منتديات الحوار الجامعية السياسية

شخصيات صنعت التاريخ

المشرف: بدريه القحطاني

#53840
سياسته الخارجية

مثلما كان لعمر بن عبد العزيز وقفته في السياسة الداخلية، ليعيد ما اعوج من الأمور إلى نصابه، ويحاول إصلاح ما رآه انحرافًاً عن الجادة سواء في الناحية الإدارية أو المالية أو غيرها، كذلك كانت له وقفة مماثلة في السياسة الخارجية. فقد رأى أن مساحة الدولة قد اتسعت، وأن أطرافها قد ترامت وتباعدت، ولعل كثيراً من المشاكل والأخطاء التي وقع فيها بعض الولاة قد نشأت عن هذا الاتساع الكبير في مساحة الدولة، فكل إقليم كان يضيف إلى مشاكل الدولة عبئًا جديدًا. إلى جانب الأعباء المالية التي كانت تثقل كاهل خزينة الدولة.


فقد خاضت الدولة الأموية حروباً خارجية وداخلية كلّفت ميزانية الدولة الشيء الكثير، منها حملة القسطنطينية زمن سليمان بن عبد الملك، حيث كلفت الكثير من الأموال والشهداء دون جدوى. فما كان من عمر بعد استخلافه إلا أن أرسل كتاباً يأمر فيه مسلمة بن عبد الملك قائد الحملة بالعودة بعد أن أصاب الجيش ضيق شديد.

وقد أدّت سيرة عمر وسياسته إلى استقرار الأوضاع الداخلية، وتوقفت الحروب والفتن.


أيضاً نتج عن إيقاف الحروب والفتن إيجاد مناخ عام من الراحة والطمأنينة والاستقرار؛ ساهم في النمو الاقتصادي للدولة وتحسين أوضاع الطبقات الفقيرة والمحتاجة.


فرأى أنه من الحكمة إيقاف الفتوحات، أو الحد منها على الأقل؛ لأن التوقف عند حدود ما فتح من بلاد وأقاليم، والعمل على حَلِّ مشاكلها، وعرض الإسلام عليها بأسلوب حكيم دقيق، وقدوة حسنة، سوف يكون أجدى من المضي في الفتوحات. بل ربما لا تكون هناك حاجة بعد ذلك إلى فتح جديد؛ لأن الناس سيقبلون على الإسلام من تلقاء أنفسهم؛ لأنهم سيجدون فيه كل ما يرضيهم روحياً ومادياً، وما يحقق سعادتهم في الدنيا والآخرة.


وقد تحقق ما تصوره في ذلك وزادت حركة الإقبال على الإسلام في البلاد المفتوحة في عهده زيادة كبيرة. وأخذ عمر في إرسال الدعاة من خِيرَة العلماء ليدعوا الناس إلى الإسلام، بدلاً من إرسال الجيوش للفتح.


كما بدأ يرسل الكتب إلى الملوك والأمراء المعاصرين يدعوهم إلى الإسلام فأرسل إلى أمراء ما وراء النهر، وإلى ملوك السند، يدعوهم إلى الإسلام والطاعة على أن يملكهم على بلادهم، ويكون لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم، فلما وصلتهم رسائله وكانت قد بلغتهم سيرته وعدله، فقبلوا وأسلموا، وتسموا بأسماء عربية.. كما أرسل إلى إمبراطور الدولة البيزنطية يدعوه إلى الإسلام.


ولقد تمتَّع الخليفة عمر بن عبد العزيز بسمعة طيبة، تجاوزت حدود الدولة الإسلامية، فتروي المصادر التاريخية أنه حينما وصل الوفد الذين أرسلهم عمر إلى إمبراطور الروم لدعوته إلى الإسلام جاءت الأخبار إلى الإمبراطور من عيونه بوفاة عمر، فأرسل يستدعي رئيس الوفد، فلما مَثُلَ بين يديه سأله الإمبراطور: "أتدري لم بعثت إليك؟، قال: لا. فقال: إن صاحب مسلحتي كتب إليَّ أن الرجل الصالح عمر بن عبد العزيز مات، قال: فبكيت واشتد بكائي، وارتفع صوتي، فقال لي: ما يبكيك؟، ألنفسِك تبكي أم له أم لأهل دينك؟. فقال: لكلٍّ أبكي. قال: فابكِ لنفسك، ولأهل دينك، أما عمر فلا تبكِ عليه، فإن الله لم يكن ليجمع عليه خوف الدنيا وخوف الآخرة. ثم قال: ما عجبت لهذا الراهب الذي تعبَّدَ في صومعته وترك الدنيا، ولكن عجبت لمن أتته الدنيا منقادة، حتى صارت في يده ثم تخلى عنها".


ثم يضيف الإمبراطور: "ولقد بلغني من بِرِّه وفضله وصدقه ما لو كان أحد بعد عيسى يحيي الموتى، لظننت أنه يحيي الموتى، ولقد كانت تأتيني أخباره باطناً وظاهراً، فلا أجد أمره مع ربه إلا واحداً، بل باطنه أشد حين خلوته بطاعة مولاه".