- الجمعة سبتمبر 28, 2012 5:49 pm
#54004
خلال الشهر الماضي أصدر الشيخ هاشمي رفسنجاني، الجزء السابع من سلسلة مذكراته تحت عنوان «يد القدر» هذا الجزء - كباقي أجزاء السيرة التي بدأ في إصدارها قبل عدة أعوام - يحمل أهمية خاصة لأنه يعالج مرحلة حساسة (1988 - 1989)، والتي خلالها توقفت الحرب العراقية - الإيرانية، وتوفي آية الله الخميني، وتم تنصيب آية الله علي خامنئي، كما تم فيها قطع العلاقات السعودية - الإيرانية بعد حادثة الحج الشهيرة، وكذلك صدور فتوى قتل سلمان رشدي. مذكرات رفسنجاني أثارت ولا تزال الجدل بين رموز النظام الحالي والقديم، فالبعض اتهم «الشيخ الرئيس» بتحريف الحقائق، وآخرون اعتبروا المذكرات محاولة منه لتبرئة نفسه من بعض الأعمال «المشينة» التي ارتكبها النظام في حق المعارضين في الداخل والخارج، لا سيما عزل المرجع آية الله منتظري، والحكم بالإعدام في حق زوج ابنته. بالإضافة إلى سلسلة اغتيالات في حق مثقفين وصحافيين هزت إيران خلال نهاية التسعينات. لا شك أن رفسنجاني يريد من خلال نشر هذه المذكرات تجلية دوره في الثورة، وإثبات قربه من الخميني، بل ودوره الحيوي في الانتصار لخلافة خامنئي في مواجهة تيار منتظري.
هذه الشهادة ضرورية في وقت تم فيه القبض على ابنته فايزة وأخيها مهدي -العائد من الندن بعد غياب ثلاثة أعوام- وإيداعهم سجن «إيفين» سيئ السمعة.
لقد تعرض رفسنجاني للتهميش والهجوم من قبل حكومة الرئيس أحمدي نجاد وعدد من الملالي الموالين للمرشد، نظراً لموقفه المتعاطف مع مظاهرات عام 2009، ولأجل ذلك اضطر للاستقالة من منصبه في مجلس الخبراء، ويبقى منصبه في «مجمع تشخيص مصلحة النظام» بيد المرشد الذي يملك عزله في أي وقت. صحيح، أن رفسنجاني حاول الابتعاد عن الحركة الخضراء خلال العامين الماضيين، وخفف من شدة انتقاداته للرئيس نجاد، واستعاد بشكل لا يخلو من الابتذال حماسته الخطابية المعهودة ضد الولايات المتحدة والموقف الغربي، على الرغم من أنه كان عراب الدعوة للمصالحة مع أميركا منذ عام 1998. صمت رفسنجاني عن اعتقال مهدي كروبي وحسين موسوي أفقده الكثير من الشعبية، ولم تشفع له هذه المواقف حتى لدى التيار المحافظ الذي بات يعتبره تركة «ثقيلة»، ويستهدف أبناءه قضائياً. هناك من يرى أن بقاء رفسنجاني يعود إلى عدم رغبة المرشد في تحقيق إرادة المحافظين في القضاء عليه حفاظاً على التوازن، وأن المرشد يفضل أن يكون رفسنجاني - الذي لم يعد يملك أملاً سواه - تحت تصرفه بدل أن يلجأ الأخير لكشف التاريخ المشترك بينهما، ولعل ما يميز الجزء الذي بين أيدينا هو تعمد رفسنجاني الحديث عن خامنئي بشكل مجامل، وفي إطار حديث مرؤوس عن رئيسه الذي يفوقه قدراً ومقاماً. وعودا إلى المذكرات، فإنها رغم النقد المشار إليه، تحمل مدخلاً مهماً لفهم السياسة الإيرانية، وآليه اتخاذ القرار في الجمهورية الإسلامية. ليس هذا وحسب، بل إنها تكشف عن وجود صراع دائم بين مؤسسات الدولة والشبكات (غير الرسيمة) لأجهزة الثورة. لو اعتمدنا تقسيم الكاتب البارز أمير طاهري بين «إيران الدولة» و«إيران الثورة»، فبإمكاننا أن نلاحظ أن السياسة الخارجية لإيران مصابة إذا صح القول بـ«انفصام في الشخصية»، حيث تريد إيران