أسطورة مصاص الدماء حسب المنطقة
مرسل: الخميس سبتمبر 13, 2012 10:42 am
ذكرت أساطير مصاص الدماء منذ آلاف السنين في كثير من الحضارات والثقافات حول العالم مثل حضارة بلاد الرافدين واليهود وحضارة الإغريق والحضارة الرومانية. وتضمنت قصصاً عن مخلوقات شيطانية وأرواح ماصة للدماء، وهي ما يشكّل أصل قصص مصاصي الدماء في الوقت الحاضر. وبتتبّع قصص هذه الكائنات الأسطورية حول العالم نجد أن معظمها تركز على أن أصل هذه المخلوقات يعود لمنطقة جنوب شرقي أوروبا في القرن الثامن عشر،[1] حيث ذكرت أول مرة في عدد من القصص الفلكلورية لشعوب تلك المنطقة. وفي كثير من هذه القصص ذُكر أن مصاصي الدماء هم أشباح حية أو جثث مسكونة بأرواح لمخلوقات شريرة، أو لأشخاص ماتوا منتحرين، وحتى أرواح لمشعوذات يمكن رؤيتها وتتّصف بأنها لا تموت، ويعتقد أنها قد قامت من الموت. ولكن يمكن أن تتحول جثة إلى مصاص دماء عن طريق نقل روح مصاص الدماء إليها أو أن يتحول شخص عادي لمصاص دماء عن طريق عضة مصاص دماء آخر. تلك القصص أحيانا قد تمّ تضخيمها وتهويلها، حيث سببت بعض حالات الفزع والهستيريا في بعض المناطق، وقد وصلت لدرجة قيام رجال لدين بحملات تطهير من أجل إخراج الأرواح الشريرة من الأشخاص الذين كان يعتقد أنهم مسكونون بتلك الروح الشريرة لمصاص الدماء[2].
باختلاف المكان والقصة، تبقى عدة قواسم مشتركة لتلك الأساطير حول العالم، أهمها الدماء بوصفها تمثل رمز الروح وقوة الحياة[3] كما تعتبر عنصراً أساسياً لبعض الديانات مثل المسيحية. ووفقًا لبعض الكُتّاب فإن عضة مصاص الدماء من منظور التحليل النفسي تعتبر أكثر خطرا من العنف الجسدي أو من العلاقة الجنسية عند الضحية[4].
نتيجة الاكتشافات الجغرافية والحركة التجارية في القرون الوسطى، بالإضافة لهجرة الشعوب مثل الغجر واليهود والهنود، فقد تم نقل بعض الأساطير والقصص من مكان لآخر، مما يجعل من الصعب التمييز بين المعتقدات الأصلية وبين نتاج التبادل الثقافي والذي اختلطت فيه القصص والأساطير عن الأرواح الشريرة الجن ومصاصي الدماء. مما شكل المفهوم السائد اليوم عن تلك الكائنات الخرافية وفتح مجالات جديدة للدراسة والتخصص في هذا المضمار.
في الحضارات القديمة
تعود القصص الخاصة عن المخلوقات التي لا تموت وتتغذى بالدماء واللحم البشري لقرون عدة، وهي قصص منتشرة تقريبا في كل الثقافات البشرية[5]. حيث اشتهرت بعض تلك المناطق بخرافات عن الكائنات التي تقتات بالدماء واللحم البشري. الحضارة الفارسية كانت أول من وصفت تلك الكائنات الخرافية عبر الرسوم الموجودة على بقايا أوانٍ فخارية مكتشفة في عدد من المواقع الأثرية[6]. في الوقت الحاضر تعرف تلك المخلوقات باسم مصاص الدماء (بالإنجليزية: Vampire)، لكن في العصور القديمة لم يكن هذا المصطلح معروفًا ومستخدمًا، لكن كان هذا الوصف ينطبق على أرواح أو على الجن والتي تتغذى بالدم واللحم، حتى الشيطان اعتبر أحد أشكال تلك الكائنات[7]. تقريبا كل ثقافة كان لها "مصاص دمائها" الخاص، حيث في المنطقة العربية عرف الغول وفي مصر القديمة كان أحد اشكال الآلهة سخمت. تعتبر بعض تلك الأساطير أساس قصص المصاص في فلكلور شعوب جنوب شرق أوروبا لكن المؤرخين اعتبروا أنه ليس بالضرورة أن تتصف بكل صفات مصاص للدماء[7][8].
