسبة التعليم في هذه البلدان وهي تبعث على الأسى والأسف ... مؤكداً أن الوصية 647 التي صدرت عن الجمعية الوطنية أكثر ضعفاً من التوصية التي صدرت تحت رقم 566 فصل نحن سائرون إلى الأمام أو إلى الوراء ؟! .
وقد ختم السيد أبو خضراء مرافعته بأنه سيعود في الوقت المناسب لإعطاء رأيه بشأن التوصيات([6]) .
ثم كان موعد الأمم المتحدة مع الدورة التاسعة التي انعقدت كذلك في نيويورك في شهر يولية 1954م ، التي حملت معها مذكرة تفسيرية بشأن ماجد على الساحة المغربية من ثورات في كل جهات المغرب التي أصبحت معتقلاً كبيراً للسجون ومسرحاً لإراقة الدماء .
وأمام الإجماع الذي كان يناصر العاهل المغربي الذي كانت المملكة العربية السعودية على رأس العاملين على تحقيقه بما تمتلكه من وسائل، شهدت الدورة العاشرة للأمم المتحدة التي تمت في صيف 1955م عدداً ضخماً من الذين كانوا يتكاثرون يوماً عن يوم ليقفوا إلى جانب القضية المغربية، الأمر الذي لم يلبث معه الرأي العالمي جميعه أن سمع بعودة العاهل المغربي سيدي محمد بن يوسف (محمد الخامس) إلى عرشه ، بل وأن يقوم هو نفسه يوم تاسع ديسمبر 1957م بزيارة الأمم المتحدة التي انشغلت بذكره طوال أمد طويل .
صورة محمد الخامس بالأمم المتحدة :
ذلك نموذج من نماذج تحرك الدبلوماسية العربية السعودية من أجل استرجاع استقلال الدول التي ابتليت بالاستعمار الأجنبي، ومن أجل تعزيز الصف العربي ودعم دولة الحق والقانون .
وإذا كـــان لي من اقـــتراح أتقـــدم به في هذه المناســــبة إلى مـــؤتمركم هذا فهو أن يقوم " معهد الدراسات الدبلوماسية" التابع لوزارة الخارجية :
أولاً : برصد نشاط الدبلوماسية السعودية طوال المدة الماضية على الصعيد العربي أو الصعيد الدولي فإننا بذلك سنجمع حصيلة جيدة لتدريب أطرنا من جهة ، ولتقويم مواقفنا من جهة أخرى .
ثانياً : بتتبع ماقدمته العربية السعودية من مساعدات لمختلف الدول التي أخذت طريقها في التنمية سواء أكانت في آسيا أو إفريقيا أو غيرهما ، وإننا بذلك الجهد سنعمل أيضاً على تجميع مادة ثرية تنفعنا في حديث اليوم والغد عن إسهام العربية السعودية في بناء المجتمع الدولي .
لقد كانت المصادر المغربية من أول الجهات التي اهتمت بخطاب العاهل السعودي برمته، ومنذ ذلك الوقت تعرفنا على تصورات المملكة إزاء المجموعة الدولية آنــذاك، وكان ذلك بمكة المكرمـــة مساء الخميس السـادس من ذي الحجة 1352هـ / 22 مارس 1934م أثناء مأدبة العشاء التي أقامها الملك عبدالعزيز تكريماً للضيوف الذين كان على رأسهم الوفد الذي بعثه العاهل المغربي السلطان سيدي محمد بن يوسف([1]) .
ويبدو أن هذه البعثة كانت – إضافةً إلى ماسبقها من بعثات – تهدف إلى تأكيد الأواصر التي تربط المغرب بالحجاز عبر السنين والقرون، وخاصةً بعد أن استتب قدم البطل المغوار المجاهد المناضل الملك عبدالعزيز آل سعود في عاصمة الرياض التي نهـض منها يوم الجمعة متم ذي القعدة في موكب فخم حيث وصل بعد أربعة مراحل إلى العاصمة الحجازية: مكة المكرمة على ما يحكيه شاهد عيان([2]) .
ولم يفت الملك عبدالعزيز في ذلك الخطاب التاريخي المرتجل أن يشجب العدوان من أي كان على أيّ كان ... كما لم يفته أن يقارن بين الوضع في النمسا التي تعرضت لحروب داخلية فوجدت من يخمد أنفاسها([3]) ، وبين الوضع في الجزيرة العربية التي لم تجد من يقــوم بمساعيـــه من أجل تقريب وجهات النظر بين قادتها... وتساءل – رحمه اللَّه – مستغرباً غفلة الأمة الإسلامية عن الاستفادة مما يجري حولها ...