الدولة بمؤسساتها التاريخية المصالحة مع العالم الخارجي، بينما إيران الثورة ترغب في أن تعيش البلد حالة «رهاب» وشك تجاه الخارج، لكي يمكن تبرير نشاطات الحرس الثوري وموازناته المرتفعة بدعوى حماية الدولة من العدوان الخارجي. في موضوع العلاقات السعودية - الإيرانية يلاحظ وجود تيارين داخل المؤسسة الرسمية أحدهما يرغب في علاقات جيدة مع السعودية، ويبرر ذلك بأن معاداتها يعرض إيران لعزلة إقليمية، ويدفع بالدول الإسلامية (السنية) للاصطفاف معها ضد إيران لأسباب طائفية، وما هو أهم من ذلك أن مشاكسة السعودية، يجعل التعاون في تحديد أسعار النفط من خلال «إوبك» مستحيلاً، فضلاً عن أن تهديد السعودية من قبل بعض المتشددين في إيران، يدفعها نحو التسلح، ومساعدة دول - مثل العراق في الثمانينات - لمحاصرة التمدد الإيراني. أيضاً، تكشف مذكرات رفسنجاني أن الحكومة الرسمية - غالباً - لا تعرف ماذا يدور في داخل الحرس الثوري الذي يتلقى توجيهاته المباشرة من قبل المرشد وحده، وأن جل العمليات التي ينفذها الحرس في الداخل والخارج، لا يتم إطلاع الرئيس عليها أحياناً إلا بعد حدوثها مما يحرج الحكومة ويضطرها لمواجهة الأزمة الدبلوماسية من دون معين، وتشمل تلك الحوادث ضرب حاملة النفط الكويتية في، وإرسال متفجرات إلى السعودية في حقائب، أو تنفيذ عملية في ألمانيا. وهنا اختار للقارئ بعض أهم المقتطفات الواردة في المذكرات: يقول رفسنجاني: «قال لي خامنئي أن مبعوث القذافي جاء لزيارته في طهران، وقدم اقتراحا من القذافي يقتضي أن توقف إيران مع العراق، وتهاجم بعد ذلك السعودية. ولكن رفضنا هذا الطلب» (18 أكتوبر/ تشرين الأول 1987). أيضاً: «جاء السيد حسيني شاهرودي، النائب في البرلمان لزيارتي. قال لي يعتقد نحن، أيضا - أي إيران - ينبغي أن يلقى علينا اللوم في الحادث الذي وقع في الحج» (16 سبتمبر/أيلول 1987).
وحول قطع العلاقات يقول: «لقد أبلغنا د. ولايتي أن السعودية تعتزم قطع العلاقات مع إيران، وأن ذلك من شأنه يعرضنا لضغوط كبيرة» (27 أبريل/ نيسان 1988). ويروي رفسنجاني: «لقد اتصل بي د. ولايتي ليلاً، وأخبرني أنه التقى عبدالحليم خدام في سوريا، وأن الأخير قال له إن السعودية تعتقد بإن إيران تحضر للهجوم عليها. وعد ولايتي نظيره السوري برد رسمي لتبديد المخاوف. أضاف خدام بأنه لا يعتقد بأن هذا أمر جيد قبيل اجتماع القادة العرب المرتقب. طلبت من ولايتي أن يتريث لعدة أيام قبل أن يرد على السوريين بشأن هذ الأمر» (2 أكتوبر1987). في موضوع آخر يكتب رفسنجاني قائلا:« لقد أوصل السيد أحمد الخميني رسالة الإمام والتي تقضي أن تتوقف الصحافة الإيرانية عن انتقاد السعودية بعد أن إلتزم الملك فهد وعده بوقف انتقاد صحافة بلاده لإيران» (22 أكتوبر 1988). مضيفا: «حذر السيد مصطفى تاج زاده نائب وزير الإرشاد من الدعاية ضد السعودية، ويعتقد أن هذه الدعاية توقظ النعرات الطائفية، ولا تخدم أياً من الطرفين، بل إن السعودية تتفوق في الصرف على الدعاية المضادة لإيران في عموم العالم الإسلامي» (4 أكتوبر 1988). لذا، فإن في جعبة رفسنجاني كثيرا من الأسرار التي لم يكشف عنها بعد، وربما إن فعل، فسيهز هذا عرش المرشد بحكم التاريخ المشترك بينهما.
