صفحة 1 من 1

الدول الذكية والدول النصف ذكية والدول الغبية

مرسل: السبت سبتمبر 29, 2012 11:49 am
بواسطة عبدالعزيز البطين
..

عبارة دول العالم الثالث التى أطلقها الفرنسي الفريد سوفيه فى خمسينات القرن الماضي والتى تم استبدالها دبلوماسيا بمرور الوقت بالعالم النامي على الدول التى تعتمد على الزراعة بالطرق البدائية أو تلك التى تستورد أكثر مما تنتج أو تلك التى ليست لها مصادر إنتاج متعددة أو تلك التى تعتمد على دخل قومي هش ومن ثم ينسحب الأمر بعد ذلك على قائمة طويلة من المقاييس والمعايير العلنية والضمنية والشكلية التى تتغير تباعاً مع كل يوم بل وكل ساعة مع دول العالم الأول أو الدول المتقدمة حتى أصبح من العبث المقارنة أو سد الفجوة بين العالمين لأن العلاقة أصبحت علاقة طردية هذا إذا أخذنا فى الإعتبار التجاهل التام الذى تتعرض له دول العالم الثاني إن صح التعبير وهي الدول التى تقع بين العالمين المتقدم والمتخلف .


ومع الطفرة الرقمية التى إجتاحت العالم فى السنوات القليلة الماضية ومصدرها بالطبع العالم الأول الذى بدأ الآن فى إطلاق جملة من التوصيفات على الأجهزة مثل الهاتف الذكي والبيوت الذكية والسيارات الذكية أو البطاقات الذكية والساعات الذكية والكاميرات الذكية والكتب الذكية وبالتالي سيجد العالم نفسه بصورة لا إرادية فى مقارنة متواصلة ومتسارعة للأشياء والمنتجات التى تغزوه رغماً عنه وستسقط هواتف ومنازل وسيارات كانت حتى الأمس القريب ذكية ( تفهمها وهي طايره ) وأصبحت بين عشية وضحاها متخلفة وعبيطة ولزجة ( زى مُلاح الويكه ) ويجب التخلص منها بإرسالها الى دول العالم المتخلف أو إعادة تدويرها لتدخل فى مجالات صناعية أخرى أكثر ذكاءً وفطنة ، وفى نفس الوقت ستخرج مستحدثات جديدة قد تكون الحذاء الذكي الذى يخاطبك قائلاً قدمك متسخة أغسلها جيداً وجففها قبل أن تضعها فى أحشائي أوالقميص الذكي وهو يصيح لا تلبسنى اليوم فانا غير مناسب لهذا الحفل ، أوالتلفاز الذكي تخيل أن تدخل على صغارك بعد يوم عمل مرهق وما أن تجلس لتشاهد ما الذى حدث ويحدث فى العالم حتى يفاجئك أصغر أبنائك بأن هذا التلفاز ليس ذكياً وعليك شراء آخر ذكي ومن ثم يبدأ فى المقارنة المؤلمة بين الجهازين وهو يحدق فى عينيك بصورة لا تطاق بينما تحاول أن تتفادي نظراته الثاقبة والواثقة التى يحاصرك ويحاصر جيلك بأكمله بها وتتظاهر بأنك مشغول بالأخبار حتى لا يرى الخيبة التى تعلو قسماتك وبالطبع لن تصمد أمامه كثيراً كما لن يصمد الجهاز الغبي طويلاً أمام المزايا والتحسينات التى أدخلت على الجهاز الجديد الذكي ، ثم تتوالى الأشياء الذكية من الطريق الذكي الذى يصرخ فيك من كل جانب أنت غبي لا تدخل فى هذا الطريق والحمامات الذكية التى ما إن تطأ عتبة الحمام حتى تحملك كطفل مدلل وتقلبك كما تفعل الغسالة بالملابس وتجففك بحنية منقطعة النظير ولا تبالي إن لمست الأشياء الحساسة فى جسدك بطريقة عفوية أو مقصودة وما أن تنتهي من عملها ذاك حتى تقول لك إنتهى الدرس يا غبي ماذا تنتظر ، أوالسرير الذكي الذى يخبرك عن درجة الحرارة فى الغرفة ومدى ملائمتها لمزاجك وأن زوجتك اليوم غاضبة والسبب الدورة الشهرية وتحذرك من قول كلمات بعينها أو الصياح أو رفع السبابة فى وجهها والمخدات الذكية التى تطرد الكوابيس وترتفع وتنخفض بما يتلائم وطريقة نومك الى الأقلام الذكية وليس أصحاب الأقلام التى تخبرك بأنك منافق فى هذا المقال وكبير المنافقين فى مقال آخر وإنتهازي هنا ومتسلق هناك ومروراً بالأسلحة الذكية التى تعطيك عدة خيارات قبل أن تطلق النار سواءً عليك إذا رأت أنك تستحق ذلك أو على الأعداء فى حالات أخرى وليس إنتهاءً بالطبع بالأبواب الذكية والمناديل الذكية والنقود الذكية. وتتوالى المستحدثات وتجد نفسك بصورة مباشرة وأخرى غير مباشر فى صراع حقيقي مع الشركات فى عصر العولمة التى تجبرك إن عاجلاً أو آجلاً على تغيير نمط حياتك غصباً وقهراً كل عام أو أقل وإلا ستجد أن هاتفك الجوال الذى اشتريته قبل عدة أشهر بطيئاً وحزيناً ومفخخاً ومحبطاً وغير قابل للتعلم وبالتالى متخلفاً رغماً عنك وعنه وينطبق الأمر بصور جلية على الحاسوب أو اللابتوب إذ تجد نفسك فى لحظة من اللحظات قد تمت السيطرة عليك عبر جهازك الذى بين فخذيك من قِبل الشركة المصنعة التى تطلب منك إدخال الشفرة أو الرقم السري لمنتجها وإلا فان الجهاز يظل جثة هامدة لا يقوى حتى على التنفس الى أن تعيده للفني الذى يستخدم نفس الشفرة والأرقام السرية لمئات الأشخاص إن لم يكن لألوفها جرياً وراء الربح وجمع المال ولا يهمه بعد ذلك إن عكر صفو يومك أو حرقه ، وهذا بالطبع إنتهاك صريح لحقوق الملكية للشركات ويعاقب عليه القانون .



وما أن تتحول الأشياء من حولنا أو تكاد الى ذكية وغبية حتى ينسحب الأمر برمته للدول ويبدأ التصنيف الضمني أولاً بأن هذه دول ذكية ويكون المعيار هنا مدى إنتشار ظاهرة الأشياء الذكية فى الدولة المعنية وتصدر هذه الدولة أو تلك قوانين جديدة يجب تعلمها بمهارة عبر الشبكة العنكبوتية قبل أن ترسل رقم جوازك الذكي لسفارة الدولة المعنية التى تقبل دخولك لأراضيها أو ترفضه وبصورة ذكية طبعاً وتبدأ القوانين الدولية فى التحول والتمحور وتخضع للتمحيص والتفنيد بشكل ذكي وعندها سترهق دول كثيرة فى هذا الماراثون المغلف بالذكاء الذكي وتصبح غبية أو من دول العالم النصف ذكي بلغة دبلوماسية أخرى.