منتديات الحوار الجامعية السياسية

على مقهى الحياة

المشرفون: عبدالله العجلان،عبد العزيز ناصر الصويغ

By عبدالله حسين العنزي1
#53903
رسَّخ الدستـُور الفدرالي الأول لعام 1848 الهياكل السياسية لسويسرا. لكن الأساطير الشعبية المُتداولة تقول إن تلك الهياكل تعود إلى زمن أقدم بكثير، حيث تروي أن القرويين في سويسرا الوسطى تعهدوا عام 1291 بإنشاء تحالف دائم جمع الكانتونات الثلاثة الأولى: يوري، وشفيتس، وأونترفالدن.

كان يهدف ميثاق التحالف أساسا إلى التحرُّر، ولو بقدر محدود، من هيمنة سادة أسرة "هابسبورغ" النمساوية المُُبغَضين من الشعب. وبحلول عام 1513، اتسعت رقعة التحالف لتشمل 13 كانتونا.

الدفاعُ الجماعي عن استقلال المزارعين من قبضة الزعماء الإقطاعيين مثـّل المرحلة الأولى من ميثاق التحالف. أما المرحلة الموالية فتميزت بالنشاطات التوسعية السويسرية التي استمرت إلى أن اصطدمت بجدار القادة الأوروبيين الذين وضعوا حدا لها.

ويَعتبرُ المؤرِّخون الهزيمةَ السويسرية في معركة "مارينيون" في شمال إيطاليا عام 1515 ذروة التطلعات التوسعية السويسرية، إن لم تكن آخرها.

وتُعد تـلك المرحلة البداية الفعلية للحياد السويسري الذي تم التوقيع عليه لاحقا من قبل القوى العظمى في مؤتمر فيينا عام 1815.

وكانت حركةُ الإصلاح الديني البروتستانتي والحركة المعارضة قد اكتسحتا مختلف أرجاء البلاد إلى أن اندلعت حرب أهلية قصيرة عام 1847. وشمل النزاع بين الكانتونات المُحافـِظة الكاثوليكية السبعة والكانتونات البروتستانتية الليبرالية التي ناهز عددها الإثنتي عشر، المناطق الحضرية وتلك التي أثار فيها احتلال نابوليون بونابارت إصلاحات ديمقراطية في بداية القرن التاسع عشر.

التوافق السياسي

من المبادئ الأساسية للحكومة السويسرية المُكونة من أربعة أحزاب تحقيقُ التوافق بينها وإظهارُ ذلك أمام البرلمان والشعب. ويتم غالبا التوصل إلى ذلك التوافق بعد نقاش طويل ومعمق. وليس نادرا أن يـُضطر بعض الوزراء إلى تمثيل سياسات الأغلبية في الحكومة، دون أن يعني ذلك بالضرورة أن تلك السياسات تتوافق مع وجهة نظرهم الخاصة. إذ يحدث مثلا أن يتعارض موقف وزير ما من بعض القضايا مع موقف الحزب الذي ينتمي إليه.

لكن سويسرا لا تتوفر على حكومة إئتلافية. ولا يوجد بالتالي أي برنامج مُتفق عليه من طرف أحزاب مختلفة، ولا يمكن أن تخضع الحكومة للضغط من قبل تحالفات حزبية.

ما يشبه في سويسرا طبيعة عمل حكومة ائتلافية هو إعداد الوزراء لتقرير مُشترك، لكن غير مُلزم، يعرض الأهداف الحكومية للدورة التشريعية التي تتواصل أربعة أعوام. وقد حاول البرلمان في السنوات الأخيرة الضغط على الحكومة من أجل تقديم برنامج تشريعي حقيقي، لكن مسعاه باء بالفشل.

رغم عدم تقاضيهم لرواتب خيالية، يظل دخل الوزراء السويسريين جيدا إذ يناهز 400 ألف فرنك في العام. ويتمتع أعضاء الحكومة بمقام اجتماعي عال. ومع ذلك، ليس غريبا مصادفتهم في الأماكن العامة أو في وسائل النقل العمومية التي يستقلونها في بعض الأحيان للذهاب إلى العمل.

غير أن الحصول على مقعد في الحكومة ليس مأمورية سهلة. فالنظام السويسري يقوم على قوانين مكتوبة وأخرى تقليدية مُتفق عليها فقط، لكن لها وزن أكيد. ووفقا للقواعد التقليدية التي حرص البرلمان دائما على احترامها، هنالك سعي جاد لمراعاة التوازن بين مختلف الأحزاب والمناطق اللغوية السويسرية في الحكومة. يكفي أن يصل المرشح إذن في الوقت المناسب، ومن المنطقة المناسبة والحزب المناسب.


الحكومة

السلطة التنفيذية مُخولة لأعضاء الحكومة السبعة الذين يُشكلون ما يُـُسمى حرفيا بـ"مجلس الحكم الفدرالي" (الحكومة الفدرالية). يتم انتخاب الأعضاء، وإعادة انتخابهم لأكثر من مرة من طرف مجلسي النواب والشيوخ. ونادرا جدا ما تتم إقالة عضو في الحكومة من منصبه من قـِبَل البرلمان الفدرالي في برن.

تـُجرى الانتخابات لتجديد البرلمان كل أربعة أعوام. وليس غريبا أن يظل أعضاء الحكومة في مناصبهم الوزارية لمدة تستغرق عشر سنوات أو أكثر، رغم أن معظمهم ينتقل من وزارة لأخرى خلال فترة الاعتماد.

نظريا، يمكن لأي سويسري راشد أن يصبح عضوا في الحكومة. لكن على المستوى التطبيقي، تبدو العضوية في أحد الأحزاب الأربعة - المُمـَثلة في الحكومة منذ الحرب العالمية الثانية- فرصة النجاح الوحيدة للالتحاق بالحكومة.

في عام 1959، اعتمد تحوير حكومي يُسمى بـ"الصيغة السحرية": 2-2-2-1، أي مقعدان في الحكومة للحزب الراديكالي، ومقعدان للحزب الاشتراكي، ومقعدان للحزب الديمقراطي المسيحي، ومقعد واحد لحزب الشعب السويسري، الذي كان يُدعى آنذاك "حزب المزارعين والحرفيين".

توزيع المقاعد الحكومية عـَكـَس في الواقع القوة التناسبية لأبرز الأحزاب في البرلمان. وقد أدى النمو المتزايد لحزب الشعب السويسري (يمين متشدد) خلال الدورتين التشريعيتين الأخيرتين إلى تخلي الحزب الديمقراطي المسيحي عن مقعد في الحكومة لصالح حزب الشعب بعد الانتخابات التشريعية لعام 2003.

وفي حدث نادر عقب تلك الانتخابات، وبعد صراع داخل حزبها (الحزب الديمقراطي المسيحي- وسط يمين)، اضطرت وزيرة العدل والشرطة روت ميتسلر إلى مغادرة الحكومة بعد أربع سنوات فقط من تنصيبها، وحل محلها كريستوف بلوخر، أبرز رموز حزب الشعب السويسري.

وبذلك ضمت "الصيغة السحرية" للحكومة للمرة الأولى منذ اعتمادها مقعدين لحزب الشعب السويسري ومقعدا واحدا فقط للحزب الديمقراطي المسيحي. مما يدل على أن الحكومة السويسرية مازالت تعكس القوة التناسبية للأحزاب.