عادل الطريفي
الاربعاء ١٠/١١/١٤٣٣
٢٦/٩/٢٠١٢
جريدة الشرق الاوسط
http://www.aawsat.com/leader.asp?sec...&issueno=12356
هذه الشهادة ضرورية في وقت تم فيه القبض على ابنته فايزة وأخيها مهدي -العائد من الندن بعد غياب ثلاثة أعوام- وإيداعهم سجن «إيفين» سيئ السمعة.
لقد تعرض رفسنجاني للتهميش والهجوم من قبل حكومة الرئيس أحمدي نجاد وعدد من الملالي الموالين للمرشد، نظراً لموقفه المتعاطف مع مظاهرات عام 2009، ولأجل ذلك اضطر للاستقالة من منصبه في مجلس الخبراء، ويبقى منصبه في «مجمع تشخيص مصلحة النظام» بيد المرشد الذي يملك عزله في أي وقت. صحيح، أن رفسنجاني حاول الابتعاد عن الحركة الخضراء خلال العامين الماضيين، وخفف من شدة انتقاداته للرئيس نجاد، واستعاد بشكل لا يخلو من الابتذال حماسته الخطابية المعهودة ضد الولايات المتحدة والموقف الغربي، على الرغم من أنه كان عراب الدعوة للمصالحة مع أميركا منذ عام 1998. صمت رفسنجاني عن اعتقال مهدي كروبي وحسين موسوي أفقده الكثير من الشعبية، ولم تشفع له هذه المواقف حتى لدى التيار المحافظ الذي بات يعتبره تركة «ثقيلة»، ويستهدف أبناءه قضائياً. هناك من يرى أن بقاء رفسنجاني يعود إلى عدم رغبة المرشد في تحقيق إرادة المحافظين في القضاء عليه حفاظاً على التوازن، وأن المرشد يفضل أن يكون رفسنجاني - الذي لم يعد يملك أملاً سواه - تحت تصرفه بدل أن يلجأ الأخير لكشف التاريخ المشترك بينهما، ولعل ما يميز الجزء الذي بين أيدينا هو تعمد رفسنجاني الحديث عن خامنئي بشكل مجامل، وفي إطار حديث مرؤوس عن رئيسه الذي يفوقه قدراً ومقاماً. وعودا إلى المذكرات، فإنها رغم النقد المشار إليه، تحمل مدخلاً مهماً لفهم السياسة الإيرانية، وآليه اتخاذ القرار في الجمهورية الإسلامية. ليس هذا وحسب، بل إنها تكشف عن وجود صراع دائم بين مؤسسات الدولة والشبكات (غير الرسيمة) لأجهزة الثورة. لو اعتمدنا تقسيم الكاتب البارز أمير طاهري بين «إيران الدولة» و«إيران الثورة»، فبإمكاننا أن نلاحظ أن السياسة الخارجية لإيران مصابة إذا صح القول بـ«انفصام في الشخصية»، حيث تريد إيران الدولة بمؤسساتها التاريخية المصالحة مع العالم الخارجي، بينما إيران الثورة ترغب في أن تعيش البلد حالة «رهاب» وشك تجاه الخارج، لكي يمكن تبرير نشاطات الحرس الثوري وموازناته المرتفعة بدعوى حماية الدولة من العدوان الخارجي. في موضوع العلاقات السعودية - الإيرانية يلاحظ وجود تيارين داخل المؤسسة الرسمية أحدهما يرغب في علاقات جيدة مع السعودية، ويبرر ذلك بأن معاداتها يعرض إيران لعزلة إقليمية، ويدفع بالدول الإسلامية (السنية) للاصطفاف معها ضد إيران لأسباب طائفية، وما هو أهم من ذلك أن مشاكسة السعودية، يجعل التعاون