الشعوب السلافية
أحد أكثر الأمثلة رواجا في حضارة شعوب السلاف عن مصاصي الدماء تكمن بكونهم سحرة أو أناس غير أخلاقيين، صفات تنطبق على الذين قد فارقوا الحياة بطرق غير طبيعية مثل الانتحار، أو من قد حُرموا كنيسيا، من قد مارس نشاطات غير دينية، أو في حالة ترك جثة أو قبر الميت عرضة للحيوانات أو في حالة قفز حيوان فوق الجثة أو طيران طيور فوق القبر، وينطبق أيضا على المواليد ذو عيوب خلقية[35]. في مناطق جنوب روسيا، الأشخاص المعروفون أنهم يتكلمون مع أنفسهم يعتبرون ذو خطر أن يتحولوا لمصاصي دماء[36]، مصاصي الدماء السلافيين يتميزون بقدرتهم على الظهور على شكل فراشات[37] والتي تعرف من قبل أنها تمثل الأرواح الضائعة[38]. بعض التقاليد تقول أن مصاصي الدماء هم كائنات ثنائية الروح والتي عند نومها تهجر الروح الجسد وتتحول لطبيعتها المؤذية والماصة للدماء[39].
شعوب السلاف في المناطق الشمالية للقارة الأوروبية (مثل روسيا وأوكرانيا) كان لهم رؤية أخرى عن مصاصي الدماء عن جيرانهم من مناطق أخرى، فمصاص الدماء لا يموت أيضا لكنه لا يشرب الدماء والاسم السلافي لمصاص الدماء عندهم لا يشابه الاسم في مناطق أخرى لتلك الشعوب. في أوكرانيا لا يتصف أبدا بأبدية حياته[40]. في الفلكلور الأوكراني يتصفون بأنهم ذو أوجه حمراء وذيول قصيرة[41] وخلال فترة انتشار وباء الكوليرا خلال القرن التاسع عشر، انتشر الاعتقاد بأن المرضى سوف يتحولون إلى مصاصي دماء[39][42].
شعوب السلاف في المناطق الجنوبية من أوروبا اعتقدوا ان مصاص الدماء يمر بمراحل متعددة قبل أن يتحول إلى مصاص دماء كامل، أول 40 يوم تعتبر مهمة من تطوره حيث يبدأ كخيال غير مرئي ويزداد قوة ووضوح بمجرد ان يقتات من دم ضحيته حيث يصبح ذو هيئة جيلاتينية بدون عظام وتطور ليكتسب شكله الآدمي تقريبا كشكله الأصلي عندما كان حيا، وبعد تطوره يصبح بإمكنه مغادرة قبره والبدء بحياة جديدة. في الغالب يكون المصاص ذكرا يستطيع القيام بالتواصل الجنسي وان يرزق بأبناء من أرملته أو من زوجة جديدة والذي يجعل منهم مصاصي دماء أيضا، أو يمكنهم من اكتساب قدرة على رؤية مصاصي الدماء مما يجعلهم "صيادي مصاص الدماء". الموهبة نفسها يعتقد أنها تعطى لمواليد الذين يولدون أيام السبت[43]. في منطقة دالماسيا الكرواتية يعتقد بوجود امرأة ماصة للدماء تسمى "مورا" أو "مورانا" (Mora ،Morana) والتي تطارد الرجال وتمتص دمائهم، كما يعتقد بوجود الأموات حديثا والذين لم يتبعوا نمط حياة ديني أثناء حياتهم يسمون "كوزلاك" (kuzlac/kozlak)[44] وقد يكونون رجال أو نساء، يظهرون على نواحي الطرق وقرب التجمعات الحضرية أو في المقابر والكهوف ويقومون بإخافة السكان وشرب دمائهم، وليتم قتلهم يجب غرس وتد خشبي في صدوروهم.