من هذه المنطلقات البعيدة النظر خططت الدبلوماسية السعودية لسياستها وهي تستعد للإسهام في المجتمع الدولي ...
رسم الخطـــاب :
وهكذا فمن خلال استعراضنا للمواقف التي اتخذتها الخارجية السعودية ابتداءً من هذا التاريخ نجد أن المملكة ظلت تقاوم الظلم من أي كان مأتاه ، وظلت تناصر قضايا الاستقلال والوحدة الوطنية للأمم التي كانت آنذاك ترزح تحت نير الاستعمار الأجنبي..
وينبغي في هذا الصدد أن نرجع إلى أرشيف الأمم المتحدة لنقف على هذه المواقف المعززة ليس فقط بالتدخلات الكتابية والصوتية، ولكن كذلك بطريق الصور التي كانت تلتقط في هذه المناسبة أو تلك([4]) .
وسأختار بهذه المناسبة بلاد المغرب التي نعرف عن دورها هي منذ القدم في صنع التاريخ الدولي قبل أن نتعرض للعدوان الذي استهدفها، بعد كفاح مرير ضد الأطماع الأوربية إلى أن اضطرت لقبول الحماية الفرنسية عام 1912م تحت ضغط شديد توالى عليها من كل جهة، بالرغم من أنها أي بلاد المغرب لم، تنفك تقاوم الاستعمار على مختلف الصعد بشيوخها وشبابها .
ومن المصادفات الغريبة أن نسمع بميلاد الأمم المتحدة 1945م، على الرغم ونحن ما نزال نرسف في قيودنا خلف القضبان الحديدية بالسجون المغربية في أعقاب الانتفاضة العارمة عام 1944م للمطالبة باسترجاع الاستقلال الذي سرقته منا القوات الاستعمارية... !
لقد اقترن ميلاد المنظمة الأممية بظهور وثيقة المطالبة بالاستقلال ، وما من شك في أن الدول العربية التي كانت قد التحقت بالأمم المتحدة كانت على علم بجو القمع والظلم الذي كان المغرب يعيشه قمة وقاعدة .
ولم يكن غريباً علينا أن نسمع لأول مرة في 20 نوفمبر عام 1950م صدى المغرب من مبنى الأمم المتحدة في دورتها الخامسة التي انعقدت برئاسة الأمير التايلاندي فان ورثاياركون Van Wartayarkon ، فمنذ ذلك الوقت ظهرت مناصرة المملكة العربية السعودية جلية للقضية المغربية إلى جانب دول الجامعة العربية التي حفظنا من أسماء رجالها في ذلك التاريخ اسم فاضل الجمالي ( العراق ) ، وجمال مكاوي ( لبنان ) ، وعدنان الترسيــــسي ( اليمن ) ، وأحمد الشقــــيري ( سوريا ) ، وصــــلاح الدين باشا ( مصر ) ، ورشاد فرعون (العربية السعودية) .
صورة الوفود العربية :
وفي أثناء الدورة السادسة التي انعقدت بباريس في قصر شايو وبالذات في الجلسة التي انعقدت يوم 26 نوفمبر 1951م تصدى لمهاجمة الاستعمار الفرنسي في عقر داره عدد من المندوبين العرب كان في صدرهم عن المملكة العربية السعودية السيد صفي الدين الذي كم كنت أتوق لمعرفة المزيد عن حياته .
لقد كشف السيد صفي الدين في جلسة ما بعد الظهر، في قصر شايو، كشف عن خيبته لعدم توصل اللجنة الخاصة إلى اتفاق جماعي بشأن الشروط التي يجب وضعها في الحسبان لتقرير تأهيل الشعوب المستعمرة لأخذ زمام أمرها بنفسها، وقد أعطى السيد صفي الدين أهمية بالغة لقضية المغرب ؛ نظراً للعلاقة الوطيدة التي تربط بلاده بالمغرب بصفتها بلداً عربياً وإسلامياً وبصفتها بلداً أيضاً يتعلق بمبادئ ميثاق الأمم المتحدة .
وقد لحظ السيد صفي الدين:أن حياة المغرب تحت السيطرة الأجنبية يتنافى مع رغبات هذا البلد العربي ومصالحه، كما لحظ أنه إذا ما كانت فرنسا تسعى بصدق لتحقيق الواجبات الملقاة على كاهلها بمقتضى ميثاق الأمم المتحدة، وإذا ما كانت تعمل على إرضاء رغبات الشعب المغربي اليوم، فإن الصعوبات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها اليوم بالمغرب سوف تخف، ومن ثم تفوز فرنسا بصداقة الشعب المغربي والعالم الإسلامي، وسوف تبرهن على أنها وفية للمثل والمبادئ الأصيلة التي عرفت عنها ، وسوف تأخذ مكانة جديرة بها بين الدول التي تعمل على تطبيق مبادئ ميثاق الأمم المتحدة في العالم كله([5]) .
