صفحة 1 من 1

عودة النسق الدولي متعدد القوى القطبيه

مرسل: الجمعة سبتمبر 14, 2012 1:50 pm
بواسطة ناهي نواف الميموني 3
حينما تولت إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش مقاليد السلطة في عام 2001، كانت فكرة أن العالم " متعدد الأقطاب " تلقى الرفض بشدة. فمنذ انهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1991، تحول العالم من عالم " ثنائي القطبية " إلى عالم " آحادي القطبية "، حسبما كان مستشارو الرئيس بوش يعلنون في كل مناسبة، مع وجود قوة عظمى وحيدة على الساحة العالمية، هي الولايات المتحدة، بحسب أفكار صمويل هنتنجتون. ومن ثم كان الترويج لأفكار العولمة الأمريكية، التي تعتمد على منظومة متكاملة من الأفكار الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية والتكنولوجية، التي فُرض على دول العالم إتباعها بغض النظر عن الحدود الدولية والخصوصيات الثقافية.
أما الآن، وبعد الإخفاق الأمريكي في العراق، وكذلك في خضم الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية، فإن هذا يبدو مجرد كبرياء كاذب. فقد يكون هناك بالفعل " لحظة أحادية الجانب "، ولكنها لن تستمر لفترة طويلة، ربما عقدا من الزمان على أقصى تقدير.
حتى كبار المحللين الأمريكيين يعترفون الآن أن المستقبل سيكون متعدد الأقطاب بكل وضوح. وهو ما يطلق عليه البعض، مثل فريد زكريا في كتابه: " عالم ما بعد أمريكا "، " صعود الباقين the ride of the rest ". ولكن السؤال المطروح هو ما إذا كانت ستؤدي الأزمة الاقتصادية للإسراع بعملية إنهاء الإمبراطورية الأمريكية والنفوذ الغربي.
في مقدمة التقرير الحديث الذي أعده مجلس الاستخبارات القومي الأمريكي بعنوان " الاتجاهات العالمية 2025 "، يتضح ذلك الأمر جليا. فوفقا للتقرير، بحلول عام 2025، سيكون النظام الدولي نظاما متعدد القوى العالمية، مع وجود فوارق في القوى الوطنية تستمر في التقارب فيما بين الدول المتقدمة والنامية.
وسيكون من الصعب تحديد ملامح النظام الدولي الجديد، تمييزا له عن النظام الحالي الذي تأسس في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وذلك بسبب صعود عدة قوى جديدة ناشئة، وعولمة الاقتصاد الدولي، والتحول التاريخي في الثروة النسبية والقوة الاقتصادية من الغرب إلى الشرق، وتزايد نفوذ اللاعبين الآخرين بخلاف الدول ( ويعنى بهم الشركات متعددة الجنسيات ).
أما معظم المحللين الآخرين، فعلى قناعة تامة بأن الأزمة الاقتصادية الحالية ستؤدي للإسراع بعملية تآكل القوة والنفوذ الغربية.
ووفقا لما يقوله روجر آلتمان Roger C. Altman، نائب وزير الخزانة الأمريكي السابق، في العدد الأخير من مجلة فورين آفيرز Foreign Affairs، فإن " الأزمة المالية والاقتصادية لعام 2008، والتي تعد الأسوأ خلال 75 عاما، تعد انتكاسة جيوسياسية كبيرة بالنسبة للولايات المتحدة وأوربا. وفي الأجل المتوسط، لن يكون لدى حكومة الولايات المتحدة والحكومات الغربية الموارد الكافية أو المصداقية الاقتصادية للعب أي دور كان يمكن أن تلعبه بصورة أو بأخرى على الصعيد العالمي. وبالرغم من أن مظاهر هذا الضعف سيتم علاجها بمرور الوقت، إلا أنه خلال تلك الفترة ستؤدي تلك العوامل للإسراع بنقل مركز الجاذبية العالمي بعيدا عن الولايات المتحدة ".
لقد أدى الدمار الذي تخلف عن الأزمة الاقتصادية لوضع النموذج الأمريكي لرأسمالية السوق الحرة تحت المجهر. فقد أصيب النظام المالي بما يشبه الانهيار، كما فشل الإطار التنظيمي في تلافي الانتهاكات والفساد المنتشرين في ثنايا هذا النظام. وفي سبيل البحث عن توفير الاستقرار لنظمها الداخلية، قامت حكومة الولايات المتحدة وبعض الحكومات الأوربية بتأميم قطاعاتها المالية، في خطوة تتعارض مع عقيدة الرأسمالية الحديثة. ولذا فإن العديد من دول العالم تتجه نحو منعطف تاريخي، وتدخل مرحلة سوف يتعاظم فيها دور الدولة على حساب دور القطاع الخاص الذي سيلعب دورا أصغر مما كان عليه الحال من قبل.
ويرى تقرير مجلس الاستخبارات القومي الأمريكي، والذي أُعد معظمه قبل اتضاح المعالم الكاملة للأزمة الاقتصادية الحالية، أن الانتقال الأساسي في القوى سيتم كعملية ممتدة. ووفقا للتقرير، ستجمع دول البريك BRIC countries – البرازيل وروسيا والهند والصين – معا ثروة مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى الحالية، مقيسة بنصيبها في الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وذلك خلال الفترة 2040 – 2050.
ومن بين تلك الدول الأربعة، ستحقق الصين أعمق الآثار. " فإذا ظلت الاتجاهات الحالية هي السائدة، ستصبح الصين بحلول عام 2025 ثاني أكبر اقتصاد عالمي، بالإضافة لكونها قوة عسكرية كبرى. كما ستكون أيضا أكبر مستورد للموارد الطبيعية، وأضخم دولة منتجة للتلوث البيئي".