في التشيك، كرواتيا، سلوفينيا وسلوفاكيا ذكر نوع من المصاصين تحت اسم "بيافيكا" (بالصربية:pijavica) وتترجم حرفيا ب"الشارب" والذي يوصف لمن عاش حياة مليئة بالخطايا واقترف اعمال شريرة، وبالمقابل بعد موته يصبح قاتل بارد الأعصاب وشارب للدماء. في حالات العلاقات الجنسية المحرمة مثل بين الأم وابنها يتم خلق ال"بيافيكا" والذي بالعادة يعود بعد موته إلى عائلته ويقوم بقتلهم، ولابعاده عن البيوت يتم بتعليق الثوم ووضع النبيذ على نوافذ وشرفات المنزل، أما قتله يتم عندما يكون صاحيا بحرقه بالنار أوبطرد الروح الشريرة من قبره من قبل كاهن خلال فترة النهار[45]
بهدف ابعاد مصاصي الدماء والأمراض عن القرية، يقوم أخوان تؤام بحراثة حلقة حول القرية بمحراثين، ويتم كسر بيضة وادخال مسمار في أرضية منزل شخص توفي حديثا، وتقوم اثنتان أو ثلاثة نسوة عجوز بزيارة المقبرة مساءا بعد الجنازة ويقومون بغرس 5 اعواد من نبات الزعرور أو خمس أوتاد خشبية في القبر، واحدة باتجاه صدر الميت والأربع لأطرافه. معتقدات أخرى تقول انه الركض للخلف حاملا شمعة وسلحفاة يكون كافيا لمنع شر مصاص الدماء، يمكن أيضا احاطة القبر بحبل صوفي أحمر لمنع الميت من التحول لمصاص دماء والانتظار حتى يتم احتراق الحبل بالكامل[46]. إذا سُمعت ضجة ليلا واشتبه بان مصاص الدماء يحاول التسلل للمنزل، يجب على أهل المنزل النداء: تعال غدا وسوف أعطيك بعض الملح أو أذهب يا صديقي وعد ومعك بعض السمك لابعاد مصاص الدماء[47].
أوروبا الغربية
دول مثل فرنسا, إيطاليا وإسبانيا لم تكن تملك مصاصي دماء خاصة بهم, القصص المحلية هي نسخة طبق الأصل أو مقتبسة عن قصص دول منطقة البلقان وشعوب الغجر والسلاف وذلك نتيجة تبادل الثقافات وهجرة الشعوب مما أدى لنقل تلك القصص معهم وراجت خلال القرن التاسع عشر[58].
أما في بريطانيا، كما ذكر قبلًا بأن المؤرخين الإنجليزيين والتر ماب وويليم بارفوس وثقا عدة حالات من دعاوى بوجود كائنات لا تموت وأشباح[30]، ولكن لم تظهر قصص محلية أخرى عن هذه الكائنات[31] بقية القصص هي كمثيلاتها في فرنسا وإيطاليا. بعد القرن الثامن عشر, ظهرت عدة أساطير إنجليزية مقتبسة من قصص أوروبا الشرقية ومن ألمانيا, منها قصة "مصاص الدماء من قلعة آلنويك" (بالإنجليزية:Vampire of Alnwick Castle) من القرن الثاني عشر وتحكي قصة خادمة كانت تعمل في ذلك القصر وتعود للحياة وذلك لتنتقم من جيرانها وسكان القرية وذلك عن طريق نشر وباء قاتل بينهم, ويتم القضاء عليها بحرق جثتها خارج حدود القرية[59]. وقصة أخرى "مصاص دماء دير ميلروز"[60] (بالإنجليزية: Vampire of Melrose Abbey) وتحكي قصة جثة راهب تعود للحياة وتقوم بعلاقات جنسية ويمص دماء ضحاياه, ويقضى عليه أيضا عن طريق حرق الجثة ونثر رمادها[61].
عرف في مناطق أسكتلندا كائن خرافي يسمى "باوبان سيث" (Baobhan sith)[62] و"ليانان شيده" (Leanan sídhe) في إيرلندا[63] ذو صفات مصاصي الدماء. في اللغة الإيرلندية عرف مصطلح (Dearg-due) ويعني حرفيا "ماص الدماء الأحمر" حيث استخدمها أدباء مثل "شريدين لي فانو (Sheridan Le Fanu) وبرام ستوكر[64]. في البرتغال عرفت "بروكسا" (بالبرتغالية:Bruxsa) والتي هي روح امرأة تتحول لطير ليلي وتهجم ضحاياها من المسافرين وتمص دمهم[65].
