منتديات الحوار الجامعية السياسية

الوقائع و الأحداث التاريخية
#53961
الاتهام الحقيقي هو أن إيران تتدخل في الشؤون الداخلية لليمن»، هكذا قال وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل في رده على الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد الذي ندد بما سماه «التدخل العسكري السعودي» ضد المسلحين الحوثيين في اليمن. وهذا أمر جديد لم يجرؤ الكثيرون على الحديث به في العلن، بما في ذلك الولايات المتحدة الأميركية ذاتها. وعندما يتحدث الفيصل عن إيران لا بد لنا أن نستمع جيدا، فليست هذه هي المرة الأولى التي يطلق فيها الفيصل إنذارا، وغالبا ما تتبع إنذاراته تحركات قوى أكبر وأعظم. يوم تصريحه هذا تذكرت ما قاله الأمير سعود الفيصل ردا على سؤال لأحد الحاضرين أثناء كلمة ألقاها الأمير يوم 21 سبتمبر (أيلول) 2005، أمام معهد «بيكر للسياسات» بمدينة هيوستن: «إيران سيطرت على جنوب العراق، ويا للسخرية! تحت حماية القوات الأميركية». جاءت عبارته يومها ضمن سياق قلق سعودي من السلوك الإيراني في المنطقة تحدث عنه الأمير في نيويورك قبل محاضرة هيوستن بأيام.

يومها كان الأمير سعود الفيصل يلقي محاضرته بعنوان «السياسة النفطية السعودية»، ولا دخل لإيران والعراق بهذا الموضوع، إذا أخذنا الأمر على جليته، وكان السيد إدوارد جيرجيان، مدير معهد «بيكر»، واقفا يقرأ الأسئلة على الأمير، فانتقى الأمير من ضمن الأسئلة الكثيرة سؤالا عن العراق وحوله في حديث عن التغلغل الإيراني في الجنوب، وأطال الإجابة وشرح وفسر، وعيناه على السيد جيرجيان، وكأنما يحدثه حديثا خاصا بين رجلين من محترفي العمل الدبلوماسي، ولكن ليس للنشر، هذا ما جعل مدير معهد «بيكر» قلقا، إذ ظن أن الأمير نسي أنه أمام جمهور عام، ولا أدري ما دار بعد ذلك بين السفير والأمير، ولكنني قلت لإدوارد جيرجيان بعدها: «إن كل هذا الخطاب، وكل هذا المشوار الذي قطعه الأمير من نيويورك إلى تكساس، لم يكن للحديث عن النفط وسياساته وإنما كان للحديث عن التغلغل الإيراني في جنوب العراق، فإما أنك متفق معه على ذلك قبل المحاضرة، أو أنه كان سيجيب عن السؤال حتى لو لم تسأله».

ورغم أن مراسل «الشرق الأوسط»، هو الذي سأل الأمير عن إيران، فإن رد سعود الفيصل، يوحي بأنه كان قاصدا التطرق إلى هذا الأمر حتى لو لم يسأله عنه صحافي. وهذا لا يقلل من ذكاء الصحافي الذي سأل السؤال، ولكن يضعنا أمام حصافة رجل في رده على سؤال لأحد الحاضرين أثناء كلمة ألقاها الأمير يوم 21 سبتمبر 2005، أمام معهد «بيكر للسياسات» بمدينة هيوستن، بعد كلمة الفيصل الفارقة هذه، تدافعت السياسات العالمية في منحى التشدد تجاه النظام الإيراني، بعدها جاء الضغط على إيران من كل الأركان، في كلمات توني بلير التي أطلقها من 10 داوننغ ستريت، وفي خطاب الرئيس جورج بوش الذي ألقاه في واشنطن يوم الخميس السادس من أكتوبر (تشرين الأول) 2005، والذي اتهم فيه بوش نظام إيران بأنه حليف للجماعات الإرهابية. فهل ستتدافع الاتهامات باتجاه طهران هذه المرة بتشدد في مؤتمر اليمن الذي سيعقد في لندن يوم 27 يناير (كانون الثاني) 2010 بنفس الطريقة التي تبعت فيها تصريحات الأمير في عام 2005؟ ظني أن الرياح تتجه في هذا المسار. ربما يكون من السخف أن نقول إن سعود الفيصل هو المحرك الرئيس لتبني هذه السياسة تجاه إيران، ولكن يجب ألا نستخف بدور سياسي محنك أدار سياسة المملكة الخارجية على مدى ثلاثين عاما، أن يحرك العالم لخدمة مصالحه.

«الحوثيون أنفسهم لا يقولون إن السعودية تحاربهم، الاتهام الحقيقي هو أن إيران تتدخل في الشؤون الداخلية لليمن، وهذا لا يمكن أن يغطي عليه اتهام الآخرين بهذا الشأن»، هكذا كان رد الأمير على تصريحات الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد يوم الأربعاء قبل الماضي، صراحة لا لبس فيها في الوقت الذي تردد فيه كثيرون في الإشارة بأصابع الاتهام إلى إيران.