أما الهند فسوف تتمتع " بمعدل نمو اقتصادي سريع نسبيا وسوف تسعى لإرساء ملامح عالم متعدد الأقطاب تكون فيه نيودلهي إحدى هذه الأقطاب الرئيسية ". ومن ناحية أخرى، " يمكن أن تواجه روسيا تدهورا هاما " إذا فشلت في الاستثمار في رأس المال البشري، وتنويع اقتصادها، والاندماج في الأسواق العالمية ".
ويعد تقرير مجلس الاستخبارات القومي الأمريكي تقديرا متزنا للتحولات الأساسية في القوى الاقتصادية التي تتشكل خلال السنوات الأولى من القرن الحادي والعشرين. وسوف تتأثر هذه القوى من جراء التغيرات الديموجرافية، بالإضافة إلى التغيرات في الطاقة الإنتاجية. على أن الأزمة الاقتصادية الحالية، بالإضافة إلى التغيرات الأساسية المحتملة، مثل قيود الاحترار العالمي والطاقة والغذاء والمياه، يمكن أن تغير من سرعة حدوث ذلك الأمر. فنادرا ما كان المستقبل صعبا للتنبؤ به بدقة كبيرة في مثل هذه الحالة.
وقبل عام مضى، حينما كان عمر الأزمة المالية مجرد شهور قليلة، توقع العديد من المحللين صورة من الثنائية المزدوجة: تعاني فيها الولايات المتحدة ودول أوربا من الوطأة الشديدة للتراجع الاقتصادي، في الوقت الذي لا تتضرر فيه دول البريك وغيرها من الأسواق الناشئة، بل وتستطيع الحفاظ على مواصلة النمو الاقتصادي العالمي من خلال انتعاش طلبها المحلي.
ولكن هذا لم يحدث. ذلك أن التراجع الاقتصادي كان بدرجة من العمق للدرجة التي أضيرت معه الصين بشدة، لينخفض معدل نموها السنوي من 12% إلى 5% فقط أو أقل خلال العام القادم. وبالنسبة لدولة لديها احتياجات اقتصادية واجتماعية هائلة مثل الصين، فقد يؤدي هذا التباطؤ إلى حدوث قلاقل سياسية وتوترات داخلية عميقة.
وكان للتباطؤ الصيني، والذي نتج كتأثير مباشر للتباطؤ في كل من الولايات المتحدة ودول أوربا، تأثيره الكبير على أسعار السلع، وتأثيرا مباشرا على مورديها، مثل روسيا، والأسواق الناشئة الأخرى التي تعتمد بصفة رئيسية على الصادرات السلعية.
وإذا كانت نتائج الركود الاقتصادي الطويل لا يمكن التنبؤ بها، فإن النظرة " متعددة الأقطاب " لمستقبل النظام العالمي يبدو أنها الأكثر احتمالا. وبعيدا عن الولايات المتحدة والصين، فسوف تكون أوربا هي إحدى الأقطاب الجديدة في العالم. وهذا يمكن أن يزيد من احتقان التوترات عبر الأطلنطي فيما بين الولايات المتحدة والعديد من دول أوربا، مثل فرنسا وألمانيا، على نحو ما شهدناه في قمة مجموعة العشرين في بداية شهر ابريل الحالي. كما يُتوقع لكل من اليابان والهند وروسيا والبرازيل أن تكون من اللاعبين الأساسيين على قمة مائدة الكبار.
أما دول منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا وبقية أمريكا اللاتينية، فللأسف الشديد من غير المحتمل أن يكون لها تأثيرا يذكر في هذا الخصوص. وهكذا لا نجد لمصر دورا يذكر على صعيد الدول الفاعلة في المستقبل المنظور. ولعل هذا الأمر يضاعف من المسئولية الملقاة على عاتق مصر للخروج من هذا النفق المظلم، والإسراع بعملية التنمية الشاملة التي تعتمد على التعليم والتدريب للقوى البشرية كركيزة أساسية إذا كان لها أن تجد موطأ قدم في العالم الجديد الذي تتشكل ملامحه الآن.
ومن الواضح أن مجموعة الدول السبع الصناعية الكبار، ومجموعة الثماني التي تضم روسيا، كانتا من أوائل ضحايا الأزمة الاقتصادية. وبدون وجود الصين والهند على مائدة الكبار، لا يمكن للدول الصناعية القديمة أن تتعامل مع الأزمة المالية. ولذا فقد أصبح من الضروري وجود شكل جديد لهيكل الحوكمة العالمية بحيث يعكس عملية إعادة توزيع القوى، ويوفر صيغة ما من التوجيه والتنظيم. ومن هنا ندرك السبب في اضطلاع مجموعة العشرين بمهمة مناقشة سبل الخروج من الأزمة الحالية، ووضع إطار لشكل النظام العالمي الجديد.
على أنه يجب أن يظل معلوما أن عملية الانتقال لن تكون بالسهلة وأن الهبوط لن يكون مريحا. ووفقا لتقرير مجلس الاستخبارات القومي الأمريكي: " فإنه من الناحية التاريخية، كان بزوغ النظم المتعددة القطبية ينتج عنه من أسباب عدم الاستقرار ما لا تحدثه النظم أحادية أو ثنائية القطبية. وعلى الرغم من التقلب المالي الراهن، فإننا لا نعتقد أننا باتجاه انهيار كامل للنظام الدولي، على نحو ما حدث في الفترة 1914 – 1918، حينما فشلت الصيغة الأولى من العولمة. ومع ذلك، فإن العشرين عاما القادمة من الانتقال ستكون محفوفة بالكثير من المخاطر ".