في ألمانيا, كائن يسمى "آلب" (بالالمانية: alp) مشابه لمصاص الدماء أو لجاثوم, له هيئة ذكرية ويقوم بتغيير مظهره وتتلبس اجساد أخرى خلال الليل[66] لكن بخلاف قصص مصاصي الدماء الأخرى, لايوجد معنى جنسي للدماء في الرؤية الألمانية له[67].
أول قضية رسمية سجلت عن مصاصي الدماء في تلك المنطقة كانت عام 1656 في مقاطعة نورنبيرغ الألمانية, حيث في إحدى القرى تم قطع رأس إحدى الجثث من قبل السكان المحليين والتي كانت تخص إحدى المزارعين, والذي اشتبه بأنها تحولت لمصاص دماء ومسؤولة عن حالات الوفاة وانتشار الأوبئة بين أبناء القرية, ولاحقا تبنيت القصة في عدة أعمال أدبية محلية[68].
في منطقة بوميرانيا بين ألمانيا وبولندا, مصاص الدماء يسمى "أوبير" (بالألمانية: upier), ويشبه مثيله في الثقافة السلافية[69]
آسيا
تعود أصول قصص مصاصي الدماء في آسيا المعاصرة إلى الحضارات الآسيوية القديمة، حيث حيكت قصص عن مخلوقات شبيهة بالغول في الأرض الرئيسية للقارة وعن مصاصي دماء في جزر دول جنوب شرق آسيا. في الهند أيضا تطورت القصص عن تلك المخلوقات الأسطورية، "بهوتا" (Bhūta) هو عبارة عن روح رجل مات مؤخرا بدون معرفة سبب موته، يحوم حول الجثث ليلا ويهاجم الأحياء ويوصف بأنه يشبه الغول[91]، شمال الهند يعرف "براهاماركشاسا" (BrahmarākŞhasa)، مخلوق خرافي شبيه بمصاص الدماء رأسه جمجمة مكللة بامعاء ضحاياه ويشرب من خلالها الدم.
ثقافة اليابان لا تحوي أية قصص عن مخلوقات تقوب بشرب الدماء أو استهلاك اللحم البشري، وأول ظهور لتلك الكائنات خاصة مصاصي الدماء كان في دور السينما أواخر الخمسينيات[92].
أساطير عن مصاصي الدماء الذين يمكنهم خلع أجزاء من أجسادهم والصاقه بمكان أخر انتشرت أيضا في مناطق مثل الفيليبين، ماليزيا وأندونيسيا. شعب التاغالوغ في الفيلبين عرف "ماندوروغو" (mandurugo == شارب الدماء) وشعب الفيسايان عرفوا "ماناناغال" (manananggal == الذي يقسم ذاته)، ماندوروغو يأخذ شكل فتاة جميلة نهارا، أما ليلا فينمو له جناحان وولسان أسود طويل يستخدم لمص دماء ضحاياه أثناء نومهم. ماناناغال وصف بأنه ياخذ شكل امرأة جميلة ويتحول ليلا إلى مخلوق شبيه بالخفاش يطير ويصطاد ضحاياه من النساء الحوامل أثناء نومهن ويستعمل لسان حاد ليمتص دماء ضحيته وجنينها، يفضل أكل الأحشاء خاصة القلب الكبد الأصحاء وبلغم المرضى[93].
في ماليزيا، كائن البينانغالان (Penanggalan) يستعمل السحر الأسود لكي يتحول إلى فتاة أو امرأة جميلة لإغواء ضحاياه، أما عند وجوده في المناطق المهجورة والغابات يتحول لحيوان أسود اللون، تتميز بقدرتها ليلا على فصل رأسها عن جسدها وارساله للبحث عن طرائد بالعادة نساء حوامل[94]، وكوسيلة للحماية منها يقوم السكان الأصليون بتعليق أشواك عند النوافذ لكي يمنعوا الكائن من الدخول للمنزل[95].
في جزيرة بالي يعرف اللياك (Leyak)[96] أما في أندونيسيا البونتياناك (Pontianak)[97] ولانغسوير في ماليزيا (Langsuir)[98] هذه التسميات تطلق على المرأة التي ماتت أثناء توليدها وتعود للحياة لكي تنتقم ووتقوم بإرهاب سكان القرية، توصف بأنها امرأة جميلة ذو شعر أسود طويل يخفي حفرة سوداء موجودة في رقبتها تمص من خلالها دماء ضحاياها من الأطفال ويتم ايقافها بملئ تلك الحفرة بشعرها[99].
