صفحة 1 من 1

الدبلوماسية السعودية التقليدية

مرسل: الاثنين سبتمبر 10, 2012 10:04 pm
بواسطة خالد العجاجي (81)
الدبلوماسية السعودية التقليدية كانت ولفترة طويلة من الزمن تنتهج اسلوب «عدم التفاعل» مع الأحداث السياسية في المنطقة العربية وانما تحافظ على الوضع القائم من خلال تقديم الدعم المالي للدول العربية، لكن هذا المنهج اختلف جذرياً بسبب السياسة الايرانية بحيث ان مركز التأثير السياسي انتقل منذ منتصف صيف عام 2006 من القاهرة الى دول الخليج اذ ألقت السعودية بثقلها الدبلوماسي في المنطقة للحد من توسع النفوذ الايراني، والى الآن فقد لعبت السعودية أوراقها بشكل جيد.
يُعزى النشاط الدبلوماسي السعودي الراهن الى سبب جوهري واحد، وهو «ان السعودية ترى أوضاعاً سياسية مضطربة في المنطقة وبالتالي لاتريد ان تترك كل شيء حتى لاتستفرد ايران به»، فالمصلحة السعودية (والمصلحة العربية أيضاً) تقتضي مواجهة النفوذ الايراني المتزايد في المنطقة، فالسياسة الايرانية الحالية ساهمت منذ قيام الثورة الايرانية عام 1979 في زعزعة الوضع السياسي الاقليمي من خلال التحريض الطائفي في المنطقة ضد حكوماتها وتستغل الوضع السياسي غير المستقر في العراق لتحقيق أهدافها وأثارت الشعور الطائفي في اليمن ضد الحكومة اليمنية والسعودية معاً، اما البرنامج النووي الايراني فيُهدد سلامة المنطقة ويثير المخاطر والقلق لدى الدول العربية على السواء.
وباستقراء الوضع خلال السنوات الماضية نجد ان الدبلوماسية السعودية تبوأت مركزاً مؤثراً وكثيراً ما تتخذ قراراً سياسياً مستقلاً عن الحليف الامريكي، فمن الملاحظ ان السعودية أصبحت وسيطاً اقليمياً احتلت به الدور التاريخي لمصر، فالسعودية هي التي اقترحت على الزعماء العرب في عام 2002 تأييد مبادرة السلام مع اسرائيل والاعتراف بها مقابل انسحاب اسرائيل من الاراضي العربية التي احتلتها عام 1967، ثم احتضنت السعودية اجتماعاً للأطراف الفلسطينية في مكة لاضعاف الموقف الايراني وأتباعه، وبشكل عام تعتبر السعودية وسيطاً نزيهاً في المنطقة بشهادة المراقبين السياسيين فهي تحافظ على الوضع القائم على عكس ايران التي لاتفعل شيئاً ايجابياً لحل مشاكل المنطقة، والموقف السعودي هنا يبدو أنه يعكس وجهة النظر العربية.
وكدلالة اخرى على اتساع الدور الاقليمي السعودي قامت السعودية في احدى الفترات بدور الوسيط بين امريكا وايران بشأن برنامج ايران النووي حيث حمل السيد/ علي لاريجاني رسالة من القيادة الايرانية تطلب فيها وساطة السعودية لازالة التوتر القائم بين امريكا وايران، وفي مايتصل بالشأن الأفغاني فقد قدمت السعودية العون المالي للأفغان لدفعهم نحو التفاوض، وهنا تشترك السعودية مع الحكومات الغربية والاطراف الأفغانية وباكستان في الرغبة لاحباط مخططات التدخل الايراني في افغانستان.
لقد تخلت السعودية عن دبلوماسية خلف الستار واتخذت دوراً رئيسياً ونشطاً في حل الخلافات بالمنطقة، بل ان احدى التحليلات الغربية قد ذكرت ان هناك من الآراء في لبنان، على سبيل المثال، مامفاده بأن «المأزق السياسي في لبنان في عام 2006 كان من الممكن ان يجد له حلاً مبكراً لو ان السعودية مارست في مامضى سياسة أكثر قوة ونشاطاً بدلاً من انتهاج الدبلوماسية السعودية التقليدية المتمثلة في عدم التفاعل مع الأحداث والمحافظة على الوضع القائم، وكدلالة أخرى على استقلالية القرار السعودي عن التأثير الخارجي نجد أنه بينما ترى الولايات المتحدة ان من الأفضل اجراء الاصلاحات السياسية في البحرين حتى يكون هناك تمثيل أكبر للشيعة في النظام السياسي البحريني، ترى السعودية ان القرار الأفضل هو في احباط أي محاولة للاخلال بالأمن حفاظاً على الوحدة الوطنية من الانشقاق الداخلي، وعلى الصعيد الاقتصادي تحافظ السعودية على استقرار سوق النفط العالمي بل تسميها احدى التحليلات الاقتصادية الاجنبية بـ «بنك النفط المركزي»، وأخيراً انتقدت السعودية الموقف السلبي لكلٍ من روسيا والصين ازاء ممارسات النظام السوري الدموية ضد الشعب السوري الأعزل ووقوفهما الى جانب هذا النظام ورأت ان التدخل الايراني في أحداث سورية «خطير للغاية»، والموقف السعودي هنا وطني بامتياز بخصوص الوضع الراهن في سورية فهي لاتركز على اسقاط النظام السوري بقدر مايهمها وقف المذابح ووجوب السماح للشعب السوري بالتسلح لحماية نفسه، هذا ولاشك ان دول مجلس التعاون الاخرى تمارس أيضاً دبلوماسية مؤثرة سوف نستعرضها مستقبلاً بإذن الله.