صورة الوفد السعودي :
لقد شعر الفرنسيون في الدورة الخامسة السابقة التي انعقدت في نيويورك، بأنهم – أعني الفرنسيين – يتعرضون لحملات متوالية من جراء تعاملهم مع قضية الاستعمار، ولذلك فإنهم اقترحوا تحويل الدورة السادسة إلى باريس حتى يقع المندوبون تحت ضغط "الضيافة" !! لكن الذي حصل أن المندوبين العرب ومن سار على طريقهم هاجموا الفكر الاستعماري بشدة وعنف ..
وقد حاولت أن أحصل على النص الكامل لمندوب العربية السعودية السيد صفي الدين ومعه بقية التداخلات التي كانت تقف إلى جانب المغرب، لكني فوجئت بأن معظم الوثائق المتعلقة بالقضية المغربية قد أتلف من قبل دهاقنة الاستعمار الذين لم يرقهم أن يسمعوا عن مرافعات ساخنة من أقصى المشرق توجه لصالح قوم يوجدون في أقصى المغرب وعلى منبر عام في باريس .
وحتى جريدة " لوموند " الباريسية التي نعرف نزعتها التحريرية انساقت مع خصوم الحرية ، فلم تردد صدى جميع ما كان يقال ، الأمر الذي تسرب إلينا نحن في المغرب عن طريق أصدقائنا وطلبتنا الذين كانوا يدرسون في فرنسا مما نشر لاحقاً في مجلة [ رسالة المغرب ] .
واستمر أمر اضطهاد المغرب إلى أن حل موعد الدورة السابعة التي انعقدت في نيويورك في أكتوبر 1952م حيث استمعنا إلى عدد من المندوبين الذين ظلوا يشهرون بغطرسة الاستعمار ، وينددون بتصرفاته ضد المواطنين المغاربة .
ولم يكن غريباً أن نجد ملفاً مهماً جداً باللغة الإنجليزية في أرشيف الأمم المتحدة، كان هذا الملف يحمل توقيع ثلاث عشرة دولة كان فيها، بطبيعة الحال المملكة العربية السعودية، إلى جانب أفغانستان، بورما، مصر، الهند، أندونيسيا، إيران، العراق، لبنان، باكستان، الفلبين، سوريا، اليمن، وقد كان الملف المشار إليه يحتوي على ثلاث وثائق :
1– رسالة بتاريخ 3 سبتمبر 1952م تحمل توقيع مندوبي الدول الثلاث عشرة المشار إليها .
2– مذكرة توضيحية بتاريخ 15 سبتمبر 1952م .
3– وأخيراً البلاغ المهم الذي أصدره السلطان سيدي محمد بن يوسف بتاريخ 8 أكتوبر1952م .
لقد عدَّ هذا البلاغ في نظر اللاحظين السياسيين بأروقة الأمم المتحدة أعظم سند وأقواه قدم إلى الذين يدافعون عن القضية المغربية في الأمم المتحدة .
كان على رأس الحاضرين في هذه الدورة عدد من وزراء الخارجية للدول الشقيقـة والصديقة على رأسهم سمو الأمير فيصل بن عبدالعزيز وزير الخارجية آنذاك .
صورة من الأرشيف الخاص للدكتور التازي :
وقد أقدم الاستعمار على فعلته الخرقاء التي أفاضت الكأس المتمثلة في نفي العاهل المغربي الملك سيدي محمد بن يوسف إلى أقاصي الدنيا في عام 1953م ، وكان اليوم الذي نفي فيه يصادف في المملكة العربية السعودية يوم عيد الأضحى حيث انطلقت أصوات الابتهالات والتوسلات إلى الله: أن ينتقم من العدوان! وكانت فرصة ليعرف من لم يكن يعرف من سائر أنحاء العالم الإسلامي هول ما حل بالمغرب من خرق سافر للحق ، ومن عدوان مارق على السيادة المغربية التي ظلت حاضرة عبر التاريخ، أما في المغرب فقد اكتوى الناس بنار لم يشعروا بمضاضتها من ذي قبل حيث شعر المواطنون بإهانة بالغة نالت من كبريائهم ..
وقد اتجهت الأنظار قاطبة إلى الدورة الثامنة للأمم المتحدة التي انعقدت بنيويورك في خريف سنة 1953م في أعقاب ارتكاب هذا الجرم الفظيع حيث سنقف على مذكرة صارخة تطلب من الأمين العام للأمم المتحدة تسجيل القضية المغربية استعداداً لفضح العدوان .