في الصين، "جيانغ شي" (بالصينية المبسطة:僵尸، بالصينية التقليدية: 僵屍 أو 殭屍 حرفيا: الجثث اليابسة) وتسمى لدى الغرب ب"مصاصي الدماء الصينين"، هم عبارة عن جثث تعود للحياة وتحوم حول الأحياء وتقوم بمص عنصر الحياة "كي" (صينية مبسطة: 气) من أجسامهم. يعتقد أن جيانغ شي هم نتاج من فشل روح الميت (魄 بو) من مغادرة جسده[100]، ويتصف بأن له جلد أخضر مكسو بالفراء ناتجة عن نمو الطحالب والفطور عليه.[101]
باختلاف المكان والقصة، تبقى عدة قواسم مشتركة لتلك الأساطير حول العالم، أهمها الدماء بوصفها تمثل رمز الروح وقوة الحياة[3] كما تعتبر عنصراً أساسياً لبعض الديانات مثل المسيحية. ووفقًا لبعض الكُتّاب فإن عضة مصاص الدماء من منظور التحليل النفسي تعتبر أكثر خطرا من العنف الجسدي أو من العلاقة الجنسية عند الضحية[4].
نتيجة الاكتشافات الجغرافية والحركة التجارية في القرون الوسطى، بالإضافة لهجرة الشعوب مثل الغجر واليهود والهنود، فقد تم نقل بعض الأساطير والقصص من مكان لآخر، مما يجعل من الصعب التمييز بين المعتقدات الأصلية وبين نتاج التبادل الثقافي والذي اختلطت فيه القصص والأساطير عن الأرواح الشريرة الجن ومصاصي الدماء. مما شكل المفهوم السائد اليوم عن تلك الكائنات الخرافية وفتح مجالات جديدة للدراسة والتخصص في هذا المضمار.
في الحضارات القديمة
تعود القصص الخاصة عن المخلوقات التي لا تموت وتتغذى بالدماء واللحم البشري لقرون عدة، وهي قصص منتشرة تقريبا في كل الثقافات البشرية[5]. حيث اشتهرت بعض تلك المناطق بخرافات عن الكائنات التي تقتات بالدماء واللحم البشري. الحضارة الفارسية كانت أول من وصفت تلك الكائنات الخرافية عبر الرسوم الموجودة على بقايا أوانٍ فخارية مكتشفة في عدد من المواقع الأثرية[6]. في الوقت الحاضر تعرف تلك المخلوقات باسم مصاص الدماء (بالإنجليزية: Vampire)، لكن في العصور القديمة لم يكن هذا المصطلح معروفًا ومستخدمًا، لكن كان هذا الوصف ينطبق على أرواح أو على الجن والتي تتغذى بالدم واللحم، حتى الشيطان اعتبر أحد أشكال تلك الكائنات[7]. تقريبا كل ثقافة كان لها "مصاص دمائها" الخاص، حيث في المنطقة العربية عرف الغول وفي مصر القديمة كان أحد اشكال الآلهة سخمت. تعتبر بعض تلك الأساطير أساس قصص المصاص في فلكلور شعوب جنوب شرق أوروبا لكن المؤرخين اعتبروا أنه ليس بالضرورة أن تتصف بكل صفات مصاص للدماء[7][8].
الشعوب السلافية
أحد أكثر الأمثلة رواجا في حضارة شعوب السلاف عن مصاصي الدماء تكمن بكونهم سحرة أو أناس غير أخلاقيين، صفات تنطبق على الذين قد فارقوا الحياة بطرق غير طبيعية مثل الانتحار، أو من قد حُرموا كنيسيا، من قد مارس نشاطات غير دينية، أو في حالة ترك جثة أو قبر الميت عرضة للحيوانات أو في حالة قفز حيوان فوق الجثة أو طيران طيور فوق القبر، وينطبق أيضا على المواليد ذو عيوب خلقية[35]. في مناطق جنوب روسيا، الأشخاص المعروفون أنهم يتكلمون مع أنفسهم يعتبرون ذو خطر أن يتحولوا لمصاصي دماء[36]، مصاصي الدماء السلافيين يتميزون بقدرتهم على الظهور على شكل فراشات[37] والتي تعرف من قبل أنها تمثل الأرواح الضائعة[38]. بعض التقاليد تقول أن مصاصي الدماء هم كائنات ثنائية الروح والتي عند نومها تهجر الروح الجسد وتتحول لطبيعتها المؤذية والماصة للدماء[39].