في تحديد أسعار النفط من خلال «إوبك» مستحيلاً، فضلاً عن أن تهديد السعودية من قبل بعض المتشددين في إيران، يدفعها نحو التسلح، ومساعدة دول - مثل العراق في الثمانينات - لمحاصرة التمدد الإيراني. أيضاً، تكشف مذكرات رفسنجاني أن الحكومة الرسمية - غالباً - لا تعرف ماذا يدور في داخل الحرس الثوري الذي يتلقى توجيهاته المباشرة من قبل المرشد وحده، وأن جل العمليات التي ينفذها الحرس في الداخل والخارج، لا يتم إطلاع الرئيس عليها أحياناً إلا بعد حدوثها مما يحرج الحكومة ويضطرها لمواجهة الأزمة الدبلوماسية من دون معين، وتشمل تلك الحوادث ضرب حاملة النفط الكويتية في، وإرسال متفجرات إلى السعودية في حقائب، أو تنفيذ عملية في ألمانيا. وهنا اختار للقارئ بعض أهم المقتطفات الواردة في المذكرات: يقول رفسنجاني: «قال لي خامنئي أن مبعوث القذافي جاء لزيارته في طهران، وقدم اقتراحا من القذافي يقتضي أن توقف إيران مع العراق، وتهاجم بعد ذلك السعودية. ولكن رفضنا هذا الطلب» (18 أكتوبر/ تشرين الأول 1987). أيضاً: «جاء السيد حسيني شاهرودي، النائب في البرلمان لزيارتي. قال لي يعتقد نحن، أيضا - أي إيران - ينبغي أن يلقى علينا اللوم في الحادث الذي وقع في الحج» (16 سبتمبر/أيلول 1987).
وحول قطع العلاقات يقول: «لقد أبلغنا د. ولايتي أن السعودية تعتزم قطع العلاقات مع إيران، وأن ذلك من شأنه يعرضنا لضغوط كبيرة» (27 أبريل/ نيسان 1988). ويروي رفسنجاني: «لقد اتصل بي د. ولايتي ليلاً، وأخبرني أنه التقى عبدالحليم خدام في سوريا، وأن الأخير قال له إن السعودية تعتقد بإن إيران تحضر للهجوم عليها. وعد ولايتي نظيره السوري برد رسمي لتبديد المخاوف. أضاف خدام بأنه لا يعتقد بأن هذا أمر جيد قبيل اجتماع القادة العرب المرتقب. طلبت من ولايتي أن يتريث لعدة أيام قبل أن يرد على السوريين بشأن هذ الأمر» (2 أكتوبر1987). في موضوع آخر يكتب رفسنجاني قائلا:« لقد أوصل السيد أحمد الخميني رسالة الإمام والتي تقضي أن تتوقف الصحافة الإيرانية عن انتقاد السعودية بعد أن إلتزم الملك فهد وعده بوقف انتقاد صحافة بلاده لإيران» (22 أكتوبر 1988). مضيفا: «حذر السيد مصطفى تاج زاده نائب وزير الإرشاد من الدعاية ضد السعودية، ويعتقد أن هذه الدعاية توقظ النعرات الطائفية، ولا تخدم أياً من الطرفين، بل إن السعودية تتفوق في الصرف على الدعاية المضادة لإيران في عموم العالم الإسلامي» (4 أكتوبر 1988). لذا، فإن في جعبة رفسنجاني كثيرا من الأسرار التي لم يكشف عنها بعد، وربما إن فعل، فسيهز هذا عرش المرشد بحكم التاريخ المشترك بينهما.
عادل الطريفي
الاربعاء ١٠/١١/١٤٣٣
٢٦/٩/٢٠١٢
جريدة الشرق الاوسط
http://www.aawsat.com/leader.asp?sec...&issueno=12356