وكانت المملكة العربية السعودية أيضاً في صدر الموقعين على المذكرة إلى جانب أفغانستان،وبيرمانيا،ولبنان،وليبيريا،ومصر، والهند، وأندونيسيا، وإيران، والعراق، وباكستان، وسوريا، وتايلاند، واليمن .
وقد تدخل السيد مندوب المملكة العربية السعودية السيد أبو خضراء الذي رافع باسم المملكة عن القضية بعد ظهر الثلاثاء 20 أكتوبر 1953م عندما زعم المندوب الفرنسي أن الدول العربية لا حق لها في الدفاع عن جهات بعيدة عنها! ، لقد أجاب السيد أبو خضراء : " إن وفد العربية السعودية مهتم بقضية البلدان المستعمرة ... إن من بين مائتي مليون شخص مستعمر يوجد عشرون مليوناً عربياً يعتمدون على الدول العربية لكي تقدم لهم المساعدة .
ولهذا فإن الدول العربية – يقول المندوب السعودي– لها كامل الحق بأن تتكلم باسم أولئك المظلومين، وإننا نعزز كل الملاحظات التي تقدم بها الممثلون للدول العربية الأخرى فيما يتصل بالمملكة المغربية . إن عرب هذه البلاد لهم كامل الحق في حريتهم واستقلالهم، وإن العربية السعودية لا تفتأ تعبر عن رأيها هذا أمام سائر اللجان " .
لقد كانت مرافعة السيد أبو خضراء مرافعة قانونية تعتمد على الحجج والبراهين ، وقد ذكر السيد أبو خضراء بالمادة الثالثة والسبعين من الفصل الحادي عشر لميثاق الأمم المتحدة وهي المادة المتعلقة بالبلدان غير المتمتعة بالحكم الذاتي ، وهنا اغتنم الفرصة ليشهر بنسبة التعليم في هذه البلدان وهي تبعث على الأسى والأسف ... مؤكداً أن الوصية 647 التي صدرت عن الجمعية الوطنية أكثر ضعفاً من التوصية التي صدرت تحت رقم 566 فصل نحن سائرون إلى الأمام أو إلى الوراء ؟! .
وقد ختم السيد أبو خضراء مرافعته بأنه سيعود في الوقت المناسب لإعطاء رأيه بشأن التوصيات([6]) .
ثم كان موعد الأمم المتحدة مع الدورة التاسعة التي انعقدت كذلك في نيويورك في شهر يولية 1954م ، التي حملت معها مذكرة تفسيرية بشأن ماجد على الساحة المغربية من ثورات في كل جهات المغرب التي أصبحت معتقلاً كبيراً للسجون ومسرحاً لإراقة الدماء .
وأمام الإجماع الذي كان يناصر العاهل المغربي الذي كانت المملكة العربية السعودية على رأس العاملين على تحقيقه بما تمتلكه من وسائل، شهدت الدورة العاشرة للأمم المتحدة التي تمت في صيف 1955م عدداً ضخماً من الذين كانوا يتكاثرون يوماً عن يوم ليقفوا إلى جانب القضية المغربية، الأمر الذي لم يلبث معه الرأي العالمي جميعه أن سمع بعودة العاهل المغربي سيدي محمد بن يوسف (محمد الخامس) إلى عرشه ، بل وأن يقوم هو نفسه يوم تاسع ديسمبر 1957م بزيارة الأمم المتحدة التي انشغلت بذكره طوال أمد طويل .
صورة محمد الخامس بالأمم المتحدة :
ذلك نموذج من نماذج تحرك الدبلوماسية العربية السعودية من أجل استرجاع استقلال الدول التي ابتليت بالاستعمار الأجنبي، ومن أجل تعزيز الصف العربي ودعم دولة الحق والقانون .
وإذا كـــان لي من اقـــتراح أتقـــدم به في هذه المناســــبة إلى مـــؤتمركم هذا فهو أن يقوم " معهد الدراسات الدبلوماسية" التابع لوزارة الخارجية :
أولاً : برصد نشاط الدبلوماسية السعودية طوال المدة الماضية على الصعيد العربي أو الصعيد الدولي فإننا بذلك سنجمع حصيلة جيدة لتدريب أطرنا من جهة ، ولتقويم مواقفنا من جهة أخرى .
ثانياً : بتتبع ماقدمته العربية السعودية من مساعدات لمختلف الدول التي أخذت طريقها في التنمية سواء أكانت في آسيا أو إفريقيا أو غيرهما ، وإننا بذلك الجهد سنعمل أيضاً على تجميع مادة ثرية تنفعنا في حديث اليوم والغد عن إسهام العربية السعودية في بناء المجتمع الدولي .