شعوب السلاف في المناطق الشمالية للقارة الأوروبية (مثل روسيا وأوكرانيا) كان لهم رؤية أخرى عن مصاصي الدماء عن جيرانهم من مناطق أخرى، فمصاص الدماء لا يموت أيضا لكنه لا يشرب الدماء والاسم السلافي لمصاص الدماء عندهم لا يشابه الاسم في مناطق أخرى لتلك الشعوب. في أوكرانيا لا يتصف أبدا بأبدية حياته[40]. في الفلكلور الأوكراني يتصفون بأنهم ذو أوجه حمراء وذيول قصيرة[41] وخلال فترة انتشار وباء الكوليرا خلال القرن التاسع عشر، انتشر الاعتقاد بأن المرضى سوف يتحولون إلى مصاصي دماء[39][42].
شعوب السلاف في المناطق الجنوبية من أوروبا اعتقدوا ان مصاص الدماء يمر بمراحل متعددة قبل أن يتحول إلى مصاص دماء كامل، أول 40 يوم تعتبر مهمة من تطوره حيث يبدأ كخيال غير مرئي ويزداد قوة ووضوح بمجرد ان يقتات من دم ضحيته حيث يصبح ذو هيئة جيلاتينية بدون عظام وتطور ليكتسب شكله الآدمي تقريبا كشكله الأصلي عندما كان حيا، وبعد تطوره يصبح بإمكنه مغادرة قبره والبدء بحياة جديدة. في الغالب يكون المصاص ذكرا يستطيع القيام بالتواصل الجنسي وان يرزق بأبناء من أرملته أو من زوجة جديدة والذي يجعل منهم مصاصي دماء أيضا، أو يمكنهم من اكتساب قدرة على رؤية مصاصي الدماء مما يجعلهم "صيادي مصاص الدماء". الموهبة نفسها يعتقد أنها تعطى لمواليد الذين يولدون أيام السبت[43]. في منطقة دالماسيا الكرواتية يعتقد بوجود امرأة ماصة للدماء تسمى "مورا" أو "مورانا" (Mora ،Morana) والتي تطارد الرجال وتمتص دمائهم، كما يعتقد بوجود الأموات حديثا والذين لم يتبعوا نمط حياة ديني أثناء حياتهم يسمون "كوزلاك" (kuzlac/kozlak)[44] وقد يكونون رجال أو نساء، يظهرون على نواحي الطرق وقرب التجمعات الحضرية أو في المقابر والكهوف ويقومون بإخافة السكان وشرب دمائهم، وليتم قتلهم يجب غرس وتد خشبي في صدوروهم.
في التشيك، كرواتيا، سلوفينيا وسلوفاكيا ذكر نوع من المصاصين تحت اسم "بيافيكا" (بالصربية:pijavica) وتترجم حرفيا ب"الشارب" والذي يوصف لمن عاش حياة مليئة بالخطايا واقترف اعمال شريرة، وبالمقابل بعد موته يصبح قاتل بارد الأعصاب وشارب للدماء. في حالات العلاقات الجنسية المحرمة مثل بين الأم وابنها يتم خلق ال"بيافيكا" والذي بالعادة يعود بعد موته إلى عائلته ويقوم بقتلهم، ولابعاده عن البيوت يتم بتعليق الثوم ووضع النبيذ على نوافذ وشرفات المنزل، أما قتله يتم عندما يكون صاحيا بحرقه بالنار أوبطرد الروح الشريرة من قبره من قبل كاهن خلال فترة النهار[45]
بهدف ابعاد مصاصي الدماء والأمراض عن القرية، يقوم أخوان تؤام بحراثة حلقة حول القرية بمحراثين، ويتم كسر بيضة وادخال مسمار في أرضية منزل شخص توفي حديثا، وتقوم اثنتان أو ثلاثة نسوة عجوز بزيارة المقبرة مساءا بعد الجنازة ويقومون بغرس 5 اعواد من نبات الزعرور أو خمس أوتاد خشبية في القبر، واحدة باتجاه صدر الميت والأربع لأطرافه. معتقدات أخرى تقول انه الركض للخلف حاملا شمعة وسلحفاة يكون كافيا لمنع شر مصاص الدماء، يمكن أيضا احاطة القبر بحبل صوفي أحمر لمنع الميت من التحول لمصاص دماء والانتظار حتى يتم احتراق الحبل بالكامل[46]. إذا سُمعت ضجة ليلا واشتبه بان مصاص الدماء يحاول التسلل للمنزل، يجب على أهل المنزل النداء: تعال غدا وسوف أعطيك بعض الملح أو أذهب يا صديقي وعد ومعك بعض السمك لابعاد مصاص الدماء[47].
أوروبا الغربية
دول مثل فرنسا, إيطاليا وإسبانيا لم تكن تملك مصاصي دماء خاصة بهم, القصص المحلية هي نسخة طبق الأصل أو مقتبسة عن قصص دول منطقة البلقان وشعوب الغجر والسلاف وذلك نتيجة تبادل الثقافات وهجرة الشعوب مما أدى لنقل تلك القصص معهم وراجت خلال القرن التاسع عشر[58].
أما في بريطانيا، كما ذكر قبلًا بأن المؤرخين الإنجليزيين والتر ماب وويليم بارفوس وثقا عدة حالات من دعاوى بوجود كائنات لا تموت وأشباح[30]، ولكن لم تظهر قصص محلية أخرى عن هذه الكائنات[31] بقية القصص هي كمثيلاتها في فرنسا وإيطاليا. بعد القرن الثامن عشر, ظهرت عدة أساطير إنجليزية مقتبسة من قصص أوروبا الشرقية ومن ألمانيا, منها قصة "مصاص الدماء من قلعة آلنويك" (بالإنجليزية:Vampire of Alnwick Castle) من القرن الثاني عشر وتحكي قصة خادمة كانت تعمل في ذلك القصر وتعود للحياة وذلك لتنتقم من جيرانها وسكان القرية وذلك عن طريق نشر وباء قاتل بينهم, ويتم القضاء عليها بحرق جثتها خارج حدود القرية[59]. وقصة أخرى "مصاص دماء دير ميلروز"[60] (بالإنجليزية: Vampire of Melrose Abbey) وتحكي قصة جثة راهب تعود للحياة وتقوم بعلاقات جنسية ويمص دماء ضحاياه, ويقضى عليه أيضا عن طريق حرق الجثة ونثر رمادها[61].
عرف في مناطق أسكتلندا كائن خرافي يسمى "باوبان سيث" (Baobhan sith)[62] و"ليانان شيده" (Leanan sídhe) في إيرلندا[63] ذو صفات مصاصي الدماء. في اللغة الإيرلندية عرف مصطلح (Dearg-due) ويعني حرفيا "ماص الدماء الأحمر" حيث استخدمها أدباء مثل "شريدين لي فانو (Sheridan Le Fanu) وبرام ستوكر[64]. في البرتغال عرفت "بروكسا" (بالبرتغالية:Bruxsa) والتي هي روح امرأة تتحول لطير ليلي وتهجم ضحاياها من المسافرين وتمص دمهم[65].
في ألمانيا, كائن يسمى "آلب" (بالالمانية: alp) مشابه لمصاص الدماء أو لجاثوم, له هيئة ذكرية ويقوم بتغيير مظهره وتتلبس اجساد أخرى خلال الليل[66] لكن بخلاف قصص مصاصي الدماء الأخرى, لايوجد معنى جنسي للدماء في الرؤية الألمانية له[67].
أول قضية رسمية سجلت عن مصاصي الدماء في تلك المنطقة كانت عام 1656 في مقاطعة نورنبيرغ الألمانية, حيث في إحدى القرى تم قطع رأس إحدى الجثث من قبل السكان المحليين والتي كانت تخص إحدى المزارعين, والذي اشتبه بأنها تحولت لمصاص دماء ومسؤولة عن حالات الوفاة وانتشار الأوبئة بين أبناء القرية, ولاحقا تبنيت القصة في عدة أعمال أدبية محلية[68].
في منطقة بوميرانيا بين ألمانيا وبولندا, مصاص الدماء يسمى "أوبير" (بالألمانية: upier), ويشبه مثيله في الثقافة السلافية[69]
آسيا
تعود أصول قصص مصاصي الدماء في آسيا المعاصرة إلى الحضارات الآسيوية القديمة، حيث حيكت قصص عن مخلوقات شبيهة بالغول في الأرض الرئيسية للقارة وعن مصاصي دماء في جزر دول جنوب شرق آسيا. في الهند أيضا تطورت القصص عن تلك المخلوقات الأسطورية، "بهوتا" (Bhūta) هو عبارة عن روح رجل مات مؤخرا بدون معرفة سبب موته، يحوم حول الجثث ليلا ويهاجم الأحياء ويوصف بأنه يشبه الغول[91]، شمال الهند يعرف "براهاماركشاسا" (BrahmarākŞhasa)، مخلوق خرافي شبيه بمصاص الدماء رأسه جمجمة مكللة بامعاء ضحاياه ويشرب من خلالها الدم.
ثقافة اليابان لا تحوي أية قصص عن مخلوقات تقوب بشرب الدماء أو استهلاك اللحم البشري، وأول ظهور لتلك الكائنات خاصة مصاصي الدماء كان في دور السينما أواخر الخمسينيات[92].
أساطير عن مصاصي الدماء الذين يمكنهم خلع أجزاء من أجسادهم والصاقه بمكان أخر انتشرت أيضا في مناطق مثل الفيليبين، ماليزيا وأندونيسيا. شعب التاغالوغ في الفيلبين عرف "ماندوروغو" (mandurugo == شارب الدماء) وشعب الفيسايان عرفوا "ماناناغال" (manananggal == الذي يقسم ذاته)، ماندوروغو يأخذ شكل فتاة جميلة نهارا، أما ليلا فينمو له جناحان وولسان أسود طويل يستخدم لمص دماء ضحاياه أثناء نومهم. ماناناغال وصف بأنه ياخذ شكل امرأة جميلة ويتحول ليلا إلى مخلوق شبيه بالخفاش يطير ويصطاد ضحاياه من النساء الحوامل أثناء نومهن ويستعمل لسان حاد ليمتص دماء ضحيته وجنينها، يفضل أكل الأحشاء خاصة القلب الكبد الأصحاء وبلغم المرضى[93].
في ماليزيا، كائن البينانغالان (Penanggalan) يستعمل السحر الأسود لكي يتحول إلى فتاة أو امرأة جميلة لإغواء ضحاياه، أما عند وجوده في المناطق المهجورة والغابات يتحول لحيوان أسود اللون، تتميز بقدرتها ليلا على فصل رأسها عن جسدها وارساله للبحث عن طرائد بالعادة نساء حوامل[94]، وكوسيلة للحماية منها يقوم السكان الأصليون بتعليق أشواك عند النوافذ لكي يمنعوا الكائن من الدخول للمنزل[95].
في جزيرة بالي يعرف اللياك (Leyak)[96] أما في أندونيسيا البونتياناك (Pontianak)[97] ولانغسوير في ماليزيا (Langsuir)[98] هذه التسميات تطلق على المرأة التي ماتت أثناء توليدها وتعود للحياة لكي تنتقم ووتقوم بإرهاب سكان القرية، توصف بأنها امرأة جميلة ذو شعر أسود طويل يخفي حفرة سوداء موجودة في رقبتها تمص من خلالها دماء ضحاياها من الأطفال ويتم ايقافها بملئ تلك الحفرة بشعرها[99].
في الصين، "جيانغ شي" (بالصينية المبسطة:僵尸، بالصينية التقليدية: 僵屍 أو 殭屍 حرفيا: الجثث اليابسة) وتسمى لدى الغرب ب"مصاصي الدماء الصينين"، هم عبارة عن جثث تعود للحياة وتحوم حول الأحياء وتقوم بمص عنصر الحياة "كي" (صينية مبسطة: 气) من أجسامهم. يعتقد أن جيانغ شي هم نتاج من فشل روح الميت (魄 بو) من مغادرة جسده[100]، ويتصف بأن له جلد أخضر مكسو بالفراء ناتجة عن نمو الطحالب والفطور عليه.[101]